اللاعبين الأعلى دخلًا بالعالم.. من جاء في القائمة؟    جبريل : مرحباً بأموال الإستثمار الاجنبي في قطاع الصناعة بالسودان    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    بعد رحلة شاقة "بورتسودان.. الدوحة ثم الرباط ونهاية بالخميسات"..بعثة منتخب الشباب تحط رحالها في منتجع ضاية الرومي بالخميسات    على هامش مشاركته في عمومية الفيفا ببانكوك..وفد الاتحاد السوداني ينخرط في اجتماعات متواصلة مع مكاتب الفيفا    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    شاهد بالفيديو.. الرجل السودني الذي ظهر في مقطع مع الراقصة آية أفرو وهو يتغزل فيها يشكو من سخرية الجمهور : (ما تعرضت له من هجوم لم يتعرض له أهل بغداد في زمن التتار)    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان أحمد محمد عوض يتغزل في الحسناء المصرية العاشقة للفن السوداني (زولتنا وحبيبتنا وبنحبها جداً) وساخرون: (انبراش قدام النور والجمهور)    الخارجية تنفي تصريحا بعدم منحها تأشيرة للمبعوث    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    مناوي: وصلتنا اخبار أكيدة ان قيادة مليشات الدعم السريع قامت بإطلاق استنفار جديد لاجتياح الفاشر ونهبها    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    مانشستر يونايتد يهزم نيوكاسل ليعزز آماله في التأهل لبطولة أوروبية    مطار دنقلا.. مناشدة عاجلة إلى رئيس مجلس السيادة    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    بعد حريق.. هبوط اضطراري لطائرة ركاب متجهة إلى السعودية    نهضة بركان من صنع نجومية لفلوران!!؟؟    واشنطن تعلن فرض عقوبات على قائدين بالدعم السريع.. من هما؟    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: لابد من تفعيل آليات وقف القتال في السودان    الكشف عن شرط مورينيو للتدريب في السعودية    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    رسميا.. كأس العرب في قطر    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إثيوبيا أصل الأزمة ومفتاح الحل أزمة مياه النيل.. مَنْ يَهَبْ لِمن وإلى متي؟
نشر في سودانيزاونلاين يوم 04 - 06 - 2013


استقطاعات:
- يثير الإعلام بصورة متكررة سؤالاً يبدو بديهياً: لماذا أزمة حوض النيل الآن؟ لكن السؤال الأكثر إلحاحا وأقل جاذبية في آن: ماذا حدث منذ عام 1959 إلى الآن؟ والإجابة ببساطة أن حوض النيل امتلأ حتى فاض بسكانه
- الواقع يقول إن الأساس الهيكلي الذي مكن من الاقتسام الثنائي لمياه النيل بين مصر والسودان (اتفاقية 1959)، قد عفا عليه الزمن، ونشأت أوضاع جديدة تتطلب اتفاقاً جديداً يأخذ في الحسبان الوقائع الديموغرافية الناشئة في دول المنبع
- الخلاف دام أكثر من قرن منذ بداية السيطرة البريطانية علي حوض النيل بكامله بهدف تأمين مصالح الإمبراطورية في زراعة القطن في مصر والسودان
- متي تخطت الدول الثلاث الفاعلة في حوض النيل الشرقي (إثيوبيا ومصر والسودان) عقبة التفاوض، فإن اتفاقا إطاريا أوسع مع بقية دول حوض النيل يصبح ممكناً وذا عائد إيجابي للجميع
----------------------
منذ إعلان دول منابع النيل السبع نيتها توقيع اتفاقية إطارية حول إعادة النظر في اقتسام مياه النهر، انفتح أكثر من ملف، قديم وجديد، منها ملفات تعود لزمن الهيمنة الاستعمارية وصولا إلى واقع العلاقات الإفريقية-الإفريقية الراهن. هذا المقال يستعرض تاريخ الأزمة ويقول إنها قديمة –رغم أنها بدت مفاجِئةً لمصر والعرب. وبعيداً عن ردود الأفعال "الوطنية" و"العاطفية" وما أقّرته الاتفاقيات الثنائية التي عقدت بين مصر والسودان من جهة، والاتفاقيات التي سبقتها أيام الهيمنة الاستعمارية البريطانية على القارة، يناقش أسبابها الحقيقية ويقدم حزمة من الحلول النافعة التي من شأنها جعل كل الدول المشاطئة للنيل الاستفادة منه ورفع أسس التعاون بينها، خاصة دول حوض النيل الشرقي- مصر والسودان وإثيوبيا.
