عبد الواحد، سافر إلى نيروبي عشان يصرف شيك من مليشيا حميدتي    المريخ يستانف تدريباته بعد راحة سلبية وتألق لافت للجدد    هنري يكشف عن توقعاته لسباق البريميرليج    تعادل سلبي بين الترجي والأهلي في ذهاب أبطال أفريقيا في تونس    باير ليفركوزن يكتب التاريخ ويصبح أول فريق يتوج بالدوري الألماني دون هزيمة    كباشي يكشف تفاصيل بشأن ورقة الحكومة للتفاوض    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    مقتل مواطن بالجيلي أمام أسرته علي ايدي مليشيا الدعم السريع    تمبور يثمن دور جهاز المخابرات ويرحب بعودة صلاحياته    تقرير مسرب ل "تقدم" يوجه بتطوير العلاقات مع البرهان وكباشي    حملة لحذف منشورات "تمجيد المال" في الصين    بعد الدولار والذهب والدواجن.. ضربة ل 8 من كبار الحيتان الجدد بمصر    محمد وداعة يكتب: معركة الفاشر ..قاصمة ظهر المليشيا    مصر لم تتراجع عن الدعوى ضد إسرائيل في العدل الدولية    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    زلزال في إثيوبيا.. انهيار سد النهضة سيكون بمثابة طوفان علي السودان    يس علي يس يكتب: الاستقالات.. خدمة ونس..!!    عصار الكمر تبدع في تكريم عصام الدحيش    (ابناء باب سويقة في أختبار أهلي القرن)    عبد الفضيل الماظ (1924) ومحمد أحمد الريح في يوليو 1971: دايراك يوم لقا بدميك اتوشح    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عقيدة التصدير من مخلفات القرن التاسع عشر

التصدير يجب أن يكون ورقة خيار ومساومة وليس عقيدة عبيطة
رؤية نطرحها للشعب السوداني وللإقتصاديين الموهوبين غير التقليديين
• تاريخ هذه المقالة:
1. كتبت هذه المقالة في عام 2005م لصحيفة الأضواء ردا على بعض صحفيي الرأي العام الإقتصاديين وأصحاب العمل، ثم نقحت للتحسين لكي تأخذ طابعا موضوعيا مستقلا عام 2007م، 2009م والآن 2011م.
2. أزعجت هذه المقالة الإقتصاديين التقليديين الذين يسوسون السياسات الاقتصادية في السودان، وهم لا يدركون أنهم ضحية خديعة البنك الدولي وأدبياته التي روجها في الفترة 1968-1985م بشعار "زيادة معدلات التصدير تزيد من معدلات التنمية للدول النامية"، وهي فترة رئاسة روبرت ماكنيمارا 1968-1981م. تم الترويج للشعار بشكل موازي مع إسقط هذه الدول النامية في الديون غير قابلة للسداد (السودان 16 مليار دولارا فترة النميري) – راجع الكتاب الذي قرأه رئيس الجمهورية ومدحه وأشار إليه في حوار مع قناة النيل الأزرق، وترجمته إعترافات رجل مافيا إقتصادي، تأليف جون بيركينز، confessions of an economical hit man by john perkins.
3. هذه الكتاب طلبته فور إصداره في أغسطس 2004م من الولايات المتحدة الأمريكية وكان ثمنه وقتها 25 دولارا، إستشعارا مبكرا لأهميته، وكتبت عنه بمقالة في صحيفة الأضواء في 20 مايو 2005، وأيضا بنفس التاريخ في سودانيزاونلاين، بعنوان: إعترافات رجل مافيا إقتصادي.
4. أهديت نفس هذا الكتاب للصحفي فيصل محمد صالح في 2005م بهدف أن يروج له، وللأسف لم يفعل.
5. هذا الكتاب ترجمته دار نشر لبنانية إلى العربية في عام 2008م بعنوان مذكرات قرصان إقتصادي: الإغتيال الإقتصادي للأمم، ووصفته على أنه من أهم الكتب. روجت له دار النشر المترجمة وصفحة قناة الجزيرة الإسفيرية بشكل غير أمين في شقيه الذين يتعلقان بدور الملك فيصل، الدور الأول إجبار دول الأوبيك بيع زيتها بالدولار حصريا وليس بسلة عملات 1971-1973م، وبهذه الخدعة أضطرت أو أجبرت 160 دولة غير بترولية لبيع كل صادراتها بالدولار لكي تدفع للأوبيك فاتورة الزيت المرتفعة بالدولار – وهكذا أصبح الطلب على الدولار ثابتا. والدور الثاني: قطع الملك فيصل البترول بأمر وتنسيق من الولايات المتحدة في حرب أكتوبر 1973م – لنشل (إحتياطيات) البنوك المركزية العالمية المتفخة بعملة الدولار (خاصة اليابان، ألمانيا، فرنسا..). ملحوظة: ربط قطع البترول في حرب 1973م بتحرير القدس كذبة روجتها السفارة السعودية في القاهرة عام 1975م على يد صحفيين مستنفعين أمثال إبراهيم نافع الخ.
6. قرأ رئيس الجمهورية عمر البشير الطبعة المترجمة بالعربي عام 2010م ولا نقطع بأمانة الترجمة من عدمها – أي بعد ستة سنوات من الإصدارة الأصلية. هذا التأخير يعكس عدم جدية المستشارين المحلقين حول الرئيس في تنوير رئيس الجمهورية.
7. د. صابر محمد حسن محافظ بنك السودان السابق نال درجة الدكتوراه عام 1982م، وعمل فورا بصندوق النقد الدولي مستشارا لسبعة سنوات 1983-1990م. ترأس بنك السودان لفترة عمرها ستة عشرة سنة أوصلت الوضع الإقتصادي على ما هو عليه اليوم من فساد مالي وتجويع للشعب السوداني وسياسات ترتبط بالبنك الدولي بشكل خفي. أطروحته لنيل الدكتوراه عام 1982م من جامعة سيراكيوزا الأمريكية، هي:

Stability of exports and its impact on the economic development in developing countries, the Sudanese Experience, Syracuse University, 1982. (Trade & Development Financing)
وترجمة الأطروحة: ثبات عمليات التصدير والصادرات وأثرها على التنمية الإقتصادية في الدول النامية، التجربة السودانية مثالا، جامعة سيراكيوز، 1982م، (تمويل التجارة والتنمية).
8. العنوان أو االمحور الرئيسي لأطروحة الدكتوراه لدكتور صابر هو: تمويل التجارة والتنمية. د. صابر قصد تمويل التجارة والتنمية بدولار واشنطون طبعا، وهي نفس فترة روبرت ماكنيمارا = إقتراض قروض loans للتجارة والتنمية عبر تمويل البنك الدولي، هذه القروض في الواقع غبر قابلة للسداد – لأن وكالة الأمن القومي الأمريكية جندت إقتصاديين أمريكيين داخل المؤسسات الأممية والشركات الأمريكية لكي يغروا الدول النامية الضحية بقبول القرض إعتمادا على دراسة جدوى أقتصادية مضروبة أو مغشوشة من قبل هؤلاء المجندين – لذا هي ليست قابلة للسداد. جون بيركينز كان أحد المجندين بدءا من عام 1969م وأعترف بذلك وندم على فعلته – أقرأ كتابه.
