ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك        أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    بالصور.. اجتماع الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة و عضو مجلس السيادة بقيادات القوة المشتركة    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    محلية حلفا توكد على زيادة الايرادات لتقديم خدمات جيدة    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    شاهد بالفيديو.. لاعبون سودانيون بقطر يغنون للفنانة هدى عربي داخل الملعب ونجم نجوم بحري يستعرض مهاراته الكروية على أنغام أغنيتها الشهيرة (الحب هدأ)    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    الدردري: السودان بلدٌ مهمٌ جداً في المنطقة العربية وجزءٌ أساسيٌّ من الأمن الغذائي وسنبقى إلى جانبه    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    مدير المستشفيات بسنار يقف على ترتيبات فتح مركز غسيل الكلى بالدندر    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    مناوي ووالي البحر الأحمر .. تقديم الخدمات لأهل دارفور الموجودين بالولاية    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة تحليلية لورقة " مبررات الحاجة إلى كيان سياسي جديد" محاولة لتفكيك المقولات والبحث عن الثيمة بقلم أبو البشر أيكر حسب النبي

بادي ذي بدء ، تروم هذه القراءة أن تلقي نظرة نقدية فاحصة على الورقة التي أُعِدت من قِبَل( مجموعة الحوار)(1) تحت العنوان" مبررات الحاجة إلى كيان سياسي جديد "(2) ، وذلك من خلال التطرق إلى المنهجية المستخدمة ، وصور توظيف المفاهيم ، فضلاً عن محاولة استكشاف الثيمة الرئيسية واستشفاف الخطاب الداخلي ، على أن يتم التناول على مرحلتين ، الأولى تتمثل في الولوج المباشر إلى أطروحات الورقة ومحاولة تعيين المحاسن والمثالب ؛ بينما الثانية تحاول عن تجيب عن السؤال المركزي الذي ظل يؤرق الجميع ، ألا وهو : أين المخرج ؟ أو ما هو المسار ؟ وذلك بالتمثيل على قضية دارفور الآنية .
بضد من أي تناول فكري جاد للمشهد السياسي السوداني عمدت الورقة على النهوض برجل واحدة ، وذلك بعد أن قررت مسبقا أن تنظر إلى الجانب المعتم فقط من المشهد الكلي ، حيث نصت على " إن الورقة تركز على السلبيات فقط "(3) وهي منهجية تبدو غريبة ، أو غير معتادة على الأقل ، في أن يتم تناول قضية بهذا الحجم من زاوية واحدة فقط والاستنكاف عن النظر إلى الجانب الآخر من العٌملة . ومن الواضح أن هذا القصور المنهجي كان واقراً في أذهان المُعِدّين ، حيث تتوفر الورقة على إشارات كثيرة تدل على ذلك ، مثل قولهم :" علماً بأن الخلاصة النهائية للحوارات عندما تبلغ مرحلة التصورات النهائية بلا شك ستأخذ في الاعتبار كل الإيجابيات "(4) ، أو قولهم :"لاشك أن هنالك نجاحات كثيرة أيضاً للأحزاب والتنظيمات ، ولكننا بصدد دراسة الجانب السلبي ..." (5) . بيد أنه من العسير –في رأينا- تدارك هذه الثغرة المنهجية ،التي تعمدها المعدون بطوع إرادتهم وبدون مسوغ ، بمثل هذه الإشارات المبتسرة .
مثلب آخر على الورقة - حسب رأينا أيضاً- هو الإمساك ، بدون مبرر كاف ، عن ذكر الأسماء ، أما تبريرها القائم على أن ذلك كان بغرض أن : " ... يسهل علينا تحديد السلبيات لدى كل مجموعة وربط تلك السلبيات مع المبررات المصاغة "(6) ، فتبرير يصعب استيعابه ،لخروجه عن المألوف الذي مؤداه أن تحديد السلبيات سيصبح سهلا وميسوراً عندما نسمي الأشياء بأسمائها ، ونزيل عنها الغموض والالتباس، وعندما ننأى بأنفسنا عن الاستعارات المكنية والإشارات الخفية . وهو السبب – فيما نزعم - اضطرارهم أحيانا إلى مخالفة هذه القاعدة والنزوع إلى التحديد بالعبارات من جنس "( نظام مايو ، ونظام الإنقاذ نماذج حية ) " (7) و " ( مايو والإنقاذ مثالاً )"(8). ويلحظ المرء هنا بأن التمثيل قد شمل " النظم الشمولية" فقط ! كأن عدم ذكر الأسماء مرتبط بخشية ما في مكنون المُعِدين من جانب الأحزاب السياسية .
في السياق السردي تجلت الورقة كمثال حي للعقلية السودانية المستمرأة على الاستسهال والتناول الخارجي ( القشري ) الأمور والاستنكاف عن التجذير والتعمق ، حيث جاءت الورقة محض سرد مرسل واهن التعزيز على طريقة المقالة الصحفية( رصد ورصّ )، فمن البدء إلى الختام أخذت تحوم وتجول حول السوح والسطوح السياسية ، وتتحاشى بشكل مطلق السياق التاريخي ، وتذر وراءها عزيات المركب الاجتماعي الثقافي الذي هو بؤرة كل العلل والأسقام السياسية والثقافية والاجتماعية في السودان ، ثمة استدراكات قليلة هنا وهناك ، كأن المقصود منها قطع الطريق علي نقد/ناقد مفترض يصوب سهامه على هذا العيب القاتل ،وذلك مثل قولهم : " نود أن نوضح بأننا هنا لا نقدم دراسة بمفهوم الدراسات حيث يكون هناك التزام بمنهج إجرائي ضروري ، ولكننا نقدم مختصراً لحقائق من تجارب ووقائع نعتقد بأنها تمثل قاعدة جيدة للحوار عبرها وصولاً إلى تغليب رأي على رأي بقناعة تقود إلى اتخاذ قرار جماعي صائب يمنح الخيار المجمع عليه أياً كان نوعه فرصة النجاح " (9). بداهة ، أن الطرح المنهجي يسبق " مختصر الحقائق" الذي يأتي في نهاية المطاف .
ينقلون عن فولتير إنه قال :"من فضلك إذا أردت أن تتحدث معي حدد مصطلحاتك"!.
بإنزال هذه المقولة على الورقة نجد إن عملية توظيف المفاهيم قد اقتربت من العفوية – إن لم نقل الاعتباطية -. وقد شابت الورقة فوضى عارمة في استخدام المصطلحات وتعميم مرتبك للمفاهيم . إن الاستخدام غير العلمي للمفاهيم قد أضعف خطاب الورقة وأوهن أطروحتها إلى أبعد الحدود.
ولعل من أكثر المصطلحات الموظفة بُعدا عن دلالتها المفهومية هو إطلاق مصطلح "الحركات الثورية "(10) على " الحركات والجماعات المسلحة في دارفور "وصرف النعت " ثوار "(11) على الأفراد المنتمين إليها . وثمة سببين رئيسيين لرفض إنزال هذين المفهومين على الحالة الكائنة في دارفور؛ أولهما : عدم وجود مبرر أخلاقي لاستخدام مفردات مثل ( " الثورة" و"الثوار" )في المناخ الفكري العالمي الحالي لأنها ليست غير مستساغة فقط ، بل هي ممقوتة ومنبوذة في البيئة الفكرية الحالية وغدت من أكثر المصطلحات السياسية والفكرية كساداً وبواراً في سوق المفاهيم الفكرية الحالية ، حيث تكاد تتناص دلالة هذه المفاهيم مع معاني مفردات منفرة من قبيل الحرب والقتل والسحل ، إذا كان من الضروري- والحالة هذه- أن نبتعد عن المصطلحات ذات الدلالات السلبية التي غدت ممقوتة ، أو غير محببة على الأقل ، في البيئة الفكرية العالمية الحالية. والسبب الآخر هو أن الوقائع القائمة على الأرض لا تدل على أن ما يجري في دارفور بمثابة عمل( ثوري) بمفهومه الكلاسيكي ولا الفاعلين في فضاءها بأنهم " ثوار" بالمعنى العلمي لهذا المفهوم ، فضلا عن أن أطروحة الورقة ( اللبرالية ) هي بضد من أي عمل( ثوري ) وبهذا الاستخدام الموجب لهذه المفردات فهي تناقض ذاتها .
وللإنصاف ،والرد الحق إلى أهله ،يمكن القول بأن الورقة قد وصفت الواقع والوقائع أحياناً بصورة أقرب إلى الحقيقة مثل عبارة " الحركات التي نشأت في دارفور " (12) . في كل الأحوال ، فإن استخدام الكلمات مثل " الثورة " و" الثوار " كان خصماً على القيمة الفكرية الورقة .
كما أن استخدام مفهوم ( الايدولوجيا ) الذي هو في أبسط تعريفاته ( مستودع الأفكار ) قد شابه ارتباك شديد حيث نجد أنه عندما خلع على المجموعة الثالثة من الكيانات السياسية ( الأحزاب الأيديولوجية) جاء السياق بنَفَس سلبي يوحي كأنه الداء الذي يفتك بتلك التنظيمات أو أن مشكل الذي تمور فيه يكمن في( أيديولوجيتها )، غير أن الورقة عندما تحولت لنقد الحركات عابت عليها غياب الأيديولوجية في أطروحاتها " في ظل خواء الوعاء الفكري والإيديولوجي"(13)أي أنها استخدمت مفهوم الإيديولوجية على ذات النسق الذي يستخدم فيه مفهوم (البيروقراطية) الذي اصطلح عليه ماكس فيبر على أنه أحسن نظم الإدارية فإذا بالدلالة تنقلب رأساً على عقب لتصبح من أكثرها بغضاً .
ومن الاستخدامات المفهومية غير الموفقة استخدام مصطلح (الأمة السودانية) على الرغم من أن هذا المصطلح لم يرد إلا مرة واحدة فقط " قد خرقت مبادئ العقد الاجتماعي المكتوب وغير المكتوب بين الأمة السودانية " (14) المصطلح القريب للدلالة هو " الشعب السوداني " ، حتى هذا( فيه نظر)! حيث توصيف الوضع يقترب من العبارة الأثيرة للملك فيصل الأول ملك العراق الذي قالها قبل أكثر من خمسين عاماً واستخدمها الباحثون العرب بكثافة باعتبارها أدق توصيف للوضع الكلي في جميع البلاد العربية ، تقول العبارة :"أقول وقلبي ملآن أسى إنه في اعتقادي لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد.. بل توجد تكتلات بشرية خيالية خالية من أية فكرة وطنية ، متشبعة بتقاليد وأباطيل دينية ، لا تجمع بينهم جامعة مستعدون دائماً للانتفاض علي أية حكومة كانت ، نحن نريد – وحال هذه – أن نشكل من هذه الكتل شعباً، نهذبه ، وندربه ونعلمه ، ومن يعلم صعوبة تشكيل وتكوين شعب في مثل هذه الظروف يجب أن يعلم أيضا عظم الجهود التي يجب صرفها لإتمام هذا التكوين وهذا التشكيل "(15) واعتقد أن هذا التوصيف صالح تماماً لإسقاطه على الوضع السوداني الحالي مما يتوجب علينا أخذ الحيطة والحذر من استخدام هذه المفاهيم الضخمة من قبيل ( الأمة السودانية ) .
