بيان رسمي سعودي بشأن حادث طائرة الرئيس الإيراني    عقار يطّلع على خطة وزارة التربية والتعليم "امتحان الشهادة السودانية"    إخضاع الملك سلمان ل"برنامج علاجي"    إنجاز قياسي.. مانشستر سيتي بطل الدوري الإنجليزي للمرة الرابعة توالياً    عائشة الماجدي: نشطاء القحاتة أشباه الرجال بمرروا في أجندتهم في شهادة الغالي محمد صديق    بسبب إحاطة عاجلة عن رئيس إيران.. بايدن يقطع إجازته    ضباط ينعون الشهيد محمد صديق إثر تصفيته في الأسر من قِبل مليشيا الدعم السريع    إسرائيل والدعم السريع.. أوجه شبه وقواسم مشتركة    سُكتُم بُكتُم    السودان ولبنان وسوريا.. صراعات وأزمات إنسانية مُهملة بسبب الحرب فى غزة    شاهد بالفيديو.. مذيعة تلفزيون السودان تبكي أمام والي الخرطوم "الرجل الذي صمد في حرب السودان ودافع عن مواطني ولايته"    مسيرات تابعة للجيش تستهدف محيط سلاح المدرعات    مصر: لا تخرجوا من المنزل إلا لضرورة    عصر اليوم بمدينة الملك فهد ..صقور الجديان وتنزانيا كلاكيت للمرة الثانية    الطيب علي فرح يكتب: *كيف خاضت المليشيا حربها اسفيرياً*    عبد الواحد، سافر إلى نيروبي عشان يصرف شيك من مليشيا حميدتي    المريخ يستانف تدريباته بعد راحة سلبية وتألق لافت للجدد    تعادل سلبي بين الترجي والأهلي في ذهاب أبطال أفريقيا في تونس    باير ليفركوزن يكتب التاريخ ويصبح أول فريق يتوج بالدوري الألماني دون هزيمة    كباشي يكشف تفاصيل بشأن ورقة الحكومة للتفاوض    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    (ابناء باب سويقة في أختبار أهلي القرن)    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما بعد مقتله
نشر في سودانيزاونلاين يوم 13 - 05 - 2011


نزار حيدر
[email protected]
الارهاب نهج، وليس شخصا، خط وليس فردا، ولذلك فان مقتل احد زعمائه الكبار لا يقضي عليه، قد يضعفه ولكن لا ينهيه، والمشكلة هي ان الولايات المتحدة الاميركية وحليفاتها يتعاملون في حربهم على الارهاب، مع الاشخاص وليس مع المنهج، ولذلك نراهم يقضون على الاشخاص ويحافظون على المنهج، ولهذا السبب الجوهري يستمر الارهاب يحصد الارواح والانفس البريئة في الاتجاهات الاربعة من العالم.
واذا ارادت واشنطن وحليفاتها ان تقضي على الارهاب، فان عليها ان تقضي على النهج الذي يفرخ قادة وزعماء تقتلهم آلتها العسكرية بين الفينة والاخرى، اما كيف يتحقق ذلك؟.
اولا: ان عليها ان تتخلى عن الانظمة السياسية التي تنتج وتغذي وترعى الارهاب بنهجها التكفيري، واقصد بها تحديدا النظام القبلي المتخلف لاسرة آل سعود الحاكم في الجزيرة العربية.
كلنا نعلم، وقبلنا وبعدنا واشنطن، ان النهج التكفيري الذي يعتمده نظام آل سعود، سواء في مؤسسته التعليمية او في مؤسسته الدينية، والذي يساهم مساهمة كبيرة في غسل ادمغة الاجيال الناشئة التي تتعلم الحقد والكراهية وعدم الاعتراف بالاخر واحتكار الحقيقة وقتال من لا ياخذ بنهجهم وطريقة تفكيرهم، ان هذا النهج هو السبب الاول والمباشر وراء موجة الارهاب التي تجتاح العالم منذ قرابة العقدين من الزمن.
وما القتلة الذين يقودون مجموعات العنف والارهاب حول العالم، منهم كبيرهم الذي قتل مؤخرا، الا نتاج لذلك النهج التكفيري، كما ان جيش المغفلين من الشباب الذين غسلت ادمغتهم الالة التعليمية والدينية لهذا النهج ليسوا الا نتاجا له، فكيف تريد واشنطن ان تقضي على الارهاب وهي تحمي المصنع الذي ينتجه؟.
عندما سقط الصنم في بغداد في التاسع من نيسان عام 2003 تحركت مؤسسة آل سعود الحاكمة، وبسرعة قصوى، لتصدر فتاوى التكفير التي حرضت الشباب المغرر بهم على الذهاب الى العراق للانتحار هناك في وسط المواطنين الابرياء والعزل، مدعومين بسيل المال الحرام الذي ينتجه البترول، تحميهم مظلة اعلامية ضخمة صنعت من القتلة ابطالا ومن الضحايا عملاء ومن العراق الجديد ساحة حرب مفتوحة تنتهي بجنودها الى مادبة عشاء في الجنة مع رسول الله (ص) وكل هذا تحت مرأى ومسمع من واشنطن وحليفاتها، ثم نسمع منهم عن عزمهم على محاربة الارهاب في العراق تحديدا، فكيف كانوا يبررون هذا التناقض؟ لا ادري؟ ربما يتصورون ان بامكانهم ان يضحكوا على ذقون الناس؟ لا ادري، ولكن الامر المتيقن منه هو ان الناس لا يخدعهم مثل هذا التناقض ولا تمر عليهم مثل هذه الحيل.
ان على الولايات المتحدة الاميركية ان تثبت جديتها في محاربة الارهاب من خلال العمل بصورة جدية على وضع حد للنهج التكفيري الذي يتبناه نظام آل سعود، ومن اجل اثبات مثل هذه الجدية، فان عليها:
الف: ان تمنح آل سعود مدة زمنية محددة للتخلي عن هذا النهج.
ثانيا: وان تمنحهم مدة زمنية محددة للتخلي عن (الحزب الوهابي) الذي لولا حماية السلطة السياسية لآل سعود له ودعمه بالمال والاعلام وبسط يده على اخطر مؤسستين في البلاد، واقصد بهما المؤسسة التعليمية والمؤسسة الدينية، لما تمكن من ان يصمد بوجه القيم والمبادئ الحضارية التي انتشرت اليوم في كل بقعة من بقاع العالم يوما واحدا.