9. هذه المقالة هي على نقيض كامل لأطروحة دكتوراه د. صابر محمد حسن.

مع بداية نمو التجارة العالمية في القرن السابع والثامن عشر وحتى التاسع عشر، تبنت الدول الأوروبية ومن خلفها بقية دول العالم ومستعمراتها العقيدة الاقتصادية التي تقول أن التصدير يزيد من الثروة الوطنية، بينما الاستيراد يضر من النمو الاقتصادي المحلي.
هذه العقيدة، وتسمى العقيدة التجارية mercantilism أغرت معظم دول العالم حينذاك لكي تتبنى أساليب الحمائية حتى تستطيع أن تحدث مستوى مرغوب من التوازن في الميزان التجاري، ويعني حرفيا المزيد من التصدير والتقليل من الاستيراد، ولم يدر في خلد تلك الدول حينذاك أنه فخ بريطاني استعماري - تسلم الدول سلعها الحقيقية لبريطانيا مقابل اللهث خلف عملة ذهبية أو ورقية مغطاة بمعدن الذهب، فضلا عن أن بريطانيا نفسها وضعت يدها على مناجم الذهب العالمية في مستعمراتها وهكذا أغلقت الدائرة. وبهذه الدائرة المغلقة الخديعة أصبحت كل موارد العالم الحقيقية تصب في جيب بريطانيا العظمى.
ولكن الإقتصادي آدم سميث كتب كتابه (ثروة الأمم، عام 1776م) لكي يدين ويستنكر هذه العقيدة البريطانية، وحذر الشعب الأمريكي من العقيدة التجارية – وبالطبع قصد آدم سميث بريطانيا العدوة اللدودة لشعب الولايات المتحدة الأمريكية، الذي أستقل عنها بثورته 1775م وبإستقلاله في 4 يوليو 1776م. وبالرغم من التوجه العام ضد بريطانيا، لكن كتاب ثروة الأمم ما زالت له قيمة في عالم الإقتصاد اليوم، وبشكل خاص ما يتعلق بالليبرالية الإقتصادية، إلى درجة أن جامعة شيكاغو زورت وحرفت أقواله في الليبرالية الاقتصادية وأنزلته أي طبعته وكأنه الأصل – خديعة كبرى، جامعة شيكاغو يمتلكها اليهودي جون دافيد روكفيللر.
لقد حذر آدم سميث من أن نساوي أو نساوق ما بين النقود والثروة – الثروة هي مثل القطن، والضأن، والبترول، والصمغ...الخ، فالنقود مهما تعددت أنواعها..والثروة السلعية هما في رأيه ليسا شيئا واحدا، وذكر في كتابه ما نصه: (الثروة الحقيقية أو الفقر الحقيقي لدولة ما يعتمد بالمطلق على وفرة أو ندرة هذه السلع الاستهلاكية). فإذن على حسب قوله تصدير السلع الحقيقية رذيلة إقتصادية. وأستثنى استيراد سلع رخيصة، ونكرر سلع رخيصة ومفيدة في آن واحد لسد الحاجة الاستهلاكية، وكذلك استيراد السلع الرأسمالية (الآلات، الماكينات..) قد يزيد من ثروة الأمم أكثر من تركيم إحتياطيات من العملات النقدية الورقية أو الذهبية أو الفضية أو جميعهم كمحصلة للتصدير.
ويقول سميث نصا: (الدولة التي -طبقا للمجادلة السابقة- تشترى النبيذ ستجد دائما النبيذ حاضرا عندما تأتي مناسبة الحاجة له، أما الدولة التي تشتري الذهب والفضة وتراكمهما كاحتياطي لن تكون في حاجة أبدا لهذين المعدنين). ولذلك، طبقا لأقوال سميث، يمكننا اعتبار التصدير تكلفة غالية، ينحر أو يستنزف السلع المنتجة محليا لدولة ما أو يستنزف خاماتها، بينما المكسب التجاري يستمد حقيقته من الاستيراد شرطا إذا كان رخيصا ومفيدا، أي تزيد معه ثروة البلاد. عقيدة آدم سميث الاقتصادية هي عكس العقيدة التجارية البريطانية mercantilism التي تتبنى عقيدة التصدير.
الآن يمكننا أن نسأل: كيف يدور الاقتصاد العالمي؟ هل بنظرية ال mercantilism أو بنظرية آدم سميث؟ الجواب على هذا السؤال سيحدد موقفك من قضية عقيدتي التصدير والاستيراد، أي أيهما الرذيلة وأيهما الفضيلة. ليس صدفة أنني استخدمت لفظة عقيدة، أي بمعنى ديانة. ولقد تمت تربية دول العالم الثالث الاقتصادية بأسلوب خبيث وماكر لكي تؤمن بالتصدير على أنه يزيد من ثروتها حتى أصبح التصدير في وعيها ووجدانها ديانة. وعليك أن تستنتج أن الدول الغربية ما بعد الحرب العالمية الثانية طبقت عقيدة آدم سميث في خفية، بينما الكتلة السوفيتية القديمة اكتفت بذاتها وعملاتها المحلية ورفضت الاشتراك في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. رفض ستالين عضوية هاتين المؤسستين بعد العرض الذي قدمه له الأمريكي اليهودي اللتواني هاري ديكستر وايتHarry Dexter White رئيس وفد الولايات المتحدة في معاهدة بريتون وودز وأول رئيس لصندوق النقد الدولي. والدليل على أن الدول الغربية حقيقة تستخدم نظرية آدم سميث في خفية أن الولايات المتحدة تستهلك 95% من إنتاجها القومي الاجتماعي الإجمالي GDP بينما تصدر منه فقط 5%، وما تحتاج إليه إضافيا من سلع حقيقية تحصله بطبع ورقة أو وريقة تسمى الدولار وهي عملة ورقية هوائية لا قيمة لها fiat money ليس مقابلها ذهب منذ 15 أغسطس من عام 1971م. أضف إلى ذلك بدءا من عام 1973م وتلك الخدعة المذكورة في المقدمة، أصبح الدولار مغطى بزيت الأوبيك، رغم أن هذا الزيت لا تمتلكه الولايات المتحدة الأمريكية.
يمكن تعريف النقود الهوائية بالتالي:
ِA fiat currency: (A fiat currency is an enforceable decree issued by a king, dictator or other government agent. Fiat money is paper or tokens made legal tender by fiat rather than by convertibility into commodity-money).
ولكي نتم التعريف بالكامل نقول أن ال commodity-money هي النقود التي يتم صبها بمعدن نفيس مثل الذهب أو الفضة، وبعض القراء العواجيز قد يتذكر حبوباتهم عندما استخدمن في سابق الزمان الجنيه الإسترليني الذهبي وكن يعلقنه في رقابهن كعقد بعد معالجته لدى الصاغة بثقبه أو عمل حلقة إضافية لكل قطعة.
