إدارة مرور ولاية نهر النيل تنظم حركة سير المركبات بمحلية عطبرة    اللاعبين الأعلى دخلًا بالعالم.. من جاء في القائمة؟    جبريل : مرحباً بأموال الإستثمار الاجنبي في قطاع الصناعة بالسودان    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    بعد رحلة شاقة "بورتسودان.. الدوحة ثم الرباط ونهاية بالخميسات"..بعثة منتخب الشباب تحط رحالها في منتجع ضاية الرومي بالخميسات    على هامش مشاركته في عمومية الفيفا ببانكوك..وفد الاتحاد السوداني ينخرط في اجتماعات متواصلة مع مكاتب الفيفا    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    شاهد بالفيديو.. الرجل السودني الذي ظهر في مقطع مع الراقصة آية أفرو وهو يتغزل فيها يشكو من سخرية الجمهور : (ما تعرضت له من هجوم لم يتعرض له أهل بغداد في زمن التتار)    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان أحمد محمد عوض يتغزل في الحسناء المصرية العاشقة للفن السوداني (زولتنا وحبيبتنا وبنحبها جداً) وساخرون: (انبراش قدام النور والجمهور)    الخارجية تنفي تصريحا بعدم منحها تأشيرة للمبعوث    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    مناوي: وصلتنا اخبار أكيدة ان قيادة مليشات الدعم السريع قامت بإطلاق استنفار جديد لاجتياح الفاشر ونهبها    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    مانشستر يونايتد يهزم نيوكاسل ليعزز آماله في التأهل لبطولة أوروبية    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    بعد حريق.. هبوط اضطراري لطائرة ركاب متجهة إلى السعودية    نهضة بركان من صنع نجومية لفلوران!!؟؟    واشنطن تعلن فرض عقوبات على قائدين بالدعم السريع.. من هما؟    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: لابد من تفعيل آليات وقف القتال في السودان    الكشف عن شرط مورينيو للتدريب في السعودية    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    رسميا.. كأس العرب في قطر    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قبل أن يقع الفاس في الراس " كل الحلقات " مصطفى عبدالجليل يدق ناقوس الخطر محنة النوبيين وإتفاقية مياه النيل والسدو د الورطة


بقلم : بدرالدين حسن علي
بينما أنا منهمك في إعداد حلقات عن محنة النوبيين في شمال السودان وجنوب مصر إستنادا على حديث مصطفى عبدالجليل بدار الجالية السودانية في تورنتو فاجأتني مقالة " كاربة " للكاتب نايف محمد حامد نشرت بموقع " سودانيز أون لاين " يوم الخميس الموافق 14 من مارس الحالي ،وتلتها مقالة الخبيرسلمان محمد احمد سلمان المنشورة بصحيفة حريات بمناسبة اليوم العالمي للمياه " 22 مارس 2013 " .
طبعا نحن معشر الإعلاميين لا نملك مفتاحا لحل المشكلات ، ولا نملك " كلاشينكوفا " للقتال ، ولكنا نملك قلما واعيا لمعرفة الحقيقة ، ولعلكم تلاحظون تراجع مكانة الصحفي و الصحافة من سلطة رابعة –بضم السين – إلى - سلطة –بفتح السين – وانتهى الأمر إلى إمتهان حقيقي لمهنة الصحافة إذا كانت " مهنة ! " ، فالصحفي اليوم يزج به في المعتقلات والسجون ، ويجري تعذيبه ومضايقته في لقمة العيش ، وتحاك ضده المؤامرات والدسائس والتشكيك في وطنيته بهدف إستمالته وتركيعه خاصة في مصر والسودان ، حيث تجري " على عينك يا تاجر" وضع الفصل الأخير من مسرحية " تمزيق " الجسم الصحفي وتكسير الأقلام الشجاعة التي تقاوم بثبات وقوة خارقة ، والغريب في الأمر أن هذا الوضع المخزي في العالم العربي يقابله في العالم المتحضر المزيد من الحريات للعمل الصحفي وبات تمليك الحقائق للصحفيين ألف باء لا تمس ولو بأطراف الأصابع .