---------------------------------------------
إبراهيم النور*
في الستينيات من القرن المنصرم كتب الشاعر السوداني الراحل صلاح أحمد إبراهيم قصيدة على نسق "الهايكو" الياباني (نمط من الشعر يقتصر القصيدة في مقطع قصير ودال). يقول في مقطعها الأساسي: (النيل وخيرات الأرض... ومع ذلك... ومع ذلك..)
ذلك التأسي الحار على عدم الاستفادة الكاملة من مياه النيل في بلد المصب تقابله شكوى أشد مرارة من دولة المنبع التي تمد النيل بنحو 86% من مياهه. فها هو الشاعر الإثيوبي هايلو يوهانس يقول مخاطباً النيل الأزرق (أهم مصادر مياه نهر النيل) ويطلق عليه اسم "أبياي":
لو أن لديك عيوناً ترى
يا نهر أبياي.. يا أيها الخاملُ
لكنتَ رأيت، ولو للحظةِ
ذلك الرجل يكاد يحترق من العطشْ
لكنك هجرتَه وذهبتَ إلى أماكنَ أخرى
لاشيء يُعبّر بعمق عن أزمة المياه في حوض النيل أكثر من كلمات كهذي يطلقها في صدق الخيال الإبداعي تعكس الإحساس بها. وهو إحساس عام ومتوارث. ولكن يبدو أنّ الرأي العام، وعلى الأخص في مصر والمنطقة العربية، فوجئ بالأزمة التي اندلعت في أعقاب توقيع أربع من دول حوض النيل، في عنتيبي، في أوغندا في 14 مايو/ أيار 2010، الاتفاقية الإطارية التي تحكم تقسيم مياه النيل، ورفض كل من مصر والسودان توقيعها معبرين عن إصرارهما علي المحافظة علي حقوقهما التاريخية التي كفلتها اتفاقية 1959 (تعطي مصر55 مليار متر مكعب من مياه النيل والسودان 18.5 مليار متر مكعب قياساً على مستوي النيل عند أسوان).
واقع الدهشة بين الجمهور، المصري بالذات، لا علاقة له بالحقائق التاريخية وبالخلاف والصراع الخافت تارةً، والمرتفع أحيانا بين دول حوض النيل. وهو خلاف دام أكثر من قرن منذ بداية السيطرة البريطانية على حوض النيل بكامله بهدف تأمين مصالح الإمبراطورية في زراعة القطن في مصر والسودان. لكن خبراء المياه في البلدين والدول المشاطئة للنيل كافة يعرفون تفاصيل الصراع وتوجهاته المتعددة .
وجاءت الاتفاقية الإطارية تتويجاً لمحادثات استمرت منذ عام 1999 عند تأسيس "مبادرة حوض النيل". طوال هذه الفترة استمرت محاولات مصر والسودان لحمل باقي دول حوض النيل، أو دول المنبع على الاعتراف باتفاقية 1959 بين مصر والسودان، أو ما يسمي بالحقوق التاريخية لدول المنصب.