أما أوروبا، فتستهلك 90% من إنتاجها السلعي القومي الاجتماعي المحلي الإجمالي بينما تصدر 10% منه فقط. وبإصدار عملة اليورو يناير 2002م، يمكن لأوروبا الآن أن تطبع عملة هوائية ورقية مثل الدولار fiat currency وتتحصل على سلع حقيقية مقابل هذه الوريقات الزرقاء، وسيعيد اليورو تاريخ الدولار.
إذن في كل الأحوال لا يمكن مساواة أو مساوقة العملة الورقية ولا حتى الذهبية أو الفضية بالسلع الحقيقية مثل القطن، والماشية، والصمغ، والسمسم، والبترول..الخ وهي لا شك الثروة الحقيقية لأية أمة. والرسوم التالية عملتها بنفسي لتقريب المسألة للقارئ ذهنيا وهي توضح النظام البريطاني القديم والنظام الأمريكي 1944م الحديث:
وبالطبع يمكنك عمل بعض الرتوش الإضافية لهذه التصميمات مثل إسقاط دول العالم الثالث وبقية العالم أجمع بمجموعها في كمين الديون والفوائد المركبة لكي تصدر سلعها وخاماتها بكل طاقتها القصوى. فتصبح وظيفة دول العالم الثاني والثالث فقط التصدير – أي تصدير سلعها الحقيقية للولايات المتحدة، وبريطانيا وأوروبا.
فمثلا في المثال أو الرسم الأول ما قبل 1944م أي قبل معاهدة بريتون وودز كانت بريطانيا تمنع دول العالم مثل مستعمراتها السابقة وغيرها أن تتعامل أو تتبادل السلع مباشرة ما بينها باستخدام عملاتهن الوطنية وكان عليهن فقط وفقط استخدام الإسترليني، حتى تسلم دول العالم سلعها الحقيقية في آخر المطاف لبريطانيا...خبث إقتصادي! ولكن معاهدة بريتون وودز 1944م أجازت ذلك وكسرت قانون الجبرية البريطاني، وسمحت للدول التعامل بعملاتها الوطنية مباشرة – وأعتبرتها عملات دولية. هذه الجبرية، رغم أن واشنطون كسرت تابو التعامل بالعملات الوطنية، هذه الجبرية استخدمتها الولايات المتحدة أيضا بمكر ودهاء ولكن بشكل مبطن، عندما تآمر سرا هنري كيسينجر مع الملك فيصل 1971-1973م م بإجبار دول الأوبيك المنتجة للزيت ألا تبيع زيتها إلا بالدولار بدلا من سلة عملات، فأضطرت 160 دولة غير منتجة للزيت أن تبيع صادراتها بالدولار لكي تدفع فاتورة الزيت بالدولار وهي أكبر فاتورة لأية دولة. وهذا ما صنع الإمبراطورية الأمريكية.
بعد هذه المقدمات التاريخية نرجع للتحليل الاقتصادي لواقع السودان. من يتتبع الصحف السودانية يكتشف أنها تنفخ بحسن نية في كير فضيلة التصدير. وكذلك يتبرأ مسئولو وزارة التجارة تهمة انخفاض الصادر، بل يؤكد ولاة الولايات بفخر زيادة الصادر، ولسان حال الجميع يتمحور عند نقطة معينة وهي: أن التصدير أو الصادر هما الفضيلة، والعقيدة، وإن انخفاض قيمة الصادر، أو زيادة الاستيراد هي الرذيلة.
ولقد نتج من هذه العقيدة مضاعفات سلبية أخرى مثل الإيمان أو الترويج أنه يجب أن نزيد الإنتاج لكي نزيد من قيمة الصادر والتصدير. وكذلك تنتحب قبيلة التصدير (العاملون في مجال التصدير) وتشكو من كثرة وتعدد الرسوم والضرائب على التصدير ومن ضعف الدولار، والاعتماد على البترول دون المواد البترولية، وضرب بعضهم أمثلة الويل والثبور بالمكسيك ونيجيريا اللتين أهملتا الصادرات غير البترولية وركزتا على البترول فقط: (لتصبح المكسيك مستوردا للسمسم الأبيض بعد أن كانت أكبر منتج له، وأصبحت نيجيريا أكبر مستورد للفول السوداني بعد أن كانت أكبر منتج له). وختم هذا البعض قوله: (ما في جهد واضح من الدولة للنهوض بالصادرات غير البترولية لذلك أخشى لانتقال النموذجين النيجيري والمكسيكي ونفقد بذلك أسواقنا التقليدية –الخارجية- لتتمدد على حسابه الصين والهند وباكستان وأثيوبيا في هذه الأسواق).
وعموما، وفي الحق كل الصحف السودانية مثل طيور الببغاء تضرب على نفس الطنبور أو تنفخ في نفس المزمار – وجوب زيادة معدل الصادرات، وعليهم أن يعيدوا حساباتهم مرة أخرى طبقا لهذه المقالة.
الاستقراء المجمل من المعطيات السابقة يقودنا للتحليل التالي ووضع البدائل:

- زيادة معدلات الصادرات، أو التصدير بالمطلق تحول إلى عقيدة ثابتة باعتباره فضيلة على الاستيراد.
- فضيلة زيادة الإنتاجية أصبحت مربوطة مباشرة بزيادة الصادرات، وليس ارتباطا بالطلب الداخلي للسوق الوطني.
- أصبحت وظيفة الإنتاج القومي هي التصدير، أي نحن نعيش وننتج لكي نصدر – وليس لكي نستهلك مواردنا ومنتجاتنا.
- احتقار السوق الوطني، واحتقار المستهلك السوداني، واحتقار عملتنا الوطنية شئنا أو أبينا أصبحت قناعات إن لم تكن عقيدة ثابتة.
- أصبح المستهلك السوداني ليس الهدف من الإنتاج والإنتاجية بل مستهلك السوق الخارجي.
- تصدير السلع الحقيقية (الصادرات) هو استنزاف لمواردنا المنتجة والطبيعية، طبقا لعقيدة آدم سميث ثروة الأمم، يصبح تكلفة عالية – ويحرم منها الشعب السوداني.
- عدد رجال الأعمال من الأفراد والعاملين في قطاع المصدرين والصادرات لا يتعدى بعض العشرات بينما لهم صوت عالي، غير قادرين أن يميزوا ما بين الطيب والخبيث طبقا لتناقض المصلحة.
- ماذا يعنون باتحاد أصحاب العمل؟ هل يعتبر المصدرون أصحاب عمل؟ كيف نعرف صاحب العمل؟ هل هو من ينتج حقا يخلق وظائف جديدة ويضيف إنتاجيا سلعة منتجة للناتج القومي، أم ذلك المصدر الذي يلعب دور الوسيط والوساطة والسمسرة داخليا وخارجيا؟ هذا إذا استثنينا من يصدرون بمالهم الخاص دون الاعتماد على أموال المودعين (أموال غيرهم) في تمويل الصادر.