ثالثا: وان تمنحهم مدة زمنية محددة لتحقيق الاصلاح السياسي المرجو والذي سيساعد ويساهم في القضاء على النهج التكفيري، الاصلاح الذي يعتمد على الحياة الدستورية في ظل نظام سياسي ديمقراطي يراقب المال العام فلا يدع اسرة ما تتصرف به كيف تشاء، خاصة لنشر الكراهية والتبشير بالنهج التكفيري في العالم، وعلى وجه الخصوص في المناطق الفقيرة من آسيا وافريقيا وغيرها من قارات العالم.
رابعا: مراقبة المدارس والمساجد والمراكز (الدينية) التي يديرها الحزب الوهابي في كل بقعة من بقاع العالم، والاسراع في اغلاق المتورط منها في اعمال عنف وارهاب، بما في ذلك المدارس والمساجد والمراكز المنتشرة في الولايات المتحدة الاميركية والعديد من دول اوربا الغربية التي تحرض على العنف والكراهية والتكفير بلا رقيب او حسيب، بالاضافة الى تلك المنتشرة في الهند والباكستان وافغانستان وغيرها من الدول التي تنتشر فيها الشرائح الاجتماعية الفقيرة.
ان خطر مثل هذه المؤسسات لا يقتصر على الغرب فحسب وانما يشمل اولاد المسلمين الذين يدرسون فيها كذلك، ولطالما سمعنا من الاطفال الذين يدرسون في مثل هذه المؤسسات عبارات مثل، كافر، نجس، حرام، يطلقونها على آبائهم او امهاتهم، وعندما نسالهم عن مصدر مثل هذه العبارات واين تعلموها؟ ياتي الجواب بانهم تعلموها في المدرسة (الدينية) الفلانية او المركز (الديني) العلاني، وعند البحث عن مصدر ونهج المدرسة او المركز يتبين لنا بانها تدار خفية وعن بعد من قبل الحزب الوهابي الذي ينثر المال الكثير على هذا (الامام) او ذاك لشراء ولائه، وبالتالي للسيطرة على مؤسسته (الدينية).
ان على المسلمين تحديدا في بلاد الغرب ان ينتبهوا الى ابنائهم فلا يطمئنوا الى اي مدرسة كانت لمجرد انها تحمل اسما دينيا، وان عليهم ان يراقبوا ابناءهم عند العودة من المدرسة للتاكد من انهم لم يتعلموا التكفير والتفخيخ والتفجير والعدوان على الاخر الذي يخالف نهج المدرسة (الديني).
واقول بصراحة، فان التكفير الذي يغذي الارهاب اكثر فتكا بالمجتمع من المخدرات، لان التكفير يمس القلب والعقل والضمير والدين والسلوك، اما المخدرات فبالامكان علاجها لحظة الانتباه اليها.
ثانيا: ان تحسن الولايات المتحدة الاميركية اختيار اصدقائها، فلا تتورط في كل مرة باصدقاء يتبين لها فيما بعد انهم اصدقاء سوء، بعد ان تخدعها بعض الخدمات (الجليلة) التي يقدمها لهم مثل هؤلاء الاصدقاء، كما كان الحال مع الطاغية الذليل صدام حسين الذي ظل صديقا للولايات المتحدة والغرب اكثر من عقدين من الزمن، قدم خلالها لهم الكثير الكثير من الخدمات التي ما كان غيره قادرا على تقديمها، ليتبين لهم، فيما بعد، بانه صديق سوء، ضرره اكثر من نفعه.
او كما هو الحال بالنسبة الى زعيم الارهابيين الذين قتلته الولايات المتحدة مؤخرا، فبعد ان ظل هذا الارهابي صديقا وحليفا لها ولحليفاتها من الدول الغربية ومن انظمة المنطقة، خاصة المملكة العربية السعودية والباكستان، التي تعاونت لتنشئته وصناعته، يقدم لهم الخدمات بالمجان تحت شعارات الدين والمقاومة والجهاد، اذا به ينقلب عليهم جميعا ليصبح المطلوب رقم واحد.
ان على الغرب ان يراهن على صداقة الشعوب وليس على صداقة الحكام، فالحاكم يزول اما الشعب فلن يزول ابدا، انه يتجدد باستمرار، جيلا بعد جيل.
على الغرب ان لا يصدق الاكاذيب التي يطلقها الحكام في البلاد العربية والتي تذهب الى ان شعوب المنطقة همجية لا تعرف معنى الحضارة والمدنية ولذلك لا ينبغي منحها اية فرصة للمشاركة في الشان العام، فهي لا تستحق الحرية لانها عاجزة عن ممارسة السلطة، فذلك يهدد مصالحه الاستراتيجية في المنطقة، ولذلك يحسن بالغرب ان يصادق الحكام اذا اراد ان يحافظ على مصالحه الاستراتيجية هذه.
انها اكذوبة كبرى، فعلى العكس من ذلك، فلقد اثبتت الاحداث الحالية التي يشهدها العالم العربي ان الشعوب اوعى واذكى من الحكام، فاذا ما وجدت الصديق الذي يحترم ارادتها فانها ستمد له يد الصداقة في اطار المصالح المشتركة، وهي، الشعوب، لا تريد ان تحتكر خيرات بلادها لنفسها فتحرم منها العالم وخاصة الغرب، بل على العكس من ذلك فهي تبحث عن مصالحها في اطار المصالح الدولية، خاصة في زمن العولمة ونظام القرية الصغيرة، ولكنها في نفس الوقت لا تريد ان تهب كل ما وهبها الله تعالى من خيرات بالمجان من دون ان تقايضها مع الاخرين، سواء بالتعليم والتكنلوجيا او بالصحة والبناء وما اشبه.
ان مصالح الغرب في بلادنا لا تحميها الا الشعوب، في اطار تبادل المصالح، اما الحكام العاجزين عن حماية انفسهم وانظمتهم المهترئة فلا يقدرون على حمايتها اذا ما قررت الشعوب تحطيمها وتدميرها متى ما شعرت بان الغرب يتعامل مع هذه المصالح بطريقة تعسفية، تعتمد الاستغلال والاستحواذ من دون مقابل الا اللهم مقابل حماية الاسرة الفاسدة الحاكمة في البلاد كما هو الحال مع اسرة آل سعود الفاسدة التي وقع كبيرها مع الولايات المتحدة الاميركية اتفاقية ما بات يعرف بالنفط مقابل امن الاسرة الحاكمة.
