روسيا ترفض لتدخلات الأجنبية في السودان ومخططات تمزيقه    البرهان يودع سفيري السودان لمصر واثيوبيا "الفريق أول ركن مهندس عماد الدين عدوي والسفير الزين إبراهين حسين"    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    أرسنال يحسم الديربي بثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. الناشط صلاح سندالة يسخر من المطربة المصرية "جواهر" بعد ترديدها الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله) خلال حفل بالقاهرة    طباخ لجنة التسيير جاب ضقلها بكركب!    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    وزير الصحة: الجيش الأبيض يخدم بشجاعة في كل ولايات السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    تجارة المعاداة للسامية    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    الانتفاضات الطلابية مجدداً    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    استجابة للسودان مجلس الأمن يعقد اجتماعا خاصا يوم الاثنين لمناقشة العدوان الإماراتي    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    السودان..البرهان يصدر قراراً    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل نجونا من مصائر زنجبار ومذابحها التي ألهمت نضال قرنق العنصري؟! محمد وقيع الله (1من3)


مقدمة
استطاع أعداء الإسلام مرارا خلال التاريخ أن يفتكوا بالجموع العربية الإسلامية، وأن يقتلعوا جذورها، بل تمكنوا أحيانا من جرفها خارج إطار التاريخ.
وبدأ ذلك منذ القرون الأولى في التاريخ الإسلامي، ومن ذلك ما ذلك ما حدث أثناء ثورة الزنج بالبصرة في القرن الثالث الهجري، حيث جرت الإبادة الجماعية الساحقة التي شهدها الإمام الطبري، ووصفها في تاريخه، بأفظع وصف، وشهدها الشاعر العباسي ابن الرومي، وأنشد فيها قوله:
طَلعُوا بالمُهَنَّداتِ جِهْراً فألقتْ حملَها الحاملاتُ قبل التمَّام
وحقيقٌ بأن يُراع أناسٌ غومضوا من عدوهم باقتحام
أيَّ هَوْل رأوا بهمْ أيّ هَوْلٍ حُقَّ منه تشيبُ رأسُ الغلام
إذ رموْهُمْ بنارهم من يمينٍ وشِمال وخلفِهمْ وأمام
كم ضنينِ بنفسهِ رامَ مَنْجًى فتلقّوا جبينه بالحسام
كم أخٍ قد رأى أخاهُ صريعاً تِربَ الخَدِّ بينَ صَرْعى كرامِ
كم أبٍ قد رأى عزيزَ بنيه وهْوَ يُعلَى بصارمِ صمصام
كم مُفدًّى في أهلهِ أسْلمُوه حين لم يحْمِه هنالك حامي
كم رضيع هناكَ قد فطموه بشبا السيف قبل حينِ الفطام
كم فتاة ٍ مصونة قد سبوْها بارزاً وجهها بغير لثام
صبحوهُمْ فكابدَ القومُ منهم طولَ يومٍ كأنه ألفُ عامِ
ألفُ ألفٍ في ساعة ٍ قتلُوْهم ثم ساقوا السِّباءَ كالأغنام
من رآهُنَّ في المساقِ سبايا دامياتِ الوجوهِ للأقدام!
وحدث ذلك خلال ثورة الشيعة القرامطة في القرن الرابع الهجري وقد سجل ابن خلدون بعض جرائمهم فقال: فلما كان يوم التروية نهب أبو طاهر القرمطي أموال الحجاج وفتك فيهم بالقتل حتى في المسجد والكعبة، واقتلع الحجر الأسود وحمله إلى هَجَر ... وقلع أبو طاهر القرمطي باب البيت واصعد رجلا يقتلع الميزاب فسقط فمات، وطرح القتلى في زمزم، ودفن الباقين في المسجد حيث قتلوا، ولم يغسلوا ولا صلي عليهم ولا كفنوا‏،‏ وقسم أبو طاهر القرمطي كسوة البيت على أصحابه ونهب بيوت أهل مكة... في عام 317 ه هاجم القرامطة مكة المكرمة، وقد ذبحوا كثيرا من أهلها والوافدين عليها، حتى قيل أنه قتل نحو 30 ألفا، واستولوا على جميع ما كان في البيت الحرام من المحاريب الفضة والجزع وغيره، بل وجردوا البيت مما عليه من الكسوة. وقد ظلوا يفعلون الأفاعيل لمدة ثمانية أيام.