ولنلتصق بأهم نقاط استقرائنا وتحليلنا، وأهمها القصور الذهني والفكري بالحث بربط الإنتاجية بالتصدير، وأن التصدير بزعم البعض فضيلة، بينما تغيب حقيقة التصدير بصفته استنزاف للموارد، واحتقار للسوق الوطني وللمستهلك السوداني.
مما لا شك فيه، أن الكثير من الخبراء الاقتصاديين السودانيين أيضا تقليديون – خذ أطروحة الدكتوراه لصابر محمد حسن من جامعة سيراكيوز وإنطباقها مع الإستراتيجيات الأمريكية. وبعضهم متخصص في التحاليل المالية والبنوك دون الرؤية الشمولية في للعلاقات البينية للاقتصاديات الكبيرة. وعندما نقول تقليديين نقصد أنهم ضحية المفاهيم التي روج لها الاقتصاديون اليهود للمحافظة على مملكتهم الخاصة التي تسمى جهاز الاحتياطي الفيدرالي، وهم ضحية التزييف ليس عبر مؤسسات الأمم المتحدة فحسب، بل أيضا عبر المقررات الجامعية أيضا.
وبما أن الشيء بالشيء يذكر وقع أربعون من حملة جائزة نوبل في الاقتصاد على عريضة يحثون الرئيس الأمريكي بوش لوضع دارفور تحت الفصل السابع. ربما يفاجأ الكثيرون، خاصة الاقتصاديون، إذا قلنا أن كل الاقتصاد المالي العالمي يملكه ويديره أصحاب البنوك النيويوركية في خفية، وهذه نتيجة منطقية لأنها تصنع النقود، والشركات الكبرى تقترض أو هي مملوكة للبنوك. وعندما نقول البنوك، هي لفظة غير محايدة، يجب أن تضع فورا في ذهنك القروض والفوائد المركبة الربوية. وهنا يأتي السؤال إذا ما كان الاقتصاد الذي في يدينا هو اقتصاد أم هو أيديولوجية منحولة من قبل رجال المال والبنوك؟ فلماذا إذن أقام اليهود الجامعات منذ مطلع القرن الماضي؟؟! في يدي قائمة من الاقتصاديين اليهود الحاصلين على جائزة نوبل في الاقتصاد وعددهم 22 تبدأ من باول سامويلسون 1970م وتنتهي بدانيال كيهنيمان 2002م وراجنر فريش. ويشكل اليهود الحاصلون على الجائزة في الاقتصاد بنسبة 53% على مستوى أمريكا و38% من العالم فقط في الثلاثين عاما الماضية. أما قائمة الاقتصاديين من اليهود عامة مثل ميل جرينسبان، ميلتون فريدمان، ومرتون ميلر..الخ فهي طويلة جدا ومعظم الجميع من هارفارد، وهي جامعة يهودية ليس على المجاز اللفظي، بل بحقيقة الأصول والملكية أسسها جي.بي. مورجان. كذلك جامعة شيكاغوا أسسها اليهودي جون د. روكفيللر وما لا أحصي من الجامعات والمراكز اليهودية وهي كثيرة.
ملحوظة جديدة (لنسخة 2011م المنقحة): مدرسة لندن الإقتصادية London School of Economics (LSE) مطبخ إقتصادي دولي كبير، تخرج من تحت باطها 33 رئيس دولة – منهم جون كينيدي، وغير الرؤساء مثل نائب باراك أوباما الحالي الخ و18 من حملة نوبل للإقتصاد. السيدة عابدة المهدي وزيرة الدولة للمالية السابقة 2002-2004م حضرت دبلوم وماجستير من هذه المدرسة، وعملت بصندوق النقد الدولي لعامين ديسيمبر 1988م وحتى يناير 1990م مع د. صابر محمد حسن، علاقتهما قوية حتى بعد خروجها من الوزارة والتوزير، بل كانت وزيرة دولة للمالية من منازلهم وإلى اليوم. سنفرد مقالة خاصة عن بنك السودان. ولكن على الصحف السودانية أن تستنطق كل من المحافظ السابق الممتاز الشيخ سيد أحمد والمخضرم دكتور عبد الرحيم حمدي عن طبيعة الفترة 1990-1993م وماذا حدث فيها سياسيا وإقتصاديا بالدقة.
وهنا يجب أن أفسر بعض القضايا الاقتصادية، ففي السابق كانت مقالاتي تركز على تاريخ البنوك وكررت الكثير من هذا التاريخ لكي أنبه العاملين في الجامعات وصانعي القرار في الدولة من تخطيط..الخ. لنتكلم هنا اقتصاديا الآن. لقد طرحت تساؤلا في مقالاتي السابقة إذا ما كان علم الاقتصاد علم. أتذكر جيدا بعض الأصدقاء الذين أكملوا دراستهم الاقتصادية في جامعة الخرطوم كانوا مغرمين بدراسة سامويلسون، وميلتون فريدمان في النظرية الاقتصادية، ويحملون كتبهم مثل القرآن. الآن تجدني أسخر من هذا الغرام. ولكي تفهم هذه السخرية نذكر مثلا نظرية الطلب والعرض، هي افتراضية بنيت على سوق مثالي لا يوجد في الواقع، ولأن الافتراضية تقول بحرية قوى الطلب والعرض في سوق حر، فحتى هذه الحرية لا توجد في سوق السودان ودعك من سوق الولايات المتحدة، الاقتصاد يدار دائما بطبخات إلا إذا فضلنا أن نموت بجهالة. كذلك، تحوى هذه الكتب على مؤشرات، وتعاريف ومعادلات ومنحنيات مغرقة في التجريد لا يمكن تفسيرها على واقع السودان مثلا، ولا تجد لها تطبيقا. لماذا؟ لأن هذه الكتب تحوى الكثير من الفرضيات التي بنيت على دراسة واقع الولايات المتحدة المعقد ولكونها تمتلك العملة الدولية. إذن هذه الخلاصة تجرنا إلى ما يسمى بالاقتصاد الوضعي positive economics. ومعنى ذلك، أنه لا يوجد اقتصاد لدولة ما يشبه اقتصاد لدولة أخرى، ولا يتشابهان في العوامل، ولا الموارد..الخ ولا الرغبات ولا الإرادة السياسية، إذن لماذا التعميم أو الإسقاط الذهني؟ هذه هي سذاجة اقتصاديي العالم الثالث، وليس صدفة أن تطبع بريطانيا سلسلة من الكتب الاقتصادية الكلاسيكية تتميز بأنها رخيصة طبعت خصيصا لطلبة العالم الثالث low priced editions إلا لكي يسقط اقتصاديو العالم الثالث في الخطيئة الاقتصادية.
ودعونا ننقد أول خطيئة اقتصادية تم الترويج لها دوليا من قبل الاقتصاديين اليهود ومؤسساتهم الأممية تتناقض مع الفهم المستقيم وتتناقض مع بديهيات أسس علم الاقتصاد. التركيز على هذه الخطيئة الاقتصادية وفضحها مهم، لأنها أصبحت عقيدة اقتصادية سائدة.