الجذور التاريخية لأزمة حوض النيل
- من 1929 إلي 1959
ارتكزت السياسة النيلية للاستعمار البريطاني على تأمين مصالح الصناعة البريطانية واهتمامها بتأمين مصادر زراعة القطن في كل من مصر والسودان؛ وهو ما يفسر الشعور المتزايد لدى الإدارات البريطانية في دول المنبع (أوغندا وشرق إفريقيا) بانحياز سياسة بلادهم إلى دول المصب (مصر والسودان). وفي الوقت نفسه فشلت الإدارة الاستعمارية البريطانية في إقناع إثيوبيا ببناء سد أو سدود في أراضيها تتيح لها (الإدارة البريطانية) التحكم في مجري النيل في كل من السودان ومصر. ولقد استخدمت تلك الإدارة سيطرتها على السودان وعلى مياه النيل كوسيلة مساومة أو تهديد أو ضغط على الحكومة المصرية(1). واكتملت هذه المرحلة المليئة بالمناورات بتوقيع اتفاقية 1929 التي كفلت لمصر حق الرقابة علي النيل في السودان وفي البلدان الواقعة تحت النفوذ البريطاني؛ وأهمّ نصوصها نص يحفظ لمصر حق الانتفاع بجميع مياه النيل وفروعه في الفترة من 19 يناير/ كانون الثاني إلى 15 مايو باستثناء ما تستهلكه مضخات الري في السودان؛ ويحق للسودان، حسب الاتفاقية، رفع منسوب التخزين في خزان سنّار وملئه بالكامل في الفترة من 27 أكتوبر/ تشرين الأول إلى 30 نوفمبر/ تشرين الثاني من كل عام.
قوبلت اتفاقية 1929 بالرفض من قبل السودان قبل وبعد الاستقلال(2)، بل أقدمت أول حكومة بعد الاستقلال على المضي قدماً في تنفيذ امتداد جديد لمشروع عرف ب"امتداد المناقل". وأعلنت إثيوبيا مجدداً رفضها لاتفاقية 1929. ولم توقع تنجانيقا (تنزانيا حالياً) اتفاق توارث أو أيلولة مع المملكة المتحدة؛ وأصدر برلمانها ما عُرف لاحقاً ب"إعلان نايريري"، القاضي بأن "تنجانيقا سوف تستمر لعامين في تطبيق المعاهدات الثنائية التي أبرمتها المملكة المتحدة نيابة عنها، وبعد ذلك فإنها غير ملزمة بهذه الاتفاقات ما لم يتم الاتفاق عليها مجدداً". وحذت أوغندا (1962) وكينيا (1963) حذو تنجانيقا في أعقاب استقلالهما، وكذلك فعلت بوروندي.
لكن معارضة اتفاقية 1929 من جانب دول حوض النيل لم تتعد إعلانات الرفض وعدم المباركة، إذ لم تكن هناك مشاريع فعلية أو إمكانات حقيقية تهدد ما هو قائم فعلاً من تقسيم للمياه. وظل الخلاف الفعلي حول استخدام مياه النيل هو الدائر بين دول المصب (مصر والسودان)، وتملكان وحدهما إمكانات لاستخدام أكبر للمياه بحكم قدراتهما التخزينية. بيد أن "مصر جمال عبد الناصر" كانت سبّاقة في اتخاذ استراتيجية لحماية البلاد من الضغوط الكامنة في حوض النيل؛ فكان قرار بناء السد العالي؛ ودخلت في مفاوضات طويلة ومضنية مع الجانب السوداني لم يحسمها إلا قيام انقلاب متعاطف مع مصر (انقلاب الجنرال عبود في نوفمبر 1958) الذي فتح الطريق لاتفاقية 1959، التي زادت نصيب السودان من 4 مليار إلى 18.5 مليار متر مكعب، وزادت نصيب مصر من 48 إلى 55 مليار متر مكعب . وقوبل هذا الاتفاق 1959 برفض كامل من باقي دول حوض النيل المستقلة ( إثيوبيا حينها) ومن جانب الإدارة الاستعمارية البريطانية بالنيابة عن دول المصب الأخرى.
