قال السيد محمد طاهر إيلا والي البحر أن ولايته قد تعاقدت مع 48 طبيبا اخصائيا مصريا للعمل في الولاية وبرر ذلك بقوله أن الأطباء السودانيين لا يرغبون في المجيء للعمل في ولاية البحر الأحمر ولم يكن من خيار آخر أمامه سوى التعاقد مع أطباء أجانب من خارج الحدود. وقبل ذلك أعلن الدكتور مأمون حميدة وزير صحة ولاية الخرطوم الذي يملك جامعة تخرج الأطباء ويملك مستشفيين أو أكثرفي الخرطوم، أعلن قبل فترة من الزمن عن تشجيعه لهجرة الكوادر الطبية إلى الخارج، مشددا على وجود فائض عمالة من الأطباء، وشخّص سيادته الحالة بقوله "ما منزعجين من الهجرة بل نشجع الخطوة"، وتواصل جامعته أثناء ذلك رفد سوق العمل بفائض العمالة باهظ التكلفة. باهظ التكلفة لأن أسر فائض العمالة هذا قد دفعت كثيرا ليحصل ابناؤها على شهادة الطب ،و على وجه الخصوص من جامعة السيد مأمون حميدة. المفترض أن الدولة تنهج سياسات موحدة من بينها، على سبيل المثال لا الحصر، سياسات تحويل النقد الأجنبي للخارج واستخدام العمالة الأجنبية،وأن هذه السياسات الموحدة تسري علي جميع الولايات عوضا عن ترك الأمر لهوى كل وال واجتهاد كل ولاية وإلا تحول الأمر إلى فوضى غير خلاقة لا تحقق مقاصد الحكم اللامركزي وتغري الآخرين بسلوك نفس المسلك. ومنطق العقل يقول أن فائض عمالة الأطباء الموجود في ولاية الخرطوم يمكن استيعاب جزء منه في ولاية البحر الأحمر بنفس أو بأقل من الرواتب والمخصصات التي ستدفع للأطباء المصريين، بدلا من حالة الفوضى التي ابتدعها والي البحر الأحمر المتنفذ. ولم يتخلف المسؤولون في ولاية القضارف عن الإسهام في هذه الفوضى اقتداء بولاية البحر الأحمر، فقد صرح السيد مدير عام وزارة الصحة في ولاية القضارف أن الوزارة تعاني من نقص حاد في التخصصات التي أطلق عليها وصف "نادرة"، خاصة المخ والأعصاب والمجاري البولية،وكشف عن اتجاه وزارته (يعني بتاعتو) للاستعانة بأطباء من جمهورية مصر أسوة بولاية البحر الأحمر. ولاية القضارف لها تجربة سابقة في مجال الاستعانة بالخبرات الأجنبية، فقد شاهدت قبل ثلاث سنوات عمال نظافة من بنغلاديش يرتدون زيا أخضر أو أزرق، لا أذكر تماما، جميلا يسر الناظرين وهم يقومون بالمسح والتلميع في مبنى حكومة الولاية الفخيم الذي يضاهي في فخامته مباني الدوائر الحكومية في البلدان النفطية الخليجية، لكن عندما تغادر المكان يظهر التناقض جليا بين داخل المبنى وخارجه، ففي الداخل العمال البنغاليون منهمكون في الأعمال النظافة، وفي الخارج لا تخطيء العين من يقضون حاجتهم في العراء على بعد خطوات قليلة من ذات المبنى الفخيم. في محاولة منه للقضاء على هذا التناقض الذي يتمثل بعضه في إهدار وسوء توظيف الموارد، قرر والي القضارف السابق السيد كرم الله عباس تحويل المبنى الفخيم إلى مستشفى علّه يكون أكثر نفعا للناس، ولكنهم لم يستطيعوا مع الرجل صبرا ولم يتركوه يهنأ طويلا بمنصبه، فبقي المبنى الفخيم مقرا لحكومة الولاية، وإن اختفى قبل ذلك مشهد عمال النظافة البنغاليين المستفز، وبقي بعضهم يقضون حاجتهم في العراء على مقربة من المبنى الفخيم، وهم في انتظار الأطباء الأشقاء الذين سيأتون من مصر. ترف استقدام الأطباء المصريين لولاية البحر الأحمر، وتلقف ولاية القضارف لنفس الفكرة العبثية المترفة العاطلة من الفطنة، وتجربة توظيف عمال النظافة البنغاليين السابقة في ولاية القضارف، مزيج من الكوميديا السوداء واختلاط غير حكيم للحابل بالنابل. (عبدالله علقم) [email protected]