لأهلي في الجزيرة    مدير عام قوات الدفاع المدني : قواتنا تقوم بعمليات تطهير لنواقل الامراض ونقل الجثث بأم درمان    شاهد بالفيديو.. "جيش واحد شعب واحد" تظاهرة ليلية في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور    قطر والقروش مطر.. في ناس أكلو كترت عدس ما أكلو في حياتهم كلها في السودان    تامر حسني يمازح باسم سمرة فى أول يوم من تصوير فيلم "ري ستارت"    وزير الخارجية : لا نمانع عودة مباحثات جدة وملتزمون بذلك    شاهد بالصورة والفيديو.. المودل آية أفرو تكشف ساقيها بشكل كامل وتستعرض جمالها ونظافة جسمها خلال جلسة "باديكير"    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    بعد اجتماعه مع أسامة عطا المنان…برهان تيه يعود من جدة ويشيد بتجاوب رئيس لجنة المنتخبات الوطنية    عقار يؤكد سعي الحكومة وحرصها على إيصال المساعدات الإنسانية    قرار بانهاء تكليف مفوض العون الانساني    عضو مجلس السيادة مساعد القائد العام الفريق إبراهيم جابر يطلع على الخطة التاشيرية للموسم الزراعي بولاية القضارف    شركة "أوبر" تعلق على حادثة الاعتداء في مصر    معظمهم نساء وأطفال 35 ألف قتيل : منظمة الصحة العالمية تحسم عدد القتلى في غزة    بالفيديو.. شاهد اللحظات الأخيرة من حياة نجم السوشيال ميديا السوداني الراحل جوان الخطيب.. ظهر في "لايف" مع صديقته "أميرة" وكشف لها عن مرضه الذي كان سبباً في وفاته بعد ساعات    دبابيس ودالشريف    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    ((نعم للدوري الممتاز)    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    الكشف عن سلامةكافة بيانات ومعلومات صندوق الإسكان    هل يرد رونالدو صفعة الديربي لميتروفيتش؟    لاعب برشلونة السابق يحتال على ناديه    محمد وداعة يكتب:    عالم «حافة الهاوية»    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    السودان..اعتقالات جديدة بأمر الخلية الأمنية    باريس يسقط بثلاثية في ليلة وداع مبابي وحفل التتويج    شاهد بالصور.. (بشريات العودة) لاعبو المريخ يؤدون صلاة الجمعة بمسجد النادي بحي العرضة بأم درمان    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    ترامب شبه المهاجرين بثعبان    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    السيسي: لدينا خطة كبيرة لتطوير مساجد آل البيت    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعد أحداث دارفور الدامية هل حان الوقت إلي ترسيم الحدود التشادية السودانية؟


[email protected]

تعتبر تشاد دولة قارية مغلقة ليس لها منفذ بحري, وهذه الحالة تفرض عليها انتهاج دبلوماسية معينة تتيح لنفسها فرص انسياب بضائعها عبر موانئ جاراتها المحيطة بها والمطلة على البحر, وهي نيجيريا والكاميرون والسودان وليبيا, وذلك للأسباب التالية:
أولاً: أن اغلب تجارة تشاد الخارجية تأتي عبر نيجيريا والكاميرون على المحيط الأطلسي,
ثانيا: تعتبر الكاميرون الأقرب والتي تمر بها أنابيب النفط التشادي إلى السوق العالمية(ميناء كريبي).
ثالثاً: أن السودان بمثابة وسيط مع دول الخليج العربي وآسيا, وهي تجارة جديدة على ونشطة في تشاد استفادت منها تشاد كثيرا في السنوات الاخيره, فضلا عن قوافل الحج المارة عبر الأراضي السودانية والتي تنقل بواسطة الخطوط الجوية السودانية(سودانير).
تعتمد تشاد في تجارتها الخارجية موانئ كل من(دوالا)بالكاميرون, و(لاقوس) بنيجيريا, و(بور تسودان)بالسودان, وأحياناً مينا سرت على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، والذي سبق أن منح القذافي مرسي بحرياً لتشاد على شواطئ البحر الأبيض المتوسط في زيارته لانجمينا عام 1998م في إطار التعاون التجاري بين البلدين وظلت الميناء الليبي رهن تجاره العائلة الحاكمة في تشاد وإدارة نشاطات أخري غير واضحة بالنسبة للتجارة الخارجية التشادية.