نمط التقسيم والتصنيف الذي اعتمدته الورقة للكيانات السياسية السودانية لا يعكس المشهد الكلي بدقة -ربما جاء هكذا لاعتبارات إجرائية ولدواعي عملية -ولكن يبدو للمتمعن والمتعمق بأنه جاء عفوياً للغاية، لأن التقسيم غدا رأسياً ،عاجزا عن تبيان تجليات الفضاء السياسي على حقيقتها وبامتداداتها الأفقية ، حيث من العسير تعيين معالم حدية لتخوم هذا التصنيف بالشكل الوارد في الورقة ، إذ كثيراً ما يتداخل الطائفي مع اللبرالي ويشتبك القومي بالديني ،و توصيف الأحزاب بأنها أيديولوجية يعيدنا إلى إشكالية تحديد موقفنا من مفهوم (الأيديولوجية) سلب أم إيجاب ً .
حتى في المحاولات التحليلية القليلة التي حاولت الورقة أن تتصدرها نجدها تشي بعبارات تتسم بالتهافت في المعنى الدلالي ، فعلى سبيل المثال تنعت الأحزاب الأيديولوجية – ولعل المقصود هنا بالتحديد الشيوعية والاشتراكية والإسلامية-بقولها " تتبنى نظرية اشتراكية بحتة من منظور مجتمع آخر ليس لها من تراث أمتنا شيء وإما تتبنى الدين الإسلامي دون أن تأخذ في الاعتبار تعقيدات التنوع الديني واللاديني"(16) ، في الحقيقة لا يمكننا الخروج بأي شيء من هذه الجملة الإنشائية التي تذم الجميع ، لأن الاشتراكية ليست نظرية خاصة بمجتمع (آخر)، ولا أحد يعرف ما المقصود ب" التنوع الديني واللاديني"؟ .
كما أن مفهوم (أحزاب الأنظمة الشمولية )( مايو والإنقاذ) لم يرتكن إلى الحقيقة الجلية مثلا بدأت مايو إيديولوجية (اشتراكية )وانتهت أيديولوجية (إسلامية )، والإنقاذ بدأت أيديولوجية (إسلامية )وتزعم أنها مازالت ، وللأحزاب الطائفية أجنحة لبرالية اندغمت فيها لدواعي براجماتية بعد أن لازمتها متلازمة العوز الجماهيري التي تصيب الأحزاب اللبرالية في جميع دول العالم الثالث ،لأن الأحزاب في هذه الدول لا تتكون من جماعات مصالح كما هو الحال في الغرب وإنما تستند على قواعد دينية وعرقية وثقافية كأساس للتعبئة والحشد ، وأي حزب يحاول الخروج عن هذا الإطار مصيره الإصابة بمتلازمة العوز الجماهيري ومن تم التلاشي في خاتمة المطاف ، وذلك لاستحالة التعبئة والحشد على أساس الأفكار المجردة كتلك التي تدعو إليها الورقة .
ولم تفصِّل الورقة الحديث عن المجموعتين الخامسة والسادسة اللتين أطلقت عليهما :( تنظيمات بمضمون محلي)، هل المقصود المجموعات المطلبية التي تظهر من وقت لآخر في الأقاليم الطرفية ؟ ولكن كيف تم فصل (الحركات الثورية )!عن هاتين المجموعتين ؟
ولو أن معدي الورقة تجشموا العنت قليلاً وقاموا بمراجعة قوائم الأحزاب المسجلة لدي (مسجل التنظيمات السياسية) لتيقنوا بكل يسر على أن غالب هذه الكيانات السياسية تتوفر على أفكار تجريدية في غاية من الروعة، ومماثلة تماماً لتلك التي يرومونها . ولكن من المؤسف أن الورقة قد توهمت بأنها تشق طريقا جديدا ، وجادة غير مطروقة ( كيان سياسي جديد ) ولكن بأدوات وآليات مجربة ، حيث أن أثر الأقدام الذين مشوا عليها مازالت ماثلة وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن أعضاء( مجموعة الحوار) قد لفحتهم أوهام الانليجنسيا المتحلقة في السماوات الفكرية غير آبهة بالواقع الاجتماعي – الثقافي وغير مكترث بالسياق التاريخي ، إن المنطق الورقة ، و أدبيات الحركات التي تركز على أن ( قضية دارفور سياسية ) وأطروحة (الكتاب الأسود) القائمة على ( أرقام صماء غير مستنطقة ) تكاد تكون متطابقة رغم التباين الشكلي الماثل . والقاسم المشترك هو عدم التعمق في القضايا وإخضاعها للتحليل .
مَنْ هم جماعة الحوار؟
في سبيل معرفة المرامي والأهداف التي تصبو إليها الورقة لابد من معرفة القائمين بأمرها ، ومن حسن الطالع ، فإن جماعة الحوار لم تكن جمعية سرية مثل (جماعة طلاب العدالة ) التي أصدرت (الكتاب الأسود) ، وإنما أرفقت بالورقة أسماء أعضاءها في (قارة آسيا)، وبإعمال خاصية فينومولوجيا الأسماء يمكن القول – وبنسبة عالية من الصحة – بأنهم طائفة من (إنتليجنسيا الدارفورية) الحائرة. وبما أن معرفة الاسم والرسم لا تكفي لتأسيس كامل أركان الفرضية فلابد من تقصي موئل الهم ومناط الانشغال والمحفزات التي تدفع تجاه إعداد مثل هذه الأوراق . ونسميها (الحائرة ) لأن أفراد هذه الطبقة من الناس يعتبرون بفعل الاستيعاب الرسمي ضمن الكتلة التاريخية السودانية ، نتيجة للوشائج والعلائق التي نمت في سياق الحراك الاجتماعي والمكاسب والمنافع المتولدة عنه ( السكن في المدن والعمل في وظائف حكومية ، وحتى العمل في السوق يتطلب الاندراج في الكتلة التاريخية )هذا من جانب ، ومن جانب آخر معاناة أهلها ( بالمعني الحرفي )نتيجة الحرب والخراب، إنها الحيرة بين استحقاقات الاستيعاب التي صارت جزءا من الكلية السيكولوجية للفرد ، والموقف التراجيدي الماثل في دارفور ، أمام هذه الحالة النفسية المرتبكة والملتبسة ، يحاول مثل هؤلاء الأفراد والجماعات أن تمسك العصا من الوسط وتطرح مثل هذه الأفكار التجريدية ربما لشغل الذات على قاعدة التعويض أو كمحاولة لتبرئة الذمة على شاكلة ( قلنا رأينا )ولسنا بصامتين إزاء ما يجري !.
جملة القول أنه لا يمكن ، بأي حال ، عرض " الحقائق والتجارب ووقائع " خارج السياق التاريخي والبنية الاجتماعية الكلية ، إذاً ، هذه هي النقطة الأساسية التي لم يعها معدو الورقة أو وعوها وقفزوا عليها بزعم عرض الحقائق لا تحليلها . نقول أن هذه الأحزاب الدينية والإيديولوجية ليست كيانات منبتة طارئة أطلت علينا للتو تنوء بأثقال سلبياتها وتجر أذيال الخيبة وإنما هي إحدى مظاهر تجليات التطور التاريخي الحضاري الكلي للمجتمع السوداني بسلبياتها وايجابياتها ، بكبواتها وإقالاتها ، بأركانها المضيئة والمعتمة.
إذن ، من الضروري -والحال هذه - أن نوطن أنفسنا على الابتعاد عن الحياء والتخفي وراء المفردات ذات الأوجه المتعددة بغرض توفير روح( القومية ) في الطرح ، ونصوم عن التقاليع والتكتيكات اللفظية الرديئة التي جبلت عليها بعض قادة الحركات في دارفور مثل لازمتهم المضحكة ( قضية دارفور في السودان ) والمقولة الفضفاضة ( قضية دارفور سياسية )!. ونطرح القضية بوضوح كامل وفي العمق بدون لف أو دوران .
في زعمنا أن جوهر المشكل لا يكمن في السياسة ، أو بمعنى آخر القضية ليست فقط تتمثل في الظلامات السياسية التي تعرضت لها دارفور ولا التخلف النسبي الذي تعاني منه الأقاليم الطرفية في السودان بعمومه وإنما في عدم تحديد الوجهة والمسار الحضاري ،هل نريد السير في اتجاه الذوبان والاندماج السائد الآن – ربما قسراً -؟ أم نريد تجاوزا وفتح مسار جديد؟ لو حسمت هذه الجدلية لهانت جميع المشاكل الأخرى ، وهي الجزئية التي نركز عليها في الجزء الثاني من هذه المناقشة .
ملاحظة أخرى جد مهمة ، هي أن معدي الورقة لم يضعوا رأيهم المبدئي في مبدأ الحرب ، أي طرح عابر- للجهة والقبيل ( لبرالي ) يحتاج إلى نسق فكري معاد للعنف الذي قمته الحرب ،والتي هي أكبر لعنة حلت بالجنس البشري أو " أكبر فضيحة إنسانية " كما جاء في تعبير أحد الصحفيين .
كل النقد الوارد في الورقة تجاه الحركات يبدو تقويمياً لدرجة انخداعها بالبيانات التضليلية التي أنعشتها العقلية الشعبية المفطورة على التهويل والمبالغات ، وأبلغ مثال على ذلك مسايرتها للزعم الكذوب القائل بأن الحركات كانت منتصرة عسكرياً "لقد أدت النجاحات العسكرية للحركات في السنوات الأولى من تأسيسها إلى فتح شهية زعمائها لحلاوة القيادة "(17) . وهو زعم لا تسنده أية وقائع أو بيانات مادية ، والحقيقة الناصعة أن هذه الحركات كانت مهزومة على طول الخط ! ، في بحر ست سنوات من القتال لم تنتصر إلا في معركتين يتيمتين (كلكل وكاري ياري ) اللتين جرتا فيما بعد عام 2006م .
أما نقد الحركات بأنها درجت على "الاستقواء بالقبيلة وخشم البيت "(18) ، فإنه جهد ضائع ، ونقد في غير موضعه ، لأنها من المسلمات ، من هم الأفراد المكونون لهذه الحركات ؟ أليس هم ريفيون سذج ممعنون في ريفيتهم ،حيث نجدهم ، حتى على مستوى القادة ، جلهم ينحدرون من ( أبوين أميين )!، أناس هذا حالهم مهما كانت شجاعتهم الفطرية وبراعتهم العسكرية فلا مناص من أن يستقوا بالقبيلة وخشم البيت ، لأن غياب (التراكم الاجتماعي/ الحضري )هو الذي ذرى بهذه الحركات إلى القاع ، وبات أساس (التعبئة )عندها ينهض على " روح القبيلة "فلولا هذه الروح ، واعتمد المؤسسون على الأفكار التجريدية كالتي تطرحها الورقة لما كانت الحركات ، لأن هذه هي البنية الاجتماعية المتوفرة . وغني عن البيان إن أصل النشأة كان قبلياً ، ثم جاء التسييس لاحقاً ، لعلكم تذكرون إعلان ظهور احدي تلك الحركات كان باختطاف (شرتاي دار قلا)(**)بسبب نزاعات عشائرية داخلية ، وأطلق سراحه بعد دفع فدية ضخمة ، وختمت الحركة عينها (نضالها القتالي) بحادث مشئوم ألا وهو اسر (ملك دار توار )(***) وإعدامه بطريقة اتسمت بالوحشية وروح الانتقام القائمة على تصفية حسابات عشائرية قديمة .