والمفارقة في اتفاق 1959 أنه لم ينكر حقوق الدول النيلية الأخرى في المطالبة بحصص من مياه النيل؛ نصّت الفقرة 5-1 من الاتفاقية علي الأتي:
" عندما تدعو الحاجة إلى إجراء أي بحث في شؤون مياه النيل مع أي بلد من البلدان الواقعة علي النيل خارج حدود الجمهوريتين، فإن حكومتي جمهورية السودان والجمهورية العربية المتحدة تتفقان علي رأي موحد بشأنه بعد دراسته بمعرفة الهيئة الفنية المشار إليها ويكون هذا الرأي هو الذي تجري الهيئة الاتصال بشأنه مع البلاد المشار إليها".
وفي الفقرة 5-2 نصت الاتفاقية على الأتي:-
"نظراً إلي أن البلاد التي تقع علي النيل غير الجمهوريتين المتعاقدتين تطالب بنصيب في مياه النيل، فقد اتفقت الجمهوريتان علي ان تبحثا سوياً مطالب هذه البلاد، وتتفقا علي رأي موحد بشأنها، وإذا أسفر البحث عن إمكان قبول أي كمية من إيراد النهر تخصص لبلد منها أو لأخر، فإن هذا القدر محسوباً عند أسوان، يخصم مناصفة بينهما".
لكن لم تطالب أي من دول الحوض بمثل هذا النصيب لأن مجرد المطالبة بذلك يعني الاعتراف باتفاقية 1959 وهو ما لن تفعله دول المصدر.
- مياه كثيرة جرت منذ 1959
يثير الإعلام سؤالاً يبدو بديهياً: لماذا أزمة حوض النيل الآن؟ لكن السؤال الأكثر إلحاحا وأقل جاذبية في آن: ماذا حدث منذ عام 1959 إلى الآن؟ والإجابة ببساطة أن حوض النيل امتلأ حتى فاض بسكانه، تضاعفوا فتضاعفت احتياجاتهم للمياه وهم ينتقلون من السكن الريفي إلي الحضري؛ تضاعفت ثرواتهم الحيوانية وتسبب التوسع والتمدد الأفقي في الزراعة، بما في ذلك القطع الجائر للغابات، في تقليص ما هو متاح من مراع طبيعية؛ وجاءت موجات جفاف لتغير ليس فقط التوازن بين الرعي والزراعة، بل لتغير كذلك درجة اعتماد السكان علي حوض النيل. وفي ما يلي نذكر جوانب مهمة من العوامل والمتغيرات التي أفضت إلى الأزمة:
1) سكان أكثر: عند توقيع اتفاقية 1959 كان مجموع سكان دول حوض النيل العشر 108 ملايين نسمة؛ أكثر من نصفهم في حوض النيل الشرقي (25 مليون في مصر، 27 مليون في إثيوبيا،11 مليون في السودان، 1.5 مليون في اريتريا). وبحلول عام 2008 تضاعف مجموع سكان حوض النيل أربع مرات (401 مليون)، وسيرتفع العدد إلي 575 مليوناً بحلول عام 2025. وستصبح إثيوبيا (مصدر مياه النيل الأول) أكثر دول الحوض سكاناً (141 مليون) تليها مصر (95 مليوناً) ثم السودان (57 مليوناً).
2) الحضر لا يعتمدون على المطر: كما يحدث في باقي العالم، فإن حوالي نصف سكان دول الحوض في عام 2010 يقطنون فعلاً في الحضريات القائمة. وسيتضاعف عددهم إلي 255 مليون ساكن حضري بحلول عام 2030 بزيادة تعادل 125% عن عددهم في عام 2005. والحجة هي انه لا توجد رقعة حضرية مُعتمِدة علي مياه الأمطار بينما توجد مناطق ريفية مطرية.
3) الماشية والأنعام: يحتل السودان وإثيوبيا المركزين الخامس والسادس علي التولي عالمياً في حجم ثروتهما من الأبقار؛ واعتمدت تلك الثروة بالكامل علي المراعي الطبيعية المطرية. لكن عقوداً من الجفاف والقطع الجائر للغابات والتصحر وتغوّل الزراعة علي المراعي، أدى إلي تزايد اعتماد الثروة الحيوانية علي مياه النيل.
