ظل الحزب الشيوعي السوداني خلال تاريخه الطويل والمشرق قادراً وفي كل المنعطفات على تحليل الازمة الوطنية السودانية وما يعتريها من مستجدات واختيار الوسائل والتكتيكات السليمة لنهوض الشعب والكفاح من اجل حقوقه المشروعة ولهذا كان تحليله السليم لطبيعة الاستعمار البريطاني وحلفائه من الراسمالية الكمبرادورية وشبه الاقطاع ونادى بجبهة وطنية واسعة من اجل تحرير السودان وحق تقرير المصير وتبنى النضال الجماهيرى كوسيلة لتحقيق الاستقلال وطرح مبكراً الحكم الاقليمي الذاتي لحل قضية الجنوب من منطلق الاعتراف بالتباين الثقافي والعرقي والديني و حق كل الشعوب السودانية في السلطة والثروة وصدح ممثل الحزب الشيوعي السوداني في اول برلمان في عام ۱۹55الاستاذ حسن الطاهر زروق بهذا الطرح والذى لم تستوعبه بعض العقليات السياسية المحدودة في ذلك الوقت فاطلقت نيران مدفعيتها لتدمير واجهاض فكرة الحكم الاقليمي الذاتي للجنوب وظل الحزب يستقطب اوسع جبهة لفكرة الحكم الاقليمي الذاتي للجنوب ولبرنامجه. وباستلام الجنرال ابراهيم عبود للسطلة في نوفمبر۱۹5۸لم تضطرب بصيرة الحزب الشيوعي وبوصلته الفكرية فقام بتحليل طبيعة الانقلاب العسكري كانقلاب قامت به القوي الرجعية مستخدمة كبار قادة الجيش لحماية مصالحها و لقطع الطريق على تطور الثورة السودانية وفي قلبها الحزب الشيوعي السوداني ودعى لتكتيك الجبهة العريضة لاسقاط السلطة الانقلابية واستعادة الحريات الديمقراطية وذلك عبر الاضراب السياسي العام كاداة لحقيق ذلك وتوج هذا التحليل والنضال الصبور بندلاع ثورة اكتوبر ۱۹64وكسب الحزب الشيوعي زخم سياسي وجماهيري مكنه من لعب دور فاعل ومؤثر في الحياة السياسية والفكرية والثقافية في السودان مما اخاف القوي المعادية له فسعت الي حله وحجبه عن الشعب بكل الطرق والوسائل فمهدت القوي المعادية للديمقراطية لانقلاب 25 مايو والذي اتي حاملا شعارات الحزب الشيوعي فخرج الحزب بتحليل طبيعة الانقلاب واوضح ان ما حدث في صبيحة 25 مايو انقلاب عسكري وقيادته من البرجوازية الصغيرة وهي غير قادرة على انجاز برنامج الثورة الوطنية الديمقراطية والشعارات التي ترفعها ما لم تفتحت الطريق الي بناء جبهة وطنية ديمقراطية وفي طليعتها الطبقة العاملة وكان تأيده للانقلاب المايوي وفق هذه الرؤية ودارت الدوار واغرقت السلطة المايوية الثورة السودانية في بحر من الدماء وقذفت بمن ابحروا في امواجها من الشيوعيين وغيرهم الي سلة النسيان والتجاهل وتعززت سلطة الفرد المطلقة وصدق تحليل الحزب الشيوعي تجاه السلطة المايوية وشمر الشيوعيون عن سواعدهم فدعوا الي اسقاط سلطة الفرد والديكتاتورية القبيحة عبر الجبهة العريصة للديمقراطية وانقاذ الوطن بوسيلة الاضراب السياسي وفخاض الشيوعيون معركة اسقاط النظام بعزيمة واصرار فاستشهد كوكبة منهم واستقبلت السجون المئات منهم حتي اشرقت اشعة شمس انتفاضة السادس من ابريل فتفتحت ملايين الازاهير وخاض الحزب الشيوعي معاركه من اجل تعزيز واستدامة الديمقراطية وتحقيق السلام ومن اجل ان يعيش الشعب حياة كريمة وتنمية متوازية وامام اتساع جبهة الديمقراطية والسلام قام انقلاب 30 يونيو ۱۹۸۹ التعيس الذي قطع الطريق على الصراع السياسي فقدم الحزب الشيوعي تحليله عن طبيعة النظام والقوي الطبقية التي تقف خلفه والمتمثلة في الراسمالية الطفيلة المتسربلة بالدين وحدد اداة اسقاط النظلم عن طريق الانتفاضة المحمية وظل الحزب يدعم هذا الاتجاه وتلك الرؤية حتي نصبت نيفاشا خيمتها في ربوع بلادنا فترك الحزب عصاة التحليل وعطل الهارد ديسكك خاصته واصبح يتعامل مع السياسة برزق اليوم باليوم فتخلى عن تحليله لطبيعة السلطة واداوات اسقاطها بل وارتمي في مقاعد مجالسها الملطخة بدماء العديد من الشيوعيين وتاه الحزب في تكتيكات خائبة وعقيمة حتى يومنا هذا لقد فقد الحزب لونه وطعمه ورائحته والسؤال ماذا يريد الحزب الان ؟ هل يريد اسقاط النظام الفاشي؟ وما الوسائل والادوات الكفيلة باسقاط هذه العصابة وما الموقف من قوي الهامش التي تسعي لاسقاط النظام عن طريق الكفاح المسلح؟ الاجابة الشافية لهذه التساؤلات قد تفتح الباب امام الشيوعيين لاستعادة موقعهم في صفوف حركة الثورة القادمة حتماً فياقيادات الحزب الشيوعي لا تدفنوا الحزب الشيوعي في ركام التكتيكات الخائبة.