ومن المفارقة ، أن معظم الحركات التي بدأت بالتمرد على الإدارة الأهلية ، رمز السلطة في مناطقها ،هرعت إليها مرغمة بعد أن وجدت نفسها محاصرة بالعجز الاجتماعي الحاد ، وها هم أولا أبناء هذه الإدارة الأهلية وحاشيتها يتصدرون المراتب والمناصب في هياكل الحركات كافة باعتبارهم الفئة الاجتماعية/الحضرية الوحيدة المؤهلة لتصدر تلك المواقع .
إذا ، أن "خواء الوعاء الفكري والإيديولوجي "ليس قصورا إجرائيا ناجم عن سوء التأسيس أو الضعف الإداري وإنما هو قدر محتوم ساقنا إليه هذا الوهن البنيوي الكلي ، وأعني به طغيان الطابع الريفي المتمثل في قلة المدن وضعف البنية الحضرية وضمور الطبقة الوسطى و اندراج مخرجات التعليم القليلة في خضم تيار الاستيعاب ( الاستعراب )التاريخي. فإن أردتم الحقيقة هذا هو أس المحنة .
كيف يملأ هذا الوعاء الخاوي ؟
لا يمكن ذلك بمحاولة مسك العصا من الوسط ، ولا طائل من تصميم المزيد من الهياكل السياسية التجريدية ، ولا فائدة من صرف الوقت في النقد السياسي/ الصحفي ، إن أمر أعقد من ذلك وأكثر تركيباً .
نختتم هذا الجزء من المناقشة بما نعتقد أنه أكثر جوانب إشراقاً في الورقة ، متمثلين بقول الحكيم المصري القديم أن " أجعلوا كل شيء مدون"! فإن أكثر النقاط إيجابية وإضاءة في هذه الورقة هي الدعوة إلى طرح الأفكار وجعلها مكتوبة ، حيث تخطت بذلك احد اكبر عيوب الثقافة السودانية التي تميل إلى إعطاء الحكي الشفهي( الندمي) قيمة إضافية والاستنكاف عن التدوين والتأليف .
أجل ، كل ما سلف محض توصيف وتحرى لأطروحات الورقة دون سبر غور الإشكالية الكلية التي تدفع مثل هؤلاء النفر ، وغيرهم ،بطرح القضية ، وقد خلصوا بأن الخلاص يكمن في حزب سياسي( لا أيدلوجي لا طائفي لا دكتاتوري لا إقليمي ) يا لها من نوايا حسنة انطوت عليها سرائر طبية ، بيد أن وهنها يكمن في بساطتها التي تقترب من السذاجة ، والمحزن حقاً أن معدي الورقة لم ينتبهوا بأن الهياكل السياسة الموسومة بالنعوت عينها قائمة ، وتطل علينا قادتها صباح مساء داعين لهذه الأفكار النيرة ، ولا أحد يعرها انتباها.
وحتى لا نكون مثلهم أو كمن يؤذن في مالطا أو كصالح في ثمود ,علينا أن نعمق طرحنا وتأطير أفكارنا ، رغم أننا نقر ونعترف بأن لا أحد يملك الإجابة للسؤال المركزي ( أين المخرج ؟ ) من هذا الفضاء الذي يمور بالمعضلات المركبة والإشكالات المعقدة ، والتي تزداد تعقيداً يوما بعد يوم .ولكن - رغم هذا الإقرار المخيب و التلخيص القاتم - ذرونا نحاول السير على ذات النهج الذي دعوناه ابتداء ، أي أن نرنو على المشهد عبر "المنظار المكبر" ومن الزاوية الكلية ، وذلك من أجل تلخيص تصوراتنا حول الوجهة المفترضة والمآل المتوقع الذي يمكن أن ترسي إليه قضية السودان مع التركيز علي الجزئية الخاصة بدارفور .
وما نقدمه هنا ما هو إلا محض استنتاجات اجتهادية مستنبطة من عمليات العصف الذهني التي يمارسها كل فرد منا بشكل يومي تقريباً، ويحدونا الأمل في خاتمة المطاف أن نستدل إلى علامات ومؤشرات الوجهة -على الأقل - ، إن عجزنا أن نهتدي إلى المخرج الذي يبدو مصمتاً الآن.
لقد أتضح جلياً أن حالة دارفور في إطارها الجزئي -المايكرو- ما هي إلا آية من آيات تآكل الدولة السودانية من الأطراف ، والتي أصبحت سمة من السمات الأساسية لهذه الدولة خلال العقدين الأخيرين من القرن المنصرم وبواكير القرن الجديد .والسبب الأساسي للتآكل هو تدهور مفهوم الدولة الوطنية ، وتهرؤ وتفتت الجماعة الوطنية ، وغياب المشروع الوطني الجامع ، وانعدام التنمية الاقتصادية المتوازنة ، وهجمات عاديات الزمان المفاجئة ، ومن ثم النكوص الاجتماعي والتقهقر الثقافي كمآل موضوعي لتلك العيوب التركيبية .
وفي إطارها الكُلِّي (الماكرو) فهي بمثابة حلقة من حلقات دينامية تفتت (الحزام السوداني) أو تدهور إقليم "الساحل" ، والممتد من (سينغامبيا)(****) في الغرب إلى (صوماليا )في الشرق، وذلك نتيجة تفاعلات الاصطكاك الحضاري الذي ظل يعتمل على طول هذا الخط . ومهما يكن من رأينا في نظرية (صدام الحضارات) لصمويل هنتنجتون فمن الواضح أن توظفيها في هذه الحالة يبدو ذات جدوى منهجية ، خاصة الجزئية التي تتحدث عن خطوط التصدع الحضاري . فبقليل من العناء يمكن تحديد هذا الخط المتصدع متمثلا في الثنائية الاستقطابية التي نشأت عليها بنية معظم الدول الواقعة على طول هذا الحزام ، متجلياً في ظاهرة شمال مسلم وجنوب مسيحي التي نجدها في الدول مثل : ( ساحل العاج ، نيجريا ، تشاد ،السودان ) من الغرب إلى الشرق .ولا ريب أن الصراعات التي أنهكت هذه الدول ، أو بعضها على الأقل ، قد لعبت هذه الثنائية الاستقطابية دوراً أساسياً في تغذيتها ، والصراع هنا ليس بالضرورة أن يكون دائماً صراعاً خشناً (حرباً) ، وإنما قد يكون صراعاً اجتماعياً /ثقافياً(ناعما)، بائناً أو مستتراً كما هو الحال في نيجريا التي تبدوا مستقرة نسبياً من الناحية السياسية، غير أنها تشهد توترات ثقافية واجتماعية ذات منزع ديني/ثقافي على الدوام .
يتعرض هذا النسق المنتظم إلى بعض الاختلالات الشكلية في بعض أطواره وحلقاته ،كما هو الحال في حلقة الهضبة الأثيوبية(بما فيها ارتريا) حيث تتمظهر المقابلة على أساس طبوغرافي وليس جغرافياً ،أي بمعنى السهل والساحل المسلمان في مواجهة الجبل المسيحي .وأحيانا تنطفئ المظاهر الدالة على النسق الاستقطابي كلياً ، وذلك باختفاء البعد الثقافي/ الديني كعامل مؤسس له ،كما هو الحال في الصومال ودارفور حيث تدين الساكنة بالإسلام بشكل حاسم ، إلا أن الصراع ظل محتدماً و متغذياً بفعل عوامل أخرى غير هذا الاستقطاب ، و سنأتي على ذكرها لاحقاً .
تتموضع بؤرة الصراع في هذا النسق - في الغالب - حول المنافع السياسية والامتيازات الاقتصادية التي توفرها الدولة الوطنية للجماعات والطبقات المختلفة . فعندما قرر المستعمر الرحيل قام بتسليم مفاتيح هذه المنافع للطبقة التي نشأت وترعرعت في كنفه وتثقفت بثقافته وتحدثت بلسانه (انجلوفونية أوفرنكوفونية ) واعتنقت دينه، وهي تلك الطبقة الهجينة (الخلاسية) بالمعنى البيولوجي للكلمة أحياناً، والتي ظلت مرتبطة بالقوى الاستعمارية السابقة بأوثق العرى .
وتأتي هذه الطبقة - في أغلب هذه الدول- من الجنوب ،جهة قدوم المستعمر والمبشر أو المنصِّر عبر المحيط . وبانقضاء فعاليات أعياد الاستقلال الأولى بمظاهرها المبهجة والأناشيد المخلبة والبيارق البراقة ، أخذت هذه الطبقة المنبتة تمارس سياسة التعسف والتنكيل عن طريق عمليات الإقصاء والاستبعاد للفئات الأخرى ،خاصة تلك التي لها الأصول الإسلامية ولفحتها رياح الاستعراب بالمعنى الثقافي والقادمة - في الغالب – من الشمال ، جهة قدوم الإسلام عبر الصحراء . ولأن لدي المجموعات (الإسلامية ) موروث حضاري ضخم حول الحكم والسلطان وإدارة الدولة مستصحبة من ميراث (الممالك الإسلامية) التي نشأت على طول هذا الخط ،وهو الموروث الذي أهمله المستعمر عن قصد ؛ أخذت تنادي بإعادة أمجادها ،وبإعطاء الاعتبار لقيمها الثقافية والحضارية ، ويعد حالة تشاد أوضح مثال على ذلك . وبامتناع الطبقة الخلاسية عن تلبية هذه المطالب نشب الصراع بين الجماعتين ،ولأن البلورة الحضارية غير مكتملة حتى لدى الجماعة المحتجة نتيجة بعد المسافة الزمنية عن تجاربها التاريخية ، ولغياب أي تحول تنموي أو سياسي كلي (ديمقراطي ) في الدول الناشئة ، أخذ الصراع طابعاً إثنياً وعرقياً .
و جاء اتجاه المقابلة في السودان لتأخذ مقلوب النمط المألوف ، وذلك نتيجة عوامل تاريخية ، منها طبيعة الاستعمار الذي عرف بالحكم الثنائي ، والقادم عبر النيل من الشمال، والذي مكن (الجماعة الإسلامية ) النيلية/ الشمالية ، وجعلها الفئة المستأثرة بمنافع السلطة والثروة ،وعندما أدركت الإدارة الاستعمارية (الإنجليزية ) ذلك وحاولت تعديل الوضع لجعله مماثلاً للمستعمرات الأخرى بخلق الطبقة الخلاسية في الجنوب ،أدركته وقت الرحيل ولم تستطع إلا اصطناع طبقة صغيرة وضعيفة ، فلذلك أتت الشكوى في السودان من الجنوب بعكس من دول الحزام الأخرى.
وقد يجادل البعض بأن قمة السلطة في نيجريا مثلاً قد ظلت في يد الشماليين في معظم دورات الحكم (الديمقراطية) بخاصة ، نتيجة الأكثرية العددية ، بيد أنها بقيت سلطة محضة، أي دون أن تسندها قوة اجتماعية /ثقافية متينة وفعالة، حيث لا يمكن –مثلاً- المقارنة بين المستوى الثقافي /الاجتماعي المنخفض الذي عليه القوميات المسلمة مثل الهوسا والفولاني والبرنو في الشمال ، ووضعية التي عليها قومية اليوربا في الجنوب والغرب والتي تتمتع بمستويات عالية من التعليم و الارتقاء الاجتماعي وذلك نتيجة للمحاباة التي تلقتها من الإدارة الاستعمارية .