وحدث ذلك في جزائر مالطا، وصقلية، وكريت، وكلها كانت جزائر عربية إسلامية اجتث منها المسلمون.
وحدث ذلك بشكل مكبر في الأندلس، التي أبيد فيها ثلاثة ملايين من العرب المسلمين.
وفي التاريخ المعاصر استطاع الشيوعيون الأفارقة أن يستأصلوا في حمام الدم الزنجباري عشرات الآلاف من المسلمين.
وهو الحمام الذي يتوعدون به العرب في السودان الآن!
ولتجنب أمثال هذه المصائر فلابد من استعراض دروس التاريخ.
ولنبدأ بالدرس الزنجباري فهو الأحدث ولنسترجع ذكرى ما حدث.
دور الإنجليز في التمهيد للمذابح
كانت جزيرة زنجبار (بر الزنج) تخضع للإستعمار الإنجليزي، الذي خرج من الجزيرة في ديسمبر 1963م.
وجريا على الخطط البريطانية في زرع المشاكل وخلق الإحن في كل إقليم نزحت بريطانيا عنه، فقد أوحت إلى المتمردين اليساريين، المرتبطين بالكنائس والقوى الصليبية، بضرورة انتهاز الفرصة السانحة للقضاء على عرب زنجبار.
وذلك حتى لا تصبح بلادهم في ظرف ما بعد الاستقلال منارة لنشر الإسلام في العمق الإفريقي.
وكانت الذريعة التي اتخذت لإشعال العداوة ضد عرب زنجبار أنهم أجانب طارئون مستغلون، وأنهم أدمنوا تجارة الرقيق.
وقد شهدت تلك الأيام حمى الحركات الوطنية والقومية الاستقلالية، مترافقة مع حمى اليسار الماركسي الطفولي.
ولم تكن الكنائس البروتستانتية والكاثوليكية بعيدة عن المشهد وظلت تؤجج الصراع من وراء ستار.
كيف بدأت الثورة؟
وبعد شهر واحد من خروج الإنجليز من زنجبار، انطلقت حركة التمرد ضد أهلها العرب، بقيادة الحزب الإفريقي الشيرازي، وهو حزب تكونت قاعدته وقيادته من خليط من الماركسيين الأفارقة والشيعة الفارسيين.
وتدفقت الأسلحة على المتمردين الأفارقة والشيرازيين من بريطانيا، ومن الجزائر حيث سربها إليهم بعض ثوار الجزائر اليساريين.
وقد اجتمع المتمردون عند الثانية صباحا في يوم 11 يناير 1964م بمقر الحزب.
ومن هناك وجهوا بالذهاب إلى نادي الإتحاد، ليتلقوا أوامر خاصة ذات طبيعة سرية من المدعو عبيد كرومي والمدعو هانغا ومن قادة آخرين من الحزب العنصري.
وهنالك أخطروا بأمر االذهاب إلى مكان سري حيث كشفت لهم خطة الانقلاب الذي سينفذوه خلال الليل.
وبعد ساعة من انفضاض الاجتماع بدأ هجوم المتمردين على سيارات الشرطة الزنجبارية.
وقد تم تهييج المتمردين وتحفيزهم لإنفاذ ذلك الهجوم بترويج إشاعة تقول إن الشرطة على وشك أن تنفذ حملة اعتقالات واسعة تطال قيادات الحزب الإفريقي الشيرازي في اليوم التالي.
ولم تكن تلك الإشاعة صحيحة بل كان نقيضها الصحيح، وهو أن قسما من قادة الشرطة، لاسيما المتقاعدين منهم، كانوا يتضامنون مع المتمردين.
