الرياض [email protected] بدعوة كريمة من أبناء بدين ورابطة الإعلاميين في الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية رأينا أبو الجعافر رأي العين، وتأكّد لنا أنّه رجل حقيقيّ وليس خيالاً أو انتحال شخصية، كان ذلك في ليلة من ليالي الرياض الجميلة النادرة في قصر الوناسة. وعلى الرغم من أنّ بين بيتي وهذا القصر ما بين الخرطوم والقطينة يا أبو الجعافر وأنت من مواليد بحر أبيض تعرف تقدير هذه المسافة إلا أنّني حرصت على الحضور لمكانة أبو الجعافر بالطبع، وكنتُ أحسب أنّ الأمر مسامرة، وصيغة "مفاعلة" في اللغة يا أبو الجعافر وأنت خبير بذلك تدل على المشاركة بين شيئين فأكثر، ولكن لم ينل أغلب الجمهور نصيباً مع أبو الجعافر الذي تفرّد بليلته وحده، وكان فارسها بل كان "عروسها" وأنا أريد هذه اللفظة بالفصحي يا أبو الجعافر، وهي من الألفاظ التي تُستخدم للرجل والمرأة بلفظة واحدة على أية حال كان أبو الجعافر "العريس"، ولكنّ كانت الليلة ذات تراب شديد، فقال لي أحد الحضور "العريس ده شكلو بياكل في حلة"، وعلى الرغم من أنّني أتيحت لي فرصة مداخلة وشرفتُ بالسمر مع أبو الجعافر غير أنَي لم أستطع أن أذكّر الجمهور بفعلة العريس وأنتم تعملون أن "أبو الجعافر ممكن أن يُسامر ولكن لا يمكن أن يُعافر" وهو أبو المعافرة والدافوري كلّه بقلمه الذي شهد به العدو قبل الصديق، والغريب قبل القريب. وبهذه المناسبة لا بدّ أن أنوّه بأنّ أبو الجعافر يعدّ مدرسة جديدة في الكتابة الصحفيّة وهذه ليست رشوة لأبو الجعافر حتى نسلم منه ولكن شهادة حقّ، لأنّه استطاع بأسلوبه الساخر أن يُعالج موضوعات جادّة وعميقة، وهو بذلك يُعالج قضايا يعجز أن يعالجها السياسيون والدعاة والأكاديميون والتربويون والمصلحون الاجتماعيون بكافة أشكالهم، وأعطيكم لذلك مثالين؛ الأول قصة المدعو راغب علامة، تذكرون كيف استطاع أبو الجعافر أن يردّ كيده في نحره، ولو قنت لذلك أئمة مساجدنا عاماً، أو شكّلت الحكومة لجنة من لجانها الكثيرة في المفاوضات في الدوحة وغيرها لما استطاعوا أن يفعلوا ما فعله أبو الجعافر مع ذلك المهرّج... "أبو الجعافر يعرف صفاته أكثر منّي"، وأخيراً جعل صاحبنا يعتذر؛ لأنّ أبو الجعافر ما ترك له جنباً ينام عليه. والمثال الثاني مسلسل مهند ونور الذي خرّب بيوت ناس كثيرين، ولولا أبو الجعافر لكانت حالات الطلاق مستمرة حتّى الآن، ولكن أبو الجعافر وزوجه أم الجعافر المسكينة وبالمناسبة أفادنا أنّها لا علاقة لها بالجعافر؛ لأنّ هذا اسم دلع اختاره لنفسه، وليس اسم ابنه الكبير كما يظنّ كثير من إخوتنا الخليجيين لولا أبو الجعافر والمصونة زوجه لبلغت حالات الطلاق رقماً لا يخطر ببال أحد، وكانت الضحايا البسيطات الساذجات اللائي صدقنّ كلام الفضائيات الفضائحيات،،، ألم أقل لكم أبو الجعافر مصلح اجتماعي وداعية وتربوي وود ناس وخير من يجلس في الجودية عندما تقع حالة طلاق؟ في تلك الليلة الرائعة شنّف أبو الجعافر آذاننا بسيرته الثرّة وأخبرنا كيف بدأت معافرته مع الحياة التي بدأت من الطبشورة وانتهت به الآن مديراً لضبط الجودة في قناة الجزيرة، ولكنّ الأهمّ من ذلك كلّه أنّ أبو الجعافر صار الآن واحداً من الأقلام المشهورة في العالم العربي كلّه، فهو ليس ساخراً كما يصفه كثير من الناس، وهو قد فرّق بذكاء رائع في تلك المسامرة بين السخرية والمسخرة، وإنّما هو يعدّ صاحب مدرسة جادة يعالج فيها موضوعاته بأسلوب ساخر، هذه المدرسة امتداد لمدرسة سقراط والجاحظ وطه حسين والعقاد وإبراهيم المازني، فهل يشكّ أحد في جديّة هؤلاء؟ استطاع أبو الجعافر بهذا الأسلوب الرائع المتفرّد أن يدخل كلّ بيت خليجي ليس سائقاً ولا عاملاً ولا مدرّساً خصوصياً، ولكنّه كاتب صاحب رؤية وفكرة ورسالة بأسلوب ساحر وساخر بالحائين المعجمة والمهملة. والحقّ أن أبو الجعافر لم يصل إلى ذلك إلا بقدرات وملكات عديدة، منها أنّه عرف كيف يوظّف هذا الأسلوب الذي بدأ فيه بنفسه؛ إذ إنّ من شروط السخرية، السخرية من الذات، فأبو الجعافر كثيراً ما يسخر من نفسه أو زوجه ليبلّغ رسالته، فهذه أكسبته احتراماً عند قرائه الذين صاروا يقبلون بعد ذلك بما يأتيهم منه. كما أنّ لأبو الجعافر ثقافة واسعة، فهو رجل ذو معرفة واسعة بالتراث العربي، شعره وقصصه وأخباره وحكاياته، كما أنّه على وعي كبير بالتاريخ والجغرافيا والسياسة والفنّ والطبّ وغير ذلك ممّا عزّ على كثير من الناس في هذا الزمان زمان التخصص، وفضلاً عن ذلك كلّه فلأبو الجعافر بيان وفصاحة ولغة سليمة يفتقدها كثير من أهل الصحافة في هذا الزمان. يعني ببساطة "أخونا أبو الجعافر عرف كيف ياكل عيش في الخليج" لأنّه عدّد مهنه، وفي الخليج يشتغل العامل في كلَ شيء إلا الكهرباء وأبو الجعافر يعرف السبب. إنّما يكتبه أبو الجعافر من مقالات نعدّه نحن أهل الأدب من باب السرديات المكتملة البناء، فهي حكاية تامّة بكلّ بشخوصها وأحداثها وحبكاتها وصراعاتها وزمانها ومكانها ومفارقاتها الصورية والتصويريّة، كلّ ذلك يضع أبو الجعافر ضمن المبدعين، لا الصحفيين فحسب. وقد لا يخطر ببال كثير منّا أنّ ما يكتبه حكايات مكتملة الفصول؛ وذلك لأنّنا نعرف شخوصها وأحداثها، ولكن حتماً في الزمان القادم ستكون هذه المقالات من أمتع وأروع وأعمق ما يمكن أن يُدرّس للطلاب لما فيها من عبقرية سرديّة متفرّدة ومعالجة للقضايا الجادّة بأسلوب ماتع، وإن كان ذلك كذلك فقد حان الأوان لتختار كتابات أبو الجعافر ضمن النماذج التي يُدرّب عليها طلاب كليات الإعلام. يمثّل أبو الجعافر واجهة ثقافيّة للسودان أجمع في الصحافة العربيّة، مفيداً من هذه المنابر في تسويق السودان وأهله تسويقاً نحتاج إليه كثيراً خارج الحدود، فهو استطاع بعبقريّة فذّة أن يكسر حاجز أنّه "سوداني"، كأنّما يقول لمن لا يعجبه ذلك: "إنّ بني عمّك فيهم رماح"، فهنيئاً لأهل بدين بهذا الكنز، وهنيئاً للسودان أجمع بهذه العبقريّة.