* وغداً.. سوف يولد من يلبس الدرع كاملة يوقد النار شاملة يطلب الثأر يستولد الحق من أضلع المستحيل... - أمل دنقل – .. قالت لي حبيبتي.. بعد أن رأت أشعة الشمس. ذات صباح مشرق. تتأرجح فوق حبال القلب.. والأشجار تمشط أغصانها فوق رابية مليئة بالعصافير غير مكترثة بالصيادين الذين يلوذون خلفها وهم يرتجفون من البرد والجوع: أليس الشعر هو ما يثيرك ويفتح شهيتك على القراءة والكتابة ويمنحك الطمأنينة والهدوء؟ لماذا إذن لا تكتب عن الشعر والشعراء، وعن عوالمهم المليئة بالشفافية والنقاء وخيالاتهم المجنحة التي تزحزح قضبان المنطق، وتدفع القارئ إلى التحليق في الفضاءات الفسيحة من أجل الوصول إلى الرموز والإشارات التي يتكئ عليها. في العادة، الشعراء من أجل إيصال أفكارهم إلى القارئ، وعن شطحاتهم الإبداعية المثيرة.. وعن إرهاصات القصيدة وإيقاعاتها المتناغمة وصورها الجمالية الباهرة.. وعن اللحظات الرائعة التي تنتاب الشاعر أثناء الكتابة، وما يعتمل في أعماقه ويضطرب قبل ولادة القصيدة وبعدها؟ ودع الكيزان والسماسرة والمرتزقة والوصوليين وشأنهم حين تكتب.. لأنهم لا يعرفون الرحمة ولا يتورعون عن ارتكاب الكبائر، ما ظهر منها وما بطن، وقد انتشروا في المجتمع كالطحالب والإشنيات وما عادت (الكلمات الجارحة) قادرة على اجتثاث جذورهم. - 2- وقالت لي أيضاً.. بعد أن روت أزهار الحديقة ورأت الحزن يتسلق جدران القلب بهدوء مريب، وينام فوق أسرّتنا ويضطجع فوق أرائكنا وينتعل أحذيتنا ويقاسمنا رغيف الخبز، ونحن ننظر إليه بعينين تملؤها الدموع والتوسل كي يتركنا وشأننا: أليست الفنون التشكيلية مصدر إلهام وإيحاء للمبدعين والكتّاب، أليست الألوان وما تمتلكه من سحر وعذوبة وطاقة إيحائية قادرة على نقلك من عالم الواقع وما يعتوره من منغصات وحسرات إلى عالم الخيال السحري؟ أليس ليوناردو دافنشي ومايكل أنجلو وسلفادور دالي وبيكاسو وإبراهيم عبدالقيوم وراشد دياب وآدم الفيل وصموئيل جون دينق وغيرهم من الفنانين يستطيعون أن يرسموا ابتسامة ساحرة فوق وجوه أتعبها الحزن وأرهقتها الآلام؟ فلماذا لا تكتب عنهم وعن عوالمهم السحرية المفعمة بالدهشة والمفاجآت؟ ودع أرباب النفوذ وأباطرة المال من لصوص الكيزان وشأنهم حين تكتب... لأن لهم يداً قادرة على البطش في اللحظة الحاسمة، ولديهم قدرة خارقة على التملص من الاتهامات التي تكيلها لهم، ودفع الشبهات بالحقائق المزيفة، وإقناع الآخر بأنهم بريئون... وأن ما تكتبه عنهم افتراء وباطل. - 3- وقالت لي أيضاً... بعد أن سمحت لأزهار أنوثتها أن تنمو وتترعرع في حدائق الروح فتصبح وارفة الظلال عبقة الأريج، وتركت لدموعها حرية العبث بعواطفي ومشاعري التي اضطربت: أليست الموسيقا غذاء الروح ومهوى الفؤاد، بما تحمله من نغمات بديعة، يقوم بعزفها موسيقي بارع أتقن اللعب بأوتار الآلة وأوتار القلوب؟ يا إلهي، يا حبيبي كم تدفع الموسيقا الروح إلى الهدوء والنفس إلى السكينة والطمأنينة.. إنها تبعد عنك التشنج وتريح أعصابك إذا توترت، وتغسل الذاكرة مما علق بها من الذكريات الأليمة، وتنظف أعماقك من أدران عقدين ونيف من تسلط الكيزان علينا في عصر مليء بالسخافات والترهات والعنصرية وإشاعة الكراهية، فلماذا لا تكتب عن الموسيقا والموسيقيين وعن سيمفونياتهم الرائعة..؟ نعم يا حبيبي.. أرجوك كن هادئاً. - 4- تأملت كثيراً فيما سمعته من حبيبتي. حينئذ نظرت إلى قلمي فرأيته قد وضع إصبعيه في أذنيه.. فعلمت أنه قد أبى الانصياع لما قالته حبيبتي.. وكتب فوق صفحة ناصعة البياض (الكيزان اعدائي)!