وكان جزء من قادة الشرطة السابقين حاضرين في ذلك اللقاء ولعبوا دورا كبيرا في تأكيد الإشاعة وتهييج المتمردين.
فتش عن الدور الإسرائيلي!
وقد قاد ضباط الشرطة السابقون المتمردين إلى مخابئ جهاز الشرطة، التي كانوا يعرفونها جيدا، وسهلوا الهجوم عليها، حيث انتزعوا كثيرا من أسلحة الشرطة، وقادوا بها الهجوم بعد ذلك على مكاتب الحكومة، ثم على عموم عرب جزيرة زنجبار.
ويحكي رجل الأعمال الإسرائيلي، ميشاح فينيسيلير، صاحب القارب الذي جاء بعبد الرحمن بابو إلى زنجبار في الثاني عشر من يناير عام 1964م، أن بابو لم يكن على علم بالتدبير ولكنه جلب كثيرا من الأسلحة معه على الجزيرة، وقد استخدمت أسلحته في الفتك بعرب زنجبار.
وربما لم يسهم عبد الرحمن بابو في الانقلاب في يومه الأول لأنه كان يدبر انقلابا آخر ضد المتمردين.
ولأن بابو الشيوعي لم يسهم بدور أساسي في الثورة, فقد أصبح متطرفا بعدها وأخذ يبالغ في إيذاء السكان العرب على الخصوص.
حكايات عبد الرحمن مختار
ويحكي لنا الصحفي السوداني الأستاذ عبد الرحمن مختار، رحمه الله، عن جوانب من تصرفات بابو كان شاهدا شخصيا عليها فيقول:
ألح عليّ الشيخ بابو الذي كان يعانقني بشوق بأن أكون ضيفه في نفس الأمسية, فدعاني إلى ناد ليلي كان يؤمه الإنجليز والآسيويون, ومحرما على الوطنيين تماما كسودان كلوب في الخرطوم!
النادي الذي لا زلت أذكر ملامحه, فهو على مسيرة نصف ساعة من العاصمة دار السلام اسمه نادي الرمال الفضية, أنيق يمتاز بحدائقه الواسعة الغناء, ويديره بعض الأجانب.
وما أن دخلنا حتى فارت الأرض، ووقف كل رواد النادي صغيرهم وكبيرهم, وجاء المدير يجري لاهثا كأنما ثعبان قد لدغه وهو يصرخ في هستيريا محمومة: السيد بابو .. معالي الوزير اتفضل نحن تشرفنا كثيرا.
وسرعان ما حمل المدير ومساعدوه أفخم وأطول طاولة ووضعوها في مقدمة النادي، والكل بما فيهم من حسان وجمال ما زال واقفا، حتى أقعدني بابو وجلس, وبحركة من يديه كمدرس الفصل أذن للرواد أن يجلسوا فجلسوا.
لم تمض ثوان حتى جيء بجميع أنواع الخمور وأصنافها, ثم المشهيات المختلفة وأصبحت مائدتنا تكفي لعشرين ضيفا.
ومع هذا الود والاحترام والهيلمان فاجأني الوزير الثائر بأن رجع بمقعده نصف متر إلى الوراء, ثم رفع قدميه وقذف بهما المائدة بكل ما فيها وما عليها, فأحدثت ضجة وفرقعة ووقف لها من جديد جميع الرواد.
وجاء المديرون على عجل وهم يعتذرون للوزير الخطير عما حدث.
وبدأوا في إعداد مائدة جديدة بنفس السرعة ونفس المستوى.
أقبل بعدها الوزير بابو على الشراب بشراهة, ثم أمر الموسيقى أن تعزف ألحانا وطنية.
بعد ذلك فاجأني بطلب غريب هو أن أختار من الحسان أي واحدة تعجبني لأراقصها، أي واحدة زوجة كانت أو طفلة!.
