سلام يا وطن إبنتي إيقان وجدتها سارحة في البعيد.. ومن مقدراتها أنها صاحبة خيال واسع في التصوير والتصور.. سألتها مابك؟! أجابت: إنني أتخيل ما سيؤول إليه الحال في بلادنا عبر الأعوام القادمات.. فعندما أنظر لأرضنا في الشمالية والمساحات التي أعطيت للمستثمرين من مصر وغيرها.. وآتي إلى نهر النيل وقد أعطيت أراضيها لأهل الحجاز والشام.. وآتي للخرطوم فأجد أن المستشفيات قد بيعت وحتى أرض مستشفى العيون لا تجد حتى الآن من يشتريها.. ومدارس سنار بيعت.. ومشروع الجزيرة.. والجنوب قد فصل.. قالت: أخشى أن نصحو ذات صباحٍ ونجد أن منزلنا قد حضر أحدهم بشهادة بحث تثبت ملكيته.. وإن لم يحدث هذا معنا أظنه سيحدث مع غيرنا.. ولكن المؤكد أننا سنذهب لجارنا ونسلِّم عليه بالطريقة الصينية والجار الآخر سنحييه بالطريقة الأثيوبية.. والطريقة البنغالية والماليزية والمصرية والتركية.. وستكون أحياء السودان أحياء متعددة الجنسيات وعندما تشتهي أن تقابل سوداني تسافر مائتين كيلومتر حتى تجد شاحباً مقهوراً أسمر اللون عشان تقول له كيف حالك يا زول!! · عندما دخلت بالأمس إلى أحد مكاتب الإستخدام الخارجي ووجدت حركة دؤوبة.. شباب قلة وشابات كُثر يحملون مؤهلاتهم التي بذلوا فيها الغالي والرخيص.. ممنين أنفسهم بأن ينخرطوا أيادٍ عاملة في سودانٍ أفضل.. فغضت حكومتهم الطرف عنهم وتركتهم نهباً للحاجة والفقر والعوز والبطالة.. تخرجوا من كلياتهم العلمية وطفقوا يبحثون عن وظيفة تعصمهم من ذل الحاجة ولما تنكرت لهم دولتهم حملوا أوراقهم إلى هذه المكاتب في رحلة تشابه رحلات الزبير باشا.. هم/ وهنَّ.. ليختارو المنافي.. ففي نظرهم أن المنافي أرحم لهم من وطنٍ يضيع فيه عمرهم.. ويحتفظ بمؤهلاتهم حتى تنتهي صلاحيتها.. وبكل بساطة تجد مخرج تلفزيوني سائق ركشة.. وأخصائية أشعة تطبع وتصور مستندات.. وطبيبة تعمل على ماكينة آيسكريم.. وتقدم حكومتنا للآخرين من الدول الأخرى كوادرنا الجاهزة على طبق من ذهب.. · الآن نجح البروف حميدة في أغلاق حوادث أطفال جعفر بن عوف.. ونجح في تجفيف مستشفى جعفر بن عوف ونجح في تشريد الأطفال الذين رفضوا الذهاب للأكاديمي.. ونجح في عجز الأكاديمي وابراهيم مالك عن إستيعاب كل هذه الجموع من الأطفال.. ونجح في تنفيذ المنهج.. ونجح د.الخضر في الإشراف على تنفيذ النهج.. وتوقعوا غداً أن تلحق كرنتينة مستشفى الخرطوم بما آل إليه حال المشرحة وغداً الحوادث وبعد غدٍ المجمع الجراحي.. وبعد غد غدٍ النساء والتوليد.. وبعدها نحن سكان ولاية الخرطوم.. وبعدها كل أهل السودان.. الذين إختارو الصمت.. والوقفة الإحتجاجية المعلنة غداً الثلاثاء من النقابات الطبية وأطباء وطلاب وروابط المهن الطبية وإعلاميون من أجل الأطفال.. تمثل صرخة بأعلى الصمت.. تبقى القضية اليوم قضية منهج تنفذه الحكومة.. وتمضى فيه بصورة حثيثة دون مراعاة لمآلات هذا المنهج.. فإغلاق مستشفى جعفر بن عوف هو تمرين منهجي لمدى قبول ما يجري.. وما يجري لازم تنفيذه المتعجل الكثير من الهنَّات.. مما أورث ضحايا كثر.. والآن ونحن نقف في مفترق الطرق ما نتوقعه حسب القراءة الصحيحة لمجريات الأحداث تقول: أن الحكومة تسعى نحو إلغاء مجانية العلاج تحت لافتات متعددة منها على سبيل المثال: هيكلة الخرطوم.. وحتى هذه الهيكلة يمكن أن تدخل في دائرة (كلمة حقٍ أريد بها باطل).. فمستشفى الخرطوم المؤسس في 1909م يخرج من مفهوم الإزالة.. فماذا ننتظر؟! وماذا نفهم؟! ومبروك كل النجاحات.. وسلام يا وطن