وإذا كنا بصدد الحدود التشادية مع دول الجوار، فان لتشاد ستة حدود إقليمية في الشمال مع ليبيا, والشرق مع السودان, والجنوب مع أفريقيا الوسطي, وفي الغرب نيجيريا والنيجر, ولهذه الحدود أهمية قصوى لاقتصاد تشاد واستمرارية تواصلها مع العالم الخارجي, حيث ان أهم معابر تشاد إلى الخارج هي نيجيريا والسودان, ولعل الحدود التشادية السودانية ذات تأثير اقوي لاسيما اقتصاديا وأمنيا واجتماعيا, ويتمثل ذلك جلياً في عدد من القضايا على مستوي الحدود بين البلدين, وتظل كذلك المناطق الحدودية بين تشاد والسودان نقاط التقاء وتقاطع لمصالح قوي إقليمية ودولية عدة, منها فرنسا والمملكة المتحدة أيام الاستعمار, وحديثاً بين أمريكا وفرنسا وكذا الصين, و لإبراز هذا التأثير لابد للمرء من قراءة الخارطة الجيوسياسية في المنطقة، ووضع الاعتبار للنزاعات الحدودية فيها, وإن لم يحدث إن نشب نزاع حدودي ومسلح بين السودان وتشاد إلا في عهدي إدريس ديبي وهبري, ولكن تظل عمليات الشد والجذب تستمر على نطاق واسع من حين لأخر بين القبائل المشتركة علي نقاط الأراضي الحدودية, و ذلك يأتي ضمن التأثيرات المباشرة على طرفي الحدود المتعلقة بقضية ترسيم الحدود المشتركة, وتشكل في الوقت ذاته عوامل كثيرة تعتبر مهددات واضحة لكلا البلدين, ويتبين لنا ذلك من خلال التحديات التي تواجهها البلدين في الحدود, كأنشطة عصابات النهب المسلح على طول الشريط الحدودي, إضافة إلى تجارة المحظورات(المخدرات وانتشار الأسلحة)، وكذا الظواهر الأمنية المتفشية كالصيد الجائر والاحتكاكات القبلية، والتي تؤدي من حين لأخر إلى عمليات هجرة او لجوء من والي عبر حدود الدولتين, بالإضافة إلى نشاط المعارضات المسلحة سواء كانت تشادية او سودانية, ولاحتواء هذه الإشكالات وقعت بين تشاد والسودان عدداً من الاتفاقات التي تهدف إلى تحجيم دور هذه الأنشطة والظواهر التي تذكي الخلافات والتوتريين تشاد والسودان أحيانا. وقد انبثقت عن ذلك لجنة أمنية مشتركة لمعالجة ظواهر الانفلات الأمني والاختراقات الحدودية, وذلك بتكوين لجان أمنية مشتركة تتصدى لحوادث أصبحت تتكرر بشكل يومي على طول الشريط الحدودي(1400كلم)، إلا أن هذه الجهود بين الدولتين ظلت متعثرة ومبعثرة ولم يكتب لها النجاح نظرا لأحداث أخري فرضت نفسها دون تحقيق هذا الهدف(استمرار التوتر قبل احتوائه), ولوان تلك المساعي ترجمت إلى ارض الواقع لما كان هناك اضطراب امني كبير في دارفور, والذي تحول حالياً إلى شبح يهدد الهدوء و طمأنينة المواطن العادي في تلك الحدود, خاصة بعد أن تطور النهب المسلح إلى عصابات إجرامية منظمة في ظرف الانفلات الأمني بالمنطقة، وتباع لذلك انتشرت بسرعة كل أنواع الجرائم في ظل توفر السلاح السائب إلى أماكن تبتعد كثيرا عن الحدود المسيطر عليها من قبل الحكومتين، وعمت مناطق واسعة في الإقليم في كل من الكاميرون وأفريقيا الوسطى والى نيجيريا عمليات الإجرام العابرة للحدود الإقليمية(الزار قينا) أي عصابات نهب الماشية التي تصدر إلي العمق الأفريقي.
وقد جاء في تقارير منظمات مراقبة دولية تعني بقضية شئون بين البلدين، في أن هنالك انتشارا كبيرا لمعدل الجريمة العابرة للحدود الأفريقية وهي في ازدياد مضطرد على نطاق واسع بخاصة علي الحدود التشادية السودانية، وأدى تفاقم تلك الأوضاع إلى جر البلدان الأفريقية المعنية إلى مستنقع فوضى الانفلات الأمني، وبحسب طبيعة السلوك الملتوي لأنواع هذه الجريمة والتي يصعب السيطرة عليها, بل ساهمت في جعل الحدود تلك منطقة متفجرة على الدوام, بحسبان ان الجريمة أضحت تعبر الحدود بلا ضابط ولا رقيب، رغم الجهود المتواضعة التي بذلتها الحكومات في هذا الشأن.
وبالرغم من انه في الوقت الراهن، لا توجد أية صيغة رسمية لمعالجة تلك الإشكالية، فإن الوضع ينذر بانهيار شامل بين حدود البلدين، ويستعصي التحكم عليه مستقبلاً, ويلاحظ في الفترة الأخيرة إلى ان مستويات مثل تلك الجرائم قفزت إلى اختطاف أرواح عددا من أفراد فرق المنظفات العاملة لإنقاذ حياة اللاجئين في دارفور وشرق تشاد، ويتمثل ذلك في سرقة السيارات والممتلكات كادت ان تكون سمة اعتيادية، فضلا عن القتال الدائرة بين حكومتي البلدين ومعارضيهما يعتبر مهددا حقيقيا لاستقرار الحدود التشادية السودانية والأفريقية، ومن ضمن هذه المخاوف لدي الموسسات الإقليمية والدولية أصبحت عمليات انتشار السلاح على أيادي العصابات الإجرامية واستخدامه ضد مواطني الحدود وغيرهم تتم بطريقة فظيعة أحيانا خارج نطاق القانون، إضافة إلى اغتصاب النسوة وبيع واستعمال الأطفال في الحروب كدروع بشرية أضحى أمراً عادياً.
ونعود لمعالجة تلك الأوضاع والمخاوف المترتبة عليها، نجد من بين تلك المخاوف، والتي عبر ديبي عنها كمخاوف انه يخشى من أي عمل مسلح يؤدي الى زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة الحدودية بين تشاد والسودان ويهدد نظامه السياسي وهو ما حدث طبعاً(13 ابريل 2006م و2 فبراير2008م), وأضاف في احد خطاباته في 2003 م(بأننا في دارفور وتشاد مصيرنا واحد وهنالك أشياء مشتركة بيننا، لدينا وقت للتنمية، ولا وقت لأمور البلبلة هذه)، وهو يشير بذلك إلى التمرد الذي قاده عدد من أبناء دارفور على الحدود بين البلدين, وهو يعني التمرد الذي اندلع بعنف مخلفاُ ورائه أوضاع معقدة وغير مستقرة رشحت لمزيد من التطورات اللاحقة, وأضاف الرئيس دبي متوجهاً بالحديث الى الرئيس البشير في الفاشر(أهلي هنا حيث جئت مع احد أقاربي وهو في الحكومة تعرفونه)، ويقصد اللواء التجاني آدم الطاهر، وهو زير في الحكومة السودانية, وهذا يكشف عن بعد لآخر في مسار العلاقات التشادية السودانية من الناحية الاجتماعية التي تربط المجتمع في الحدود والتي اختطها الاستعمار دون مراعاة الحقوق الشرعية للإنسان فيها، حيث مزقت ترسيم الحدود اعتباطياً الأوصال الاجتماعية للعشيرة أو للمجموعات القبلية التي تقطنها وهي اليوم في وضع اجتماعي معقد للغاية بفقدانهم الهوية الوطنية للبلدين(مجتمع واحد ينتمي الي دولتين في الحدود)، وبالاحري بيت واحد تقسم وفقا لمصالح الإستراتيجية أجنبية.