ولقد ظل المكون الحضاري لأهل الشمال - على طول الحزام السوداني - هو الخبرة التاريخية التي تراكمت أثناء الأسلمة الكاملة والاستعراب النسبي للإقليم ، وتمت الإبقاء على البؤرة الحضارية متقدة من خلال استمداد الطاقة من المناهل والحواضر الإسلامية المركزية ، حيث يجد أهل الشمال في نيجريا وتشاد وساحل العاج وغيرها وجودهم في الفضاء الحضاري الإسلامي الكلي ، والعامة والخاصة في هذه البلدان مصوبة أنظارها – أبدا- تلقاء القاهرة وبغداد ودمشق وطرابلس والقيروان و فاس وأمدرمان ..الخ. لأن البقاء على حلبة الصراع في حاجة إلى الرفد المستمر بالقوة والطاقة المتجددة التي موئلها هناك في تلك الحواضر ، وليس في لندن أو باريس أو واشنطن التي تستنجد بها الغريم الخلاسي ،إن هذا الرباط الروحي يتم تغذيته بأمشاج من الفعاليات الثقافية (البعثات والمنح الدراسية) والمعونات الاقتصادية والبرامج التنموية.
تعتبر حالة دارفور اختراقا رأسياً أو تنوءا جانبياً تسبب في مخلخلة المنظومة الكلية لخط التصدع الحضاري حيث صارت المقابلة ( شرق /غرب ) عوض (شمال /جنوب )واختفى عامل الديانة المغذي الداخلي للصراع ، لتصبح المواجهة( مسلم/ مسلم) بدلاً من (مسلم /مسيحي) ، واخذ مفهوم الشمال هنا معنى جغرافياً بحتاً لأن دارفور تعد جزءاً من الشمال الحضاري في إطار المقابلة السودانية وبذلك تغيب الظلال الحضارية الكلية عن فضاء الصراع . ولاشك أن بروز مشكلة دارفور قد أحدث خللاً عصياً في (هارمونية) هذا النسق التاريخي ، وصار الوضع إشكاليا و أكثر التباساً لأن دارفور بالخبرة التاريخية مملكة إسلامية ، وبالعقيدة الدينية أهلها مسلمون عريقون في الإسلام وبالهوية العرقية /الثقافية ، نصف السكان يحددون أنفسهم عرقياً بأنهم عرب ، والنصف الثاني مستعرب ثقافياً منذ قرون وإن لم يأت الإقرار من جانبهم بذلك ،أي أن السؤال الحضاري قد حسم منذ أن عمت الثقافة العربية الإسلامية دارفور في القرن السادس عشر الميلادي.
وأن حسبنا السؤال الحضاري الكلي محسوما لدى الفرد الدارفوري فمعنى ذلك أنه واعي بأنه جزء من الثقافة العربية الإسلامية ، هذه هي قمة الإشكالية . والمؤسف أن الوعاء الفكري للحركات الحالية قد تميزت بالضيق والخواء، وقد فصلنا الأسباب في الجزء الأول من الورقة ، ، ولذلك فهي عاجزة عن فقه هذا الجانب المهم والمعقد والمركب من القضية ، وأدارت الصراع من على السطح باعتبارها صراعاً سياسياً حول استحقاقات السلطة و مستحقات الثروة .ولم تعتن بالتأسيس الفكري والتأطير النظري ، وظنت أن حصولها علي بعض المقاعد السياسية وحفنة من المشاريع التنموية سوف ينهي المشكلة .
فقد تجاهلت الحركات سؤال (الفكرة المركزية ) أي: ما هو الماعون الحضاري الذي يحتوي مشروعها ؟ وبقية الأسئلة المتفرعة عنه مثل :هل ثمة إمكانية للحرود أوالحران؟ ، ومن ثم "التخريم " عن موكب التيار العام (Mainstream ) الاستيعابي ، وتأسيس اتجاه مغاير لينمو مستقلاً عن التيار الإسلامي –العربي السائد ؟ . إن ما يمكن استنباطه من الأدبيات الفكرية الشحيحة للحركات يصنفها إلى فئتين : فئة ترى أن الماثل الاستيعابي الحالي ليس ناتجاً تاريخياً أفضى إليه تفاعل صيرورة طبيعية وبريئة ، وإنما هو نتاج عملية قسرية سابقة التخطيط ، اختطها فاعلون نافذون منذ بدايات تكون الدولة الوطنية ، وذلك وفق مصالحهم الثقافية ، وظلت هي السياسة الثقافية المركزية التي تسير بها الدولة الوطنية الحديثة حتى هذه اللحظة . ومن الواضح أن هذا التوصيف أقرب و أكثر انطباقاً لحالة الجنوب من حالة دارفور. ويأتي هذا الطرح بشكله الحالي لأن أصحابه لا يعتدون بأثر عنصر (الدين)في الثقافة الوطنية، فلذلك يرون إمكانية إسقاط حالة الجنوب على دارفور أيضاً ، وعندما يُذكَّرون بأن الدين (الإسلامي ) ظل يعمل كعامل جامع للتفرق القبلي والأثني في كثير من أقاليم أفريقيا ، يردون بالقول أن الذي حدث في تلك الأقاليم ، ومن ضمنها دارفور ، هو ( أفرقة الإسلام ) وليس (أسلمة أفريقيا) ، وأن الطابع الثقافي العربي الذي يتجلى على( إسلام دارفور) ما هو إلا نتوء إضافي ، جاء به اللسان العربي الذي كرِّس كلغة قومية قسراً وفق خطة منمهجة . أما الفئة الثانية فترى أن المشكلة لا تعدو كونها (ظلامة سياسية و"خلاص"!) .
و إذا حاولنا رصد بعض الأمثلة التي تنظر سلبياً لدور وأثر اللغة والثقافة العربيتان في هذا السياق، نجدها كثيرة ،فمنها مثلاً ما ذكره (أبوبكر القاضي) -أحد كتاب حركة العدل والمساواة - في برنامج (الاتجاه المعاكس)الذي تقدمه (قناة الجزيرة) بأن اللغة العربية مفروضة على أهل دارفور من عل ، مع إهمال مقصود لأكثر من مائة لغة يتحدث بها السكان هناك .وقد كتب شخص باسم إبراهيم عبد الرازق مقالا في موقع (سودانيز اون لاين)يصف العربية بأنها لغة استعمارية ، ويطالب بأن يتم استبدالها بلغة غربية ، إنجليزية أو فرنسية!.وثمة أمثلة كثيرة تذهب ذات المذهب .
غير أن المثال الأهم الذي نركز عليه هنا هو مقال باللغة الانجليزية كتبه بحر الدين إبراهيم عربي( وهو أحد قيادات حركة تحرير السودان ) لخدمة هيئة الإذاعة البريطانية ، حيث يرى أن الإسلام في دارفور كان أفريقياً ، قبل الضم القسري للسودان النيلي وإطلاق العملية الاستيعابية التي حولت الإسلام الأفريقي إلى آخر (عربي). وقد قام بتطبيق أطروحته على مجتمع الزغاوة ما بعد سقوط مملكة دارفور، ووجد أنه ينقسم إلى ثلاثة أجيال ثقافية .
الجيل الأول : جيل (سنين حسن ودوسة فرتي )، وهو الجيل الذي كان على الإسلام الأفريقي (Africanized Islam ) ،وعقيدته الأساسية تقوم على التناص بين مفهومي (الله / إيدو –Edo) و(نبينا محمد ) ،حيث كان الفرد العادي لا يفرق بين الاثنين ويقول (إيدو نبينا محمد) ، فضلاً عن الحضور الطاغي لبقايا العقائد الأفريقية القائمة على النحل الأرضية مثل ب(الأرواحية ) ، والتي تقوم على الإيمان بقدرة أرواح الأسلاف الخيرة في الاستشفاء من الأسقام المستعصية ، وقدرتها على طرد الأرواح الشريرة . وقوتها على دفع الضرر وكشف الضر ، واستمطار السماء في زمان القحط والجدب ، ودرء خطر الآفات مثل( الجراد )، والوقاية من العين والمس ، كل ذلك عن طريق وسائط مادية ورموز طوطمية مثل ارتداء الأحجبة والتعاويذ وزيارة ال(ماندا) وهو معبود أرضي قد يكون حجراً أو شجراً.
ويرى بحر الدين أن (الإسلام العربي ) هو الذي شنَّع تلك الممارسات التي لا تقل وظيفتها الروحية عن تلك المتوخاة من العبادات الإسلامية مثل الصوم والصلاة والحج وغيرها من الشعائر الإسلامية المعروفة . ويرى الكاتب أنه على الرغم من الهزة السياسية الكبيرة التي حلت بالدارفوريين بسقوط مملكتهم وإلحاقها إلى السودان النيلي ؛ إلا أن البنية الثقافية والاجتماعية ظلت سليمة حتى دخول التعليم الحديث ونشوء المراكز الحضرية الجديدة ، حيث ساهمت هذه العوامل في خلخلة البنية الثقافية المحلية النقية وتشويهها .
الجيل الثاني : هو جيل (الفكي/ إبراهيم عربي ) ( والد كاتب المقال ) ويرى أن هذا الجيل وجد نفسه في مفترق الطرق ، حيث تمكن العرب (الجلابة) ومشايعيهم من فرض ثقافتهم ولغتهم في جميع مفاصل الدولة ، وظل هذا الجيل متردداً ومشوشاً بين التمسك بقيم الآباء والاعتصام بالتقاليد القوم أو السير مع التيار العام ، وأضطر - مرغماً -اختيار الخيار الأخير وأخذ بعض أبنائه إلى المدرسة الحديثة وإن أبقى بعضهم للأعمال التقليدية مثل الرعي والزراعة .
الجيل الثالث :هو الجيل الذي أُخذ إلى المدرسة الحديثة ( جيل كاتب المقال) وهو الجيل الذي أضاع لغة وثقافة قومه واندغم في التيار العام للثقافة العربية /الإسلامية بعد أن تعلم في المدرسة وسكن المدينة ،وأفضى ذلك إلى استيعابه أو استلابه كلياً .
هذا التصنيف أو التجييل لا غبار عليه من وجهة نظر التاريخية ، ولكن وجه الغرابة يطل من تحسر الكاتب على ضياع ما اسماها ب(الثقافة الأفريقية ) دون أن يذكر ما كان يجب فعله للمحافظة عليها ، هل كان على الناس أن يمتنعوا عن التعليم الحديث ويستنكفوا عن سكن المدينة مثلما فعل جيل سنين حسن ودوسة فرتي(*****) حتى يحافظوا على ثقافتهم الأصيلة ؟ فضلاً عن أن مثاله قد انحصر على أثنية واحدة دون غيرها من الإثنيات التي تعربت بعضها منذ أمد سابق حتى للجيل الأول المذكور . بمعنى أن عملية الاستيعاب سابقة لحادثة الضم ومن يطلع على دراسات البروفيسور لديسلاف هولي حول البرتي مثلاً يجد أنه كان لهذا الشعب لغة وثيق صلة بلغة الزغاوة-(γ) ( وقد بنى حجته في ذلك على طريقة العّد التي يستخدمها بعض كبار السن من البرتي وهي تكاد تكون مطابقة تماماً لطريقة الزغاوة الحالية )- اندثرت خلال مائة عام الماضية .(§)
ويضيف الدكتور شريف حرير أن " عملية استلاب التي تسببها المدرسة الرسمية التي تمتد 12سنة إذ تأخذ الأطفال من ثقافتهم المحلية وتدفعهم نحو مشروع السودنة الذي يعكس ثقافات المركز المديني في وسط وشمال السودان"(20) . لا أحد يشك في صحة هذه التوصيفات ً ولكن المعضلة تمكن في عدم طرح البديل الذي يجب أن يتبع .
