حقائق كاشفة عن السلوك الإيراني!    المؤسس.. وقرار اكتشاف واستخراج الثروة المعدنية    القلق سيد الموقف..قطر تكشف موقفها تجاه السودان    البيان الختامي لملتقى البركل لتحالف حماية دارفور    الداخلية السودانية: سيذهب فريق مكون من المرور للنيجر لاستعادة هذه المسروقات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    السودان..مساعد البرهان في غرف العمليات    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    الفاشر ..المقبرة الجديدة لمليشيات التمرد السريع    أبل الزيادية ام انسان الجزيرة    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    أرسنال يحسم الديربي بثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    تجارة المعاداة للسامية    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إذا كانت مصر هي أم الدنيا فإن السودان هو أبوها!

إذا إجريت استطلاعاً حول العلاقات المصرية السودانية وسط المواطنين السودانيين العاديين المعتادين على التعبير عن أفكارهم دون لف أو دوران فمن المؤكد أنك ستخرج بثلاثة أراء رئيسية على النحو الآتي:
هناك فريق من السودانيين ، يُمكن تسميتهم أهل المصرنة المطلقة، هؤلاء يعتقدون أن العلاقة بين الشعبين المصري والسوداني هي علاقة أزلية فمصر والسودان يشكلان عمقاً حضارياً استراتيجياً لبعضهما البعض ويقول هؤلاء إنه من المستحيل أن يلتقي مواطن مصري مع مواطن سوداني دون أن يتصافحا بحرارة ويتضاحكا بمودة ويثرثرا بحفاوة بينما تتطاير بينهما عبارات "نحنا أخوات" المصرية و"نحنا أخوان السودانية" فالمصري والسوداني تؤامان طبيعان لا يفصل بينهما تاريخ ولا تفرقهما جغرافيا ، والواقع يقول إن النوبة المصريين والنوبة السودانيين هم شعب واحد تفصل بينهم حدود وهمية ، ويؤكد هؤلاء أن ماضي وحاضر ومستقبل الشعبين المصري والسوداني واحد وغير قابل للتجزئة ، ففي الماضي السحيق حكم الفرعون السوداني بعانخي مصر وساهم في صناعة التاريخ المصري القديم الذي ما زالت إهراماته الشامخة تعتبر من أكبر وأشهر المعالم السياحية في العالم ، كما شهد شمال السودان حكماً مصرياً فرعونياً ما زالت آثاره باقية حتى اليوم في إهرامات الدفوفة بمدينة كرمة السودانية ، ويرى هؤلاء أن السودان يدين لمصر بالكثير فالإسلام والعروبة قدما للسودان من البوابة المصرية ، والتطور الزراعي في السودان تحقق على يد المصريين فهم أول من أدخل زراعة القطن والقمح وبعض أنواع الموالح في السودان ، والتطور التعليمي في السودان تم بإيادٍ مصرية فهناك عدد كبير جداً من السودانيين تخرجوا من الجامعات المصرية ومن جامعة القاهرة فرع الخرطوم بل أن مصر لعبت دوراً كبيراً في تطوير فن الغناء السوداني ولولا مصر ما انتقل فن الغناء السوداني من أغاني الحقيبة السودانية التقليدية الرتيبة إلى أغاني الموسيقى الحديثة وأغاني الجاز الراقصة فكل الآلات الموسيقية الحديثة كالكمان والأورغن والجيتار قد تسربت من مصر إلى السودان ، وكان فنانو السودان في أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين يهاجرون إلى مصر بغرض تسجيل أعمالهم الغنائية ، أضف إلى ذلك أن المسرح السوداني يُعد الوليد الشرعي للمسرح المصري ، وهناك عدد كبير جداً من المواطنين المصريين الذين تسودنوا وتصاهروا مع السودانيين واستوطنوا