ثالثا: كما ان عليها ان تساهم في القضاء على البيئة التي ينمو فيها الارهاب، واقصد بها الديكتاتورية والنظام السياسي الشمولي الاستبدادي، الذي صنعته وتورطت به وورطت به شعوبنا.
لقد ظل الغرب يؤازر الانظمة الشمولية الديكتاتورية في المنطقة العربية كل هذه الفترة الطويلة من الزمن، ضد مصالح شعوبها واراداتها الحرة، ولقد حان الوقت ليتخلى عنها ويتركها لوحدها تلاقي مصيرها المحتوم، اذا اراد ان يقضي على البيئة التي ينمو فيها الارهاب.
في ظل الديكتاتورية لا يشعر المواطن بكرامته، لانه يفتقر الى ابسط اسباب الحياة الكريمة، فهو يفتقر الى فرص التعليم والعمل والتجارة والصحة والمشاركة في الشان العام، فلم يكن امامه الا ان ينتحر كمدا وياسا من الحياة، وعندما يبحث عن الاسباب يجدها في النظام الديكتاتوري الحاكم، فيقرر التغيير من اجل حياة افضل، اذا به يصطدم بقوى خارجية (عظمى) تقف خلف النظام الديكتاتوري تسنده وتؤازره وتدعمه بكل اسباب الديمومة والاستمرار، اذا به يقرر ان يتجه صوب العنف ليشفي غليله، فتتلقفه مجموعات العنف والارهاب لتجنده في صفوفها فيتحول الى حزام ناسف او سيارة مفخخة او طائرة ملغومة.
اما في ظل النظام السياسي الديمقراطي فان المواطن ينشغل بفرص التعليم والبحث والعمل والتجارة والمشاركة في الشان العام، كما انه ينشغل بتطوير بلده وتنمية شعبه وتوظيف خيراته من اجل حياة افضل، ولذلك فهو لا يفكر باللجوء الى العنف والارهاب لانه في غنى عنها، بل العكس هو الصحيح فانه سيحارب كل من يسعى لتوظيف العنف من اجل تحقيق مصالح ذاتية وانانية، لانه سيشعر بان العنف يدمر البلد ويخرب كل فرص الخير، السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية وغير ذلك.
ان الديكتاتورية تقتل كل نوازع الخير وفرص التطور عند المواطن، ما يدفعه دفعا صوب العنف والارهاب، لانه، في هذه الحالة ليس عنده ما يخسره اذا ما فجر نفسه منتحرا، اما في ظل النظام الديمقراطي فان الانسان يجد نفسه وشخصيته وكيانه، وفي ظلها يتمكن من ان يفجر الطاقات الخيرة التي اودعها الله تعالى فيه، من اجل الصالح العام.
وفي ظل الديكتاتوية لا يمكن ان نبني عقليات مسالمة، كما اننا سنفشل في بناء مواطن مسالم يحب الخير للاخرين كما يحبه لنفسه، لان الديكتاتورية في الاساس تقوم على العنف والارهاب والسحق المنظم لحقوق الانسان ومصادرة كل فرص الخير المتاحة للمواطن لتحتكرها زمرة من المحيطين والمنتفعين بالنظام بينهم ابناءه وعشيرته واقاربه، فكيف يمكن ان ننتظر لمثل هذا النظام السياسي ان ينتج عقلا سليما وشعبا مسالما؟.
ان العنف لا ينتج الا العنف، و{الحيف يدعو الى السيف} على حد قول امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام، ولذلك كان يوصي عماله على البلدان بان لا يستخدموا العنف والظلم والارهاب ضد الرعية لان ذلك يعلمهم العنف والارهاب، اذ لا يعقل ان ينتج الارهاب موادعة والعنف سلما، ابدا.
ان على الولايات المتحدة والغرب ان يدعموا عملية التغيير الشاملة التي يشهدها العالم العربي، قلب العالم الاسلامي، اليوم، فلا يقفوا موقفا سلبيا من الثورة الشعبية العارمة التي تكتسح اليوم النظام السياسي العربي الفاسد من اجل اقامة نظام سياسي ديمقراطي يشعر في ظله المواطن العربي بالعزة والكرامة والحرية ويتمتع بحقوقه كاملة غير منقوصة، ليتفرغ لبناء بلده وتنمية قدراته من اجل مستقبل افضل.
ان عليها ان لا تكيل بمكيالين فتدعم ثورة بكل ما اوتيت من جهد سياسي ودبلوماسي ومالي ومن قوة عسكرية كما هو الحال بالنسبة الى ثورة الشعب في ليبيا، وتغض النظر عن ثورة اخرى فلا تصغ الى آلام الشعب الذي يذبح على يد جلاديه من ازلام النظام الحاكم وعلى يد القوات الاجنبية الغازية، كما هو الحال بالنسبة الى ثورة الشعب في البحرين.
ان الموقف المنافق للولايات المتحدة ازاء ثورة الشارع العربي ضد النظام السياسي الفاسد، سيقلل من فرص القضاء على الارهاب، بل انه سيغذي الارهاب ربما باساليب ووسائل جديدة، لان الشعب، اي شعب، الذي لا يشعر بانسانيته سيوجه غضبه وعنفوانه ضد من يتسبب بمعاناته، بدءا بالنظام السياسي الحاكم، وليس انتهاءا بالقوى الدولية التي تدعم مثل هذا النظام وتعينه على قمعه.
ان عليها ان تمارس كل انواع الضغط على حلفائها من الحكام المستبدين، خاصة الاسر الفاسدة الحاكمة في منطقة الخليج، حلفاؤها التقليديون، للكف عن قتل شعوبهم والاصغاء الى مطاليبهم العادلة، والا فانها ستخسر الحكام ومصالحها الاستراتيجية دفعة واحدة.
عليها ان تبادر فورا الى الطلب من حلفائها في الجزيرة العربية، سلطة آل سعود الفاسدة، الى سحب قواتها الغازية من البحرين، لتدع حكومتها وشعبها وشانهم، فان استمرار تواجد هذه القوات الغازية في البحرين يضع المنطقة على كف عفريت، ويفتح الباب على مصراعيه لصراع اقليمي طويل الامد، لا اعتقد بانه من مصلحة الولايات المتحدة الاميركية وحليفاتها باي شكل من الاشكال، وسوف لن تنسى شعوب منطقة الخليج هذا الموقف الاميركي المنافق الا اذا بادرت ادارة الرئيس اوباما وصححته بموقف عملي جديد اكثر ايجابية ازاء ما يجري في البحرين على وجه التحديد، بوابة التغيير في المنطقة.