صاحبة الجلالة "الصحافة " تحولت في بعض الدول المتخلفة من ملكة إلى جارية تتسكع على أبواب الملوك والرؤساء وبوق يمدح ويمجد ، ووسيلة ترويج وبرو باغندا للأنظمة الإستبدادية بينما يفترض فيها أن تكون السلطة الرابعة ومهمتها الأساسية حتى لا نقول رسالتها ، هي كشف عورات تلك الأنظمة وتقويم إعوجاج المجتمع ورفع الصوت ضد الظلم ، ومواكبة الإنسانية في مسيرتها نحو الرفاه والديمقراطية .
وقبل أن أستعرض ما قاله مصطفى وسليمان ينبغي أن أذكر أهم ما جاء في مقالة نايف ، إذ يؤكد أن التنسيق الأمني بين الدولتين ويعني " مصر والسودان " لم يتوقف تجاه النوبيين في ظل الحكومتين باعتبار أن الدولتين تنظران للنوبيين كمهدد أمني لهما من واقع إمتداد الشعب النوبي في شمال السودان وجنوب مصر ، وسعت الدولتان بكل ما تملكان من طاقة لتغيير التركيبة السكانية في المنطقة باستجلاب الأعراب والصعايدة ، بالإضافة لجعل المنطقة طاردة بإضعاف الخدمات بها حتى يهجرها الناس ، ومن ضمن ذلك المخطط إقامة السدود ، ويشير نايف إلى أن الحكومتين في البلدين يتعاونان في إقامة سدي دال وكجبار ، أنا من مستمعي إذاعة كدنتكار الإسم الموفق لأنها شهدت سقوط أربعة قتلى وعشرين جريحا في مواجهة القوات السودانية النظامية .
سرقة الآثار النوبية لم تتوقف إلا أن نايف يشير تحديدا إلى قصة مستشار الوالي الحالي معتمد دلقو السابق يوسف طاهر والسرقات التي تمت لصالحه في جبل أثري شمال كجبار ، وحرائق النخيل وعدم توصيل الكهرباء واستجلاب مصريين للزراعة في المنطقة النوبية .
وهكذا كما يقول نايف تتعاظم المسؤوليات على النوبيين في الداخل والخارج للدفاع عن وجودهم وهويتهم وإرثهم الحضاري ، حيث أن النوبيين في الماضي كانت مطالبهم خدمية وتنموية ، ولكن في سنوات الإنقاذ العجاف أصبح يتهددهم الفناء الكامل .

قبل أن يقع الفاس في الراس " الحلقة الثانية "
مصطفى عبدالجليل يدق ناقوس الخطر :
إتفاقية مياه النيل ورطة وظاهرة فريدة
كتب : بدرالدين حسن علي

القى الأستاذ مصطفى عبد الجليل محاضرة قيمة بدار الجالية السودانية في تورنتو كان من المفترض أن أحضرها لولا المرض اللعين الذي يداهمني من حين لآخر ، ولكن شلبي تكرم مشكورا بإرسال نص المحاضرة في جزئيها الأول والثاني ضمن إميل " طويل التيلة " ، وبرغم سعادتي بذلك بقدر ما أحزنني ما جاء فيها ، وأكثر ما ميزها الصراحة والوضوح والموضوعية الشديدة التي ميزت طرحه في مسالة في غاية الخطورة وأعني موضوع السدود في السودان وقضية مياه النيل والعلاقات السودانية المصرية ، ثم جاءت ورقة سلمان عن وضع المياه عالميا عبر شرح موضوعي ومفصل ، وعندما اطلعت على الورقتين هالني ما جاء فيهما ، لدرجة أني مصاب الان بشلل " مائي " في العقل والقلب كرهت معه المسرح والسينما و "حاصرتني " المياه من كل الإتجاهات .

حسنا لنبدأ بالمسألة النوبية كواحدة من الملفات الهامة جدا في العلاقات السودانية المصرية ، وجميعنا يعرف الكم الهائل من الدراسات التي صدرت حول العلاقة بين السودان ومصر ، والتي تأرجحت ما بين دراسة جادة ومفيدة ودراسات أخري لامست سطح القضية وتناولتها بكثير جدا من الخجل و العاطفة المشتركة بين الشعبين ، ولكن المسألة النوبية تحتاج إلى المزيد من إلقاء الضوء عليها لأنها ذات تاريخ طويل ومعقد ويحتاج إلى دراية ومعرفة بتفاصيلها ، وتحتاج إلى أمانة وشجاعة في الطرح ، وتفوقها أهمية قضية المياه ولذا كان العنوان " مصطفى عبدالجليل يدق ناقوس الخطر " ولكن سلمان " دق نافوخي " .