ولعله، ومما يثير الاستغراب في ترسيم الحدود التشادية السودانية في عهد دولتي الاستعمار فرنسا وبريطانيا اللتين لم تعيرا أي اهتمام او تفاصيل محددة لتشاطر هذه الحدود، او ذيك المنطقة, بل انها اكتفت بالمعاهدات الخاصة بينها بقسمة المحميات كمناطق نفوذ الكل على حداه, وان الاتفاقية الموقعة بينهما في14/6/1898م جاءت ترجمة لمؤتمر برلين 1884 – 1885م، والتي كانت تنص على استخدام القوة لامتلاك أراضي شاسعة في القارة الأفريقية دون مراعاة الحقوق المدنية والأخلاقية لشعوب المنطقة, وان مسألة النزاعات الحدودية في أفريقيا كانت نتيجة لعدم تخطيط وإهمال من قبل قوى الاستعمار, وهي احدي مسببات عدم الأمن والاستقرار فيها لحد الآن.
وعليه، فأن القادة الأفارقة يؤكدون في خطابهم السياسي لتناول القضايا المتعلقة بالأزمات الحدودية بأنها تمثل احدي السياسات الموروثة من الحقب الاستعمارية، ويجب ألا تمس دون إيجاد صيغة تلبي حقوق السكان القانونية علي الحدود كما أسلفنا, وما يثير الاستغراب أكثر.. ان القوي ذات النفوذ الاستعماري في تلك المنطقة كانت ولا تزال تتدخل في صراع ونزاع مستمر فيما بينها بسبب حيازتها لتلك الأقاليم الأفريقية وان كانت بطريقة غير مباشرة(حرب الوكالة), ومثال لذلك نجد ان بريطانيا وفرنسا قد دخلتا في المحظور ماضيا من خلال في نزاعهما في إقليم أعالي النيل بالسودان وأوشكت ذلك أن ينشب حربا كارثية بين دولتي الاستعمار وقتذاك، إلا إنهما اتفقا فيما بعد على تسوية ذاك الخلاف بالطرق السلمية عبر اتفاقية فشودة الشهيرة في 21/3/1889م. ورغم عودة الاستقلال لتشاد والسودان في ستينيات القرن الماضي, إلا أن هذه العقلية الاستعمارية لا زالت تعمل بقوة وبطريقة أكثر مكرا ودهاء, ويتضح ذلك من خلال التوجهات السياسية لتلك الدول في المنابر الدولية في قضايا تخص البلدين في العصر الحالي, ويظهر ذلك من خلال إدارة أزمة تشاد والسودان دوليا في منابر الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي للدفاع عن تلك قضايا تتعلق بالحدود بين الدولتين دون وضع أسس واضحة لحمايتها من تلك الشوائب التي تم ذكها(مراقبتها دون تقديم اي اقتراح لتطويرها وتنميتها)، وحتي أن سياستها الخارجية الحديثة تتعاطى مع مشاكل دول المستعمرة(بضم الميم وفتح العين)كإرث قديم ينبغي المحافظة عليه علي حاله تلك, ونرى على سبيل المثال أن السباق الدولي و صراعه التقليدي ما يزال يؤطر مناطق التوتر في أفريقيا ويذكي فيها النزاع بدوافع الحدود, كما حدث لدولة السودان في قضية أبيي التي وصلت الى حد التحكيم الدولي داخل حدود البلد الواحد(محكمة لاهاي)، وإن اختلفت مسميات قوي الهيمنة في سطوتها و توجهاتها في تفسيرها لقضية الحدود الأفريقية، إلا إن مصالحها الإستراتيجية في القارة السمراء لا تتغير أبداً.
وما شكل الصيغة التي كانت ذريعة أولية لغزو العراق هي اسبابها النزاع في الحدود بين الكويت والعرق، وكما جاء رفض الدول الغربية غير المشاركة في الحرب، مثل فرنسا يكشف عن حجم التسابق الى فضاءات أوسع وأرحب حيث تتناقض المصالح الاقليمية والدولية وتتناغم ايضا.
وبالعودة الى موضوع الحدود بين تشاد والسودان، والحلقة الفقودة في دارفور، وإن تختلف زماناً ومكاناً عن خلاف القوى الدولية في العراق, ولكن هدف تلك القوى الدولية هوالسباق لإيجاد مناطق نفوذ وموطئ اقدام لها في ارض جديدة وفقاً لمؤتمربرلين عام1891م والذي ينص في معناه البعيد على استخدام القوة لامتلاك أراضي شاسعة, وإن كان ذلك على حساب وأمن وإستقرار شعوب وأمم.
وإن عقلية إستخدام القوة لإمتلاك أراضي شاسعة هي عقيدة راسخة ومتجزرة في العقلية الغربية، وهوما يتجسد اليوم في السباق المحموم لايجاد موطئ قدم بحياكة القصص الخيالية(إمتلاك الاسلحة النووية وإنتهاك حقوق الانسان).
وفي قضية دارفوروتعقيداتها، فقد أستقبلت الخرطوم مالا يقل عن مئات الوفود الكبيرة الزائرة للإقليم إبان الصراع في هناك للوقوف على حقيقة الاوضاع تلك، بريطانيا ممثلة في وزيرالدولة لشئون خارجيتها المسترجاك أسترو، والوزيركولن باول وزيرالخارجية الامريكي السابق، وأعقبته رايس والمستشارروبرزوليك للهدف نفسه, ثم وفد الخارجية الصيني والوفد الفرنسي ممثل في وزيري الخارجية الأول والثاني موزيليه ودومنيك، ووفود أخرى ذات طابع إنساني وسياسي، وهذا التوافد يحمل مؤشرات وأسباب ومضامين عديدة, ونظن أولها ليس الانسان في دارفور فحسب، بل المصالح في المقام الاول, إذا أخذنا زيارة وزيرا الخارجية الفرنسيين, لان لفرنسا قواعدعسكرية في تشاد تتالف من أربعة قواعد عسكرية رئيسية في أنجمينا وأبشي وفايا لارجو ومندو في الحنوب، وهي على مرمي حجرمن الصراع في دارفور, وتقوم باستطلاعات مستمرة على الحدود بين البلدين, بل شاركت فعلياً في صد الغارة التي شنها المتردون التشاديون على نظام الرئيس ديبي.