في السودان وصاروا جزءاً لا يتجزأ من الشعب السوداني، كما أن مصر تدين للسودان بالكثير فالنيل واهب الحياة لمصر لا يأتي إلا من البوابة السودانية وهناك ملايين السودانيين الذين يعيشون في مصر ويساهمون في صنع حاضرها ومستقبلها ولهذا ليس غريباً إذا قاتل السودانيون إلى جانب إخوانهم المصريين في كل الحروب السابقة التي خاضتها مصر ضد إسرائيل وليس غريباً أن يكون موقف مصر والسودان موحداً حيال أزمة مياه النيل الحالية فالمصالح المائية المشتركة بين الشعبين المصري والسوداني هي مصالح كبيرة ومتبادلة ولذا يجب عليهما المحافظة على حصصهما المائية التاريخية المستحقة لهما بموجب اتفاقية عام 1929، ويقول هؤلاء إنه لا يجوز التضحية بالمصالح المشتركة بين الشعبين المصري والسوداني بسبب أي صراعات سياسية عابرة بين حكومتيّ البلدين، ويعتقد هؤلاء أن مشكلة حلايب بين مصر والسودان هي مشكلة مفتعلة خلقها الاستعمار الانجليزي حينما قام برسم حدود وهمية مصطنعة بين أهل البيت الواحد من المصريين والسودانيين وأنه يجب على الحكومتين المصرية والسودانية أن تتجنبا القضايا الخلافية الصغيرة مثل قضية حلايب وتركزا على المصالح الكبرى التي تجمع البلدين مثل تطوير التجارة البينية وتوسيع الاستثمارات الاقتصادية المشتركة، ويعتقد هؤلاء أنه عندما يقول المصريون إن مصر هي أم الدنيا فإنهم محقون في ذلك فالحضارة الفرعونية القديمة بإنجازاتها التاريخية المعروفة في علوم الكيمياء والزراعة والطب والتحنيط هي أم الحضارات بلا منازع وحينما يردد المصريون هذه المقولة فإنهم لا يقصدون الاستعلاء على السودانيين أو على غيرهم من شعوب العالم بل يرددون هذه المقولة من باب الاعتزاز القومي فقط لا غير علماً بأن المصريين والسودانيين كانوا شعباً واحداً يعيش في دولة واحدة حتى عام 1956 الذي اختار فيه معظم السودانيين الانفصال عن مصر والسبب كما يقول هؤلاء السودانيون هو تآمر الانجليز على وحدة وادي النيل والتلميح للسودانيين بعدم انهاء الحكم الانجليزي للسودان إذا اختار السودانيون الوحدة مع مصر ويؤكد هؤلاء أن سبب تخلف مصر والسودان الحالي يعود لانفصالهما عن بعضهما البعض ويدعون بحماس شديد إلى تحقيق الوحدة بين مصر والسودان ويقولون إن الظرف التاريخي الحالي موات لدمج مصر والسودان في دولة أفروعربية واحدة موحدة بإمكانها أن تقلب موازين القوى الاقتصادية في العالم كله وهذا الأمر ممكن ومطلوب ومرغوب فيه فهذا العصر هو عصر التكتلات الاقليمية الكبرى ذات العملة الواحدة والقوات العسكرية الموحدة وليس عصر الدويلات الصغيرة المفككة وأن كل من يعادي وحدة وادي النيل من السودانيين أو المصريين هو انسان يعاني من ضيق الافق السياسي وقصر النظر الاقتصادي، ويدعو هؤلاء السودانيين الحكومة السودانية والاحزاب السودانية وكل المواطنين السودانيين أن ينتهزوا الفرصة التاريخية والأجواء الديمقراطية التي وفرتها ثورة 25 يناير المصرية وينخرطوا في تبني مشروع وحدة وادي النيل من أجل إنشاء دولة مصرية سودانية موحدة ، ويقول هؤلاء بلهجة سياسية عاطفية إن العلاقات بين الشعبين المصري والسوداني سمن على عسل رغم أنف العزال السياسيين الإقليميين والدوليين وإن السودان هو النصف الحلو لمصر فلا مصر بدون سودان ولا سودان بدون مصر ولا نامت أعين أعداء وحدة وادي النيل في أي مكان.