ودون الخوض في تفاصيل عن قضية النوبة تتوه بنا عن موضوعية الطرح تجب الإشارة إلى أنها تقريبا تعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي، حينما تم تهجير أهالي النوبة من أرضهم التي عاشوا فيها لآلاف السنوات من أجل بناء خزان أسوان. كما تم تهجير من تبقى منهم في الستينيات لبناء السد العالي، إذ غرقت القرى النوبية تحت مياه بحيرة ناصر. ودأبت الحكومة المصرية على اختصار المسألة النوبية في الخلافات على مقدار التعويض الذي تدين به الحكومة للنوبيين.
لكن المظاهرات التي نظمها عدد من الروابط النوبية مؤخراً حملت مطالب أخرى، على رأسها المطالبة بالحقوق الثقافية والسياسية ، فما هي أبعاد تطورات القضية النوبية في العامين الماضيين،وما هي قضية السدود وإتفاقية مياه النيل ، إن كل ما يتعلق بالقضية النوبية تتعامل معه الدولة السودانية بقرارات استثنائية وليس بقوانين واضحة ومعلنة وكثيرا ما طالب النوبيون والمثقفون بشكل خاص سواء في السودان أو مصر بقانون لإعادة توطين النوبيين وكم لفتوا الإنتباه إلى مخاطر إتفاقية مياه النيل ، ولكن للأسف الشديد ظلوا لسنوات طويلة " يؤذنون في " مالطا " على الرغم من أنها قضية وطنية بالدرجة الأولى ، بل ينبغي أن تكون في صدارة إهتمامات الشعبين السوداني والمصري ، وتجيء قضية المياه لتكمل الحلقة المأساوية .
النوبيون يعانون من تهميش سياسي غير مسبوق وإساءات لا حصر لها ، ولكن لم يحدث أن رفعوا السلاح في وجه الحكومتين السودانية والمصرية ، إنسداد القنوات الشرعية في البلدين يزيد من حدة الأزمة والتي في تقديري الخاص أنها قنبلة موقوتة ، ومن يتابع الأخبار يدرك تماما أن هناك ثمة حركة مسلحة !!! صحيح أن هذه الحركة ليست موجودة على الأرض وتوجهاتها مرفوضة من الشعب النوبي، إلا أن مثل هذه الدعوات تدل على حالة الاحتقان التي يعانى منها الشباب النوبي نتيجة التجاهل والتهميش المتعمد من قبل السلطتين السودانية والمصرية وأيضا النخب السياسية في مصر والسودان .


وبالإضافة إلى الأوضاع السياسية التي تمر بها مصر ويمر بها السودان حاليا ، فإن جذور المشكلة اجتماعية وثقافية أيضاً، لأن النوبيين يشعرون أن هناك نظرة دونية تجاههم وأن هناك تهميش متعمد تجاه كل ما يخص الثقافة والتاريخ النوبي ، ولي صديق نوبي مصري قال لي بالحرف الواحد أن متحف النوبة الذي أسسه اليونسكو وأصر على أن يحمل اسم "متحف النوبة" رفضت الدولة المصرية الاعتراف به أو إدراجه في الخريطة السياحية المصرية،كما قال لي صديق نوبي سوداني أن السودان ومنذ سنين يتاجر بقضية حلايب ، ومن المخجل حقا أن الأحزاب السياسية في البلدين تخلو برامجهم من تبني مطالبهم وهذا ما نسميه " المسكوت عنه !!!
إن الحقيقة الساطعة التي لا مراء فيها أن التيار الإسلامي في السودان ومصر ليس قويا وسط التجمعات النوبية ، ولكن دعونا ننظر في ما قاله مصطفى عبدالجليل وهو الخبير في مسألة السدود والخزانات والمياه .