وقد كانت لزيارة الوزيرين الفرنسيين" دومنيك دوفلبان وموزيليه " الى السودان وهما متحقبين عدة ملفات تهم فرنسا والسودان وكذلك تشاد, ويأتي في طليعتها ملف الأمن والاستقرارفي الإقليم, ولازالت فرنسا تتجرع كأس المرارة الأمريكية لتكون أول واخطرمنافس لهاعلى الإطلاق في القارة الافريقية، اوعلي الأقل في تلك الدول التى كانت ولا تزال دائرة في الفلك الفرنسي.
ومن سخرية الأقداريأتي التنافس الأمريكي لفرنسا في القارة مثل سابقه في السباق بين المعسكريين الشرقي والغربي في العهود الماضية, بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق. هكذا درجت المقولة في افريقيا( ان لم تكن فرنسيا في أفريقيا فأنت امريكي)، ومثل هذا التنافس الدولي القديم والمتجدد حديثاً على القارة وفوق ارادة شعوبها وقياداتها، وبخاصة تلك التى عجزت عن تحقيق تطلعات شعوبها, بل ظلت قيادات شكلية ليس لها تأثيرفي مسرح الأحداث الإقليمية والدولية الا فيما يندر ووفق توجيه، حيث ان هذا الصراع لقوي مسيطرة تتصارع فوقنا بهذا الحجم، فان ذلك بلا شك يجعلنا نبدو اقذاما صغاراً تحت رحمتها, اوكما يتم استخدامنا لاغراض نبررها وندافع عنها أحياناً، وهذه السلوكيات الدولية المتنازعة على حقوقنا وأراضينا هي التى أشعلت نيراناً لم تخمد بعد في عدد من الدول, وأدت الى تأزم المشاكل السياسية والاقتصادية والثقافية في افاريقيا.
فلننظرإلى الحشود العسكرية بين دول القارة بسبب الحدود، كحالة الإثيوبية الإرترية التقليدية في الحدود بينهما في منطقة مثلث زالمبيسا الحدودية والتي انتهت في الماضي باتفاقيالجزائر في 8 يونيو من عام 2000 م، ثم بتوقيع اتفاق سلام شامل في الجزائر، في 12/12/2000 الجزائر في 8 يونيو من عام 2000 م، ثم بتوقيع اتفاق سلام شامل في الجزائر، في 12/12/200م , أضافه مناطق أخرى ملتهبة أذكتها إياد خارجية تستفيد من الصراع والنزاع بين الجيران والأشقاء, مثل السودان ومصرفي حلايب وتشاد وليبيا في شريط( أوزو)في السابق.
وتلك النزاعات في اغلبها شئون داخلية بمضاعفات قوي خارجية تبنت سياسة استقطاب حاد لكيانات سياسية هشة لا تستطيع العيش إلا على افتعال نزاعات وهميه علي هامش السياسة الدولية كي تخلق لنفسها شخصية قومية داخل الوطن, وكما عزز هذا الفهم ايجاد صورالدعم لها كقضية قوميه وضمان ولاء تلك القوي لكسب المناورات في صراعها من اجل المصالح(Pays de Réserves), غيران هذه السياسات تترك بين الحين و الأخر تأثيرا سلبيا على ساحة الدولة المتصارع عليها، كما نرى أيضاً أن المصالح الفرنسية في تشاد ودول أفريقيا المركزية "AfriqueCentral" الممثلة في البرنامج السياسي الفرنسي سيئ السمعة(فراني افريك)، ما هو الا نوعا من إمتداداً العهود الاستعمارية البغيضة من تلك الحقب البالية .
ومما يجدرذكره هنا وفي شأن الحدود التشادية السودانية, فان هنالك مراقبة دقيقة لهذه الحدود من قبل فرنسا وقوي أخري(التخل العسكري في شرق تشاد وشمال افريقيا الوسطى)، وهو يكشف لنا كذلك الامتدادات الطبيعية لتوجهات سياسة معدة منذ أزمان بعيده جداً، وهذا في اعتقاد العقلية الغربية وخشيتها من بألا تمتد أصابع قوى دولية أخرى اليها بموجب إستعارنمطية التسابق هذه, وذلك يضمن لها على الاقل بقاء مصالحها الاستراتيجية في المنطقة وفق المعايير التى تقتضيه سياسة حماية وحفظ النقاط المكتسبة تاريخياً.
ومثلما يجاور السودان في حدوده الغربية، كما هو معروف كل من تشاد وأفريقيا الوسطي اللتين كانتا مستعمرتين فرنسيتين بجانب زائير" الكنغو الديمقراطية حالياً"وهي مستعمرة بلجيكية, وهذا الجوار الثلاثي يشكل مثلثاً متداخلاً للمصالح الفرنسية السودانية من جهة، وتشاد وأفريقيا الوسطي من جهة ثانية, ونذكر هنا أن ارتباط أفريقيا الوسطي بهذا المثلث يذكرنا بالمشكلة الحدودية في مثلث" تيسي"الحدودي بين تشاد والسودان وأفريقيا الوسطي والذي لم يهدأ الا هنيئة بسبب الاحتكاكات القبلية, وينتهي احياناً بمناوشات عرقية واجتماعيه سيئة.