ولا ريب أن جزءاً من الفرضية في هذه النقاشات ناشئة عن نظرية المحافظة على ثقافات " الشعوب الأصيلة " من الدمار التي راجت في السنوات الأخيرة ، وتتبناها معاهد ومراكز بحوث غربية جل همها أن تبقى الشعوب كما هي حتى تكون مادة دراستها (Subject Matter )متوفرة في بحوثها الحقلية ، ولكن مسايرة أطروحات هذه المعاهد تضر أكثر مما تنفع ، لأن مراميها غير مبرأة ، كما أن فرص تطبيق دعواتها على أرض الواقع قليلة ، في عالم يدفع في تجاه تدامج وانغدام الثقافات ، وليس الانعزال والتقوقع .
في الحقيقة يجب الإقرار بأن الجزء الأعظم من مشكلة دارفور ناشئة عن ( محنة الانتماء) كجزئية من إشكالية الكلية للهوية السودانية ، إذ عجز الجميع عن الإجابة عن السؤال الكبير ( من نحن ؟) . قال المخططون الثقافيون والتربيون الأُوَلْ " أنتم عرب مسلمون " حتى فرضوا على تاريخهم وجودهم بحيث يبدأ ب" دخول العرب السودان " ! . ومن حسن توفيقهم وجدوا أن مفهوم " العربي "في ثقافة كثير من شعوب الحزام السوداني – باستثناء الهضبة الأثيوبية وشرق أفريقيا – يتمتع بقيمة موجبة ، فذلك كيفوا عملية التنشئة الاجتماعية والتغذية الثقافية وفق هذا المنظور . وقد تلاحقت مراحل عملية المثاقفة وتراكمت طبقاتها الأركلولوجية بحيث من الصعب تخطيها بقفزة متسرعة تنهض على تمرد عسكري يطل من هنا أو هناك ، أو عبر بيان سياسي يلقى في هذا المنبر أو ذاك أو بمقال (ثوري)! ينشر في هذا الموقع أو تلك الصحيفة.
أن القضية أعقد وأكثر تركيباً مما يظن كثير من الناس ، إنها حالة مجتمع يعيش حالة التكون والتفتت في آن ، حراك بطئ ، نتيجة لغياب التنمية ، تتفاعل فيه أبعاد حضارية وثقافية تقودها شحنة الروحية الدينية والنسق اللساني ، ولكن قبل أن تنضج هذه التفاعلات وتتبلور في شكل قيم مشتركة ،تغشاها طرؤ الحادثات ،من اضطراب سياسي وفقر اقتصادي وتدهور بيئي واحتراب بيني، لتدخل المجتمع في حالة من الفوضى الهدامة لا الخلاقة ، وتكاد ترجعه إلى نقطة الصفر ، ويعاد طرح الأسئلة التليدة من جديد ، وعلى رأسها سؤال الهوية من نحن عرب أم أفارقة وأين الوجهة استعراب أم استفراق؟ .
وإذا قلنا استفراق ، ماهيته؟ وما كنهه؟ و أين وجهته ومساره ؟ وما هو الوعاء الحضاري والثقافي واللساني الذي يستوعبه كمشروع بديل ؟ عندما يطرح الكرد في شمال العراق مثلاً قضيتهم كمشروع وطني مستقل، ويطالب الأمازيع في الجزائر بمشروع ذا هوية ثقافية مستقلة عن تيار الكلية الاستعرابية رغم وجود الروحية المشتركة في كلتا الحالتين مع القطب الثاني من المعادلة المجتمعية الممثل في العنصر العربي أو (المستعرب) ؛ فإنهم يفعلون ذلك لتمتعهم ب(ثقافة قومية منسجمة ) مستقرة عميقاً في تلافيف وعيهم ووجدانهم الشعبي ، فضلاً عن وجود لغة متطورة ذات أبجدية مكتوبة تستطيع أن تعبر عن هذه الثقافة . حتى أهل جنوب السودان عندما يبنون (الجدار الحضاري ) مع الشمال ، يفعلون ذلك وهم واعون تماماً بأن هذا العمل لا يترك آثاراً جانبية تعيق بناء مشروعهم الوطني المستقل ،بينما في المقابل نجد الوضع في دارفور مختلف تماماً وملتبس ومعقد للغاية ، إذ لا يوجد (وجدان ثقافي مشترك ) يعبر عنه تحت مفهوم (الاستفراق ) ، كما أن مفهوم (الاستعراب ) قد تأدلج وأخذ معنى عرقياً في إطار قبللة المجتمع التي مارسته الدولة في السنوات الأخيرة، ولذلك فإن معالجة الوضع تحتاج إلى عمل فكري عميق وتحليل علمي دقيق بعيداً عن الخطابة الحماسية والشعارات القشرية التي لا ترى من كتلة الجليد إلا الجزء الطافي .
لقد لامست المطالب السياسية للحركات العسكرية هموم الشعب في دارفور ومست شغافها ، ما في ذلك من شك، وتردد صداها ايجابياً في معظم الأوساط في بادئ الأمر ، بيد أن هذا الانفعال الوقتي قد تراجع وتدحرج الآن ، لأن المطالبات لم تكن قائمة على أسس فكرية متينة ، ولا ثمة فيض أدبي دفاق يرفدها و يغذيها بغرض التجويد والتقويم على مستوى التنظير والتجريد . وقد اعتمدت- أي الحركات - كلياً على الانفعال والتخليب الوجداني الصرف والتقليد الأعمى للحركة الشعبية في جنوب السودان في الاسم والرسم والحركات التشادية في السمت والتكتيك حتى في أخطائها ومثالبها .
صحيح أن فاقد الشيء لا يعطيه ، حيث ساهمت عوامل كثيرة في تدهور وتآكل الكتلة التاريخية في دارفور حتى من قبل اندلاع الحرب ، منها سياسة التفقير والإهمال التنموي التي مارستها السلطة المركزية والتخذيلات البيئية التي تمثلت في دورات القحط وموجات الجفاف .لقد كانت لهذه العوامل أبلغ الأثر على البنى الحضارية للمجتمع إذ تم تفريغها من المكنون الروحي العميق والرحيق النقي ، وبذلك تهلهل البناء التحتي للولاء الجمعي ، واستيقظت العاطفة الأثنية الجياشة وتشظى المجتمع عرقياً وعشائرياً، و كان من مالات أن تشوش الفكر وغابت الرؤية الواضحة والتبس أي مشروع مفترض لدى الفاعلين السياسيين والاجتماعيين.
وقد أصبح لا شيء يملأ هذا الفراغ الهائل إلا ثقافة العنف، لأن نزعة التعويض عن الإفلاس الفكري من جهة ، وحِدّة الشعور بالغبن ، تدفعان الناس نحو الانتقام والميل إلى السحل عوض السجال. وأخذ الشعور بالعداء ضد الدولة المركزية يتراكم حتى وصل نقطة التشبع ، حيث عندها لا يتوفر مجال للتفكير العقلاني ،واتخذ المتعجلون قرار إزالتها بالإرادة العنيفة (الحرب) دون النظر إلى الإمكانات المتوفرة للقيام بذلك العمل أو تحديد البديل الذي يقام على أنقاضها ، ودون تقييم الأكلاف التي يمكن تكبدها لإعادة البناء .فقط كان المطلوب الإزالة تحت قاعدة (نريد دورنا في الحكم ) وبمنطق الكتاب الأسود بفيض نسبه وأرقامه الصماء( تعطني كم لأترك لك الباقي )! .لأن الفاعلين – نتيجة لقصورهم الفكري - يعتقدون أنهم سيزيلون السلطة لا الدولة ، ولكن التجارب أثبتت أن الإرادة العنيفة تزيل الدول أكثر مما تزيل الحكومات . ولدينا تجارب وأمثلة قريبة زمانياً ومكانياً ؛ كما هو الحال في الصومال والعراق الذين دخلا حالة من الفوضى الكلية و أخذ مواطنوها يتحسرون على الدكتاتوريات التي ولت !.
يمثل هذا الوهن الفكري أضعف حلقات المشروع الذي طرحته الحركات في دارفور، وذلك لعدم نهوضه على أرضية أخلاقية محكمة وأساس ثقافي متين تستحوذ على الجزء الأكبر من المخيال الجمعي لشعب دارفور .لأنه في هذه الحالة ، حتى إن حالفه الحظ للفوز بنصر عسكري ، فإن الإفلاس الفكري سوف يقعد به ، بل ويميد به وينزلق كما انزلقت مشاريع كثيرة لأولئك الذين يسطون على السلطة خلسة أو ينتزعونها قهراً ، معتمدين على فوهات بنادقهم لا على بنات أفكارهم وبرامجهم .
ولا شك إن " عسكرة الإرادة النضالية" لأهل دارفور كان خطأ قاتلاً ‘ أنظروا إلى القدرات والموارد التي هدرت ومازالت تهدر في القتال المحض ، هب أنها وظفت في" نضال مدني معلقن " ألا يثمر ثماراً أنضج وأينع ؟ عوض الموت والخراب وقبض الريح ؟ . كان في إمكان الفاعلين استحضار جماع الطاقة الروحية –بمعناها الشامل – لشعبهم وإحياء الهوية المميزة وبناء الشخصية المستقلة وتوجيهها صوب إقلاع جماعي بدلا من تبديدها في مجهود قتالي لم نجن منها إلا المآسي .
ومن الواضح أن الأجنحة التي تصالحت مع السلطة قد وعت هذه النقطة أكثر من تلك التي رفضتها . ومن المفارقة أن حركة العدل والمساواة قد ظهرت أكثر بؤساً من الناحية الفكرية من حركة تحرير السودان مثلاً ، رغم انتماء معظم قياداتها للحركة الإسلامية ،وما يؤكد ذلك إصرارها على أن قضية دارفور (قضية سياسية ) فقط .
يقول الدكتور خليل إبراهيم زعيم حركة العدل والمساواة: ".. نريد ديمقراطية صرفة يحكم من خلالها من تختاره الناس على أساس صوت واحد للشخص الواحد... نرفض كل النظم العسكرية ونريد سيادة القانون ومؤسسات مدنية تحمي الحريات "(21). إن هذا الطرح يكون أكثر من رائع إذا كان خليلاً يمارس نضالاً سياسياً لتحصيل تلك المطلوبات ، وأما أنه مقاتل ، فإن الدلالات الحقيقية للمفاهيم مثل "الديمقراطية" و"العدالة" و"سيادة القانون " تتنافي مع إرادة القتال ، لأنها قيم مدنية ، وحيثما ثمَّ القتال والموت وجد انتهاك لمعاني هذه القيم . وأنه لمن العبث أن يدفع الناس أرواحهم ودمائهم فداء لمفاهيم تجريدية قلما يفهمونها ، دعك من أن يتمثلونها .