على أساس البديهيات ينبغي أن تقوم فلسفة الاقتصاد وحقيقته في مجمله، هذه البديهية تقول: أن علم الاقتصاد هو العلم الذي يوصف البشر الاجتماعيين في علاقتهم بعضهما البعض أثناء عملية الإنتاج وحصحصة الموارد الطبيعية والسلع المنتجة وتوزيعها وتبادلها. إذن تجزم هذه البديهية الموجبة أن موضوع الاقتصاد الرئيسي هو البشر، أي الناس، وعليه، أن يتحول موضوع الاقتصاد الرئيسي حصرا على الموارد الطبيعية دون البشر يعتبر انحرافا. هذه البديهية يمكن أن يفهمها أي إنسان له درجة من الفهم والمعلومات والفطرة السليمة ولا يحتاج أن يكون اقتصاديا على مقاس ملتون فريدمان. هذه البديهية لا يهتم بها علم الاقتصاد (؟) ولا يعيرها أية اعتبار – لأن علم الاقتصاد مثله ومثل أي علم آخر له رطانته ولغته الداخلية التي يمكن استغلالها للتعتيم على هذه البديهية.
بتعبير آخر، هذه البديهية تم قلبها رأسا على عقب، لقد حول الاقتصاديون اليهود الإنسان في علم الاقتصاد إلى عامل ثانوي، أحد عوامل الإنتاج، فقد لغوا إنسانيته وأحالوه الإنسان إلى شئ، بينما الموارد الطبيعية والمال ووسائل الإنتاج قد تم انسنتهم anthropomorphism. وبالضد، لا يمكنك أن تعامل الأفراد في علم الاقتصاد ولهم إرادتهم الحرة كما لو هم أشياء ساكنة في تجربة فيزيائية. أو أن تعامل رأس المال أو الإنتاج ككائن حي له روح وشروط ورغبات. هذه هي مشكلة علم الاقتصاد الكبير اليوم مقابل علم الاقتصاد الصغير. ففي نظر الاقتصاد الدولي تعتبر الكتل الاقتصادية (الشركات والبنوك الدولية) كائنات حية لها روح وإرادة، بينما في تصوره أن الشعوب والأفراد والمجموعات الاجتماعية بدون روح، مادة خاملة، يمكن إعطائها أية توصيف يرغبونه في المعادلات الرياضية الاقتصادية.
وحتى على مستوى الاقتصاد الصغير نرى هذه الأنسنة تتم لصالح المؤسسات الاقتصادية الأجنبية الوافدة في حقل الاستثمار داخل السودان. فمثلا لماذا يركز الاستثمار الخليجي المباشر فقط على قطاع البنوك والعقارات؟ لماذا نعتبر رأس المال الوافد الأجنبي له شروط ومزاج، ورغبات، وكيف، وميول، يجب أن نستجيب لها، بينما يشيئون المواطن، ولا تعطى أية درجة من الاعتبار لاحتياجات الإنسان السوداني الفعلية. ماذا ستستفيد القاعدة الشعبية السودانية من هذه البنوك الصغيرة الفكة، (إضافة نسخة 2011م)– أليست هي للصفوة؟ (2011م، أتضح أنها ضرورة لاذبة لإبتلاع المؤسسات السيادية الحلوبة بخدعة) أو كون تلك المؤسسات الخليجية تشتري الأراضي والعقارات السودانية بملاليم ولاحقا يبيعونها بالمليارات؟ أو بناء القرى السياحية الفاخرة؟
عند هذه النقطة نصل إلى الخلاصة: أن الإنسان السوداني، المواطن السوداني، ونجمله في لفظة اقتصادية أي المستهلك السوداني يجب أن يكون هو موضوع الاقتصاد السوداني، بؤرته، وهدفه، ولا يتأتى ذلك إلا إذا أعدنا النظر في الكثير من المفاهيم الاقتصادية – أي بالتحديد في العقيدة والأيديولوجية الاقتصادية. وعليه، يجب أن يفكر هكذا الجميع، أي أن مجمل نشاطهم الاقتصادي يستهدف خدمة المستهلك السوداني، وينطبق القول على الصغير والكبير، التاجر والصانع، رجل الأعمال أو رجل الدولة، الطالب والمعلم..الخ. كيف يمكننا تدليه وارضاء المستهلك السوداني وإشباع رغباته الاستهلاكية في العيش الكريم وتحسين مستوى معيشته، فلم لا يستمتع السوداني بخيرات بلده؟ أليس هذا هو الطبيعي؟ يجب أن يصبح ذلك عقيدة في تفكيرنا.
للوصول لهذه الكيفية وتعميقها في وعي الجميع يجب أن نركز على تقوية السوق الوطني المحلي، تطويره، وتقويته، وتوسيع آفاقه. فالمهندس المعماري مثلا عليه أن يصمم منزلا نموذجيا رخيصا للفرد السوداني، تجار مواد التشييد يلبون توفير مكونات هذا المنزل من مواد التشييد لخدمة المستهلك السوداني..الخ. يقول أحد تجار مواد التشييد أن سوق مواد البناء تعاني من الكساد وأن معظم المواطنين تعمدوا عدم الشراء وينتظر التجار قدوم الوافدين من دول الخليج. وهكذا يؤكد لنا هذا التاجر أن السوق السودانية ضعيفة عقليا بسبب عدم التفكير في متطلبات المستهلك السوداني وإشباع رغباته المشروعة في التنمية وتحسين مستوى المعيشة. ربح قليل مع زيادة المبيعات هو الأفضل لتقوية السوق، ولكن عندما تكون عقيدة تجار السوق تغليب الربح الفاحش وانتهاز الفرص وصنع الأزمات والندرة المصطنعة، وليس في وعيهم القاعدة من المستهلكين السودانيين فهو خطأ العقيدة الاقتصادية.
يلعب كبر حجم الطلب الداخلي للسلع وكبر حجم الطلب الداخلي على الخدمات (أي الطلب على الاستهلاك) أهمية كبيرة في حماية أركان الاقتصاد الوطني بمجمله من أية هزات ترتبط بعوامل خارجية مثل شح التمويل الخارجي أو هروب رؤوس الأموال، أو انخفاض قيمة العملة الأجنبية، أو انهيار سوق بورصة الأسهم إذا كانت كبيرة، أو ضعف مردود المواد التصديرية - مثال ذلك أثيوبيا وكارثة البن. ولا يلعب كبر حجم الطلب الداخلي دور الحماية فقط بل يتعداه إلى قضية في غاية الأهمية وهي الدافع للإنتاج والنمو الاقتصادي؛ يجب أن تكون عقيدتنا الاقتصادية بحيث يصبح الطلب الداخلي للسلع والخدمات هو الدافع للإنتاج والنمو وليس الطلب الخارجي – أي التصدير. فمثلا الهند يبلغ حجم الاستهلاك الخاص 50% من إنتاجها القومي الاجتماعي الإجمالي، هذه النسبة الجيدة هي الدعامة أو الركيزة أو المحرك للإنتاج والنمو. بينما الصين كانت تصدر سابقا 20% من إنتاجها القومي الاجتماعي الإجمالي أرتفع هذه الأيام إلى 30%، وفيها يلعب كل من القوى الداخلية الطلب الداخلي للإستهلاك الخاص والخدمات والاستثمار في البني التحتية المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي والحماية من المؤثرات الخارجية. وبعكس الهند والصين، تعتمد كوريا الجنوبية وتايوان على التصدير بشكل رئيسي يهتز اقتصادهما سلبا وإيجابا بالمؤثرات الخارجية مثل قوة وضعف الاقتصاد الأمريكي أو هبوط وارتفاع قيمة الدولار وسعر الفائدة أو البترول..الخ.