ونعود إلى تأثير للتداخل القبلي عبر الحدود بين هذه الدول كي نتصور حجم هذه المصالح المتمثلة في الاستثمارات الفرنسية في تشاد من صناعة التعدين والنفط وصناعة السكر وخدمات المصارف, ولا ننسي أن دول غرب ووسط أفريقيا لازالت مرتبطة بعملة موحدة تابعة للفرنك الفرنسي التى استبدلته فرنسا نفسها بعملة اليورو الموحدة ضمن نطاق الاتحاد الأوربي, وهذه العملة الأفريقية الموحدة تسمي" فرنك سيفا" يرمز إليها باللغة الفرنسية ب (FCFA), و تربط عددا من دولها ببنك موحد يسمي بنك دول أفريقيا المركزية(DES ETATS DE LA FRIQUE CENTRALE )، وكذا بنك دول غرب أفريقيا(BANQUE DE L'AFRIQUE DE L'OUEST)، إضافة غالى هيئات مالية افريقية أخرى تابعة للنظام المصرفي الأفريقي ذاته.
وان تطرقنا إلى وتيرة التنافس الدولي في الحدود الإقليمية لدول بالقارة والتي ما زالت مستعرة ولم تهدأ بعد، وحتي في بعض الأحيان داخل تراب الدولة الواحدة, كما الحال في ساحل العاج أكثردول القارة استقراراً في الماضي, حيث حلم العجوز هوفيت بونجي وتمنى بأن يجعل من سال العاج إسرائيل أفريقيا من حيث خدمات والأمن والاستقرار والرفاهية, إلا أنها و بعد وفاته عادت إلى مربع الحرب وعدم الأمن والاستقرار, حيث قام الحزبان بتقسيم البلاد إلى شقين الأول تابع لفرنسا و الثاني لبريطانيا, بينما تجد المتظاهرون العاجيون يرفعون العلم الأمريكي و يحتجون على سياسة شيراك علانية في المنطقة وانتهي الأمر بالقبض علي الرئيس لوران باغبو وإيداعه السجن واعتلا كرسي الرئاسة رئيس الوزراء السابق الحسن وتارا(نائب المدير السابق للبنك الدولي), والسبب انه كان مناهضا للسياسية الفرنسية في بلاده وحرض علي إحراق العلم الفرنسي في مظاهرات مناوئه, ولابد لنا أيضاً من ذكر الاحتجاج قد حدث في تشاد ضد الوجود الفرنسي عام1998م, حيث أُحرق العلم الفرنسي في مظاهرة عارمة في ميدان التحرير أمام القصر الجمهوري لإدريس ديبي احتجاجاً على انسحاب شركتي إلف و موبل من بترول تشاد، وبعدة أسابيع فقط حلت محلها شركات أمريكية في إطار التنافس الدولي المحتوم علي المنطقة كما ذكرنا.
وعوداً الى زيارة وزيري الخارجية الفرنسيين الى دارفور في الوقت الذي شهد ت فيه الحدود التشادية السودانية تأزماً حاداُ جراء الأحداث الدامية التي دارت في الإقليم، بدأت القوات الفرنسية المرابطة في تشاد في عمليات توزيع الإغاثة للاجئي دارفور في العالقين في الحدود بين البلدين بسبب تفاقم العنف المفرط بين قوات البشير والمعارضة المسلحة في دارفور، و تتكشف من خلال الزيارة أن مصالح باريس قاب قوسين أو ادني من أن تعصف بها تيارات معاكسة تهب في القارة الأفريقية من جديد لخلق جو من التوتر ليس بين تشاد والسودان فحسب, بل إنما بين القوى الدولية بما فيها فرنسا ذاتها، وبمعرفة الفرنسيين الدقيقة لاوضاع الحدود بين البلدين، فان قوة التيارات الهادرة تجرف المنحدرات الهشة والتي لا تصمد أمام الهيجان العاتي, وبهذه المناسبة لا زالت باريس تذكر جيدا ما قاله وزير التجارة الأمريكي الزنجي "هارولد براون"عقب جولته الأفريقية التي امتدت لأكثر من ثلاثة اشهر قبل أن يلقي حتفه في حادث في البلقان في تسعينيات القرن الماضي, اذ قال"أنه آن الأوان أن تجدد مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في أفريقيا و لا تترك هذه القارة لأوربا فقط" قال الوزير الأمريكي عبارته هذه وعيناه صوب دولتين أو ثلاثة لها مصالح كبري في القارة وهي فرنسا وبريطانيا وايطاليا, وهناك العملاق الصين الذي دخل حديثاً حلبة السباق لسد إجتياجاته من المواد الاستراتيجية، وتياراً آخراً تري فرنسا فيه الأخطر على مصالحها، و يتمثل في دعوة العقيد القذافي الافارقة الى فك الارتباط والتبعية من الهيمنة الغربية عبر الوحدة الأفريقية التي تبناها في برنامج دبلوماسية الصلاة بالأفارقة وتحريضهم على سلك مسار الوحدة الأفريقية عبر المدخل الجماعي لدول القارة بما يستجيب للتحولات والتطورات التى اكتنفت العالم بأسره وهذا ما تسبب له في مشاكل مع الغرب إدارة الحملة العسكرية لل(ناتو)ضد نظامه في طرابلس اليوم.
يعتقد المراقبون أن التوجه الأمريكي إلى القارة يفوق الخيال الفرنسي, حيث تلت زيارة وزير التجارة الأمريكي زيارات عديدة وبمستوي عالي هذه المرة شملت رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية. فقد زار الرئيس الأمريكي الاسبق بيل كلينتون في عام 1998م أربعة دول افريقية، وتعطي زيارته تلك مؤشراً هاماً يحمل معني بأن وتيرة السباق على القارة لا زالت تعمل ولم تهدأ بعد, فقد طرح كلنتون عدة قضايا للتعاون بين أمريكا وأفريقيا رغم ضعف سجل بلاده الضعيف في التعاون مع القارة، إلا أن الفرص براقة أمامه على ضوء سياسة الانكماش والانحسار الفرنسي في القارة وانشغاله بقضايا الوحدة الأوربية الداخلية، ثم التطرف الحاد الذي استعملته وزير داخلية فرنسا وقتذاك السيد/نيكولاساركوزي على وجه التحديد في تعامله مع المهاجرين الأفارقة في الأراضي الفرنسية خاصة رعايا الدول الافريقية التي استعمرتها بلاده، وخرجت ولم تترك فيها أية خطة إصلاحية تتعلق بالتنمية والتعمير والحكم الرشيد الذي يمكن أن يجعل الأفارقة يعيشون في مأمن على مستقبلهم دون المجيء الي فرنسا بحثا عن لقمه العيش التي سلبتها منهم الأنظمة الدكتاتورية ترعي بقائها فرنسا السياسية ضمن ملفات الاليزيه.