قبل أن يقع الفاس في الراس "الحلقةالثالثة "
مصطفى عبدالجليل يدق ناقوس الخطر :
إتفاقية مياه النيل ورطة وظاهرة فريدة
كتب : بدرالدين حسن علي
إستعرضنا في الحلقة السابقة بعض ملامح المسألة النوبية ، كمدخل للمحاضرة القيمة التي ألقاها المهندس مصطفى عبدالجليل مختار شلبي بدار الجالية السودانية بتورنتو ، المحاضرة تحمل الكثير من الحقائق المرة المؤلمة ، وتحمل أيضا الكثير من الإتهامات فيما يتعلق بإهدار الموارد المائية في السودان وأخطر ما قاله سكوت الرأي العام .
صديقي الفنان التشكيلي عبدالعظيم إبراهيم " جوجوي " أثارته مقولة حادة لسوداني أعرب فيها عن جهله بالكومبيوتر فتعلم الكومبيوتر ، كذلك مصطفى عبدالجليل مختار شلبي أثارته مقالة لأحد المغتربين السودانيين عندما دافع عن سد كجبار ودال ، ولكن ذاكرة الطفولة عند مصطفى ما تزال رغم سنه ملأى بتلك المشاهد المؤثرة لأبناء حلفا وهم يثورون ويطوفون بمظاهراتهم كل مدن وأحياء السودان رفضا لجريمة إغراق مدينتهم حلفا ذات التاريخ العريق ليس في السودان فحسب بل في العالم أجمع ، وقد شاهدت شخصيا فيلما تلفزيونيا أرسله لي أخي توماس توفيق يحكي عن قصة النوبيين فيما يشبه صراع سيزيف في الدراما الإغريقية القديمة الغريب في الأمر أننا ما زلنا نتصارع أيهما أولا " البيضة أم الدجاجة ؟ ونتصارع أيضا بحكم الجهل وعدم الإطلاع عن " نوبة الشمال ونوبة الجبال " ؟
عدة إتهامات يرسلها شلبي لعل في مقدمتها موقف الشارع السوداني من المحنة ولا يخجل في أن يصفها بالسلبية والإستخفاف الشديدين ، وقد أكرمني الله بزيارة حلفا عدة مرات مع والدي –عليه الرحمة – عندما كان يقوم برحلات مكوكية من أم درمان إلى حلفا بحثا عن العدالة في قضية ورثة إنتهت بخفي حنين ، ولكن بحكم سني في ذلك الوقت كنت مهتما بأهل حلفا الطيبين ، وما تزال ذاكرتي أيضا تحمل الكثير من المشاهد التي لا يمكن أن تنسى .
أعجبني في حديث مصطفى ربطه العام بالخاص ، الإجتماعي بالسياسي ، الجغرافيا والتاريخ ، الأدب والفن ، خاصة وأنا عشت سنينا مع أسرة عبدالمجيد طلسم وبلابله ، ورغم أصولي الشايقية إلا أنني كنت معجبا جدا برقصة وغناء الحلفاويين ، وهذا أيضا ما جعل فناني المفضل العملاق محمد وردي ، وأن يكون هنا في تورنتو صديقي المفضل هو جمال وردي ، أما أخي الثاني بعد سعيد شاهين الذي لم تلده أمي فهو ثامرعلي متولي .
محنة النوبيين موغلة في القدم يصعب عرضها في هذا الحيز الضيق كما يصعب الحديث عنها بالتفصيل ، ولكن مصطفى إستطاع أن يقدم تحليلا ضافيا متتبعا الحكومات السودانية منذ الإستقلال إلى وقتنا الراهن ، ففي عهد الفريق إبراهيم عبود 1958 – 1964 تم التوقيع على إتفاقية مياه النيل مع مصر عام 1959 ، ولم تكن الإتفاقية هي مأساة ذلك العصر فحسب بل صاحبها بناء السدود مع تجاهل تام لرغبة المواطنين الذين عبروا عن رفضهم بإحتجاجات سلمية ، وقد شاهدت بأم عيني كيف واجهت حكومة الفريق عبود تلك الإحتجاجات وكنت طالبا في بداية المرحلة الثانوية ، وحسنا فعل مصطفى عندما تحدث عن الشهداء الذين سقطوا في كجبار ومروي وتحدث أيضا عن السجون وبيوت الأشباح ، وما أشبه الليلة
بالبارحة ، ففي عام 1982 أي بعد مرور نحو خمسين عاما على تلك المأساة قامت قوات الشرطة بقتل عدد من طلبة جامعة جوبا عند إحتجاجهم على مشروع قناة جونقلي ، ولا يخفى على فطنة القاريء أن هذه الفترة هي الحكومة العسكرية الثانية التي إنفرد بسلطتها السيد المشير جعفر نميري وهي سبب كل المصائب التي حاقت بالسودان ، وتجيء الحكومة العسكرية الثالثة التي إنفرد بسلطتها عمر البشير ليكمل ما تبقى حتى على مستوى فصل الجنوب عن الشمال !!!