كان المدير واقفا ليلبي طلبه فورا وفي الحال، ولكنني أوشكت أن أروح في إغماءة طويلة من هول ما أرى وأسمع, فالمفاجأة بالنسبة لي كانت أكبر من أن أتحملها, وسلوك الوزير كان لا يمكن أن تحتمله أعصاب بشر، خاصة إن كانت لا تؤمن بالعنف والأذى والاعتداء على الغير!!
بدأت أرجو صديقي الوزير، لأجل خاطري، أن يعدل عن اقتراحه وطلبه, وإن أراد أن يحترمني فليغير من سلوكه وشراسته.
لكنه صرخ في وجهي وبعنف وبالإنجليزية صرخة سمعها كل الرواد: ألا تهينوا هؤلاء الكلاب في بلادكم كما نفعل؟!
ألا تضربوهم في رؤوسهم ورؤوس نسائهم بالأحذية القديمة؟!
لقد استعمرونا مع الإنجليز وأحالونا إلى حطام بشري.
ثم بدأ الوزير يقذف بالزجاج الفارغ كل ما تقع عليه عيناه, وبدأ الرواد ونساؤهم وبناتهم ينسلون جزعين خائفين، إلى أن أوقفهم بصرخة مرعبة قائلا: ستوب! كل يرجع إلى مكانه!
وعاد الجميع إلى أمكنتهم ولكنني بعد جهد جهيد استطعت أن أهدئ صديقي الثائر, وأحاول استدرار عطفه. وقد ساعدني في ذلك أنه بدأ يفقد توازنه إلى أن سكر وفقد كل شيء ونام في مقعده.
كلهم قطط وكلاب!
وقد تحدث عبد الرحمن مختار عن مصير عبد الرحمن بابو فقال: " ألقي عليه القبض في محاولة انقلاب، ودخل السجن وانقطعت أخباره عني مرة واحدة وإلى الأبد. وقد علمت فيما بعد أنه قتل أو انتحر بعد أن فقد عقله."
وتحدث الأستاذ عبد الرحمن مختار، في كتابه، عن لقائه بالسفاح عبيد كرومي بمكتبه عندما أصبح نائبا لرئيس جمهورية تنزانيا فقال: "قلت له كيف حالكم وكيف حال ثورتكم ولماذا انتهت بشكل مأساوي هز العالم؟!
أجابني باختصار وبصوت فيه حشرجة شديدة غريبة قائلاً: العالم ضعيف يهزه أي شيء نحن لم نفعل أكثر من غيرنا, فقد فجرنا ثورتنا الشعبية العظيمة, وقتلنا العرب الكلاب, وتخلصنا منهم ومن غطرستهم إلى الأبد.
قلت له: والأطفال والنساء والشيوخ لماذا ذبحتموهم؟!
قال: كلهم كلاب وقطط"!
هل نجونا من مصائر زنجبار
ومذابحها التي ألهمت نضال قرنق العنصري؟!
محمد وقيع الله
(2من3)
مع أن زيارة الأستاذ عبد الرحمن مختار إلى زنجبار تمت في الحادي والثلاثين من أغسطس 1965م، إلا أنه قال :" وصلت دار السلام مع وفد سوداني رسمي وقمت على الفور بزيارة الجزيرة المنكوبة, وكانت رائحة الجثث والدماء عالقة بأجوائها وشوارعها وحيطانها وأرصفتها, لدرجة أفسدت معها رائحة القرنفل المعتق التي تهب مع كل نسمة ومع كل اتجاه ".
وقال: " كان مرافقي وهو من رجال إعلام زنجبار لا يقوى على كل إجابة, خاصة ونحن نجوب حجرات بعض قصور العرب ومتاجرهم, التي لطخت حيطانها وأبوابها بدمائهم ودماء أسرهم, وكلما سألت عن شيء يقول لي بأن الشيخ عبيد كرومي سيجيبك عن كل تساؤلك ."
وقد أجابه كرومي بالفعل عن كل تساؤل بتلك الإجابات الفظة القاسية!
