الأسير عصمت منصور يدخل عامه العشرين في سجون الاحتلال الاسرائيلي، التي دخلها شابا يافعا ابن سبعة عشر عاما في السادس والعشرين من أكتوبر/ تشرين أول 1993 ليتنقل بين زنازين ومعتقلات الاحتلال ويتعرض للتعذيب الشديد رغم صغر سنه إلا أن رباطة جأشه وصموده صنعت منه أسطورة وارادة صلبة في وجه سجانيه الذين أبوْ إلا أن يحاكموه 22 عاما لتدمير معنوياته وهدر كرامته وعمره. لم يستطع العدو الاسرائيلي في محاكمته للأسير عصمت منصور لفترة طويلة تمتد الى 22 عاما، كسر صموده وتحديه وتحويل حياة الأسير الى وحش بين الجدران، بل أن السجان اخطأ في ترتيب حساباته في ان الأسير داخل سجنه وزنزانته يتعلم معاني الانسانية ويتكيف مع سجنه ويرفض إذلال الاحتلال وجبروته ويصر على مشواره النضالي الذي أُسر من أجله وصولا الى تحقيق أماني شعبنا بالحرية والعودة والاستقلال. الأسير عصمت منصور تعلم في مدرسة رفيق دربه القائد الشهيد عمر القاسم عميد الحركة الوطنية الأسيرة ومؤسسها "مانديلا فلسطين" الذي أعطى أمثلة للنضال والمقاومة في عملية معالوت ترشيحا وداخل المعتقل عندما أفرج عن رفاق دربه في قائمة الأسرى في صفقة التبادل عام 1985 ولم يفرج عنه، وأنتاب الاسير عصمت نفس الشعور في صفقة وفاء الأحرار عام 2011 عندما لم يجد اسمه في قائمة الأسرى المفرج عنهم، لأنه يدرك جيدا ان المناضلين لا ييأسون رغم أن رفاقه وأصدقاءه سيغادرون السجن الى الحرية. عصمت منصور تسلم لقب عميد أسرى الجبهة الديمقراطية من رفيق دربه الأسير المحرر جمال أبو صالح الذي أفرج عنه في صفقة وفاء الأحرار بعد اعتقال دام 24 عاماً، ولكن حرية رفاق دربه جعلته يفتح جدار السجن بذاكرته وخياله وقلمه ليعود الى أمه وبيته وقريته دير جرير في رام الله ورفاقه، في جسر العبور الى الحرية التي يراها قاب قوسين أو ادنى ليحاكم الاحتلال ويدمر معتقلاته وزنازينه. فالأسرى في سجون الاحتلال لهم مكانة سامية في ضمير الشعب الفلسطيني وتضحياته وقواه السياسية، ويملكون رسالة تضحية ونضال والذين عبروا عنها في وثيقة الوفاق الوطني "وثيقة الأسرى" التي حملت اسمهم تشريفا وتقديرا لدورهم الوطني، ولكنهم يواصلون مسيرتهم في قهر السجن والسجان ويدعون قوى الشعب الى الوحدة والتلاحم الوطني لأنهم يعون جيدا ان الانقسام والتجزئة في النضال والجغرافيا قد غيّب وأضر بمسيرة التضحية والمقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي وأضعف من معنويات الأسرى في مواجهة سجانيهم. ففي ذكرى اعتقاله العشرين، دونَّ الاسير عصمت منصور القيادي في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين مذكرات اعتقاله ومحاكمته بتهمة المشاركة في عملية استشهادية ضد الاحتلال الاسرائيلي، والذي سجل أدق تفاصيل اعتقاله ومواجهته للسجان وغياهب السجون وزنازينه في كتابه "سجن السجن". حيث انه أمضى سنوات اعتقاله الطوال بمواصلة تحصيله العلمي والثقافي وبات من الرموز الأدبية والثقافية ليس على مستوى الحركة الأسيرة فحسب بل على مستوى الساحة الثقافية الفلسطينية بوجه عام، مما أغاظ وقهر ظلام السجن والسجان. «سجن السجن» للأسير عصمت منصور هو محاكمة إنسانية لدولة الاحتلال ولكل السجانين الذي يغيبون العدالة ظانين انهم محميون بالقوة والغطرسة، واهداء الى رفاق دربه الأسرى المغيبين قسرا وظلما خلف القضبان بل يوقدون بغيابهم قناديل الأمل دون يأس أو ملل، ويطيّره الى الأسرى الأبطال الذين يواجهون الموت البطيء والتعذيب القاسي والاعتقال الإداري، الأسير إبراهيم أبو حجلة عضو المكب السياسي للجبهة الديمقراطية وعضو المجلس المركزي لمنظمة التحرير، وأسرى الأمعاء الخاوية الأسيرين أيمن الشراونة وسامر العيساوي اللذان يخوضان اضرابا مفتوحا عن الطعام رفضا للابعاد والاعتقال وابتزازهما. عصمت منصور يقول في روايته: هنا يسجنون السجين، يسجنون الظل، دون أن يدركوا أن هذا يحرره من أبشع أسر، لأن الاسير ينتصر في اللحظة التي يدرك فيها أن أحلامه وذاكرته غير مسجونة.