وأوشك رأسي أن يطير وأنا أشاهد منظر الثيران تذبح إحتفالا بفصل الجنوب !!!
قبل أن يقع الفاس في الراس " الحلقة الرابعة "
مصطفى عبدالجليل يدق ناقوس الخطر
إتفاقية مياه النيل والسدود المسخرة
وتلقى فيها النيل بيلمع في الظلام زي سيف مجوهر بالنجوم من غير نظام
بقلم : بدرالدين حسن علي
لا شك أن لسدود الشمال فوائد كبيرة تحققها من خلال الهدف الأساسي وهو توليد
الطاقة الكهربائية، ذلك ما يقوله مصطفى ، وبصفته مهندسا سابقا في و زارة الرى فقد شارك
في دراسات سد مروي ، وكان أشد الناس حماسا لقيام هذا السد. كان ذلك في النصف الثاني
من الثمانينات، وكان مخططا وقتها أن يقوم السد بتمويل من البنك الدولي بدراسة الجدوى التي أعدتها
شركة مونينكو الإستشارية الكندية ، وأبدى موافقته علىتمويل السد بشرط إجراء دراسات بيئية واجتماعية مفصلة .

يقول مصطفى وبوضوح شديد أنه لو قدر لسد مروى أن يقوم وفقا للمواصفات التي وضعت في دراساته الأولية،وبناء على الرؤية الفنية وحدها بعيدا عن التدخلات السياسية لكان الحال قد إختلف تماما ولوجد الدعم من الجميع .
ينبه مصطفى إلى أن فاقد المياه لا ينحصر عند التكلفة المالية بل يتجاوزها الى مردود خطير جدا ، هو التأثير السلبي في علاقة السودان بدول حوض النيل، وهنا يشير إلى الحرب التفاوضية الساخنة التي تدور حاليا بين دول حوض النيل من جهة والسودان ومصر من جهة أخرى ، إنتبهوا لهذه النقطة جيدا.
توقفت طويلا عند نقطة ذكرها مصطفى عبدالجليل " طيرت نافوخي " كما يقولون " لذا أنقلها كما هي دون تدخل مني لأهميتها .
يقول مصطفى بالحرف الواخد : إن السودان سيفقد حقه في أي قطرة من مياه النيل خلال سنوات قليلة .
OH MY GOD عندنا أطول نيل في العالم ونفقد حقنا فيه ؟
هنا تذكرت حديث الخبير السوداني الشهير سلمان محمد احمد سلمان وهو يستعرض إحتفالات العالم باليوم العالمي للمياه في 22 مارس الماضي ، قال سلمان : ونحن نستشرف اليوم العالمي للمياه لعام 2013 علينا أن نعي التحديات الضخمة التي تواجه موارد المياه في السودان ، وأن نفكر ونعمل معا كأفراد وأسر وجمعيات ومنظمات وإتحادات ونقابات وأحزاب وحكومات ومعتمدية وولائية وإقليمية ومركزية من أجل المحافظة على هذا المورد الهام وترشيد إستهلاكه وحمايته وتنميته ، ليس فقط من أجل أنفسنا ، بل من أجل الأجيال القادمة أيضا ." إنتهى حديث سلمان " ولكن حديث مصطفى لم ينته ! فهو يقول أن سليل الفراديس – ويقصد نهر النيل – سيتحول إلى أثر تاريخي ومعلم سياحي نرتاده للنزهة والسياحة ، ويسخر قائلا : ربما إختلسنا منه رشفة ماء بعيدا عن أعين الرقيب المصري !!!
OH MY GOD أبعد هذا هل نستطيع أن نرمي مصطفى بالجنون ؟ لا حاشاك يا مصطفى أن نرميك بالجنون ، نحن المجانين لأننا لم ننتبه كالعادة ، المياه في وادي وحكومتنا في وادي آخر !!!
