الزمان صيف 1983م عندها لم يتجاوز عمرى عشرة سنوات فى مدينة هيبان (جنوب كردفان) لكن الموقف ظل فى الذاكرة الصلبة حتى الان لقد تعودنا ان نلعب بعد الخروج من المدرسة بالرغم من علمنا ان ذلك ممنوع حسب سلطات المدرسة (ليمتد) لكننا كنا نعرف الخطوط الميتة التى يصلح لللعب ولا يصلح للسير وبينما نحن مندمجون فى لعب كرة القدم سمعنا صوت عربة لورى!! تسألنا جمعنا !(الليلة يوم الشنو ؟) وذلك لان فى هييبان عرباتنا عربة صغيرة تابعة للمجلس واخرى (كركوبة ) لها صوت مميز يعرفه القاصى والدانى وغير ذالك من العربات تدخل هيبان مساء الاحد او صباح الاثنين وهى قادم من البحر(الخرطوم او مدنى) وعربات البضاعة تدخل البلد يوم الخميس كل اهل البلد يعرفون هذا الجدول المنتظيم،وبما ان اليوم السبت كان العجب !! لذلك توقفنا وبدأنا نصتنت للصوت حتى اقتربت العربة عندها تاكدنا انها غربية لكنها لم تتوقف الا داخل مركز البولس فما كان منا الا توجهنا صوب مركز البوليس عندها كان المفاجة فقد وجدنا جميع افراد البوليس مدججين بالسلاح وفى وضع استعداد والغريب الثانى ان العربة كانت خالية من الحقائب السفرية حتى اصحابها كانو غرباء اما الركاب فكان امرهم اغرب وجههم شاهبة كالحة تظهر عليهم كل علامات التعب والارهاق والخوف وملابسهم متسخة وممزقة لاتكاد تستر اجسادهم شبه العارية كانهم خرجوا من عراك عنيف . ماذا يجرى هناك ؟؟؟؟ تلفت يمنى و يسرى عسى ان اسأل احداً ولكن الكل مندهش فالموقف عصيب واخذ البعض يجهش بالبكاء فلم اتمالك نفسى ونزلت دمعى دون ان اعرف السبب تراجعت قليلاً ، عندها تقدم اثنين من رجال الشرطة وصعدوا على العربة وقاموا بانزال جثة ! نعم جثة !!!! جثة بنى ادم يبدو انها مرت عليها ساعات فقد تيبست تماماً ، عندها وضعت يدى فى فمى لعلى اجد فيها ما يريحنى ُحملت الجثة الى الشفخانة وجلس الركاب فى صفوف خلف بعضهم البعض وساد الصمت الرهيب المكان ووجدت نفسى اتراجع قليلاً قليلاً حتى اخر الصفوف وجلست ابكى ! سألنى احد الحضور (مالك تبكى يا ولد ) سكت ثم سألته (ديل مالوم ,والزول الميت دا القتلو شنو ) فكان رده (ديل جابهم كشة من الخرطوم والزول الميت دا مات من التعب لانو كانو لامنهم فى الاستادات بتاع الكورة ) قاطعته (كشوهم عشان شنو) عشان الحكومة قالت ما دايرة الاشكال دى فى العاصمة عندها كرهت الحكومة ولم املك الا ان اعتدى على شجرة الموهقنى التى وجدت نفسى اجلس تحته لانها شجرة الحكومة(هذه تراجيدية حقيقة حدثت فى التاريخ المذكور فى وطنى السودان ) اسماعيل جمعة حماد- هيبان- (جنوب كردفان)