ان على الولايات المتحدة ان لا تنسى الخطا التاريخي القاتل الذي ارتكبته ازاء الشعب العراقي ابان انتفاضته في العام 1991، عندما دعا الرئيس بوش العراقيين للانتفاض ضد نظام الطاغية صدام حسين واسقاطه، كثمن يجب عليه ان يدفعه بسبب حماقته التي ارتكبها في غزوه الجارة الكويت، فلما استغل العراقيون الظرف المناسب للتحرك ضد النظام الشمولي، اذا بالادارة الاميركية تصدر تعليماتها العاجلة والفورية، بناءا على نصيحة من اسرة آل سعود الفاسدة التي خوفتها من المستقبل من خلال الطعن بولاء الاغلبية، للقيادة العسكرية المركزية في المنطقة مفادها ان اسمحوا للنظام باستخدام الطائرات وكل انواع السلاح الثقيل والفتاك لقمع انتفاضة الشعب العراقي، هذا الخطا التاريخي الذي دفعت ثمنه الادارة الاميركية غاليا بعد ان انهارت بسببه مصداقية الولايات المتحدة عند العراقيين، فلم يعودوا يثقوا بها الى الان.
اتمنى على ادارة الرئيس اوباما ان تراجع ذاك الخطا التاريخي لتتعلم منه، فلا تكرره مرة اخرى، مع شعوب منطقة الخليج، وتحديدا مع شعب البحرين، فبعد ان دار الرئيس اوباما في العالمين العربي والاسلامي مبشرا بالديمقراطية وحقوق الانسان، ضامنا لهم دعم بلاده، وتخليها عن الديكتاتوريات المهترئة، اذا به يتورط باسوأ موقف لاانساني آخر يتمثل بغض الطرف عما يجري في البحرين من قتل على الهوية وتصفيات طائفية وتدمير للبنى التحتية لغالبية الشعب، والتي تصل الى حد جرائم ضد الانسانية.
ان التغيير قادم لا محالة، وافضل للولايات المتحدة وحليفاتها ان يجري التغيير في ظل موقف ايجابي منها، على ان يجري في ظل استعداء مع سبق الاصرار، فايهما ستختار واشنطن؟.
ولتتذكر واشنطن وحليفاتها بان قيم الديمقراطية وحقوق الانسان والحرية والكرامة واحدة لا تتجزأ ابدا.
اخيرا، فان على الولايات المتحدة الاميركية ان تقضي على رؤوس الارهاب وزعماء تنظيماته الخطيرة عندما تقدر وليس عندما تريد، واللبيب من الاشارة يفهم، والعاقل تكفيه الاشارة.
5 مايس (أيار) 2011
ما قبل الانتخابات المبكرة
نزار حيدر
[email protected]
بفخر، ازعم انني اول من دعوت الى انتخابات نيابية مبكرة كافضل طريق نتجاوز فيه مشاكل العملية السياسية الجديدة الجارية في العراق منذ سقوط الصنم في التاسع من نيسان ولحد الان.
كان ذلك بعيد تشكيل الحكومة الحالية التي تجمعت اوصالها على اساس المحاصصة الحزبية باضيق معانيها، لدرجة ان افضل وصف يمكن ان نطلقه عليها كونها حكومة احزاب وكيانات بامتياز.
ولم تكن الدعوة عبثية او لتلهية العراقيين او لقضاء الوقت، ابدا، وانما هي طريقة تلجا اليها الكثير من الشعوب التي تعيش في ظل الانظمة الديمقراطية، عندما تشعر بان حكومتها او برلمانها او حتى السياسيين والزعماء وصلوا الى طريق مسدود، وذلك عندما يكون حاصل الجهد السياسي والتشريعي المبذول على مختلف الاصعدة يساوي صفرا، وهو حال العراق اليوم الذي يدور فيه السياسيون في حلقة مفرغة بلا نتيجة، يختلفون على كل شئ ولا يتفقون على شئ، لدرجة ان العملية السياسية برمتها كادت ان تكون مقفلة ومتجمدة عند نقطة معينة، ما سبب بكل هذا التدهور الامني والاقتصادي والاجتماعي والسياسي والخدمي.
ولقد تحدث الدستور العراقي عن فكرة الانتخابات النيابية المبكرة في المادة (64) بما نصه:
اولا؛ يحل مجلس النواب بالاغلبية المطلقة لعدد اعضائه، بناءا على طلب من ثلث اعضائه، او طلب من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية، ولا يجوز حل المجلس في اثناء مدة استجواب رئيس مجلس الوزراء.
ثانيا؛ يدعو رئيس الجمهورية، عند حل مجلس النواب، الى انتخابات عامة في البلاد خلال مدة اقصاها ستون يوما من تاريخ الحل، ويعد مجلس الوزراء، في هذه الحالة، مستقيلا، ويواصل تصريف الامور اليومية.
واليوم، وبعد مرور قرابة خمسة اشهر على تشكيل الحكومة علت اصوات قادة الكتل السياسية تطالب باجراء انتخابات نيابية مبكرة، وان على استحياء او خوف، للخروج من الازمات المتتالية التي تمر على العراق، وهو في احرج ظروفه وادقها.
ومن اجل ان لا نضحك على انفسنا وان لا نضيع الثمرة المرجوة من الانتخابات المبكرة، ينبغي، قبل ذلك، ان يشرع مجلس النواب العراقي فورا قانونين متلازمين لنفتح الباب على مصراعية امام عملية التغيير والاصلاح المرجوة من كل انتخابات نيابية مبكرة تجري في دول العالم التي تعتمد النظام الديمقراطي، خاصة البرلماني:
الاول؛ هو قانون الاحزاب، والثاني؛ هو قانون الانتخابات، والا فان نتيجة اية انتخابات نيابية مرتقبة، سواء كانت مبكرة او غير مبكرة، سوف لن تتغير عن اخواتها السابقات، لان قانون الانتخابات الحالي يسمح للقط، اذا ما رمي من عل، ان يسقط على قدميه فقط فلن يصيبه مكروه، ولقد قال العراقيون في امثالهم الشعبية القديمة، عندما لا يتغير شئ مع التكرار (نفس الطاس يا عباس) وهذا ما لا نريده للعراق الجديد بكل تاكيد، فالظروف والمرحلة تتطلب اجراء تغيير حقيقي، من اجل تجاوز مخلفات الديكتاتورية ومرحلة ما بعد اسقاط الطاغية الذليل، والتي سببها الثالوث المشؤوم (الفيتو والمحاصصة والتوافق).