تلك السياسات الفرنسية المنحسرة في مجملها قد تكون سانحة للولايات المتحدة للولوج الى قلوب أولئك المتذمرون والمستاؤن من سياسات فرنسا الخارجية والتي أدارت لهم ظهرها, وطرقت أمريكا الباب الأفريقي وقد كان مهيأً لذلك حيث انشات قيادة قوات الافريكوم علي التراب الافريقي لاول مرة، و بعد سنوات تلت زار الرئيس الأمريكي السابق ذو السطوة في الشرق الأوسط "بوش الابن "أفريقيا ووعدها بتدفق المساعدات الأمريكية على شعوبها خيراً وبركة، وبفتح قواعد عسكرية لمكافحة الإرهاب العالمي لمقارعة منظمة القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي عبر الصحراء الكبرى, ويتصدر أيضا برنامج المساعدات الأمريكية للقارة مجال مكافحة مرض فقدان المناعة المكتسبة" AIDS"، الكابوس الأخطر الذي شرع في تهديد حياة الأفارقة ضمن أولوية المساعدات الأمريكية وهو مجال مهم لصحة الإنسان الأفريقي.
ومما سبق, فإن الحدود التشادية السودانية وعلى ضوء كثير التطورات الإقليمية والدولية, فإنها ليس ذات حيوية للشعبين فحسب, إنما للقوى الخارجية التي تعتبرها الأخطر امنيا واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً, لأنه في الماضي دارت فيها مواجهات بين القوات الغازية والسلطنات التقليدية, حيث أن سلطنة دارفور الإسلامية كانت أكثر أقاليم السودان الغربي التصاقاً بتشاد وأفريقيا الغربية وكان هذا بفضل عوامل التاريخية ثابتة، وكان شعب دارفور يتمتع بحكم تقليدي وديني له نفوذا كبيرة ظلت تحرث المنطقة عبر المعاهدات الموروثة عرفيا مع مملكتي كانم –برنو ووداي, وهي تمتع بحكم مستقل منذ زمن بعيد, وقد اشتهر حكامها بالاستقامة والنظام والرشد وتدبير شون شعبها, خاصة أنها تبنت من القيم الإنسانية أساساً للحكم فيها، بجانب الأعراف الشعبية والتي غالباً ما تكون المعين والسند لحل القضايا عن طريق أحكام"الأجاويد".
وقد خضعت تشاد للاستعمار ضمن مستعمرة افريقية تحت مسمي"أوبانغي شاري"في فبراير 1906م, بعد اكتساح الجيش الفرنسي مدينة " كسري"في الكاميرون من قبل الجنرال"اميل جنتي"، والذي قتل على يد رابح ود فضل الله قبل أن يلقى هو الآخر حتفه أثناء المعركة، وقد تجلجل صدى تلك الواقعة وانتصارات القوات الفرنسية بقيادة " فورت لامي" وتقدمها باجتياز بحيرة شاري الفاصلة بين تشاد والكاميرون الآن، وبذلك استطاع الفرنسيون تحقيق أهداف توسعية بإنشاء قاعدة عسكرية لهم باسم" فورت لامي" اسم العاصمة التشادية انجمينا قديماً. وبعدها بدأ الفرنسيون بالتوجه صوب الشرق لاكتساح مناطق أخري بدأً ب(داروداي)، فقاموا باحتلال مدينة ابشي العاصمة التاريخية لسلطنة وداي والتى كانت تعاني في الأصل من انقسامات داخلية بين الأسرة الحاكمة فيها, حيث استنجد السلطان أصيل بالفرنسيين لمساعدته للإطاحة بأخيه السلطان آنذاك دود مرة سلطان إقليم وداي. ورغم أن التعاون بين سلطنتي دارفور ووداي كان متميزاُ, إلا أن السلطان على دينار آثر الصمت حيال ما حدث لدولة اللودايين من اجتياح فرنسي لهم, ولم تقف الأطماع الفرنسية في وداي فقط, بل اتجهت شرقاً باتجاه الحدود مع دارفورأيضاً, وإلتهمت الحملة الفرنسية في طريقها" دارتاما "و" دارمساليت" و" دارقمر"والتى كانت خاضعة تقليدياً لحكم السلطان على دينار الذي لم يولي اي اهتمام في البدء للدور الفرنسي في ضم أجزاء من سلطنة وادي، ففوجئ عندما أضحى امر تقدم الفرنسيين صوبه باستمرار باتجاه دارفور ذاتها, حينها قام بإرسال برقية مستعجلة الي البريطانيين طالبا فيها الإستنجاد بالحاكم العام الإنجليزي للسودان لوضع حد للفرنسيين في حملتهم إجتياز حدود دارفور مع وداي, حيث جاء في ثنايا رسالته الى الانجليزي حاكم السودان مفادها ان" الفرنسيين قد اجتازوا الحدود ودخلوا دارتاما"، واختتم السلطان دينار برقيته" أننا على استعداد بأن نحارب حتي أخر رجل"، ورغم ان سلطنة دارفور بدأت في انزعاج واضح من تقدم الفرنسيين نحو الحدود الغربية للسودان, إلا أن احتلال دار وداي ترك أثرا بالغاً في دارفور وسلطانها علي دينار على وجه الخصوص، فقد حّث باصرار في رسالته الحاكم العام البريطاني في السودان على مساعدته في و قف زحف وتوغل الفرنسيس في أراضيه, وكانت تبعات ذلك كان إن تدهور الوضع الامني في دارفور ووداي على حد سواء، وكذا في الديار التقليدية المجاورة لها, مثل دارمساليت ودارتاما ودارقمر، فقد دخلت كل تلك المناطق في معارك طاحنة مع الفرنسيين و اشهرها معركة "داروتي" التى قتل فيها السلطان تاج الدين والكمندان قائد الحملة الفرنسية, و منذ ذلك التاريخ أجبر الفرنسيين قبائل المساليت الى اختيار دارفور كموطن لهم بدلاً من تشاد.