هناك فريق من السودانيين ، يُمكن تسميتهم أهل السودنة المطلقة، هؤلاء يعتقدون أن السودان كان وما يزال يصدر الخير لمصر عبر نهر النيل وأن مصر لم تصدر للسودان سوى الشر ممثلاً في كثير من الكوارث الاجتماعية والسياسية فمصر صدرت للسودان الخفاض الفرعوني وحملات الاستعمار التركي التي استهدفت صيد الزنوج والاستيلاء على الذهب وتوجت بحملات الدفتردار الانتقامية التي أبادت الآلاف من بني جلدتنا وأدت إلى تأليب السودانيين على الحكم التركي حتى أطاحوا به في نهاية المطاف على يد الثورة المهدية السودانية التي وحدت السودان لأول مرة في تاريخه ثم صدرت مصر للسودان الحكم الثنائي المصري الانجليزي الذي أطاح بالثورة المهدية السودانية ويرى هؤلاء أن الحكم الثنائي لم يكن حكماً ثنائياً كما يتوهم بعض السودانيين والمصريين لأن مصر نفسها كانت مجرد مستعمرة بريطانية آنذاك، ولا يثق هؤلاء السودانيون بالتعليم المصري الذي صدر للسودان ويعتقدون أنه كان وما يزال يخدم الاجندة السياسية المصرية ويقوم على الكم لا الكيف ويتهمون التعليم المصري بأن قد تسبب في نهاية المطاف في خلق مشكلة التعريب المرتجل الذي ما زال التعليم السوداني يعاني منه حتى تاريخ اليوم ، ويرى هؤلاء أيضاً أن مصر صدرت للسودان عدداً من الأحزاب اليسارية واليمنية والقومية المتطرفة كالأخوان المسلمين والشيوعيين والناصريين والبعثيين وقد قامت هذه الأحزاب بإفساد الحياة السياسية السودانية وتسببت في نهاية المطاف في فصل جنوب السودان عن شماله، كما يرى هؤلاء أن السبب الرئيسي لانفصال السودان عن مصر تمثل في انعدام ثقة أغلبية السودانيين في المصريين وهم يقولون إن معاونة المصريين للانجليز في الاطاحة بالثورة المهدية السودانية وخيانة القوات المصرية العاملة في السودان لانتفاضة ثورة اللواء الأبيض السودانية في عام 1924 بعد اتفاق قائد القوات المصرية مع قائد القوات السودانية على الثورة في وجه الاحتلال الانجليزي كانا السبب الأساسي في فقدان ثقة السودانيين في المصريين والذي أدى في نهاية المطاف إلى إنفصال السودان عن مصر في عام 1956، أما حكاية تطوير الفن السوداني على يد المصريين فيرد عليها هؤلاء بقولهم إن السلم الموسيقى المصري هو سلم سباعي بينما سلمنا السوداني سلم خماسي وشتان ما بين السلمين فالمصريون يرقصون على أنغام عشرة بلدي البطيئة الايقاعات بينما يرقص السودانيون على أنغام الدليب والتم تم سريعة الطلقات! ويرى هؤلاء أن اصطفاف السودان مع مصر حيال أزمة مياه النيل، وهما دولتا مجرى ومصب ، في وجه الدول الأفريقية التي تشكل دول المنبع هو موقف خطأ فليس من المعقول أن نكسب مصر وحدها ونخسر جميع جيراننا الأفارقة من أجل سواد عيون المصريين الذين يعتقدون أن النيل ملك حر مسجل بإسمهم بموجب اتفاقية استعمارية قديمة متجاهلين الحقوق المائية لدول المنبع التي تكاثر سكانها وصاروا يحتاجون لحصص أكبر من المياه فالعدل يقتضي التحاور مع دول المنبع والوصول لحلول مائية عادلة تحقق مصالح جميع دول حوض النيل ولا تنحاز للجشع المائي المصري! ولعل أطرف النكات الافريقية التي تحكى في هذا الشأن أن طفلين أحدهما مصري والآخر أثيوبي تجادلا حول نهر النيل فقال الطفل المصري: مصر هبة النيل والنيل ينبع منها ويصب فيها وليس لأي أفريقي أي حق في نيل المصريين ، فرد عليه الطفل الأثيوبي : يبدو أنك تجهل الجغرافيا فالنيل ينبع من أراضي الأفريقيين وهو لا يصل إليكم إلا بعد أن نشرب منه ونزرع به ونستحم بداخله ونفعل فيه أشياء أخرى لا داعي