4) جفاف وإيراد نيلي أقل: يواجه حوض النيل، كنظام ايكولوجي، العديد من المؤثرات السلبية على وفرة المياه فيه، بعضها من فعل البشر (القطع الجائر للغابات المسبب المباشر للتصحر والرعي الجائر الذي تتجمع حصيلته وتبين عواقبه في شكل جفاف). لكن الأخطر هي الشواهد المتزايدة للاحتباس الحراري الكوني، كما ثبت في حالة بحيرة فيكتوريا التي يوالي مستوي المياه فيها الانخفاض؛ وحالة الجفاف المتزايد في شرق إفريقيا؛ وانخفاض معدلات الأمطار في الهضبة الأثيوبية. ان الحديث عن الوفرة و"تخمة" الأمطار في دول المنبع حديث لا صلة له بالوقائع العلمية حول الأنظمة الايكولوجية؛ فالاستخدام المكثف والتمدد في الزراعة المطرية يعني في نهاية الأمر إيراداً نيلياً اقل.
دول حوض النيل: السكان ومستوي الدخل
المصدر:
Sources Fetter, Bruce, World Population Projections 1994-95. World Bank, Population Bureau Projections, CIA Word Fact Book'
بعيداً عن نظريات المؤامرة الأكثر رواجاً في المنطقة (بدءاً بالمؤامرة الإسرائيلية وانتهاءً بالخطوط الحمراء الخاصة ب"حرب مياه قادمة")، فإن الواقع يقول إن الأساس الهيكلي الذي مكن من الاقتسام الثنائي لمياه النيل بين مصر والسودان (أي اتفاقية 1959)، قد عفا عليه الزمن، ونشأت أوضاع جديدة تتطلب اتفاقاً جديداً يأخذ في الحسبان الوقائع الديموغرافية الناشئة في دول المنبع ومخاطر التحولات المناخية. عبّر عن هذه الحقائق د. رشدي سعيد، رائد الأبحاث النيلية في مصر بقوله في حديث صحافي مؤخرا ("المصري اليوم" 25 مايو 2010) "إثيوبيا أصل الأزمة ومفتاح الحل"، منبهاً إلى أنّ "الأزمة تفاقمت خلال الخمسين سنة الماضية فما بالك بحال مصر في 50 سنة قادمة...". ويقول أيضاً "عدد السكان يتزايد والمطالب علي المياه كبيرة في كل حوض النيل وأحذّرُ من أزمة حادة كبيرة ستواجه مصر خلال السنوات المقبلة بما يدعو لوجود رؤية جيدة لها".
سيناريوهات الخروج من الأزمة
باستبعاد خيارات التهويش الإعلامي من "حرب" و"خطوط حمراء"، فلا يوجد أمام مصر والسودان (الأولي دولة مصب والثانية دولة مصب ومنبع في الوقت نفسه) بدائل استراتيجية كثيرة. المتاح هو استراتيجية تأجيل الحل النهائي اعتماداً على عدم تطابق مواقف دول المنبع، خاصةً كينيا وأوغندا وتنزانيا؛ وهو خيار قصير النظر والعائد معاً. أما في حوض النيل الشرقي وهو الأهم (إذ يسهم ب85 % من الإيرادات)، فإن الاتفاق مع إرتيريا لا يعني الكثير في إطار استراتيجية تأجيل الأزمة. كما لا يمكن أيضا التعويل كثيراً على التحالف الجديد القائم بين متنافسي الأمس (مصر والسودان). فالسودان، مدعوماً بالموارد البترولية، في طريقه إلى الاستخدام الكامل لنصيبه من مياه النيل (خاصة بعد اكتمال سد مروي وتعلية خزان الروصيرص)، مما يعني أنّ السلفة المائية من نصيب لمصر، حسب اتفاق 1959، في طريقها إلي التلاشي. والسودان بوصفه لاعباً وسطياً (دولة مصب ومنبع في الوقت نفسه) لديه أكثر من سبب لتطوير علاقاته المائية مع إثيوبيا. في صورة تفاهم يشمل التبادل الكهربائي والنفطي والاستفادة من تناقص تراكم الطمي في خزاناته المائية عند اكتمال السدود الإثيوبية. وغالباً ستواجه مصر في غضون شهور قليلة سودانين لا سوداناً واحداً وسيكون من الصعب التعويل علي حلف مماثل مع جنوب السودان.