هذه التطورات كانت في غرب السودان، ورغم الدعوات المتكررة من السلطان دينار الذي يأمل فيها تقيم الدعم البريطاني له لوضع حد للزحف الفرنسي تجاه إقليمه، والذي بدء يتأثر جراء تطورات الأحداث في دار وداي وخلافاتها, استطاع السلطان دينار أن يلفت انتباه البريطانيين إلى قضية سلطنته في دارفور، حيث نجح في استصدار طلب من الخارجية البريطانية لمسئوليها في السودان إلى مراقبة الحدود بين دارفور ووداي الى حين ترسيمها في وقت لاحق, ويتم التفاهم مع الحكومة الفرنسية بهذا الشأن.
ويري الفرنسيون وجود السلطان" دود مرة "سلطان وداي والذي هرب الي دارفور كان يشكل خطرا على السطان أخيه الذي تم تنصيبه حليفاً لهم في تشاد, وهذا الخطر يتمثل في رأي الفرنسيين من أن دود مرة قد يشكل ثورة ضدهم هناك، ويأتي للإطاحة بسلطة السلطان أصيل الذي أسند اليه الحكم بمساعدة الفرنسيون، وكان قد أستنجد بهم انطلاقا من الأراضي الأفريقية في برازافيل. وتلك الخطوة التى اتخذها السلطان اصيل ضد اخيه وبطريقة غير محسوبة, كانت إذاناً بدخول الاستعمار الفرنسي الى المنطقة، بل مهد لها أصيل عن طريق الخطأ, وذلك بتحويل الخلاف التقليدي الداخلي في حكم أسرة السلطنة إلى صراع خارجي تآمر فيه مع الفرنسيين وجر أصيل سلطنة دار وداي والأقاليم المجاورة لها للخضوع للاستعمار الفرنسي بصورة مباشرة, وهذا الخطأ الفادح قد عرض المنطقة كلها إلى مخاطرة أخري ومتتالية. ومن ناحية أخرى, فإن وجود" دود مرة "كلاجئ بدارفور اتخذه الفرنسيون ذريعة بهدف ملاحقته, وبالتالي احتلال مناطق أخري عبر الحدود بين دارفور ودار وداي, الأمر الذي أضاق صدر السلطان على دينار كونه لم ينتبه للوهلة الأولى لتلك المخاطر، واعتبر ان نزاع الودايين هو شأن داخلي يختص بسلطة العرش. واعتقد ان المسألة في بداياتها شئون داخلية تخص سلطنة وداي وليس دارفور، ولكنه سرعان ما أدرك ان الأمر غير كذلك, بل ان هنالك مؤثرات خارجية لها نتائج عابرة للحدود بفعل التهديدات المتزايدة على دارفور أيضا. وبهذه المناسبة نأمل ألا تفهم مشكلة دارفور الحالية على انها تخص أهل دارفور والسودان وحدهم وليس تشاد ودول المنطقة, لان الماضي مرآة الحاضر والمستقبل، وعليه فالعاقل يتعظ بغيره، ويستخدم إرثه لاستقراء عوامل التاريخ والجغرافيا، ويتستفيد منهما في الدروس والعبر.
في تلك الحقبة، فقد نشطت العمليات العسكرية الفرنسية بإستمرار عبر الحدود بين دارفور ووداي على اعتبارأن هنالك ممن يعارضون التدخل الفرنسي في وداي من الموالين للسلطان المخلوع" دود مرة"، وأن أي عملية فرنسية في الحدود بهذا الصدد كانت تهدف القضاء على دود مرة وأتباعه ومؤيديه في أعماق سلطنة دارفور من قبائل التماس الحدودية من المساليت والتاما والقمر، وبموجب هذا المنطق يجب إخضاع هؤلاء أو إضعافهم على الأقل لأغراض استعمارية توسعية، وربما تلك الذريعة كانت شرارة الحرب بين الفرنسيين والمساليت والتي قتل فيها سلطانهم تاج الدين في معركة دورتي الشهيرة.
وعليه، فإن الحدود التشادية السودانية كانت ساحة صراع دائم ومستمر منذ سنين بين الفرنسيين والبريطانيين من جهة، والقبائل الحدودية ضد التوغل الاستعماري من جهة أخرى، وإلى أن تطورالأمرإلى نزاع حقيقي وأزمة شغلت بال دولتي الاستعمار, كما ذكرنا في قضية أعالي النيل, والتى انتهت بتسوية سياسية بين باريس ولندن في معاهدة فشودة.