لذكرها! ويعتقد هؤلاء السودانيون أن مصر تشكل خطراً كبيراً على السودان وأن العلاقات بين الشعبين لم تقم ذات يوم على أساس الندية بل أن المصريين يستهينون بالسودانيين ويعتبرونهم أتباع لهم ويعتبرون السودان مجرد حديقة خلفية تابعة لهم ويمكنهم التوسع فيها متى أرادوا بدليل قيام مصر باحتلال مدينة حلايب السودانية بالقوة المسلحة وأن مصر من الممكن أن تحتل مناطق سودانية أخرى في شمال وشرق السودان طالما تقاعس السودانيون عن استرجاع مدينة حلايب السودانية المحتلة ويعتبر هؤلاء أن الحكومات السودانية السابقة والحكومة السودانية الحالية قد قصرت في القيام بواجبها الوطني تجاه الاحتلال المصري ، ولعل أكثر ما أغضب هؤلاء مؤخراً هو قيام الحكومة السودانية الحالية بتوزيع السمسم السوداني على الجيش المصري كهدية على الرغم من الجيش المصري إياه هو الذي يحتل مدينة حلايب السودانية وكان الأولى توزيع هذا السمسم السوداني على النازحين السودانيين في دارفور وفي أبيي وكادقلي فالزيت لو ماكفي البيت حرمان على الجيران وينادي هؤلاء باسترجاع حلايب السودانية بالقوة المسلحة لأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة ، أما مقولة مصر أم الدنيا فيرد عليها هؤلاء بأنها مقولة استعلائية اعتاد المصريون على ترديدها وهو ما يجعلهم غير محبوبين وسط الشعوب العربية وشعوب العالم الأخرى فعلى سبيل المثال لا الحصر يصر المصريون على الاستعلاء الفني على السودانيين وعلى الخليجيين فمثلاً يقوم هؤلاء ببثّ المسلسلات والأغاني والأفلام المصرية في تلفزيوناتهم القومية ولكن المصريين لا يبثون المسلسلات أو الأغاني أو الأفلام السودانية أو الخليجية في تلفزيونهم القومي أبداً ، كذلك فإن السوداني إذا ظهر في الأفلام المصرية فهو يظهر في دور عم عثمان الفراش أو الطباخ أو البواب فقط لا غير ، كما أن المصريين يصرون على الاستعلاء السياسي وعلى سبيل المثال أصر المصريون على رئاسة الجامعة العربية لعشرات السنين رافضين مبدأ الرئاسة الدورية مما أضعف جامعة الدول العربية وحولها في نهاية المطاف إلى مجلس للشقشقة السياسية غير الفاعلة ، والمصريون أيضاً يصرون على الاستعلاء الاجتماعي فالمصري يحدث الآخرين بلسان حلو لكنهم يلمحون نظرات الاستهانة بهم في ناظريه لأنه يعتبر نفسه أشطر منهم بل أن كثير من الباكستانيين المقيمين في الخليج يقولون باللغة البتانية: "أنا ما يهب مصري عسان هو يسوي مني مني " فلا يعقل أن يكون هناك شعب مهووس بماضيه فقط دون أن يكون له حاضر مقنع فالمصريون والكوريون كانوا في بداية القرن العشرين على مستوى واحد من التخلف ولكن أين كوريا واين مصر الآن فالكوريون تحولوا إلى شعب صناعي عظيم واجتاحت السيارات الكورية كل شوارع العالم بينما حال المصريين اليوم لا يسر العدو فهم مجرد شعب مستهلك يستورد حتى القمح من الخارج ، أما حكاية الاهرامات العظيمة هذه فيعرف قصتها الجميع فهي قد بنيت كمقابر لملوك الفراعنة الذين كانوا يعتبرون آلهة يعبدها الفلاحون المصريين البسطاء الذين أجبروا على بناء الاهرامات عن طريق السخرة وكانت الكنوز الذهبية الثمينة الخاصة بالملوك الموتى تدفن معهم على أمل أن يتمكنوا من استخدامها مرة أخرى بعد بعثهم في الحياة الأخرى ولكن كما يعرف الجميع فإن معظم هذه الكنوز ضلت طريقها إلى أيادي سارقي الآثار من المصريين والأجانب ولم تتمكن لعنة الفراعنة من منع سرقتها ثم شقت طريقها بقدرة قادر واستقرت في متاحف لندن وبرلين! وغني عن القول إن هؤلاء السودانيين