بما أننا قلنا أن التصدير رذيلة كبيرة، يستنزف الموارد الوطنية، إذن على التجار والمصنعين أن يحصروا لعبهم في السوق الوطنية وتقويتها، أن يقووها، وأن ينغنغوا المستهلك السوداني وأن يمتعوه بخيرات بلاده، وعليهم أن ينسوا التصدير. وإذا قدرنا أن نستورد سلعا رخيصة ومفيدة، نكرر رخيصة ومفيدة، فلنفعل ستزيد الثروة الوطنية، خاصة استيراد السلع الرأسمالية مثل ماكينات التصنيع أو مكوناتها..الخ. وننصح حكومة السودان بشدة عدم الدخول في منظمة التجارة العالمية. فهذه المنظمة التي قامت على اتفاقية الجات وحلت محلها ليست سوى قفص أوروبي لإجبار أو لاعتقال الولايات المتحدة الأمريكية داخله لكي يأخذ اليورو حظه كورقة مجانية. فحتى قيام منظمة التجارة العالمية 1996م كانت منطقة الدولار dollar zone هي الكاسحة في العالم وكانت الولايات المتحدة تضع العراقيل المسبقة أمام ظهور اليورو مما دفع الأوروبيين لتمهيد الأرضية له قبل ظهوره الفعلي عام 2002م. وخلاصة منظمة التجارة العالمية: أفتح لي سوقك لكي أفتح لك سوقي! أي المعاملة بالمثل! وهذه خدعة مبطنة إذ لا توجد مثلية أو تكافئية طالما كانت العملة الدولية (؟) غير مستقلة عن دولة ما! الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يمكنهما طبع ما شاءا من اليورو والدولار. وفشل ستة مجموعات دولية في مؤتمر منظمة التجارة الدولية في الدوحة للوصول لاتفاق مرضي في قضية المواد الزراعية الغذائية ذو دلالة كبيرة يجب ألا نتجاوزه ونمر عليه مرور الطرشان.

وكذلك إعادة النظر في مفهوم الإنتاج ومفهوم الاستهلاك، فنحن علينا أن ننتج ليس لكي نصدر إنتاجنا، بل لكي نستمتع بخير إنتاجنا، ننتجه لكي نأكله ونشربه وما ننسجه نلبسه..أي نستهلكه..الخ، هي ضرورات حياتية لا غنى عنها. فكيف إذن يصل تفكير البعض بالقول: يجب زيادة الإنتاج لكي يزيد التصدير؟ ما الدافع أو الحافز للمزارع، أو العامل، أو الصانع، أو الموظف لكي ينتج؟ للتصدير؟ هذه قضية لا تعنيه لا ذهنيا ولا نفسيا ولا مصلحة، وعادة قلة قليلة من رجال الأعمال سيفوزون بالهامش الربحي من الإنتاج المعد للتصدير، بينما القوة العاملة وكافة قطاع الشعب السوداني نفسها لن تستمع بخير ما أنتجته، لأن كل شئ للتصدير كما يروجون، كما أنه أو لأنهم لا يرون ولن يروا أن مستوى معيشتهم قد أرتفع. ولكن بالتركيز فقط، وفقط على السوق المحلي وتقويتها، والتركيز على المستهلك السوداني والسوداني فقط، سيقوى الاقتصاد السوداني ويعم الخير على الجميع.
ولقد ربط أحدهم ما بين الصادر والحافز على الإنتاجية بالمثالين المكسيكي والنيجيري. ولم أقتنع بهذه الرؤية أو بهذا الارتباط. فخذ مثلا السمسم، يدخل في قضايا كثيرة، يمكن رشه على الرغيف قبل خبزه، كم رغيفة تنتج يوميا؟ كثير وتعد بالملايين. هكذا نراهم يفعلون في ألمانيا يرشون السمسم على الرغيف ويخبزونه معه، فالسمسم يزيد من الفائدة الغذائية لأنه غني بالمعادن والبروتين النباتي والدهون ذات السعرات الحرارية العالية، ويمكن استخراج زيوت منه، وعصارة الطحينة، وحلاوة الطحينية، والبسكويت والمعجنات، والسلطات، والحلويات بأنواعها..الخ. مثلا أرى في ألمانيا الطحينة وحلاوة الطحينية تأتي بكثرة من تركيا، ومصر ولبنان وحتى الخليج. مع العلم قد يكون السمسم المعمول فيها سوداني. بتعبير آخر، لو أجدنا استعمالات السمسم والفول السوداني وتطبيقاتهما الغذائية المتنوعة في السودان سيقوى الطلب الداخلي في السوق الوطنية، سيرتفع الطلب الداخلي عليهما وستستمر جدوى زراعتهما، ليس للتصدير بل للاستهلاك الداخلي أولا، وما زاد منهما يمكن تصديره. ويعني ذلك في كل حالة يجب خلق الطلب الداخلي أولا وأخيرا على السمسم والفول السوداني مع إسقاط قضية الصادر من الاعتبار.
إذن تقوية السوق المحلي أو الوطني وتقوية الطلب الداخلي هما مفتاحا الاقتصاد السوداني ونهوضه. بل نرى عكس ما يراه صاحبنا، فعندما ترتبط سلعة محددة بالتصدير ارتباطا عضويا والعرض والطلب الداخلي عليها ضعيف بشكل زائف لتقاعس الهمم أو الخيال، ومرونة الطلب الخارجي عليها ضعيفة، ولأي سبب ما لم نستطع تصديرها سيتأذى حتما المزارعون المنتجون وسينهار إنتاجها بشكل عام. فليس هنالك أفضل من ازدياد الطلب الداخلي أولا على سلعة وطنية – المرتبط بزيادة معدلات الإستهلاك، ولن يتأتى ذلك كما قلنا بدون وضع المستهلك السوداني العميل رقم واحد.