صدقوني مصطفى " ما بهظر " ، وضعه كخبير ومسؤول لا يسمح له بذلك هو فقط يدق ناقوس الخطر "علينا أن نسرع الخطى ونسابق الزمن لنتبرأ من الإتفاقية قبل أن نتورط في أخري تلوح في الأفق وتضم إليها دول حوض النيل بعد أن تنال حصصا في مياه النيل ، فإذا ما تم هذا التعديل والسودان على ذمة إتفاقية 1958 فعلى نيل بلادنا سلام " .
الله يرحمك يا وردي عندما غنيت للشاعر الكبير صلاح أحمد إبراهيم قصيدته الخالدة " الطير المهاجر " وبدأتها بكلمات : غريب وحيد في غربتو ، حيران يكفكف دمعتو ، حزنان يغالب لوعتو ، ويتمنى بس لأوبتو "
بالله عليكم الله أسمعوا الأغنية دي تاني ، هذه الأغنية بتقطع " مصاريني "
بالله يا طير المهاجر للوطن زمن الخريف ، تطير بسراع أوعك تقيف وتواصل الليل بالصباح تحت المطر وسط الرياح ، وكان تعب منك جناح في السرعة زيد ، وفي بلادنا ترتاح ضل الدليب أريح سكن ، فوت بلاد وإن جيت بلاد تلقى فيها النيل بيلمع في الظلام زي سيف مجوهر بالنجوم من غير نظام وتقول سلام
بالله لاحظوا تعبير الشاعر "تلقى فيها النيل بيلمع في الظلام زي سيف مجوهر بالنجوم من غير نظام !!!
بالطبع لي ملاحظات على من يحكم مصر وملاحظات أكثر على من يحكم السودان ، لكن " المويه " خط أحمر ! والنيل " برضو " خط أحمر !
قبل أن يقع الفاس في الراس " الحلقة الخامسة "
مصطفي عبدالجليل يدق ناقوس الخطر
كان عندكم مويه أشربوا أدونا نشرب ونديكم
بقلم : بدرالدين حسن علي
في مقاله " الدسم " بمناسبة اليوم العالمي للمياه قال سلمان محمد احمد سلمان :يتكون كوكب الأرض من 70%مياه و30%يابسة " وهذا يثير التساؤل هل هو كوكب أرض أم كوكب مياه ؟؟؟
نعم إنه كوكب مياه ، وسلمان كأنما يقول لنا " كان عندكم مويه أشربوا أدونا نشرب ونديكم " .
لقد أصبح موقف دول حوض النيل واضحا من أتفاقية مياه النيل ، فقد تغيرت الأوضاع ، وهذا شيء طبيعي ، بدأت هذه الدول تطالب بحقها في المياه باعتبارها دول المنبع ، وربما يفجر ذلك أوضاعا جديدة ، وفي ذلك يشير مصطفى إلى نقطة جوهرية يجب أن نقف عندها طويلا ، يقول مصطفى : لقد أصبحت الإتفاقية عمليا في حكم المتوفاة ، وغالبا ما تصدر شهادة الوفاة خلال الشهور القادمة بعد أن توقع دول حوض النيل على الإتفاق الإطاري المقترح ، والذي ينهي الإحتكار المصري للمياه ، ولقد بدأت نذر التمرد على الإتفاقية منذ ميلادها .
وفي ذلك يشير مصطفى إلى أن أثيوبيا مثلا وهي أهم مصدر لمياه النيل لم تعترف بها أصلا ، وتنزانيا أعلنت رفضها ، كما سارت كينيا ويوغندا في نفس المنحى .
لقد لفت هذا الصراع الصامت إنتباه العالم ، وسوف تشهد الأيام القادمة محاولة جديدة للوصول إلى إتفاق المتضرر منه مصر والسودان الذي يساند مصر باستحياء ، نعم " إن قراءة الواقع الحالي توجب على السودان الشروع في إلغاء الإتفاقية وهو موقف تمليه المصلحة الوطنية
عندما يقول مصطفى ذلك فإنه لا ينطلق من موقف عاطفي أو عدائي وإنما يستند غلى القانون الذي يمليه عليه الموقف الان ، لذا فهو يعدد تلك المؤشرات الهامة ، وهكذا يشرح بالتحليل الدقيق أسطورة الحديث عن أن مياه النيل خط أحمر ، وأسطورة المؤامرة الإسرائيلية للسيطرة على منابع النيل ، وأسطورة القيد القانوني .