يرفضون رفضاً باتاً اتحاد السودان مع مصر ويقولون إنه لا ينبغي للشعب السوداني أن يلدغ من الجحر المصري عدة مرات فشمال وادي النيل وجنوب وادي النيل هما ضدان جغرافيان واجتماعيان لا يلتقيان وقطبان مغنطيسيان متنافران، وحتى النوبة المصريين يقولون في وسائل الاعلام المصرية "نحن مصريون ولسنا أفارقة أو سودانيون" فلماذا يحاول السودانيون التتشبث بمن يتبرأون منهم ويؤكد هؤلاء أن الوحدة التي لا تقوم على أساس الندية لا تعني شيئاً سوى الاستعمار، وأنه من الأفضل للسودانيين أن يكونوا أول أفريقيا بدلاً من أن يكونوا طيش العرب والمصريين وأن الوحدة إذا كانت ضرورة ملحة فالأفضل للسودانيين أن ينسحبوا من جامعة الدول العربية ويثبتوا عضويتهم في الاتحاد الأفريقي وأن يتحدوا مع الارتريين والاثيوبيين لأننا كلنا شرق أفريقيين وعادتنا ولغاتنا متداخلة وأغانينا وموسيقانا ذات سلم ولونية واحدة ويقول هؤلاء السودانيون بسخرية إذا كانت مصر هي أم الدنيا فإن السودان هو أبوها لأن كل المصادر العلمية الموثوقة تؤكد أن جمجمة أقدم رجل عاش على وجه الأرض عُثر عليها في مملكة الحبشة التي كانت تمتد ذات يوم بين الحبشة والسودان وتقع عاصمتها في مدينة مروي بشمال السودان والتي يقول التاريخ إنها كانت أول مدينة صهرت الحديد في أفريقيا! كذلك فإن أحدث الحفريات تؤكد أن اهرامات مروي هي أقدم إهرامات في العالم وهي تضم مقابر ملوك دولة كوش ومن اشهرهم الملك السوداني تهراقا الذي اجتاح الدولة المصرية القديمة عام 690 ق.م ونصب نفسه فرعوناً واستمر حكمه لمصر لمدة 26 عاماً بالتمام والكمال!
أما الفريق الثالث من السودانيين ، فيمكن تسميتهم بأهل الأعراف السياسية، لأنهم يفضلون مسك العصاة من منتصفها والتموضع في منطقة وسطى بين جنة الأحباء الأوفياء ونار الأعداء الألداء ، ويقول هؤلاء إنه من السذاجة السياسية أن نقيم العلاقات بين الشعوب بالأبيض والأسود ، وأن أي علاقة بين أي شعبين في الدنيا فيها منافع متبادلة وأضرار متبادلة ولا ينكر ذلك إلا مكابر، كذلك فإن وجود الحساسيات بين الشعوب هو أمر طبيعي فالشعبان الأنجليزي والفرنسي لا يحبان بعضهما البعض رغم أنهما جيران لا يفصل بينهما إلا بحر المانش والشعبان الياباني والصيني لا يحبان بعضهما البعض رغم أنهما ينتميان إلى ذات العرق الأصفر وأنه من المستحيل أحياناً التفريق بين الملامح اليابانية والصينية ، وحتى داخل الدولة الواحدة والشعب الواحد هناك حساسيات جهوية ومناطقية ، فأهل الوجه البحري في مصر يسخرون من أهل الوجه القبلي أي الصعايدة والنوبة المصريين ويستهدفونهم بالنكات اللاذعة والكاركاتيرات الساخرة ، وفي السودان هناك حساسيات تاريخية بين أهل النيل وأهل الغرب وحساسيات بين الشماليين والجنوبيين انتهت بإنفصال الجنوب عن الشمال ، ويرى هؤلاء أن الأفضل للشعبين المصري والسوداني أن يعيشا في دولتين منفصلتين مع حفظ الاحترام المتبادل ويدعو هؤلاء إلى حل مشكلة حلايب بين مصر والسودان بالطرق السلمية والودية عبر الذهاب إلى التحكيم الدولي في محكمة العدل الدولية بلاهاي وليس ذلك بدعة سياسية فقطر والبحرين هما دولتان شقيقتان ولكنهما حلتا مشاكلهما الحدودية عبر التحكيم الدولي لا عبر الطبطة والربت على الظهور على الطريقة المصرية ولا عبر الصهينة والتطنيش على الطريقة السودانية!
فأي فريق من الفرق السودانية الثلاثة على حق؟ الإجابة متروكة لك أيها القاريء الكريم.
فيصل علي سليمان الدابي/المحامي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.