ولنضرب بعض الأمثلة، فخذ قضية الكوكاكولا والبيبسي كولا وكلاهما شركتان أمريكيتان يهوديتان. الكوكاكولا إذا قرأت أسمها اللاتيني في المرآة معكوسا ستجده منحولا على شكل: لا محمد لا مكة. إذن ما معنى أن نروج لهذين المشروبين؟ ولماذا يأخذان حيزان كبيران في حياتنا، ويدخلان بيوتنا؟ أين أصحاب ألوية الشريعة لماذا يصمتون أما سطوة الكوكاكولا؟ فإذا الحكومة فمها ملآن ماء ولم تستطع منع ما هو مسئ لنا ولرسولنا (ص) فلماذا يصمت السودانيون على ذلك؟ رغم أن المشروبين ليسا سوى ماء وبعض السكريات..الخ وأثبتا ضررهما الصحي. لكن المذهل أن تربط شركة الكوكاكولا نفسها بدوري كروي..الخ، حتى صار اسمها على صدر كل صفحة رياضية (2011م: أهمس في إذن إسامة داود لماذا لا يغلق هذه الكوكاكولا لله ولرسوله؟؟). فهنا لدي اقتراح على نادي المريخ والهلال، على كل منهما استنباط عصير من خيرات بلادنا مع التأني في الاختيار وعمل التجارب اللازمة بمساعدة معامل البحوث والتغذية الحكومية، ثم يشتريان الماكينات الخاصة بالتعبئة من الهند أو الصين، ثم ترويجه لجمهورهما الكبير، مشروب سانتو، وكيمو؛ ومشروب جكسا، وكسلا..الخ الجمهور الكروي سينحاز بعاطفته لكل مشروب بطبيعة المنافسة. نجاح البيبسى كولا يرجع لدقة التوزيع المحكم الصارم ومن ثم الدعاية المطلوبة. فإذا عمل الناديان هكذا، يدخلان معمعة التنمية ويستفيدان، وسيرتفع الطلب الداخلي على الكركدي، أو العرديب، أو القونقلوز..الخ. تقوية السوق الوطنية هي الهدف أولا وأخيرا وليس تقوية السوق الأمريكية.
المثال الأخير، اتحاد أصحاب العمل يحتجون على الدولة لأنها بعد أن أستورد أحدهم تفاحا من الولايات المتحدة أوقفت الجمارك الشحنة ورفضت إدخالها. وهنا يستغرب المرء لماذا تفاح من الولايات المتحدة الأمريكية؟ تفاح؟ هنالك العديد من دول العالم البارد ينتجون التفاح مثلا كندا التي أخرجت بترولنا، فلماذا إذن من الولايات المتحدة؟ ألا تقاطع الولايات المتحدة الأمريكية الاقتصاد السوداني؟ بل تؤذيه؟ إذن أصحاب العمل تنقصهم النخوة والتربية الوطنية ونهمس في أذنهم، العيب ليس في الجهة التي مارست المنع، بل في الجهة التي سمحت بإستيراد تفاح من الولايات المتحدة الأمريكية.
وعند هذه النقطة لنأتي لبنك السودان وبعض تشريعاته كما وصفتها إحدى الصحف. وفي الحق يمكن القول أن بنك السودان في يد المحافظ الدكتور صابر محمد الحسن محافظ بنك السودان في يد أمينة، وفي قمة الوطنية والاحترافية. مشكلة بنك السودان أن معظم الاقتصاديين أو لنقل أن معظم رجال الأعمال والشركات السودانية لا يفهمون لغته وإشاراته وإيمائياته، فالعيب فيهم وليس في بنك السودان. فالبنوك المركزية في كافة العالم لا تقوم بتفسير سلوكياتها بالتفصيل وهذه من رابع المستحيلات، ولكن على الشركات ورجال الأعمال في البلد المحدد أن يتعلموا أن يفهموا ما بين السطور (تصحيح 2011م: هذه القرة أو العبارات أتأسف عليها بأثر رجعي ومردها الغربة وعدم فهم تفاصيل الواقع بشكل كفؤ).
انخفاض سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني هو هدف مطلوب في ذاته إذا فهمنا هذه المقالة بمجملها في العمق. ومن المفضل ألا نستعمل الدولار تدريجيا في السنوات اللاحقة والاستغناء عنه تماما. يجب التخلص منه تدريجيا، لا بنك السودان ولا الحكومة السودانية يمكنهما التصريح رسميا بهذه الخطوة. إذا صرحا رسميا، يمكن أن تؤذينا الولايات المتحدة بعدة طرق مباشرة وغير مباشرة، لأن الولايات المتحدة تدمر أية تكتل إقليمي أو أية دولة منفردة ترفض التعامل بدولارها. (تعليق 2011م: هذها العبارات تعكس رؤيتي الإقتصادية وإلى اليوم، وهي في تضاد مع إيديولوجية د. صابر محمد حسن مستشار صندوق النقد الدولي).
إذن، انخفاض سعر الدولار، وزيادة الرسوم والضرائب على الصادرات، وما يسميه البعض تعويق انسياب الصادر، هي سياسة حكيمة في اتجاه المحافظة على الثروات الوطنية، وفي صالح إغراق السوق المحلي بمنتجاتنا السلعية أو الخام بخلق وفرة لصالح المنتج والمستهلك عندما ينخفض سعر الخام ومن ثم ينخفض سعر السلع النهائية بكل أشكالها. ولكن قبل كل شي زيادة الرسوم والضرائب على الصادرات تجبر الرأسمالية الوطنية على أن تبتعد عن لعبة الصادر والوارد، وعلى أن تركز على معالجة هذه الخامات الزراعية إما بتصنيعها كمنتج نهائي أو نصف منتج. لأن الرأسمالية الوطنية لها وظيفة مزدوجة وهي أن تكون وسيطا صناعيا منتجا: تقوم بتحفيز المزارع أو المنتج الأول للخامة، وبالتركيز على المستهلك المحلي النهائي بفتح آفاق جديدة للعرض والطلب الداخلي عبر تصنيع الخامة الزراعية. وظيفة الرأسمالية الوطنية الرئيسية إذن هي تصنيع خاماتنا المحلية إلى سلع استهلاكية للحد الأقصى، وليس وظيفتهم أن يتحول جميعهم لمصدرين أو مستوردين.
ويعتبر إنشاء الوكالة الوطنية لتأمين وتمويل الصادرات من قبل بنك السودان خطوة جيدة إذا كانت تهدف إلى تفعيل المواد التصديرية محليا أولا. ونقصد بالتفعيل معالجتها صناعيا على كل الدرجات. ولكن نرفض أن يكون الصادر على حساب تطوير السوق المحلي وعدم وضع الاعتبار لعقيدة صارمة: أن المستهلك السوداني يجب أن يكون العميل رقم واحد. علينا أن نصدر إذن ما زاد عن حاجة السوق المحلية، ومن المفضل، ألا نصدر المواد الغذائية وحتى إشعار آخر. وعلى ضوء ذلك يجب أن تحدد الدولة ما هي السلع التصديرية وما هي ليست تصديرية بآلية رفع الرسوم وخفضها، وما هي بين البينين على حسب تشبع السوق السوداني منها أو عدمه.
