من الآخر أسماء محمد جمعة مدينة مليط في شمال دارفور هذه المدينة الوادعة لسنا في حاجة لان نحكي عنها شيء فالكل يعرفها على لسان الشاعر محمد سعيد العباسي الذي صورها كما رأها ، ولسنا بمجال البحث عن من أسسها فلا أحد يملك دليلا ماديا غير اساطير تاريخية لا يمكن الاعتراف بها حال أغلب المدن السودانية التى سكنها أهل السودان وعاشوا في سلام ، وتلك هي سنة المدن الطبيعية في كل العالم ، ولكن الذي يحتاج الى توضيح هو ما الت اليه الاوضاع في في مليط في السنوات الماضية وخاصة العشرسنوات الاخيرة وبالاخص هذه الايام ، صحيح ان الحكومة تتحمل المسؤولية في إهمال التنمية التى أدت الى احداث دارفور كلها ومن ضمنها مليط التى قطع شريانها الاقتصادي ليضخ في مناطق أخرى الا أن دمه تجمد ولسنا هنا بمجال لوم الحكومة التى تتحمل كل الاوزار على الاطلاق ، ولكن بنفس القدر يتحمل بعض أبناء دارفور العبء في تصعيد واشعال الصراع فهم ايضا ساعدوا على افشال مشاريع التنمية وانشغلوا بمصالح ارجعت دارفور الى الجاهلية الاولي و لعنة الحرب التى اجتاحت دارفرو ليس بسبب عجز الحكومة عن تحقيق التنمية المتوازنة والتهميش السياسي فحسب بل لان ابناء دارفور ايضا ساهموا في تحميل دارفور عبئا اضافيا كان بيدهم رفعه ومواساة اهلهم ، وما حدث في مليط مؤخراً هي قصة من مئات القصص الحزينة التى تشبه كل قصص المدن في دارفور تحكى عن ظلم الابناء المركز في آن واحد . مليط كانت من اغنى واجمل المدن السودانية حتى العام 1989 وتعيش فى ترف من السلام ورخاء المعيشة ، وبين أهلها ود جميل وتواصل نبيل لا يشوبه حقد ولا سواد نيه ، ومليط يسكنها عدد من قبائل دارفور والسودان ولكن اشهرهم الزيادية والبرتي ، وللأمانة والتاريخ ظل الاثنين يتجاوران في سلام وكان البرتى مسالمين أكثر من غيرهم من قبائل المنطقة على الاطلاق لدرجة تضرب بهم الامثال في تجنب المشاكل وخوفهم منها في وقت تصول وتجول فيه القبائل الأخرى التى تعشق البداوة وثقافتها في ذلك الوقت وكلها اليوم تبحث عن السلام . حين وقفت الحركة التجارية مع ليبيا في مطلع التسعينات بدأ الخمول يدب الى جسد مليط المنتعشة وعرفت السياسة الغذرة طريقها الى هناك وسقط ابناء مليط في الامتحان السياسي بعد النجاح في الديمقراطيتين التى لها قصة سنحكيها ، وبدأ الوضع يتغير ووجد أصحاب النفوس المريضة ضالتهم في هوى السياسة فزينت لهم الظروف أنهم قادة وأن القيادة تستدعى اذلال الاخرين وهضم حقوقهم ، وجعلوا من قبائلهم الكروت الرابحة لخدمة مصالحهم والقبائل في غفلة من امرها . هنا لا أود أن أدافع عن قبيلة ولا أتهم أخرى بقدر ما أريد أن أوضح حقيقة تنكرها حكومة ولاية شمال دارفور وتحاول أن تتجمل بما يقبحها ، فالحقيقة تقول العلاقات في شمال دارفور بدأت تتخلخل وتتداعى بمجىء العام 1990 الى أن جاءت فترة الوالي كبر التي وضعت النهاية للعلاقات الاجتماعية ليس بين الزيادية والبرتي بل كل قبائل الشمال ، وأصبحت محلية مليط كغيرها منطقة نزاع لها قصص وحكاوي ولاول مرة ظهر في مليط من يتحدث عن من سكن مليط اولا ويكتب ويزور الحقائق متجاوزا كل المكونات الاخرى ويختصرها في قبيلته ، وأخذت حكومة الولاية تعمل على جعل مدينة مليط مدينة لقبيلة واحدة وما يثبت هذه الحقيقة كشف مرتبات المحلية لهذا العام (بطرفنا) حيث يستأثر بالوظائف فيها ابناء قبيلة الوالي من المعتمد وحتي الغفير وكذلك حكومه الفاشر