وقد ضلت الحركات –للأسف- الطريق القويم الذي يسلكه معظم الشعوب المناضلة في هذا العصر ، طريق الانفتاح ونشر روح اللبرالية والنشاطات المتسمة بالتسامح واللاعنف ، وتحصيل الحقوق بالنضال المدني مع التحرر من الالتزامات والقيود المرهقة من تحرير الاقتصاد المترافق مع تحرير السياسة بحلحلة السلطة القابضة ، وتحرير الإدارة بتفكيك الجمود المركزي . وتكوين تجمعات وكتل متحررة تستطيع أن تضع أثواب الأيديولوجيا بصورتها الدغومائية . وتحل الأربطة العقائدية الشوفونية ، وتخلخل الاختناقات والانسدادات والبؤر الأثنية المتحوصلة ، وتتخلى طوعاً عن الكيانات الهرمة بأوضاعها الجامدة والخاوية . تعمل هذه القوى المدنية الجديدة على إيجاد وعاء فكري جديد يتسم بالتسامح والتسامي ينقي النفوس من سخام الحروب ويردم الهوات التي أحدثتها الصراعات البينية وإعادة اللحمة والوئام الاجتماعي .
والسبيل لبلوغ هذه الغاية هو مخاطبة الوعي و(اللاوعي) التاريخي الجماعي بعديه المعنوي والنفسي وتجلياته المادية، وذلك من أجل إعادة بناء الكتلة التاريخية ،وتجديد الفكرة المركزية القائمة على مسلمة (دارفور كانت مملكة مستقلة )، ويجب أن يأتي ذلك بالتزامن مع الترتيبات السياسية والإدارية والمحاصصات الاقتصادية ،وإخراج المجتمع من قوقعة الانعزال والتهميش و تهيئته لولوج مضمار العولمة والتفاعل مع القيم العالم (ما بعد الحداثي )، التي تقوم على التعاقدات التي تتم على أساس المصالح الدنيوية ، وتهتم بالإنسان وحريته وكرامته وحقوقه الفردية، وهي قيم تسبق الدعوة للعدالة الاجتماعية الجماعية التي ما قامت أعتى الدكتاتوريات في العالم إلا باسمها .
لقد تنكبت الحركات عن الجادة القويمة مرة أخرى عندما تعلقت بمفاهيم مستلة من متاحف الفكر الإنساني مثل مفهوم (الثورة ) الذي أكل عليه الدهر وشرب ، وصار في ذمة التاريخ ، بعد أن أفل نجم الماركسية ، المفرخ الأساسي للثورات في القرن العشرين ، وانصرمت بانصرامه. إن استقراض مفاهيم مثل (الثورة) و(المجلس الثوري) و(الأراضي المحررة) ..الخ من فكر آفل قد وضع الحركات خارج السياق ، وركنها في تخوم نزعة الحقبة الحالية والمتمثلة في اللبرالية والفردانية والتفكير الهادئ والتخطيط الابتكاري ، وليس السلوك الثوري العنيف و(الجموع الهادرة) التي تغطي قرص الشمس و(القائد الملهم) الذي لا يرد إليه كلمة ،كلها مفردات لا مقام لها ولا مكانة في عالم اليوم .
وكثير ما أذكر لبعض المهتمين بهذا الشأن أنه في ظل الاستقرار الأمني تتميز بعض جوانب الحياة ب(حراك صاعد)، رغم الانتكاسات التي تغشاها نتيجة للتدهور الشامل ، وتقود هذا الحراك (القوة الناعمة ) التي عمادها( الثروة والمعرفة والشعور بالأمان ) . ولكن المتعجلين من أبناء دارفور - سامحهم الله –قد أدخلوا (القوة الخشنة )أي إرادة القتال وثقافة العنف، وبذلك أخذت أحجار الهريمات الصغيرة التي بنيت بشق الأنفس تتفكك وتتداعي أمام أعينهم، والنتيجة ليست انتكاسة في الحراك الصاعد فقط وإنما خسارة كاملة للقيمة المضافة البسيطة التي تراكمت في العقود السابقة . ونتفق مع علي بحر الدين علي دينار في قوله : " أن دارفور دخلت في مرحلة من الخراب ليس له نظير في تاريخ الإقليم منذ تكوينه ... وقد دمرت خلال هذه الفترة ما شارك في بنائه أبناء دارفور لقرون في ديارهم "(22) ويذهب صلاح جلال ذات الاتجاه ويقول " طريق الحرب سيجعل دارفور تدفع الفاتورة مرتين ، الظلم والتهميش ، وويلات الحرب والتدمير "(23)
إن الدعوة إلى المزيد من الحرب لا يمكن وصفها إلا دعوة للقتل من أجل القتل . فقد برر متحدث باسم إحدى حركات مرة سرعة انسحابهم من إحدى المدن التي احتلوها إلى أن الهدف لم يكن البقاء في المدينة وإنما تدمير تحصينات القوات الحكومية وإحداث اكبر قدر من الخسائر في صفوفها . وبالصدفة المحضة كنا نراجع أسماء 37 أسيراً من الجيش السوداني تم إطلاق سراحهم من قبل الحركات بموجب اتفاق معقود ، وباستخدام خاصية فينومولوجيا الأسماء عينها لتحديد أصولهم فإذا بنا نجد الأغلبية من دارفور وتليها أسماء جنوبية ! ، حتى بدا لنا أن ( إحداث أكبر قدر من الخسائر ) ما هو إلا تعبير عن حالة لاواعية من تدمير الذات ( الماسوشتية ).
فإن الذين يبهرهم الاستعراضات العسكرية (الماشوية )- لاحظ حالة حركة العدل والمساواة - ومازالوا يدعون للاستمرار في لعبة الحرب التي أصابت شواظها ولظاها القاصي والداني ، إنما هم أناس يفتقدون بعد النظر، ويفتقرون إلى الحكمة، وحالمون يركضون وراء سراب لا يلوح في الأفق.
وقد أثبتت التجربة أبوجا إن الحركات المسلحة لا تستطيع أن تنال حصصاً إضافية تحت بند (الحق الثوري ) في أية تسوية. كما أن التسوية التي تعتمد المحاصصة السياسية والاقتصادية سوف تجابه بمشاكل عويصة ، ولعل أولها على أي قاعدة تتم تنسيب هذه الأنصبة ؟ على أساس (جغرافي ) أي أن يشمل أهل دارفور برمتهم ؟ بمن فيهم أولئك الذين التزموا جانب الدولة المركزية وحاربوا الخارجين عليها ؟ أم على أساس (ديموغرافي ) على قاعدة " لن ينال من خاننا ثمار نضالنا " ؟ مما يعنى استبعاد (حلف الجنجويد ) مثلاً- الذي يمثل كتلة الاستعراب في المعادلة الاجتماعية في دارفور - ، مما يعني استمرار الحرب بتبدل المواقع . وإن أعطوا سهماً قد كفئوا مرتين ، لأن كتلة الاستعراب - بعد إطلاق يدها في نهب الثروة المحلية- قد تمكنت من سحبها بالكامل تقريباً ، وقد تم تدعيم مركزها الاقتصادي والاجتماعي بالصرف من الخزينة العامة ، وذلك بقيام السلطة المركزية بدفع استحقاقات هذه العلاقة الإستراتيجية عيناً وأموالا . وعندما تطلق هذه الكتلة ذلك الشعار الفاشي " الميت شهيد والحي يستفيد "! فهي تعني ذلك تماماً.
ولعل أخطر ما ذراه الحرب من الآثار على السكان المحليين ذلك الأثر (السيكو-اجتماعي ) ،بمعنى أن هؤلاء الأحرار الأباة جاء من يزعم( تحريرهم ) وأشعل ديارهم فحولهم إلى لاجئين ونازحين جياع يفتقدون المأوى وستجدون الغذاء والكساء والدواء.
ومما لا ريب فيه أن أبلغ الضرر قد نتجت عن عملية استدراج الدولة المركزية لتكون عدوة لبعض الاثنيات ومتحالفة علناً مع أخرى ، ولقد أخلت هذه الوضعية بالتوازن الطبيعي للقوي في الصراع القبلي التاريخي . فهذه الجماعات المسلحة الطارئة سوف تختفي لا محالة ، أو تتحول إلى تنظيمات سياسية مع أية تسوية شاملة ، بينما وجود التوازن القبلي أمر ضروري إلى حين إحداث تحريكات هيكلية تشمل البلد والمجتمع برمتهما ، وعندها يمكن الحديث عن تذويب الولاءات الفرعية وصهر البؤر المفتتة وإزالة عوامل التصادم وإدراج الجميع في التيار العام ، وهذا أمر لا يمكن توقعه إلا في المدى الطويل ، و إلى حين حدوث ذلك فإذا شعر أحد الأطراف بأنه انتصر ؛ فإن ذلك بمثابة كارثة سيكولوجية تعيد تغذية العداء لاستدامته .
لقد روجت الحركات لمفهوم (حقوق الإنسان ) كثيراً ولكنها لم تلتزم به لأن من أبجديات حقوق الإنسان أن يعيش الناس بأمن وسلام وأمل وحرية وكلها معاني منطفئة في الفضاء القتالي مادام الشعار القهري (لا صوت يعلو فوق صوت المعركة) معلقاً ومسلطاً على رقاب الجميع وقد رصدت منظمات حقوق الإنسان فظائع ارتكبتها هذه الحركات على رأسها (القتل خارج القانون ) لكل ذي رأي مخالف أو مفارق بزعم وأد الخلاف في مهده ، وكم من كريم وصموه " بالخيانة والتخاذل وانعدام الكرامة والرجولة ".
يُنقل عن الرئيس الأمريكي الشهير أبراهام لنكولن قوله :" تثيرون حروباً كثيرة ! حسناً .. ولكنكم لا تستطيعوا القتال إلى الأبد " أجل ، إنها لحكمة رائعة ، ليت شعري أن يتبع من في ميدان القتال الآن ، لتكون هذه آخر حروبنا ، ونحقق مآربنا بالنضال السياسي. " لأن الحرب حالة غير سوية وغير إنسانية ، يتصدر فيها الإحساس بالخوف للحفاظ على الذات سلم الأولويات ، وتمثل الحرب أعلى درجات القتل العشوائي ، وأشد الأساليب قسوة وتدميراً تمر بها البشرية فهي كارثة بكل تفاصيلها ..حيث الترقب والذعر والمصير المجهول "(24)( صحفي عراقي ).