من يتتبع مطالب المصدرين، يتخيل له أن الاقتصاد السوداني متوقف على نشاطهم، يرغبون مثلا في إلغاء كافة الرسوم والضرائب المحلية والولائية..الخ، وهذه لا تعقل، فالحساب ولد. فمثلا سيارة المرسيدس الألمانية قد لا تزيد تكلفة موادها النهائية عن 10 ألف يورو، بينما تباع بمبلغ وقدره 35-45 ألف يورو. هذا الفرق يذهب في الضرائب، وأجور العمال، والإدارات العليا، وبالطبع هامش ربحي..الخ. فمثلا مرتب رئيس مجلس إدارة شركة التأمين آليانز Allianz يبلغ 2 مليون يورو في السنة إضافة إلى 30% حوافز، وبدلات..الخ. فكم يأخذ رئيس شركة مرسيدس؟ أو كم يأخذ عضو الإدارة في المستوى الثاني؟ فعلى المصدرين أن يتعلموا القدرة على المساومة، ليس ضد بلدهم ومصالحها العليا، بل خصما على العميل المشتري وغالبا يتبع دول ثرية، الخليج أو أوروبا..الخ. وضعف القدرة على المساومة هي التي تجبر السودانيين المصدرين على الموافقة على الدفع المؤجل، بينما دول الخليج مثلا لا تقبل بالدفع المؤجل مقابل صادرها، وتعاملها مع أوروبا بالدفع فورا. إذن بعد خروج البترول، يجب أن يقل صراخ المصدرين، وأن يلتفوا حول ظاهرة أخرى وهي تقوية السوق المحلي، وبعد إتمام قوته، يمكنهم من المحلي أن ينطلقوا لآفاق التصدير. (تعليق 2011: بل أنظر هداك الله أحد أعضاء مجلس إدارة شركة الصمغ العربي المستنفعين يسخر من خبير تسويق مخلص لبلاده بالشركة أن اللوبي الصهيوني الدولي المسيطر على صمغنا العربي يمكنه إزاحة وزير مالية السودان!! فضلا عن لغة العبيد التي مارسها هذا العضو، نتسآل حقا هل فيها عمولات يجهلها الشعب السوداني؟).
ويقول تقرير الصحيفة أن لبنك السودان اجرائيات طويلة ومعقدة تجاه تمويل مصدري الماشية (علي البنوك التجارية متابعة عملية التصدير بدقة، وتخزين السلع الممولة بإشراف البنك وباسمه، وهنالك آلاف الحالات، ويجب الحصول على الضمانات الكافية مثل عدم منح التمويل إلا بعد فتح خطاب اعتماد مباشر غير قابل للإلغاء من المشتري الأصلي الأجنبي، بعد التحقق من صحة الاعتماد، وعلى بنك التجاري الحصول على ضمانات ذات قيمة عينية حقيقية مثل الرهن العقاري إضافة لقبول شيكات آجلة كضمان إضافي من المصدر المحلي..وإذا فشل العميل إدخال الماشية للمحجر في فترة معقولة، بعد منح التمويل، يقوم البنك التجاري بإيقاف الاستمرار في التمويل، ويعمل على تصفيته بالكيفية التي تحفظ حقوق البنك التجاري وإخطار بنك السودان...)..لماذا هذا كله؟ لماذا يدوش بنك السودان نفسه في قضايا مثل هذه وهي من صميم عمل البنوك التجارية الاعتيادية؟ الجواب: أولا البنوك التجارية ليست محصنة يدها مخرومة. وثانيا أن معظم مصدري الماشية هم في الأصل سماسرة. ونقول للتغلب على هذه الإشكالية، على بنك السودان والبنوك التجارية التعامل مع أصحاب الماشية مباشرة، من توقيع وتسليم وقبض ودفع..الخ. وألا يتعاملوا مع المصدرين السماسرة، ويجب ألا يكونوا في الصورة. بهذا الإجراء يتم تحفيز المنتج الأصلي، مع تسهيل أسلوب الإجراءات المعقدة لبسطاء الناس منهم وعمل التدريب اللازم لهم وشرح الدورة التصديرية. ماذا يعني تمويل الصادر سوى أن هنالك وسيط سمسار يجيد أدبيات البنوك؟! لماذا لا ينشأ اتحاد منتجي الماشية؟ ماذا يعنى اتحاد مصدري اللحوم أو الماشية من الإعراب؟ أليست هي نكتة أن يصبح مصدرو الماشية في السودان وكلاء لبعض السعوديين بدلا من أن يكون بعض السعوديين وكلاء لمصدري الماشية السودانيين؟ هذه ليست نكتة ولكنه واقع يدلل على أن مصدري الماشية لا حول ولا طول لهم، فهم محض سماسرة!
وليس صدفة أن ينبه الدكتور صابر على البنوك التجارية أن تهتم بأسعار الصرف للعملات الأخرى خاصة الآسيوية مقابل الدينار لكي نتفادى استخدام الدولار أو اليورو كوسيلة للدفع لكل من الصادر والوارد، ولقد برر ذلك لتفادي الخسائر التي قد تنشأ من عمليات التحويل عبر هاتين العملتين. ومعنى ذلك على المصدرين والموردين أن يتعاملوا مباشرة مع عملات دولة المنشأ شراء وبيعا بالدينار أو بعملة دولة المنشأ. وهذه سياسة حكيمة في خط واحد مع تصورنا السلبي لهاتين العملتين اليورو والدولار.

واعتمادا على ما قلناه في هذه المقالة أن الدولار ليس سوى عملة هوائية fiat currency وكذلك سيصبح اليورو مستقبلا، إذن ما هي الحكمة أن تعطي سلعك الحقيقية مقابل أوراق يطبعونها؟ حتى لو أنك استخدمت هذه الأوراق كوسيلة دفع لسلعة أخرى ولدولة أخرى، لن يتغير الأمر، أن الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي قد تحصلا على سلعة حقيقية مقابل ورقة، ربما من دولة أخرى، فالاستمرار في دعم الدولار أو اليورو واستخدامهما مسألة غير أخلاقية. كذلك لا ضمان هنالك البتة إذا وضع السودان احتياطاته النقدية على شكل دولار أو يورو أو أية صورة أخرى من أشباه النقود M2, M3 في الدول الغربية أو بنوكها، فيمكن أن يصادروها متى شاءوا وكما يحلوا لهم. إذن من باب أولى أن نستبدل في عملية الصادر سلعنا بسلع حقيقية أخرى حقيقية بشكل مباشر أو عبر نظم حسابية متقاربة بالعملات الوطنية مع الجيران دون المرور عبر الدولار أو اليورو. وبما أن السودان دولة بترولية واعدة، تصبح عملتنا مغطاة بالبترول وذات قيمة، من يتحصلها يمكنه أن يكون مطمئنا وفي إمكانه الحصول على البترول وهي سلعة الطلب عليها ثابت 100%. وبما أن السودان له حدود مع تسعة دول وبإضافة الصومال وجيبوتي يصبح المجموع 11 دولة، يمكن للسودان أن يلعب دورا مركزيا بعملته، كأن تدور عملته وسط هذه الدول بالطلب عليها. ولكن لتحقيق هذا الهدف يجب أن تكون لدينا سوقا وطنية قوية.
نعني بسوق وطنية قوية إضافة لما سبق قوله بصدد تقوية الطلب الداخلي، أن تكون أيضا لهذه السوق القدرة على تقسيم العمل،


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.