سلمها الوالي الى ابناء أهله الذين نالوا منها نصيب الاسد بأكثر من 70% الاسماء بطرفنا ، كما قامت حكومة الولاية بتقسيم المحليات حسب القبائل ضمن خطة الاستحواذ والتكسير ولكن كل محلية لها مكانتها في نفس السيد الوالي وكل معتمد له مسافته منه بعض يقترب جدا واخر يتوسط واخر يبعد كثيرا حسب القبيلة والطاعة والولاء ، وعليه فإن الحكومة تعيش في واد السلطة والثروة والمواطنين في واد آخر كله مشاكل وصراعات ليس لها معنى الا عند الوالى فهو وحده يعرف كيف يجعل من الصراعات مصدر قوة ليبقى حاكما، ولذلك الظلم طال كل قبائل شمال دارفور وليس الزيادية باستثناء ، وهم الاكثر احتراقا لانهم يقعون في منطقة نفوذ الوالي ، ولان السيد الوالى محسوب على قبيلته فمن البديهي أن يكون هو سبب اشكال لها مع من تجاور وسبب الاحتقان بين الزيادية والبرتي هو ما تقوم به حكومة الولاية من تقليص لمحليتهم كما هو حاصل و التى منحت لهم اسوة بغيرهم من القبائل فأراضي المحلية المثبتة تاريخيا حواكير تابعة لاداراتهم قد قسمتها الحكومة على محليات مختلفة وحصرت محلية الكومة في مدينة وأحدة فقط هى الكومة، وحدث فعلياً أن قامت حكومة كبر بضم مشروع وادى الرَكَز و كَرمداي لمحلية مليط ، وتبعت العِكِيرشة وسان حيي وتلقونا لادارة البرتي وعين عليهاعمدة من البرتي اسمه محمد عثمان ، بالرغم من وجود عمدة زيادي ، كما تبعت أم قوزين لمحلية ام كدادة وعين عليها عمدة من قبيلة البرتي اسمه صالح ابو شوك ، وكذلك منطقة أم خِزن تبعت لمحلية دار السلام ، وهناك منطقة النَصب التى تبعت لمحلية المالحة ، وكل هذه المناطق تتبع اصلا لمحلية الكومة وكبر يعلم ذلك تماماً ولكن لأنه والى فهو وحده يملك حق الخصم والاضافة والدعم والحرمان وهذا ليس عدلا فهو رجل دولة ويعلم تماما أن مسألة الحواكير هذه حساسة بما يكفي وتحاج الى الحكمة الى حين أن يخرج الله دارفور من ازمتها وتحل حلا ناجعا ، لذلك ما حدث في مليط ليس إنفلات امني ، والا فلماذ كون الوالي لجنة تقصى حقائق ، ولماذا استعان بوساطة من الاخرين ، ولماذا وقعت وثيقة صلح بين الزيادية والبرتي ؟ وعلى اى أساس توسط الميدوب كطرف محايد ؟ ولماذا تم الاتفاق على قيام مؤتمر ؟ انها اجراءات صلح صراع قبلي . الان يؤمن الزيادية بأن هناك خلفية طويلة من الانتهاكات والظلم من قبل الدولة متمثلة في حكومة الولاية لذلك لن يمر هذا الحدث بسهولة صحيح أن الاحداث لم تصل حدا بعيد ولكنها مناسبة فتحت الجراح وهيأت فرصة للمحاسبة والمطالبة بالحقوق ومناسبة حتى يفهم الذين غاصوا في وحل صناعة الصراع أن الوالي يجب أن يختار بين أن يكون رجل لقبيلته أو لحكومته . اذا أحداث مليط ليست انفلات امنى أو أحداث فردية فكم من مرة حدثت الاحداث الفردية في تاريخ القبيلتين راجعوا التاريخ وملفات الشرطة ،و مليط كمدينة لم يسبق أن انتقل اليها الصراع القبلي ولا الانفلات الامنى ولا حتى الجرائم الفردية اذا هناك منطق للاحداث (قنبلة موقوته وانفجرت وياما هناك قنابل في الانتظار ) . لقد شعر أهل شمال دارفور بأن (واليهم ) لا يمثل الدولة وليس مهموم بقضاياهم هو وحكومته التى انتقاها من أهله وأحبابه و أنه لم يعد يفرق بين أن يكون رجل لقبيلته أو رجل للدولة . وبناء على ذلك والي شمال دارفور لم يعد يصلح أن يكون رجل دولة وآن له أن يذهب حتى ولو رأى المؤتمر الوطنى أنه لا يملك رجلا غيره فى شمال دارفور يستحق أن يحل محله .