موقف النخبة الدارفورية من الحرب
لقد تحدثنا سابقاً كيف أن حركات التمرد في دارفور قد وجدت تأييداً جماهيرياً في بادئ الأمر ، إلا أن مواقف النخبة حيالها قد تباينت ،والنخبة هنا بالتعريف المبسط الذي قدمه الدكتور آدم الزين في قوله: " الأفراد الواعين سياسياً والذين يملكون وعياً سياسياً حول النزاعات مثل المعلمين وطلاب الدراسات العليا وموظفي الخدمة المدنية ، وناشطي التنظيمات المجتمع المدني والمهنيين والقيادات النسائية ولا يشمل الناس العاديين غير المتعلمين ، ولا الطبقة العليا من كبار الموظفين مثل الوزراء والوكلاء "(25). فمنذ بروز أزمة دارفور تباينت مواقف النخبة الدارفورية. وعندما ننظر إلي الهياكل السياسية والإدارية والعسكرية لهذه الحركات نجد القليل من أفراد هذه النخبة مثل المعلمين والموظفين ،أما الأغلبية إما زحت مع المواطنين إلى المدن التي تسيطر عليها الحكومة وواصلت عملها بشكل طبيعي أو لجئت إلى تشاد مع اللاجئين وتولت مهمة القيادة المحلية في إدارة المعسكرات والعمل في المنظمات الدولية .
ولأن عملية تكوين واستيعاب المركزي قد قضى على أي فرصة لتشكل تيار عام نخبوي مستقل في دارفور؛ فإن الإطلالة النخب على الفضاء القتالي دائماً تأتي من خندق حزبي ناقم على السلطة القائمة ، أو مبني على موقف أثني محض أو لتحقيق مآرب مصلحية ذاتية . وقد اتسمت مواقف بعض النخب بروح الانتهازية والنفاق خاصة من بعض فئات المغتربين الذين أوشكوا على إنهاء خدماتهم هناك ورتبوا أمورهم في السودان وأصبح لديهم فائض من الوقت لدخول مدرسة السياسة من جديد .
وأما الذين بقوا في كنف الدولة فربما كمحاولة منهم لتبرئة الذمة إزاء ما يجري أمام أعينهم من قتل وتدمير وتهجير لأهلبهم فقد لجئوا إلى الوجدان الجمعي المتمثل في الدين ،عله يريح ضميرهم ويردع من يرتدع . ويتضح ذلك من بيان أساتذة جامعات دارفور الثلاث ( الفاشر ونيالا وزالنجي )الصادر في فبراير 2004م بعنوان ( بيان لأهل دارفور .. مناشدة بحقن الدماء والاحتكام للشرع )(26)، حيث وقع عليه (160) أستاذا جامعياً. وقد استخدم البيان خطاباً دينياً محضاً ، وما أدل على ذلك أن البيان الذي يتكون من صفحة وربع ، قد احتوى على (17) اقتباساً دينياً من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية . وعلى الرغم من أن الجامعات تأتي على رأس المؤسسات المدنية وأساتذتها يمثلون قمة نخبة المدينية ، فمن الواضح أن أمام المحن والنوائب المدلهمة يغيب التفكير العقلاني عن الجميع، ويلجئون إلى الأسباب العلوية الالتماس النجدة ويتقمصون دور الوعاظ عوض تقديم البدائل الامبريقية القائمة على معطيات عالم الشهادة.
وقد أصابت الحالة عينها من هم في قمة السلطة ، وهي حالة ذهانية تصيب القادة والحكام في الأوقات العصبية تذكروا الحالة التي أصابت القيادة العراقية السابقة قبيل وبعيد الحرب لتتبدى في أقوالهم وأفعالهم السذاجة والتبسيط البالغ تجاه أمر جلل مثل الحرب . رئيس الدولة في السودان يحاول مقارعة الجماعات المسلحة حجة بالحجة ويقول: "تعالوا أنظروا كم أنفقنا على دارفور .. مشروعات التنمية في الولايات الشمالية أقل بكثير من ولايات الغرب .. لتأكيد ذلك يمكننا أن ننقل الذين رفعوا السلاح في دارفور ليطوفوا على الولايات الشمالية لمعرفة مدى التخلف الذي تعيشه مقارنة بدارفور "(28)م يليه نائبه في مقولته " الحساب ولد "(29) ! أي دعونا نحسب كم أنفقنا على دارفور. وما أن تتوقف المعارك بضعة أيام وحتى تطلق تصريحات كبيرة من نوع " الحرب في دارفور انتهت "(30) !. فقد قاد هذا المنطق السفسطائي الصوري إلى حالة من التخبط وفقدان الوجهة وبؤس الرؤية ومحاولات الهروب إلى الأمام ودفن الرؤوس في الرمال والبحث عن حلول وقتية والدعوة ل" مؤتمر الجامع لولايات دارفور لبحث عن السلام والتعايش السلمي وإعادة بناء النسيج " حيث يتضح من المصطلحات المستخدمة في هذا العنوان العريض بأن الأمر لا يتخطى (مؤتمرات الصلح القبلي " وبهذه النظرة الضيقة فقد أضاعت الحكومة زمناً ثميناً في تدارك الأوضاع قبل استفحالها.
مضمار العبور
قد يرى البعض ، ممن يتمثلون بمقولة المفكر الكيني البروفيسور علي المزروعي " بذرة المانجو تنبت في تفتتها" ، أن عملية (همرينج)- أي الضرب بالمطرقة (الشاكوش )- التي جرت على المجتمع الدارفوري – مهما كان مبلغ نتائجها السلبية – فإنها قد أيقظت النيام ونبهت الغافلين ، فلأمل الوحيد أمام أهل دارفور الآن هو استغلال الفرص التي توفرها هذه الهزة والاستعداد لدورة الحكم القادمة ؛ بمعنى أن الحكم في السودان مهما كانت قاهريته وتسلطه محكوم بعمر لا يتعداه إذ ينتهي بالتقادم الطبيعي . وما على القوى الفاعلة في المجتمع الدارفوري إلا أن تتخطى الحراك السلبي المترتب عن حرب ، والاستعداد لهذا الاستحقاق ؛ وذلك بالنظر إلى أفاق جديدة مليئة بالأمل والإشراق، ودون الخشية من تعدد المنابر وتنوع المشارب ، فمن المستحيل صب البشر في قالب واحد ، فالتعدد والتنوع من العوائد الجبلية في المجتمعات والجماعات، بيد أن شرط صحتها الموجبة أن يكون هناك تياراً رئيسياً كاسحاً ،أو شمساً تخفض أضواء الشموس الأخرى .
وعلى الرغم أنه من العسير اختلاق وعاء الإيديولوجي طارئ لحشر الناس فيه إلا أنه من الممكن بذل الجهد لاصطناع إطار مصالحي يجمع مابين القوة السياسية الجديدة المتولدة عن الحركات وجماعات المثقفين (النخبة) وطبقات التجار ورجال الأعمال وسكان المدن من الحضر . ويمكن جذب المجتمع الريفي والبدوي التقليدي بكسب زعماء العشائر والقبائل والإدارة الأهلية ، وبذل الغالي والنفيس للحيلولة دون عودة الكيانات إلى الأحزاب التقليدية التاريخية . هذا الإطار المصالحي (جبهة) لا يذيب العداوات ولا يمحو المرارات الحرب بالكلية ولكن بالعقلانية والمصلحة المشتركة تدفع الجميع إلى الالتقاء في نقطة الوسط والانتقال إلى رحاب جديد (مثال التحالف الكردستاني في العراق والذي كان قبل سنوات عبارة عن جماعات متقاتلة ) كتعبير لجوهر وروح الكينونة الدارفورية.
وغني عن البيان أن سطوة الأحزاب التقليدية قد تقلصت وتراجعت الأيديولوجية الإسلامية عن الفضاء السياسي الدارفوري ،ولذلك فقد باتت الفرصة مواتية لملء هذا الفراغ بمنظومة فكرية جديدة . ورغم أن الحرب قد عمقت النزعة الأثينية ،غير أنه بتوفر الأمن والاستقرار وتحريكات تنموية نسبية سوف تكسد وتتراجع هذه النزعة المفتتة.
ثمة أمكانية( للتخريم) ونمو ذاتياً خارج دائرة الثقافة المركزية المهيمنة ‘أي فصل عرى التواصل وقطع حبال التغذية عن الثقافة النيلية ، بشرط إعمال مبدأ (حق تقرير المصير)، وذلك بعد تحضير الأرضية اللازمة لمكونات الدولة والأمة ، وعلى رأسها"اللغة الجامعة "لتعبر بها الضمير الجمعي وتحل معضلة التفتت اللغوي. فقد حلت جميع الدول الأفريقية جنوب الصحراء هذه المعضلة بفرض لغة المستعمر السابق، وأحيانا غير المستعمر (ارتريا). ويرى أحد الباحثين أنه على ثراء السودان في اللغات ( التي ربت عن المائة لغة) فإن الطريقة التي حجبت بها تلك اللغات عدا العربية عن جدوى التعبيرية البلاغية لصالح اللغة العربية قد أصبحت مدخلاً لوعي بالاضطهاد للناطقين بها .(31) وقد استغلت بعض الجماعات السياسية –واليسارية بخاصة – هذه الحالة ومارست عملية تخويف من خطر هيمنة اللغة العربية وطالبت بحماية اللغات المحلية ، غير أن دوافعها كانت إيديولوجية ومن أجل التعبئة السياسية ضد المجموعات المتنفذة في السلطة ، لأنها لم تكن تقدم أية بدائل مقنعة .
ويرى الدكتور عشاري أحمد محمود أن السريان التاريخي للغة العربية قد أدى إلى انحسار لغات الأقليات بين أهلها مع هيمنة جامعة مانعة للغة العربية(32) . ولأن هذا التيار الجارف لا سبيل إلى سده وصده إلا بموانع حقيقية منها اللغة البديلة التي تتمتع بنفس كفاءة اللغة العربية ؛فإن الفصل في مسألة اللغة في حال اختيار قرار التخريم (حق تقرير المصير ) يصبح ذات أولوية قصوى .
وبكل تأكيد إن الوعي ب(الاضطهاد اللغوي) غير متبلور بشكل كامل وشامل في دارفور كما هو الحال في الجنوب ، حيث تستخدم اللغة العربية (عربي جوبا) بشكل (فضائحي ) أحياناً ، بمعنى استخدام المفردات الجنسية بصورة مباشرة ، فمثلاً كلمة "الزنا" غير موجودة في قاموس المحاكم الأهلية في جوبا حيث يستخدم القاضي والوكيل والشاكي والمتهم مفردة ممارسة الجنس كما هي واردة في الدارجة السودانية( السرية). ومرد ذلك لأن (عربي جوبا) لا وظيفة لها غير (الاتصال) فهم يستخدمونها مجبرين لكثرة اللغات وقلة من يستخدمون الانجليزية ، اللغة الرسمية، وبما أن الود معدوم تجاه هذه اللغة ،لأنه ثمة شعور عميق بالاضطهاد تجاه أربابها ، عائد إلى (ميراث الاسترقاق) والحروب الطويلة ، ومحاولات التعريب والاسلمة القسرية ، فلا غضاضة عندهم أن يتم استخدامها بطريقة (انتقامية ) ودون ستر (تابوهاتها ) وتعمد في فش (مسكوتاتها) .
بينما الوضع مختلف في دارفور عما هو كائن في الجنوب ،لأربعة أسباب رئيسة ، أولها: ارتباط اللغة العربية بالدين الإسلامي ومن ثم أخذها لطابع (القداسة ) . ثانيها : نصف المجتمع في دارفور مستعرب بالكامل دون أن يكون لديه أي خبرة أو وعي تاريخي بالاضطهاد اللغوي. ثالثها : أن الشكوى من هيمنة اللغة العربية تصدر من البعض النخب ذات النزعة اليسارية بينما هنالك من يمجدها ، فمثلا الروائي الدارفوري إبراهيم اسحق يرى في اللغة العربية بأنها " لغة حضارية رائدة مستوفية لطرائق التعبير والأبجدية نزاعة بصورة تاريخية إلى ابتلاع اللغات الأخرى "(33) لا بأس من أن تبتلع تلك اللغات الكثيرة وغير المتلاقية في أي قاسم مشترك .