يشرح مصطفى في نحو 25 صفحة مسألة السدود بحديث موضوعي جدا ، فوائده ومخاطره وكيفية التعامل مع قضية السدود ، قضية سدود الشمال ولا أملك إلا ان أحيل القاريء لمزيد من التثقيف الذاتي لهذا الأمر الهام ، وأظن أن هذا هو عصب ما يحاول مصطفى أن يقوله ، فهو يتوقف طويلا عند الدراسات التي صدرت عن السدود ، وعن إغراق الأراضي وتهجير السكان ومخاطر القضاء على ثقافة الشعوب وتدمير الحضارات التاريخية ، وأيضا عن ما يسمى فاقد التبخر .
قبل أن يقع الفاس في الراس" الحلقة السادسة والأخيرة "
مصطفى عبدالجليل يدق ناقوس الخطر
الشمال والوطن هما الخاسر دوما
بقلم : بدرالدين حسن علي
يعز علي كثيرا مفارقة هذا الحديث الهام عن قضية المياه في السودان الوطن العزيز ، وكل هدفي أن لا يؤخذ هذا الأمر بعدم المبالاة ،فقد قلت لصديقي مصطفى كم أود الان أن أهجر المسرح والسينما وان أتجه لدراسة " فن المياه " وأن " أغرق أغرق في السدود " وأن أعرف ما هي واجباتي نحو سد كجبار ودال ، ما هي واجباتي نحو الوطن الذي هو الخاسر الأكبر ؟؟
في السابق تساءلت :ما هو سر تعجل الحكومة لبناء سدود الشمال ؟ وبعد إطلاعي على ما ذكره مصطفى إزددت إقتناعا بأن الهدف هو تحقيق أغراض ومصالح حزبية وشخصية ، وهو ما يسميه مصطفى " غسيل الفساد " .
هو ربما تعبير جديد بعد أن سمعنا كثيرا عن غسيل الأموال فما هو غسيل الفساد ؟
عزيزي القاريء
لقد كثر الحديث عن الفساد في حكومة السودان حتى أصبح يعرفه القاصي والداني ، بل أصبح حديث المنتديات السودانية ، وحديث الصحافة ومعظم الأجهزة الإعلامية ، بل حديث المجتمع الدولي وخاصة المنظمات المعنية ، ولا أظن أن هناك جديدا يمكن أن يقال ، يتتبع مصطفى بكثير جدا من الفراسة والوضوح هذا النبت الشيطاني الذي يسمى وحدة تنفيذ السدود التي تضخمت وأصبحت غولا مفترسا وتعتبر الآن أكبر إمبراطورية في السودان ، يقول مصطفى وهو الخبير والمتابع : لقد أصبحت الوحدة من أكبر وأسخى أصحاب العمل ، وضمت قائمة المتعاملين معها كل أنواع الشركات الأجنبية والمحلية ، وتخطت الصرفيات الشهرية عشرات الملايين من الدولارات .
Oh My God إنها صيحة عمر براق في مسرحيته الشهيرة : نحن نفعل هذا هل تعرفون لماذا ؟
صيحتك يا براق كانت في السبعينات ونحن الآن في عام 2013 ، لقد غابت الشفافية ولف الضباب كل خطوات العمل وتم تهميش كل شيء وأصبحت السرقة " على عينك يا تاجر " و" الما عاجبو يشرب من البحر " .
ولا أجد ختاما أفضل من وصف ما يحدث في بلدي وكما قال مصطفى إنه غسيل الفساد :
Corruption Laundering
الذي يحدث هو بكل المقاييس الدينية الدنيوية ، المحلية والعالمية والرسمية والشعبية هو فساد واستغلال لسلطان الدولة في الحصول على أموال ضخمة ، وهوفساد جماعي منظم ومن خلال أجهزة الدولة المختطفة من قبل حزب المؤتمر اللا وطني .
ها أنا ومصطفى قد قلنا وصرخنا فهل هناك من يسمعنا ؟ نرجو ذلك .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.