زفرات حرى طلب مُدهش أضحكني وكاد يُبكيني ورد في صحيفة «الصحافة» يقول: إن د. رياك مشار نائب رئيس حكومة الجنوب ناقش في اجتماعه مع الأستاذ علي عثمان محمد طه نائب رئيس الجمهورية «ضرورة استمرار الشراكة بين المؤتمر الوطني وقطاع الشمال بالحركة الشعبية بعد اكتمال حلقات الانفصال»!! ما أدهشني هو أن حزب عرمان «قطاع الشمال» يتحدّث نيابةً عنه نائب رئيس دولة الجنوب التي سيُعلَن عن ميلادها بعد حوالى شهر وتحديداً في التاسع من الشهر القادم بما يعني أن حزب عرمان ومالك عقار والي ولاية النيل الأزرق «الشمالية» مجرد حزب تابع لدولة أخرى عندها من المشكلات مع الشمال ما لا يعلم به إلا الله تعالى الأمر الذي يهدِّد بحرب ضروس رأينا نُذُرَها ومقدماتها في المعارك التي اشتعلت في أبيي مؤخراً.. سؤال بريء أوجهه للرويبضة العميل: مع من تقف في القضايا المعلقة بين الطرفين.. هل مع الجنوب أم مع الشمال، أو بمعنى أدق: هل تقف مع أيلولة أبيي لجنوب السودان أم مع تبعيتها للسودان الشمالي الذي تقود فيه حزباً سياسياً يطلب أصوات الجماهير وتفويضها لحكم السودان؟! مشار في قوة عين يُحسد عليها قال إنه اقترح أن «يُمنح قطاع الشمال نسبة 6% من السلطة التي كانت تُمنح في نيفاشا للأحزاب الجنوبية باعتبار أن ذلك يمكن أن يخلق دولتين متعاونتين»!! يا سبحان الله.. «تاني يا مشار»!! بعد كل التشاكس الذي شهدته الفترة الانتقالية وبعد أن أنقذنا الله بالانفصال وبعد أن أراحنا من خوض الحركة الشعبية للانتخايات الأخيرة في الشمال جرّاء قرار سلفا كير سحب ترشيح عرمان وبقية عصابات الحركة الشعبية.. بعد كل هذا بل بعد أن أصبحنا دولة مستقلة من «استعمار» الجنوب تريد منا أن نكرِّر ذات المأساة ونُلدغ من ذات الجحر ونُعيد تجربة شراكة الشحمة والنار والقط والفار؟! مشار يريد منا أن نُدخل عرمان الذي لم نذق منه من يوم قدومه البغيض إلى الخرطوم عقب توقيع نيفاشا.. نُدخله إلى البرلمان أو إلى الحكومة ليلعب دور حصان طروادة وشوكة الحوت التي تنهش في جسدنا والقنبلة الموقوتة التي تدمِّر كياننا والعميل الذي يعبث بأمننا من داخل مجلس الوزراء والبرلمان حتى يطالب بضم أرض الشمال بما في ذلك أبيي إلى دولة الجنوب!! يفتح الله يا مشار فنحن لن نكرِّر الخطأ مرة أخرى. أعجبني أن الأستاذ علي عثمان بالرغم من أدبه الجم وصبره اللا محدود أصبح يكشِّر عن أنيابه ويرفض استقبال الأمريكية البغيضة سوزان رايس والمبعوثين الدوليين الذين لطالما تودَّدنا إليهم «بدون فايدة» فللصبر حدود وها هو يرفض أن يصطحب مشار معه بعض الوزراء الجنوبيين وأرجو أن يكون من بين من رفض شيخ علي استقبالهم الرويبضة عرمان الذي قابل اليوم السفير الأمريكي وقبله بالأمس السفير البريطاني ليحرِّضهما على السودان الشمالي كما فعل خلال زيارته الأخيرة لأمريكا. مشار ناقش كذلك مع علي عثمان قضية قوات الحركة الشعبية في جنوب كردفان والنيل الأزرق وقال إن الخلاف حولهما مازال قائماً!! عجيبٌ والله أن يقول هذا الكلام ولستُ أدري والله هل يرضى مشار بوجود القوات المسلحة السودانية في جنوب السودان؟! أزِف وقتُ رحيل قوات الجيش الشعبي بعد فترة الإنذار التي قدَّمتها القوات المسلحة السودانية وهناك خياران لا ثالث لهما فإما أن يخرج الجيش الشعبي وإما أن يُطرد بالقوة فقد كان ذلك هوالواجب منذ عدة أشهر وفقاً لنيفاشا على أن يصحب ذلك دخول القوات المسلحة السودانية الولاياتالجنوبية الحدودية فقد سئمنا التدليل وما عاد لدينا من خيار غير المعاملة بالمثل إنفاذاً للتوجيه القرآني «فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثلما اعتدى عليكم». كان الأستاذ علي عثمان يتصرف باعتبار أن السودان دولة واحدة أما اليوم وقد فرز الجنوب «عيشته» فإنه لم يعد هناك من خيار غير أن يضطلع المؤتمر الوطني بمسؤوليته التاريخية المتمثلة في أن يحافظ على كل ذرّة من تراب الشمال وأيُّ تفريط في شبرٍ واحد من أرض الشمال أو سيادته يُعتبر تقصيراً سيُساءل عنه أمام هذا الجيل والأجيال القادمة وأمام التاريخ وقبل ذلك أمام الله رب العالمين.