ان هذين القانونين مهمين جدا لتطوير العملية السياسية برمتها، وهما يستحقان ان يبذل مجلس النواب قصارى جهده ويصرف جل وقته من اجل تشريعهما في اقرب فرصة، فبدلا من ان ينشغل النواب ويقضون وقتهم، الثمين جدا والغالي، لاصدار تشريعات مثل (قانون الحوانيت المدرسية) و (قانون الغابات والمشاجر) وغيرها من القوانين الثانوية، فان عليهم ان ينشغلوا بما تتوقف عليه مصير العملية السياسية، والنظام الديمقراطي، فلا يتركونه الى الربع ساعة الاخيرة، او الى الدقيقة (90) من المباراة، كما يقولون.
ان امام النواب اليوم فرصة ذهبية ثمينة لانجاز عمل تاريخي يخلدهم، يصحح مسار العملية السياسية ويؤدي الى استقرار البلاد وينهض بالعراقيين الذي عانوا كثيرا لحد الان.
نعود للحديث عن القانونين التوأمين اللذين يجب ان يشرعهما مجلس النواب فورا قبل التفكير باية انتخابات مبكرة.
بالنسبة الى القانون الاول (قانون الاحزاب) فان من غير المعقول ان يظل العراق الجديد الذي يقوم نظامه السياسي الديمقراطي على اساس مبدا التداول السلمي للسلطة في اطار التعددية السياسية، الحزبية، ليس من المعقول ان يظل بلا قانون للاحزاب ينظم عملية تشكيلها وعملها.
واذا عدنا الى الدستور فسيتضح لنا بان كل هذه الاحزاب القائمة حاليا، والتي هي عبارة عن احزاب زمن المعارضة، لا تمتلك اية شرعية دستورية، لانها لم تتاسس على اسس وقواعد دستورية وقانونية واضحة.
لقد تحدث الدستور العراقي في المادة (39) اولا، عن موضوع تشكيل الاحزاب بما نصه (حرية تاسيس الجمعيات والاحزاب السياسية، او الانضمام اليها، مكفولة، وينظم ذلك بقانون) فيما تحدثت المادة (7) اولا من الدستور عن الاطار العام للتعددية السياسية بما نصه (يحضر كل كيان او نهج يتبنى العنصرية او الارهاب او التكفير او التطهير الطائفي، او يحرض او يمهد او يمجد او يروج او يبرر له، وبخاصة البعث الصدامي في العراق ورموزه، وتحت اي مسمى كان، ولا يجوز ان يكون ذلك ضمن التعددية السياسية في العراق، وينظم ذلك بقانون).
في المادتين الدستوريتين المذكورتين اعلاه ينتهي النص بعبارة (وينظم ذلك بقانون) ما يعني ان التعددية الحزبية اليوم في العراق بلا شرعية دستورية، اي انها عارية عن اية مظلة قانونية، ولذلك فان بامكان المواطن العراقي ان يطعن بشرعية كل هذه الاحزاب التي تعمل اليوم في العراق، بما فيها الاحزاب التي تتقاسم السلطة.
هذا من جانب، ومن جانب آخر، فان عدم وجود قانون للاحزاب ينفي الجهة القانونية المخولة التي لها السلطة الدستورية في التدقيق في اهداف ومتبنيات الاحزاب لضمان خلو مناهجها وبرامجها الحزبية من المواصفات المذكورة في المادة (7) اعلاه، ليتم حضرها ومنعها من ممارسة نشاطها.
كما ان عدم وجود قانون للاحزاب ينتهك المادة (39) ثانيا، والتي تنص على انه (لا يجوز اجبار احد على الانضمام الى اي حزب او جمعية او جهة سياسية، او اجباره في الاستمرار في العضوية فيها) لان الدستور الذي كفل حق المواطن، اي مواطن وبلا تمييز، في تاسيس حزب او كيان سياسي، وذلك بنص اولا من المادة المذكورة اعلاه، لا يمكنه اليوم ان يشكل مثل هذا الحزب لغياب قانون الاحزاب، ما يعني انه مجبر اما على الانتماء الى احد الاحزاب الموجودة او يحرم نفسه من الانتماء الى حزب ما اذا لم يقتنع بما هو موجود من الاحزاب السياسية، وفي كلا الحالتين فانه مسلوب الارادة وذلك انتهاك خطير لحقوقه المدنية المنصوص عليها في الدستور.
لقد نصت المادة الاولى من مسودة قانون الاحزاب المعروضة الان امام مجلس النواب لمناقشتها وتشريعها، والتي تشتمل على (11) فصلا في (60) مادة قانونية، على ان الهدف من القانون هو:
اولا؛ تحديد وتنظيم الاحكام والاجراءات المتعلقة بتاسيس الاحزاب السياسية وانشطتها.
ثانيا؛ تحقيق مبدا التعددية السياسية والحزبية القائمة على الشرعية الدستورية.
ثالثا؛ ضمان حرية المواطنين في تاسيس الاحزاب والانضمام اليها.
وكل هذه النقاط اشارة واضحة الى عدم دستورية الحياة الحزبية الحالية في العراق.
كما انه مؤشر على جواز الطعن بالتعددية السياسية الحالية، فضلا عن الاشارة الى الانتهاك الصارخ الذي تتعرض له الحقوق المدنية للمواطن والتي كفلها الدستور العراقي.
وعلى الرغم من اننا نسمع اليوم عن محاولات من قبل مجلس النواب لمناقشة هذه المسودة لتشريعها في اقرب فرصة ممكنة، الا ان الانباء التي تتسرب من اروقة المجلس تشير الى ان متنفذين في بعض الكتل البرلمانية وزعماء الاحزاب الحاكمة لا ترغب بتمرير القانون وهي تبذل قصارى جهدها من اجل عرقلة تمريره في مجلس النواب، واعادة ركنه على الرف حتى يقضي الله امرا كان مفعولا.
والسبب واضح جدا، لان المسودة تتحدث في بعض موادها القانونية عن وجوب اشهار الحزب، اي حزب يتاسس بناء على هذا القانون، عن مصادر تمويله للراي العام، وهذا ما تخشاه جل الاحزاب الحالية، التي تمولها دول واجهزة مخابرات، اقليمية ودولية، فيما تمول بعض هذه الاحزاب نفسها من ميزانية الدولة العراقية، اي من قوت الشعب العراقي وحقوقه المالية على بلاده، فيما تمول بعض هذه الاحزاب نفسها من العمليات الارهابية وعمليات الخطف والقتل والاغتيال والابتزاز وغير ذلك.