السفاح اليوغندي أوكيلو
وكان أكثر من ارتكب المجازر يوم الثورة هو المدعو جوزيف أوكيلو.
وقد رشحه ذلك الدور الإجرامي الريادي ليكون قائد الثورة ورئيس حكومتها.
ولكن خلفيته المهنية كعامل بناء طوب وكونه أميا حالت بينه وبين تلك الدرجة القيادية الرعيعة.
لقد قاد جوزيف أوكيلو الهجوم على مواقع عديدة كالمطار، ومحطة الإذاعة، ومكتب البريد، ومكاتب حكومية أخرى، حتى تمكن من شل حركة الحكومة تماما.
وكان يساعده في شن الهجمات نحن ستمائة مقاتل من كوادر الحزب الإفريقي الشيرازي، ونحو مائتي مقاتل من كوادر حزب الأمة.
وقد دخل هؤلاء في نطاق الثورة في اليوم التالي, وكانوا أشد مراسا من الأوائل, وتسلحوا ببنادق أوتوماتيكية ومسدسات, وكانوا قد تلقوا تدريبات عسكرية على خوض حرب العصابات في كل من الصين وكوبا.
وكان بعضهم يتحدث باللغة الإسبانية, الأمر الذي أشاع أن بعض الجنود الكوبيين السود كانوا يقاتلون مع المتمردين وهو ما لم يكن صحيحا.
تراخي الحكومة الزنجبارية
وربما تساءل سائل ما هو دور الحكومة الزنجبارية وماذا كانت تعمل؟ وماذا كانت تنتظر؟!
لم تعمل الحكومة الزنجبارية على حماية نفسها وحماية مواطنيها من المتمردين وإجرامهم, رغم أن الأجواء كانت تمهد للثورة والمذابح.
ومع أن الحديث عن خطط الثورة ظل جاريا على الألسن لعدة أشهر قبل وقوعها, لم إلا أن الحكومة الزنجبارية، كانت كحكومة الصادق المهدي في الثماننينيات، مرتجفة إزاء الخطر الماثل، ولم تتخذ أي إجراءات جدية ضد المتآمرين.
والغريب أن السلطان الزنجباري، المدعو جمشيد بن عبد الله خليفة، ومعه رئيس وزرائه تجاهلا تحذيرا من وزير خارجيتهما، المدعو محمد فوزي، عن أن الفتنة تكاد تقع.
وقد ضحك وزير الداخلية، المدعو علي محسن، من تقرير عرض عليه يحذره من ثورة وشيكة تطيح بالحكم.
وقال الوزير في معرض استهزائه بالتحذير إنه قرأ نحو خمسين تقريرا في غضون العام ونصف العام الماضي تشابه هذا التقرير اتضح زيفها جميعا.
حق عليهم القول!
وحتى قبل ساعات من قيام الثورة ظلت الحكومة الزنجبارية تتجاهل النذر المتتالية.
وعندما تلقت تقريرا جاء به جاسوس كان مندسا وسط المتمردين، يقول بأن المتمردين يجتمعون الآن في ناد بالعاصمة، ويتلقون التعليمات من قادة الحزب الإفريقي الشيرازي، ويتوجهون إلى مقار جهاز الشرطة لانتزاع أسلحتها، لم تستطع أن تتجه الحكومة الزنجبارية لإعلام جهاز الشرطة بالنبأ حتى لا يؤخذ على حين غرة وتنتزع أسلحته منه.
ومن قبل لم تقم بتسليح جهاز الشرطة تسليحا جيدا ليواجههم بكفاءة عالية كما هو المرجو.
وفي الحقيقة فإن الحكومة الزنجبارية قد أهملت أمر الشرطة إهمالا بالغا، مع أن الحال كان يقتضي أن تهتم بتسليحه تسليحا مناسبا، لأن الحكومة لم تكن تملك جيشا، وذلك منذ أن نالت الجزيرة استقلالها من الإنجليز.