وهنا تبدو الأهمية الجغرافية للحدود بين البلدين حتى لدى المستعمرين والتي أصبحت قضيتها الخلافية تحرك دهاليز السياسية في العاصمتين باريس ولندن، وذلك للبحث عن أدلة دامغة توجب أيلولة الأراضي المتنازع عليها في الحدود بين دارفور ووداي, ومحاولة سيطرة موقف كل منهما عن الإثبات بالأدلة, إلى أن ابتليت تلك القوى بالحرب العالمية الأولي, وانشغلت بنفسها عن قضية الحدود بين البلدين وأقفلت ملفها إلى حين إشعار آخر. وبعد أن وضعت الحرب أوزارها عادت قوى الاستعمار فرنسا و بريطانيا إلى المعاهدة السابقة وتسوية المشكلة برؤي جديدة لتطابق مواقفهما الثنائية في قضية الحرب، وبذلك تعد اتفاقية 1919م أكثر مرونة بين البلدين بعد عودتهما من الحرب عكس تصلب مواقفهما السابقة أي قبل الحرب وبتوقيع الاتفاقية الجديدة قد دخلت قضية الحدود بين وداي ودارفور أعتاب مراحل جديدة كلياً عكس التصور التقليدي الذي انبنت عليه في معاهدة سلطنتي وداي ودارفور في إطارا عرافهما التقليدية المتوارثة, وبالتالي فإن السياسة الجديدة لدولتي الاستعمار قد قطعت بطون وأوصال قبائل في الحدود مع الاحتفاظ قليلاُ بالقرى والمسارات والموارد المائية والفلوات ومزارع المواطنين على جانبي الحدود بين وداي ودارفور.
ومن هنا يظهر جليا من خلال الخلافات الفرنسية البريطانية على ان الحدود التشادية السودانية ذات أهمية، وهي تبد وكذلك من خلال المعالجات التى تمت في شكل اتفاقات ومعاهدات أسهبت عنها أروقة الحكومتين في باريس ولندن في تفاصيلها, وهذا يبرهن لنا مجدداً أن موقع السودان و تشاد المميز بقلب القارة الأفريقية وتعدد سكانها الاثني والثقافي وضخامة مواردهما الطبيعية تجعل تلك القوي تجري وراء ثرواتها في لهاث مستمر, وذلك بهدف بسط النفوذ والسيطرة عليها مجدداً.
وتكشف معاهدة فشودة عام1989م، واتفاقية العام 1919م، وبروتوكول يناير 1924م، بأنها عالجت قضايا الخلافات الحدودية بين وداي ودارفور إستناداُ الي الخرائط ووضع العلامات على الطبيعة، وتم ترسيم الحدود التشادية السودانية وفقاً للمعلومات والمسوحات التي قامت بها لجنة الترسيم الإنجليزية الفرنسية مستندة في ذلك على نصوص الاتفاقات و المعاهدات في ذاك العهد القديم، وبعد نيل البلدين استقلالهما دفعت حكومتا تشاد والسودان في عقد الستينيات بجملة من المعالجات بشأن تبعية بعض القرى والمعالم لأي منهما, إلا أن الأمر لم حسم بعد عبر الطرق الدبلوماسية السليمة.
وفي 20/12/1965م كان أول إجتماع وزاري تم عقده بشأن ترسيم الحدود التشادية السودانية، حيث ضم مسؤلي الدولتين لمناشقة الملف, بعد أن أصبحت مرجعية الترسيم فيه هي الوثائق والخرائط والمعلومات التى تم الحصول عليها من تركة الاستعمار الفرنسي /البريطاني. وبعدها فقد مرت البلدان بتطورات سياسية وحروبات أهلية و نزاعات قبلية على الحدود حالت دون تحقيق أي تقدم في مجال ترسيم الحدود التشادية السودانية الى أن جاء الوقت المناسب، وانعقدت اللجنة الوزارية المشتركة اجتماعها الدوري وقررت أن تكون الاتفاقات الموروثة من الاستعمار مرجعية للعمل الحدودي, خاصة بروتوكول 10/1/1924م والخرائط والعلامات الخاصة بذلك. وقد اتفق الطرفان على إعادة تخطيط ووضع علامات ومعالم للحدود بين البلدين, وقد حققت اللجنة المشتركة نجاحات غير كافية في سبيل ترسيم الحدود بين تشاد والسودان خاصة في الفترة ما بين 1991م – 1994م و 1995 -1996م و2000م, واستطاعت اللجنة في إجتماعاتهاعلى تحديد المعالم المؤثرة استعماريا ولكنها أعادت العمل في بعض الأماكن التى يمكن أن ينشأ فيها خلاف على مستوي الحدود أمنياً أو اجتماعياً أوسياسياً، ووضعت لها الأولويات من حيث المبدأ الأتي:
1.على أن يشمل عمل اللجنة الملتقي الثلاثي لكل من تشاد والسودان وأفريقيا الوسطي.
2.على أن تكون هنالك أعمال تخفف من حدة الخلافات بين المواطنين في مناطق الوسط ( بئركوجان – جبل انياتا) مروراً ب(أم بلنج).
في المناطق الشمالية(كلبس)، بالإضافة إلى مناطق وادي أزوم ووادي صالح، ومناطق أخري قامت اللجنة المشتركة بتحديدها وفق برنامجها المدرج في جدول الاجتماعات الدورية في انجمينا والخرطوم، أوفي المدن التشادية أو السودانية المقترحة للاجتماعات حسب جدول عمل اللجنة.
وفي الأخير، أن المصالح بين تشاد والسودان تقتضي ضرورة أن يستمر العمل في ترسيم الحدود التشادية السودانية وفق الخطة مرسومة موضوعية تستجيب لحق السكان علي الحدود، لأن عدم ترسيم الحدود بين البلدين قد يكون حافزاً وسبباً مباشراً وراء كثير من المشاكل المعقدة والتي يصعب السيطرة عليها وحلها في المدى المنظور, لأنها كانت ولا تزال مرتبطة بعوامل سياسية وأمنية وقبلية، وأن الحدود بين البلدين طويلة وآهلة بالقبائل المشتركة وبها حركة سكانية دائبة, وتعد إحدى مراكز الأنشطة الخطرة المتمثلة بالإجرام والنهب المسلح والصراعات العرقية والمصالح الدولية المتشابكة، وأن عدم الاهتمام بقضايا تلك الحدود، يعني إغفال متعمد للدور الذي نبع في السابق من قبل قوي الاستعمار الفرنسية البريطانية وتوجهاتهما الحالية والمستقبلية في هذه المنطقة.. فهل يمكننا ترسيم حدودنا بطريقة شفافة يمكن من خلالها استقرار الأوضاع بين البلدين؟؟؟؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.