هذا من جانب، ومن جانب آخر فان المسودة تتحدث عن شروط محددة لتاسيس حزب، قد تربك عمل الاحزاب الحالية اذا ما تم تشريعها.
فمن الواضح فان الاحزاب الموجودة الان على الساحة، خاصة تلك التي تتقاسم السلطة، تقوم اما على اساس ديني او مذهبي او اثني، ما يعني انها احزاب (غير وطنية) اي لا تعتمد معيار (المواطنة) كشرط للانتماء الى صفوفها، وانما تعتمد معايير مثل الدين او المذهب او الاثنية وبعضها المناطقية وغير ذلك، فيما تنص المادة الثامنة في الفصل الثالث من المسودة على عدم تعارض مبادئ الحزب او اهدافه او برامجه في ممارسة نشاطه مع:
*احكام الدستور.
*مبادئ حقوق الانسان.
*مبدا الوحدة الوطنية.
*مبدا التداول السلمي للسلطة.
ومن الواضح فان اعتماد اية معايير للانتماء الحزبي غير معيار (المواطنة) يعد انتهاكا لكل هذه الاسس القانونية.
لذللك، فانا اعتقد جازما بان هذا القانون سوف لن يمر في مجلس النواب الا بعملية قيصرية اتمنى ان لا تاتي على الام وربما على وليدها.
في هذا الاطار، ادعو منظمات المجتمع المدني واصحاب الاقلام الحرة من كتاب واعلاميين وباحثين ومفكرين، وكذلك المرجعيات الدينية والسياسية، المستقلة تحديدا، الى اطلاق حملة واسعة للضغط على السياسيين، وتحديدا على مجلس النواب، للاسراع في تشريع هذا القانون، والا فان العملية السياسية ستظل ناقصة الشرعية دستوريا، وان اية انتخابات نيابية قادمة لا تعتمد على قانون للاحزاب ستكون انتخابات ناقصة الشرعية، وغير مجدية، لا في عملية التغيير المرتقبة والمامولة، ولا في عملية بناء الدولة الجديدة.
اما بالنسبة الى القانون الثاني، فكلنا يعرف دقة الظروف التي كتب فيها، يوم كانت الكتل الحزبية الكبيرة تسعى للحفاظ على امتيازاتها من عملية احتكار السلطة، ولقد غض كثيرون الطرف عن ذلك ظنا منهم بان هذه الكتل ستكون قادرة على حل مشاكلها فيما بينها من اجل الصالح العام بمرور الزمن، وبما يضمن تحقيق حياة حرة وكريمة ومرفهة للمواطن العراقي، ليتبين فيما بعد بان القانون الذي فصلته هذه الكتل على مقاساتها، تحول الى عقبة كاداء في طريق تحقيق ابسط اهداف المواطن العراقي، ومنها تحقيق مبدا تكافؤ الفرص.
ان القانون الحالي كرس المحاصصة باسوأ صورها والتي فقست كل هذا الكم الهائل من المواقع السيادية ليس لتحقيق متطلبات الحاجة الفعلية، ابدا، وانما لتحقيق التراضي الحزبي، ما اثقل كاهل ميزانية الدولة اموالا طائلة ليس من ورائها اية نتيجة او منافع، سوى ترضية هذا الطرف الاقليمي والدولي او ذاك الطرف السياسي، والا بالله عليكم، اذا كان منصب رئيس الجمهورية في الدستور العراقي تشريفيا اكثر من كونه فعليا، فما فائدة نوابه الذين تريد بعض الاطراف السياسية تعديل قانون نواب الرئيس ليكونوا اربعة بدل الثلاثة الذين نص عليهم القانون بعد ان كانوا اثنان فقط؟.
وما معنى ان تتالف الحكومة من اربع واربعين حقيبة، ليس من بينها لحد الان وزراء ابرز هذه الحقائب، الا وهي الوزارات الامنية؟.
تاسيسا على ذلك، ينبغي على مجلس النواب العراقي ان يعيد النظر فورا بقانون الانتخابات الحالي بما يضمن فتح الطريق امام عملية التغيير الحقيقية المرجوة للعملية السياسية، عبر كسر احتكار السلطة من قبل مجموعة الاحزاب الحاكمة، لنقضي بذلك على المحاصصة والتوافق والفيتو، من خلال تضمين القانون كل ما يحقق المبادئ التالية:
اولا؛ صوت واحد لمواطن واحد.
ثانيا؛ عدم نقل الاصوات من والى القوائم بالمطلق.
ثالثا: تقسيم العراق الى عدد من الدوائر الانتخابية يساوي عدد مقاعد مجلس النواب.
رابعا: اعتماد نظام القائمة المفتوحة بالكامل، من دون اية التباسات، من خلال اسقاط نظام القاسم الانتخابي، واعتماد اكثرية اصوات الناخبين فقط كمعيار للفوز بالمقعد النيابي.
في هذا الصدد، كذلك، ادعو منظمات المجتمع المدني، والمرجعيات الدينية خاصة، التي كان لها الدور المفصلي في اجراء بعض التغييرات على القانون االحالي بنسخته الاولى، الى ممارسة الضغط على مجلس النواب وعلى قادة الكتل البرلمانية والسياسية من اجل اجراء التعديل المطلوب على قانون الانتخابات، والا فان اية دعوة لانتخابات نيابية مبكرة سوف لن تكون اكثر من محاولة جديدة للضحك على الذقون.
ان قانون الانتخابات الحالي ينتهك عدد من المواد الدستورية المتعلقة بحقوق المواطن، فهو من جانب ينتهك المادة (16) التي تنص على ان (تكافؤ الفرص حق مكفول لجميع العراقيين، وتكفل الدولة اتخاذ الاجراءات اللازمة لتحقيق ذلك) فالقانون يحمل المرشح الذي يحصل على عدد اصابع اليد من اصوات الناخبين الى مجلس النواب، فيما يحرم المرشح الذي يحصل على آلاف الاصوات من تبؤ مقعده تحت قبة البرلمان وذلك بسبب عملية النقل والانتقال بين الاصوات.
كما انه ينتهك المادة (20) من الدستور والتي تنص على ان (للمواطنين رجالا ونساءا، حق المشاركة في الشؤون العامة، والتمتع بالحقوقهم السياسية، بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح) فالقانون الحالي يتصرف بصوت الناخب بالضد من ارادته، كما انه يحرم المواطن من حق الترشح في الانتخابات اذا لم ينتم الى احدى القوائم الكبيرة، لضمان نسبة فوز معقولة، ما يعني ان القانون يسلب ارادته الفعلية.