وفي النهاية لم تتمكن الحكومة الزنجبارية من حشد أكثر مائتين وخمسين شرطيا، لتقاوم بهم المتمردين.
وحتى هؤلاء فقد كانوا يعانون من الإهمال، وسوء الأوضاع, حتى أن بعضهم انتهى أمرهم بالانضمام إلى المتمردين.
وعند اشتداد هجوم المتمردين على مباني الحكومة، لم يجد رئيس الوزراء الزنجباري إلا أن يوجه نداء استغاثة إلى كل من الرئيس الكيني جومو كينياتا، والرئيس التنزاني جوليوس نيريري، لإرسال جنودهما لحمايته.
وما درى أن كليهما كان متآمرا مع المتمرين!
وتذكر المراجع أن جوموكنياتا كان على علم بأمر التمرد وإن لم يعلم بموعدها بشكل أكيد, وقد وافق على طلب المتمردين بألا يرسل فريقا من الجيش الكيني ليعين الحكومة الزنجبارية ضد تحركاتهم.
وأما جوليوس نيريري فقد كان على علم بكل شيئ. وكان منخرطا في المؤامرة، ولم يكن من شأنه بالتالي أن يعين الزنجباريين أو يفيهم مصارعهم على أيدي المتمردين.
وهكذا أُطبق على عرب الجزيرة من كل النواحي.
وهكذا سقطت الحكومة الزنجبارية، وفر السلطان جمشيد، ووصل إلى لندن، حيث ظل يعيش هناك إلى وقت قريب.
وقتل في الأيام التالية نحو عشرين ألفا من المواطنين، معظمهم من العرب، على أيدي المتمردين اليساريين الأفارقة والشيعة الإيرانيين الحاقدين.
مقطع فيديو حي للمذبحة
وهناك مقطع فيديو ذو وضوح عال جدا، طوله سبع دقائق ونصف، مأخوذ من التلفاز البجيكي، وعليه الترجمة العربية والإنجليزية، يصور مراحل إحدى المذابح المروعة التي حاقت بعرب زنجبار.
ويظهر الفيديو كيف حشد المتمردين في إحدى القرى، نحو خمسة آلاف من العرب الزنجباريين، بينهم الكثير من النساء والأطفال وساقوهم في طوابير جماعية ثم أعدموهم جميعا في ساحة إحدى المقابرالإسلامية.
وتشاهد في الفيديو مناظر إطلاق النار على هؤلاء البشر العزل.
وترى الطيور الضخمة تنقض على الجثث المسجاة وتلتهمها.
ثم تشاهد عملية دفن الجثث بصورة جماعية في حفر كبيرة كانوا أعدوها سلفا لدفنهم.
وترى الأرض حول الحفر مخضبة بدماء الضحايا.
ويمكن مشاهدة هذه المناظر المفزعة كلها على الإنترنيت تحت عنوان:
http://www.almakan.net/vb/showthread.php?t=13789
وهناك مقطع فيديو آخر طوله دقيقتان ونصف تجده على الإنترنيت تحت عنوان:
http://www.youtube.com/watch?v=Eym0IYGZcxY&feature=related
هل نجونا من مصائر زنجبار
ومذابحها التي ألهمت نضال قرنق العنصري؟!
محمد وقيع الله
(3من3)
وقفنا على تقرير أعده الأستاذ الشيخ محمد بن ناصر العبودي، من رجالات الدعوة الإسلامية، وأحد أساتذة الجامعة الإسلامية، بالمدينة المنورة.
وكان قد أزمع السفر إلى جزيرة زنجبار بعد قليل من تلك الإبان.
وكان ذلك في الخامس من نوفمبر 1964م، أي بعد عشرة أشهر تقريبا من وقوع المذابح.
ومع ذلك رأي أن الكيد ما زال مستمرا!
وأن المذبحة لم تكن حادثة خاطفة، وإنما تمهيد لسياسة طويلة المدى.
