لقد أسفرت ردود أفعال المفكرين الليبرالين بشأن الغموض في مفهوم العدالة إلي ثلاثة مفاهيم هي : مفهوم العدالة في الإنصاف , ومفهوم العدالة كحق التملك , ومفهوم العدالة كفضيلة اجتماعية . يقوم مفهوم العدالة في الإنصاف علي التوفيق بين مفهوم الحرية والمساواة , ويري أنه لا يوجد معيار مطلق للتوزيع العادل , وأن التفاوت وعدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية يمكن قبوله فقط إذا كان في مصلحة الأقل تميزا ودون التضحية بمن هم أقل أو أكثر تميزا . أما مفهوم العدالة كحق التملك فقد جاء ردا علي المفهوم السابق وبديلا له , حيث يقوم علي تأكيد الحريات والحقوق الفردية , ويعطي الأولوية لمعيار الأحقية في الامتلاك العادل سواء كان بالاكتساب أو بالنقل والتحويل بعيدا عن أي تدخل . وفي مواجهة المفهومين السابقين نجد مفهوم العدالة كفضيلة اجتماعية , والذي يأخذ في اعتباره المجتمع كقيمة عليا وما يؤدي إليه التضامن والتماسك المجتمعي والفهم المشترك إلي تحقيق الخير العام والمشترك لجميع أفراد المجتمع الذي ينتمون إليه , وتصبح مثل هذه القيم وعلي رأسها قيمه المجتمع هي المعيار الأساسي والأمثل للتوزيع العادل. والحقيقة أن كلمة العدالة تستمد في التراث الغربي من كلمة القانون . وكلمة القانون أصلها اللاتيني واليوناني مرادف لكلمة ' القيد ' أي اللجام الذي يحكم مسيرة الحقيقة , ومن ثم فإن كلمة ' العدالة ' تعني ما هو مطابق للقانون : مفهوم شكلي أساسه أن التشريع , أي الإرادة الشعبية أو الإرادة الحاكمة قد تبلورت في شكل نصوص معلنة هي علامة الحق وما هو عدل . وهذا المفهوم الشكلي تطور خلال القرن التاسع عشر لتدخله عناصر جديدة أساسها أن العدالة قد تكون شكلية , وقد تكون موضوعية , قد تكون مطلقة , وقد تكون ذاتية. والقوانين هامة لإدارة العدالة حتي يكون هناك إمكانية لحماية حقوق الأفراد , ففي تحليل جون لوك ودفاعه عن الأفراد وحقوقهم الأساسية يوضح أهمية القوانين في الدولة , فهي هامة لا كغاية في حد ذاتها , ولكن لأن تطبيقها قيد علي المجتمع يمكن عن طريق تحقيقه أن يكون لكل فرد دوره في المجتمع . فإذا كفت القوانين عن عملها يصبح الأفراد في حالة فوضي مع عدم وجود نظام أو رابطة أو وضوح رؤية , وبالتالي لا تصبح هناك إدارة للعدالة لحماية حقوق الأفراد , ولا توجد هناك إمكانية لحماية الأفراد والمحافظة علي حرياتهم الطبيعية . الطيب خميس [email protected]