كما ان القانون ينتهك المادة (37) اولا: الف؛ والتي تنص على ان (حرية الانسان وكرامته مصونة) عندما يصوت الناخب على مرشح ما ثم يتبين له بان صوته قد انتقل بفعل القانون الى مرشح آخر، ما يعني ان حريته غير مصونة، وبالتالي فان كرامته غير مصونة هي الاخرى، فكما هو معلوم فان الانسان انما يتمتع بحريته ويصون كرامته عندما يشعر بان الدولة امينة على صوته الانتخابي وليس عندما يعلم بانها نقلت صوته من مرشح لآخر.
ان القانون الحالي الذي انتج المحاصصة ومبدا التراضي وما يسمى بالشراكة الوطنية، حرم العراق من حكومة الاغلبية السياسية، بعد ان الغى المعارضة تحت قبة البرلمان، وكل ذلك ادى الى شل البرلمان عن تادية واجبه الرقابي على السلطة التنفيذية، كما انه شل البرلمان عن تادية واجبه التشريعي بشكل دقيق لان محصلة جهده التشريعي اصبحت اليوم تساوي صفرا، بسبب صراع الارادات الذي لا ينتهي.
1 مايس (أيار) 2011
حتى يغيروا
(22)
العفو..قوة
نزار حيدر
[email protected]
قراءة في حلقات
ان العراق الجديد الذي يحتاج الى ثقافة جديدة، لا بد ان تعتمد التغيير الذاتي اولا.
هذا ما اتفقنا عليه في الحلقات الماضية من هذه القراءة.
وقلنا، بان من الثقافات التي يحتاجها العراق الجديد، هي؛
اولا: ثقافة الحياة
ثانيا: ثقافة التعايش
ثالثا: ثقافة المعرفة
رابعا: ثقافة الحوار
خامسا: ثقافة الجرأة
سادسا: ثقافة الحب
سابعا: ثقافة النقد
ثامنا: ثقافة الحقوق
تاسعا: ثقافة الشورى
عاشرا: ثقافة الاعتدال
حادي عشر: ثقافة الوفاء
ثاني عشر: ثقافة المؤسسة
ثالث عشر: ثقافة الحاضر
رابع عشر: ثقافة المسؤولية
خامس عشر: ثقافة الشفافية
سادس عشر: ثقافة الانجاز
سابع عشر: ثقافة القانون
ثامن عشر: ثقافة الانفاق
تاسع عشر: ثقافة الدعاء
عشرون: ثقافة الفرصة
واحد وعشرون: ثقافة العدل
اثنان وعشرون: ثقافة المعرفة

ثلاثة وعشرون: ثقافة العفو
عندهم، اقصد في بلاد الغرب، اذا نبهت احدهم الى خطا ارتكبه فانه يعتذر لك ثم يشكرك، اما عندنا، اقصد في بلاد العرب والمسلمين، فانك اذا نبهت احدا الى خطا ارتكبه فانه يشتمك ويعتدي عليك وربما يقتلك، بعد ان يرعد ويزبد ويزمجر ويصرخ.
هذا الحال ينطبق على كل مستويات المجتمع، بدءا من الرئيس والمرؤوس وانتهاءا بالشارع مرورا بالمدرسة والجامعة والعائلة وغير ذلك.
فلم نسمع مثلا ان رئيسا اعتذر لشعبه، وان ابا اعتذر لاولاده وان زوجا اعتذر لزوجته وان معلما اعتذر لطالبه وان صاحب متجر اعتذر لزبون وان شرطيا اعتذر لسائق وان رجل امن اعتذر لمعتقل، وهكذا.
لماذا؟.
اعتقد ان الامر يعود الى ثلاثة اسباب:
السبب الاول؛ هو اننا نعتقد بان الاعتذار منقصة، وهو سبب للتحريض ضدنا، فاذا نبهك احد الى خطا ارتكبته فكانما طعنك في عنفوانك، فالرئيس اذا اعتذر لشعبه فان ذلك ينقص من قدره وبالتالي قد يحرض الشارع ضده لاسقاطه، والموظف اذا اعتذر لمواطن فان ذلك بمثابة اهانة للحكومة قد ينتهي الى فقدانها للهيبة، والاستاذ اذا اعتذر لطالب فهي الاهانة للعلم بعينها لا ينبغي ارتكابها.
اننا نتصور ان الاعتراف بالخطا او التقصير يقلل من شان الانسان، ولذلك يثور احدنا اذا اكتشف احد خطا في عملنا، ونسعى بكل جهدنا وبكل ما اوتينا من قدرة على التبرير والاحتيال والكذب والتزوير وربما نعطي الرشاوى لهذا او ذاك من اجل ان لا نعترف بخطا او نتستر عليه على الاقل اذا امكنتنا الحيلة.
السبب الثاني؛ هو اننا لا ننشد التطور، وكلنا نعرف فان عدم الاعتراف بالخطا وعملية التطور على طرفي نقيض لا يجتمعان، والعكس هو الصحيح، فالاعتراف بالخطا هو المنفذ الحقيقي للولوج الى عالم التطور.
السبب الثالث؛ هو اننا لا نحترم الاخر، وقبل ذلك لا نحترم انفسنا ولذلك نتهرب من الاعتراف بالخطا حتى لا نعتذر لاحد من اجل ان لا يسبب لنا ذلك اية منقصة.
ان كل ذلك خطا في خطا في خطا.
ففي الغرب، وكما اسلفت، عندما تنبه احدا الى خطا فانه يعتذر لك ويشكرك، لانه يعتبر التنبيه خدمة كبيرة جدا تسديها له.
فاما الاعتذار لك، فلانه يحترمك ويقدر نباهتك، من جانب، ولانه اساء الى حقوقك بارتكابه الخطا، ولذلك يعتذر لك على التقصير الذي بدر منه تجاه حقوقك عنده.
واما تقديمه الشكر لك فلانه يعتبر ان تنبيهك اياه على الخطا الذي ارتكبه تجاهك دليل على حرصك على انجاح عمله، فلو لم تنبهه الى الخطا لواصل عمله بنفس الطريقة والتي قد تجره الى ارتكاب خطا اكبر.