قال الشيخ العبودي: " كان برنامج رحلتنا يتضمن زيارة زنجبار، للإطلاع على أحوال التعليم الإسلامي فيها, وبخاصة أنه كان هناك معهد إسلامي، تخرج منه عدد كبير من طلبة العلم، من سائر أنحاء شرقي إفريقيا.
وكنا نظن أن الأوضاع التي أعقبت كارثة العرب في زنجبار قد تغيرت قليلا, بحيث يمكن أن نقوم بتلك الزيارة.
ولكننا عرفنا بعد وصولنا إلى شرق إفريقيا، أن الظروف لا تزال كما هي، وأن العرب بصفة خاصة قد منع دخولهم إلى زنجبار"!
فهي القطيعة التامة مع المنابع والجذور.
وهكذا انصرف العبودي عن زيارة الجزيرة.
فقد اتضح له أن آثار الكارثة لم تكن وقتية، بل استنزاف ميستديم.
وأن المقصود كان هو جنس العرب، وثقافة العرب، ولغتهم ودينهم على التحديد.
وكان ذلك عداء العروبة والإسلام، هو الهدف الأكبر، الذي جمع الشيوعيين الإفريقيين المعادين للدين، أي دين، مع المبشرين الكاثوليكيين الصليبيين، والروافض الفارسيين!
جون قرنق كان هناك!
وحينها كان الطالب جون قرنق، زعيم حركة التمرد في جنوب السودان فيما بعد، يتلقى العلم والمفاهيم الإيديولوجية اليسارية، التي كان يقوم على بثها المعلم جوليوس نيريري بتنزانيا.
لقد كان جون قرنق يعيش قريبا من موقع المجزرة الزنجبارية الرهيبة، ولا نستبعد أن يكون قد شارك فيها مشاركة مباشرة، أو على نحو آخر، كما شارك غيره من الشيوعيين اليوغنديين والكينيين.
ولا نستبعد أن يكون قد استلهم مشاعره في عداء العرب السودانيين، والكيد لهم، والعمل على استئصالهم، من وحي تلك التجربة الفاجعة.
وربما كان شهوده لنجاح التجربة الثورية الإجرامية، في استئصال العرب الزنجباريين، وراء إصراره على تكرارها في السودان.
والسبب في تعنته ورفضه لقبول أي صلح مع الشمال السوداني العربي المسلم.
ووقوفه ضد اتفاقية أديس أبابا، ورفضه طيلة عشرين عاما عقد أي لقاء رسمي مباشر مع الجزولي أو الصادق المهدي أو البشير.
وتأبيه عن عقد أي صلح جدي مع الشمال، وذك إلى أن أجبرته الكنائس الأمريكية، التي رأت وفق رؤيتها وحساباتها الخاصة لمآلات الصراع، أنه لابد من إنهاء حرب جنوب السودان بإمضاء صلح نيفاشا.
وقد كانت الكنائس الأمريكية أصح رؤية منه، وأكثر واقعية، وأقل تعصبا، إذ استبعدت فرص انتصاره على الشمال السوداني، وإمكانية نجاحه في استئصال عرب السودان مسلميه.
فما كان العرب إلا أقلية في إقليم زنجبار ولم يكن وضعهم كذلك في السودان.
وتعصب جون قرنق وعدائه للإسلام والعروبة وشمال السودان، ورثه عنه أبناؤه الروحيون، المتطرفون، ذوو الطبيعة الإجرامية الحاقدة، الذين ما زالوا يتربصون.
وبودهم لو تتهيأ لهم الظروف السانحة ليقوموا بتكرار مجازر زنجبار في أرض السودان.
ولا تزال تطلع على خافية منهم في كلامهم وفي نسج مؤامراتهم.
وهؤلاء هم الأعداء اللُّد الذين يتوجب الحذر الدائم منهم.
وقد قال الله تعالى في أمثالهم: (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُون). المنافقون:4.