إن الحل الاستراتيجي والأكثر استقراراً هو حل يؤمّن معادلة تفاهم لأهم ثلاث دول في الحوض لشرقي لنهر النيل (إثيوبيا السودان مصر). مثل هذا الاتفاق قد يشمل تخزيناً أفضل للمياه في ظروف تتفادى حصول خسائر هائلة في المياه نتيجة للتبخر (كما هو حادث فعلاً في شمال السودان وجنوب مصر)، ويشمل أيضاً توليداً مشتركاً للطاقة الكهرومائية في مناخ أفضل مثل ذلك السائد في إثيوبيا(3). وسيتطلب مثل ذلك الحل الاستراتيجي ترشيداً لسبل الري غير الفعالة والمُهدِرة للمياه في كل من السودان ومصر، وتغييراً في التركيبة المحصولية بما يوفر في استخدام المياه في مصر التي وصلت لسقف الإنتاجية الزراعية حسب التقنية المتوافرة (وهي استخدمت لعقود فائض نصيب السودان من اتفاقية 1959 – 4 إلى 6 مليار متر مكعب) وهو فائض سيختفي ابتداء من العام المقبل. لكن مصر تستطيع ان توفر أكثر من ذلك بكثير عن طريق:-
- ترشيد استخدام المياه محصولياً بإعادة هيكلة النمط المحصولي في اتجاه المنتجات الأقل استهلاكاً للمياه.
- إعادة تدوير كل من مياه الصرف الصحي والصرف الزراعي.
- مشاريع التكامل الزراعي مع السودان التي تستخدم الري التكميلي (أمطار وري) الأقل كلفة واستهلاكاً لمياه الري، خاصة لمحاصيل مثل قصب السكر. ويقتضي ذلك أيضا أن يخفض السودان من سقف استراتيجيته بأن يصبح "سلة غذاء العالم" إلى استراتيجية تجعله "سلة غذاء لحوض النيل الشرقي"، تراعي التوازن بين الاستخدامات المتعددة للأراضي حتي لا يفضي ذلك إلى التصحر والقطع الجائر للغابات، كما فعلت ذلك إستراتيجية السبعينيات التي تبناها حكم جعفر نميري الشمولي (1969 – 1985)، فكان حصاد السودان فقدان 40% من مساحة غاباته. ومتي تخطت الدول الثلاث الفاعلة في حوض النيل الشرقي عقبة التفاوض، فإن اتفاقا إطاريا أوسع مع بقية دول حوض النيل يصبح ممكناً وذا عائد إيجابي للجميع.
ابراهيم النور
* أستاذ مشارك في الجامعة الأمريكية، القاهرة
Ibrahim Elnur,
Associate Professor,
Department of Political Science
American University in Cairo,
(1) انظر طه، فيصل عبد الرحمن علي طه (2005) مياه النيل: السياق التاريخي والقانوني ( ص ص 35-42
(2) انظر مقتطفات من البيان الذي أدلي به عبد الرحمن عبدون، وكيل ري السودان في الجمعية التشريعية السودانية في مايو 1951 قبل إعلان استقلال السودان بخمسة اعوام (مصدر سابق ص ص 215-219
(3) Taha, Fadwa (2010): The History of the Nile Waters in the Sudan, p.213, in Tvedt, Terje (ed.) (2010): The River Nile in the Post-Colonial Age: Conflict and Cooperation among the Nile Basin Countries, The American University in Cairo Press, Cairo.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.