انه يعتقد بان تنبيهك له دليل حرصك على مصلحته الشخصية، من جانب، من اجل ان لا يرتكب الخطا مرة اخرى ما قد يسبب له الفشل فالطرد من موقع العمل، كما انه دليل على حرصك على المصلحة العامة، والتي يمثلها مجموع اعمال الافراد في اي مجتمع من المجتمعات، من جانب آخر.
فضلا عن ذلك فانه يعتبر تنبيهك اياه على الخطا ليصححه ويتجنب ارتكاب امثاله منفذ لتطوير العمل، فالخطا يجر الى الخطا كما يقولون، فاذا لم تنبهه الى الخطا فقد ينتهي به الامر الى اخطاء متكررة وبذلك فسوف لا يقدر على تطوير عمله الذي سيبنى على خطا او اخطار متكررة.
لقد سئل مرة رجل ثمانيني عن سر نجاح حياته الزوجية مع زوجته الثمانينية هي الاخرى، فعزا سر هذا النجاح الى كلمتين فقط، بسيطتين ولكنهما ثقيلتين في نفس الوقت، الا وهما: شكرا و عفوا، فعندما تنجز له زوجته عملا ما يبادرها بالشكر، وعندما يرتكب بحقها خطا ما يبادرها بالعفو، او عندما ترتكب بحقه خطا ما يحاول ان يعفو عنها من دون تعظيم الامور وتضخيمها والذي ينتهي بالزوجين الى مشاكل عويصة، ومن الواضح جدا فان حياة زوجية تقوم على اساس هتين العبارتين لا يمكن ان تنتهي بالفشل ابدا، لانهما كلمة سر السعادة.
ذات الامر ينطبق على كل مناحي الحياة، فالمسؤول الذي يعتذر للناس عندما يرتكب خطا ما بحقهم، وان الشعب الذي يشكر المسؤول عندما ينجز له عملا حسنا ما، فان العلاقة بينهما ستكون مبنية على الثقة المتبادلة وعلى الحب والاحترام والاعتراف بالاخر وبما ينجز وينجح في تحقيقه، والعكس هو الصحيح، فالمسؤول الذي يرد على تنبيه الناس له على خطا ارتكبه بالرصاص الحي والدبابات والطائرات والمقابر الجماعية والسلاح الكيمياوي والانفال، فان العلاقة بين الطرفين سوف تكون علاقة غير سليمة قائمة على اساس التربص والعنف وعدم الثقة والتشنج المستمر الى ان يقضي الله امرا كان مفعولا، كأن يخرج مثل هذا المسؤول من بالوعة كما حصل للطاغية الذليل صدام حسين، او ان يرمى في مشفى عسكري بانتظار محاكمته بعد حكم شمولي دام 30 عاما كما هو اليوم حال الطاغية الذليل الاخر فرعون مصر، او كما هو حال من ينتظر من حكام النظام السياسي العربي الفاسد الذين بداوا يتساقطون كاوراق الخريف الواحد تلو الاخر، بانتظار محاكمتهم على ما اقترفوه من جرائم مروعة بحق شعوبهم الصابرة.
والعفو على نوعين، عفو من ذنب وعفو عن ذنب، ولكل شروطه ومقوماته.
اما الاول، فلا يمارسه المرء الا اذا:
الف؛ كان يؤمن بان ذلك لا يقلل من شانه، بل على العكس فان الاصرار على الذنب هو الذي يقود الانسان الى السقوط امام الاخرين، خاصة اذا كان الذنب بحق المجتمع، كما هو حال النظام السياسي، فذنب الحاكم بحق الشعب لا يمكن ان ينساه الناس، ولكن العفو منه اي الاعتذار منه قد يقلل من غضب الشعب عليه، شريطة ان يكون في اوله، اما اذا استمر الخطا عقودا طويلة من الزمن ليتحول الى جريمة بحق الشعب، فان الف اعتذار والف عفو والف ندم لا ينفع.
باء: كان ينوي التصحيح والاصلاح وعدم الاسترسال معه، وفي الاية الكريمة {فمن عفا واصلح فاجره على الله انه لا يحب الظالمين}.
ان الخطا اذا تحول الى منهجية والى عملية مبرمجة فان الاعتذار منه لا ينفع ابدا، لان شرط الاعتذار هو ان يصمم المرء قبله على الاقلاع عنه وعدم الاصرار عليه، اما وقد تحول الخطا الى منهج فان معنى ذلك ان صاحبه غير مستعد لتركه من اجل ممارسة عملية الاصلاح المطلوبة، وفي مثل هذه الحالات يكون الاخر قد فقد ثقته ولذلك لم يعد بامكانه ان يصدق ما يقدمه المخطئ من اعتذارات متكررة، وهذا هو اليوم حال الشعوب العربية التي فقدت ثقتها بالنظام السياسي العربي الفاسد الذي ظل يمارس السلطة لحد الان اكثر من نصف قرن من الزمن، وفي كل مرة يحاول فيها الحاكم تقديم بعض التنازلات لثورة الشعب في محاولة منه للانحناء امام العاصفة التي تهب رياحها بوجهه بين الفينة والاخرى، لدرجة ان بعضهم كان يذرف دموع التماسيح من على الشاشة الصغيرة لاستدرار عواطف الناس، ولتاكيد تصميمه على التغيير والاصلاح، ولكن، ما ان تمر الازمة اذا بمنهجية الذنب والخطا والجريمة تعود مرة اخرى لتحكم بالحديد والنار، ولذلك نرى اليوم ان الشعوب في البلاد العربية لا تقبل ان تتنازل للحكم وللزعيم الحاكم باية صورة من الصور، فترفض، مثلا، ان تدع الحاكم يكمل المدة (الدستورية) لولايته، بل انها تصر على ان تخلعه من السلطة لتسميه ابد الدهر بالرئيس المخلوع، وكل ذلك بعد ان فقدت ثقتها بالنظام السياسي العربي الفاسد الذي ثبت من خلال عشرات التجارب انه لا يتغير طواعية وانه غير قابل للاصلاح لان الخطا عنده تحول الى منهج والى عملية مبرمجة، تعتمد القوة المفرطة والاجهزة البوليسية والامنية والتمييز والتضليل وهدر المال العام وفي احيان كثيرة تعتمد الفتوى الدينية التكفيرية والطائفية التي يصدرها وعاظ السلاطين وفقهاء التكفير، كما هو الحال بالنسبة الى النظام القبلي المتخلف الحاكم في الجزيرة العربية الذي يعتمد على فقهاء يصدرون فتاواهم تحت الطلب.
اما العفو عن ذنب، فانما يم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.