فهؤلاء هم الأعداء الاستراتيجيون لأمتنا، والذين لا مجال للغفلة عنهم، أو التهاون معهم، أو التراخي في أمرهم.
فقد برهنوا دوما أنهم خلق أشرار فجار.
ولذا فلابد من توقع الأسوأ من طرفهم.
وإلا حق القول علينا كما حق على الزنجباريين.
من جنوب كردفان إلى النيل الأزرق
وما يوم جنوب كردفان، وما جرى فيها من كيد، وغدر، وفجور، عنا ببعيد.
وما يوم النيل الأزرق وما سينفجر فيها من كيد، غدر، وفجور، عنا ببعيد.
فقد خطط عنصريو التمرد لتصفية أكثر من مائة قيادي وطني إسلامي بجنوب كردفان.
فإذا استطاعوا أن يصلوا إلى هؤلاء الكبار، ويفتكوا بهم، فماذا كانوا سيفعلون بعامة الشعب، من المسيرية الأحرار وغيرهم، بعد انكسار الحكومة الولائية وانحسار سلطانها؟!
وقد كشف السيد أحمد هارون عن " وجود خارطة بمنزل عبد العزيز الحلو، ضمن مخطط مبني على احتلال كامل للمدينة، واغتيالات، وإعلان حكومة، ومن ثم تطوير المسألة ناحية الخرطوم ".
وهم بعد أن انكشف أمرهم هناك قد تحولوا للتحرك من الدمازين إلى الخرطوم؟!
وذلك بعد أن يحكموا سيطرتهم على هذه الولاية، التي ما يزالون يتولون حكمها، و يعلنون ضمها إلى دولة جنوب السودان، أو اعلانها دولة جديدة تنسلخ عن السودان؟!
فهذا أقل ما يتوقع منهم.
إنهم قومُ شرٍ لا يتوقع منهم إلا الشر.
و ما تني تصريحاتهم، وما ينكشف من تدبيراتهم، يشي بأنهم سيرتكبون مجازر كبرى في النيل الأزرق.
وهم من النيل الأزرق أقرب إلى الخرطوم ممن تمردوا بجبال النوبة.
فالفتن الكبرى يذَرُّ قرنها الآن من النيل الأزرق.
وهي فتن قد تهدد الوطن بكامله، ما لم تول الحكومة المركزية، والقوات المسلحة، وقوات الدفاع الشعبي، الأمر حقه من الاحتياط والاستعداد للانقضاض.
فلا يستبعد الشر إلا القوم الغافلين.
فالتدمير تدبير ميسور على كل صاحب قلب موتور.
والمحرضون اليوم أخطر!
ولابد أن تذكر دوما أن لهؤلاء المجرمين المتربصين الخطرين، دوائر خارجية مساندة ومحرضة، من قبل الصليبين، والصهيونيين، والشيوعيين، والعنصريين.
ولابد أن نتذكر أن لهؤلاء المجرمين المتربصين الخطرين، دوائر داخلية مساندة ومحرضة من الحزبيين البائدين، لاسيما دائرة حزب المؤتمر الشعبي المارق، الذي يجاهر بتحالفه الاستراتيجي مع حركة التمرد الجنوبية العنصرية، وذيلها الذي يعرف بقطاع الشمال، الذي يقوده الثلاثي غير الحلو: الحلو، وعرمان، وعقار.
ولابد أن نتذكر أن لهؤلاء المجرمين المتربصين الخطرين، دول مساندة ومحرضة، من دول الجوار الإفريقية، وهي اليوم أقوى بكثير من دول الإفريقية الشرقية، التي أعانت كلا من عبيد كارومي، وعبد الرحمن بابو، وجوزيف أوكيلو، وجون كوللي، وهانغا، على سحق العرب الزنجباريين.
وليس سرا أن هذه الدول الإفريقية المتربصة بالسودان، وفي طليعتها يوغندا، قد نشأت على الإرث الباقي، من الفكر الثوري الصليبي النيريري، الذي شجع وأعان على إبادة المسلمين الزنجباريين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.