رابعها :أن الاستعراب الاجتماعي / الثقافي قد تجذر وتوطد في دارفور بصورة لا يختلف إلا بالنسبة عن كثير من مناطق السودان الأخرى كما يقول الدكتور حرير " وضع حد فاصل بين الأفارقة والعرب في السودان ليس شيئاً سهلاً ، لأن أغلب السودانيين يمكن وصفهم بأنهم أفارقة مستعربون ، والعروبة في السودان عبارة عن سمات ثقافية أكثر من كونها عنصر"(34)
ويضيف الباحث الفرنسي (مارك لوفارن )" إن كلمة (عرب) لها معنى ثقافي وليس لها أي علاقة بالعرق والميلشيا التي توصف بأنها عربية لأنها قبائل مستعربة أما القبائل التي نسميها أفريقية مثل الزغاوة والمساليت فإنها هي الأخر كذلك تعتبر عربية بالمعنى الثقافي ولو أن البعض منهم ما يزال يستعمل بعض اللهجات الأفريقية فكلهم إذا يتكلمون العربية وكلهم مسلمون فالمشكلة إذا هي طريقة العيش بين الرعاة الرحل والمزارعين المستقرين فالقبائل المرتحلة يمكن أنها كانت مستقرة في الماضي قد كانت مرتحلة في الماضي فمثلاً قبيلتي الزغاوة والمساليت كانوا من الرحل في حين اليوم يعتبرون من كبار التجار في السودان " (35)
ربما تصبح كل هذه الدواعي بمثابة كوابح لاجمة لنزعة التخريم وداعمة لاتجاه الاندراج في التيار العام. وتقنع الأغلبية بأنها مستعربة وجزء من التيار العام وأن لا حاجة للتخريم ، ففي هذه الحالة لا يبقى أمامها إلا بذل المجهود لإعادة ترميم ما تخرب وصيانة ما دمر.
خلاصات كلية
أولا : ونعيد القول بأن العلة قابعة في الأعماق ، لا شيء أبعد عن حقيقة أكثر من قول الحركات أن قضية دارفور "قضية سياسية " تحل بالوسائل السياسية فقط ، في زعمنا أن الجزء الأساسي من المعضلة قابع في "المكون الثقافي " أو بمعنى آخر أن الفاقد الأساسي يتمثل في الجانب( الحضاري / الثقافي ) وإن الاستسهال – كجزء من العقلية السودانية العامة -وعدم الوعي بهذا التعقيد قد دفع المعالجين إلى حلول مسكنة ووصفات جاهزة . فمعظم المجادلات نجدها تحوم حول الأعراض، والكد والكدح معظمه من أجل ترميم السطوح البرانية ، بينما المعضل كامن في اللب وقابع في الجوهر .
ثانياً : قد يسر غياب الرابط الإيديولوجي والمشروع السياسي المشترك - والذي يتحدى ويصد الجاذبية القطبية المركزية - على الحكومة بأن تقوم بلعبة (الاستلال) أي استلال الأفراد والجماعات من منظوماتها بالإغراء وشراء الذمم وإعادة إنتاج ذات النمط من السلوك " الانتفاع الذاتي " الذي عرفت بها (جماعة الترترب)(ŋ) من التهافت على السيارات الفارهة والبيوت الفخمة والزيجات المتكررة ، وطغي هذا السلوك البغيض مع لعنة ريع النفط الذي أخذ يخلق طبقة جديدة من المتنعمين في الوقت الذي يزداد السواد الأعظم من الشعب بؤساً على بؤسه حتى صرنا نشاهد حالة شبيهة بما يسمى ب(المرض الهولندي ).
ثالثاً : مع دنو موعد الانتخابات عاد الإحساس لدى البعض بأن البلد بات على وشك الانهيار ولدى بعض الآخر أن الذي ينهار هو نظام (المؤتمر الوطني) قياساً لتجارب جرت في السنوات القليلة الماضية ، في كل من كينيا وباكستان وهما بالمصادفة بلدان شبيهان بالسودان في كثير من نواحي التجربة الوطنية في الحكم والإدارة ومستوي تطور الحضاري والاقتصادي رغم ما يبدو من تباين ظاهري ، وقد دلت تجربة كينيا أن نمط احتكار السلطة قد يكون بأساليب ديمقراطية، ودلت تجربة باكستان بأن الجنرال مهما كان مدعوما من القوى الدولية لا يمكن أن يتخطى دورة حكمه الطبيعية وجاءت "مذكرة أوكومبو" لتجعل من مسألة الحكم في السودان حاضرة في جل المحافل والمنابر الدولية مما يعني المزيد من الضغط وعدم استبعاد تطور درامي يحدث في أي لحظة .
رابعا : أخيراً أقر دعاة مشروع (السودان الجديد ) بعجزهم وخيبتهم عن إحداث الانقلاب الحضاري الكلي وتقويض النظام الاجتماعي من الأساس مثلما كانوا ويرومونه عند افتتاحه ، وبات الحديث الآن عن مسار (جدار الفاصل الحضاري) بين الشمال والجنوب ، ويبدو هذا المآل طبيعياً لأن الفرضية أصلاً كانت غير واقعية ، خاصة فإن الوسيلة المستخدمة للوفاء باستحقاقاتها هي العنف المحض .
يقول الصادق المهدي " السودان الجديد تطلع مشروع لكن التبديل بمعنى أن هنالك أجندة ترى أن يطاح بالثقافة العربية الإسلامية في السودان لصالح رؤية ( أفريقية علمانية ) هذا خطأ ، وفي رأي هناك من يفكرون بهذا المنطلق ، هذه في مجملها أجندة خطيرة ، لأن المطلوب هو أن يُراعى أن الهوية العربية الأسلامية في السودان موجودة بقوة ؛ فبالتالي يكون لها حقها ودورها ضمن الاعتراف بالتعددية الثقافية والدينية والمساواة في المواطنة والحقوق العامة للجميع ، هذا هو المطلوب ، ولكن الأجندة الخطيرة هي التي لا تريد أن تتحقق العدالة بين الثقافات والأديان وإنما تريد نوعاً من (الاستبدال الثقافي) " (36)
ومن الواضح أن من اضعف حلقات مشروع (السودان الجديد) سكوته عمداً عن سؤال الهوية أو البنية الروحية التي تحتوي النسق الداخلي للمشروع ، وتكثيف كل الجهد لتحقيق الانتصار العسكري الحاسم وقلب الأوضاع على قاعدة عاليها سافلها .
فكان المشروع على الحق عندما رفض " تكريس ثقافة سودانية على أساس الأصالة المعتمد على النظام القيمي الضابط لأهل الثقافة العربية الإسلامية وبالتالي تحديد هوية السودان كلها كهوية عربية إسلامية " ومحاولة إخضاع الآخرين لمتطلبات الثقافة المهيمنة . ولكن في الوقت ذاته ؛ من غير الممكن أن نطلب من ذوي الهوية العربية الإسلامية التخلي عن تراثهم وثقافتهم في سبيل التصالح والتعايش مع الآخرين . فكان من الممكن إذا ثمة مشروع وطني حقيقي التخطيط لفتح طريق ثالث بتمثل في " استيلاد ثقافة هجينة تستلهم الواقع الثقافي المتعدد وهذا يتضمن بالضرورة خلق القيم المناسبة دون الرجوع إلى مرجعية أصولية واحدة " غير أن الذي حدث هو أن استقطابات إرادة القتال قد أتلفت كل شيء.
خامسا : الخلاصة الأخيرة ، إن الحرب في دارفور كانت مغامرة عسكرية غير محسوبة العواقب أتت بنتائج كارثية ولا ينفع الآن البكاء على الأطلال والواجب هو التفكير في إعادة تعمير أو ترميم ما دمر ، ولا طائل من الأحاديث الفوقية ، اللهم إلا في إطار المجادلة الفكرية ومراكمة المدون من الأفكار ليوم موعود قد يأتي أو لا يأتي .
توصيات فرعية
1- التخلي عن فكرة قيام (كيان سياسي جديد ) عابر للأقاليم لانطفاء مبررات بذل مثل هذا الجهد أمام عدم نجاح تجارب سابقة مماثلة .
2- نبذ العنف وإدانة ممارسيه و السعي لتحقيق الآمال الوطنية والمآرب السياسية بالنضال المدني السلمي .
3- رفض وتسفيه الدعوة الهلامية لبعض حركات دارفور بأن قضيتها تشمل جميع سكان (الهامش) في السودان و الانصراف وعدم الإنصات للدعوات (البارانوية ) التي جبلت عليها قادتها .
4- ضرورة تحديد المسار الكلي بشكل حسام ( اندراج ) أم ( تخريم )؟ ومن ثم بناء أي مشروع على هدى من ذلك .
5- الابتعاد تماماً عن ألأعيب الحركة الشعبية لتحرير السودان وعطفها الكاذب تجاه دارفور ويجب ألا نلدغ من جحر (السودان الجديد ) مرة أخرى .
6- صرف كل الجهود من أجل تكوين (جبهة دارفورية عريضة ) مستفيدين من مخرجات ال(همرينج ) بلملمة شعثها والنفخ في ما تبقى من البؤر الحية في االمجتمع لتظل متقدة ،لعلنا ننجح هذه المرة في تكوين جبهة عريضة تتخطى سلبيات المحاولات السابقة ( جبهة نهضة دارفور مثلاً ) وقد ذكرنا في متن الورقة الطبيعة التكوينية لهذه الجبهة .
7-كبح جموح النزعات المتطرفة الناتجة عن روح الانتقام مثل ( الهروب إلى إسرائيل ) أو الذهاب إليها طوعاً.
8- الاستفادة من( الأنقلاب الديموغرافي ) الماثل في كثير من مدن الوسط بما فيها العاصمة .
9- إحياء الوجه الحضاري لدارفور بنفض الغبار عن التراث التاريخي والقيم والنظم التي سادت طوال اربعمائة عام من عمر سلطنة دارفور لتكون الأساس الفكري لمثل هذه الجبهة .
10- تشيجع التكوينات المدنية لأبناء دارفور ( خاصة الروابط في المهاجر ) بفصم أي عرى بالأحزاب التقليدية أو الحركات العسكرية ودفعها لاسناد هذه الجبهة ماديا ومعنوياً.
11- الرفض والانصراف عن أي تكوينات اصطناعية تنهض على أسس قبلية وعرقية( مجلس شورى القبيلة (س) ورابطة أبناء القبيلة (ص) بالخارج...الخ) والاستعاضة عنها بجذب الزعامة القبلية الأصيلة ( الإدارة الأهلية ) .
12-يجب أن لا يكون هدف الجبهة في المدى القريب الوصول إلى سدة الحكم ، وإنما التركيز على بناء قواعد ثقافية واجتماعية واقتصادية متينة ومن ثم الانطلاق للممارسة السياسية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.