وزير الخارجية الأمريكي في اتصال هاتفي مع البرهان يبحث الحاجة الملحة لإنهاء الصراع في السودان    الخارجية المصرية: "في إطار احترام مبادئ سيادة السودان" تنظيم مؤتمر يضم كافة القوى السياسية المدنية بحضور الشركاء الإقليميين والدوليين المعنيين    عائشة الماجدي: الموت إكلينيكياً (مؤتمر تقدم)    الصين: دعمنا للسودان لن يتغير مهما كانت الظروف    السودان.. القبض على"المتّهم المتخصص"    رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يلتقي وفد المقاومة الشعبية بولاية سنار    الموساد هدد المدعية السابقة للجنائية الدولية لتتخلى عن التحقيق في جرائم حرب    المريخ يواصل تحضيراته بالاسماعيلية يتدرب بجزيرة الفرسان    اكتمال الاستعدادت لامتحان الشهادة الابتدائية باسوان    مازدا يكشف تفاصيل مشاركة المريخ في ملتقى المواهب بنيجيريا    الجزيرة تستغيث (3)    شاهد بالصورة والفيديو.. زواج أسطوري لشاب سوداني وحسناء مغربية وسط الأغاني السودانية والطقوس المغربية    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنانة السودانية شروق أبو الناس تحتفل بعيد ميلادها وسط أسرتها    بالصورة والفيديو.. شاهد ردة فعل سوداني حاول أكل "البيتزا" لأول مرة في حياته: (دي قراصة)    اختراع جوارديولا.. هل تستمر خدعة أنشيلوتي في نهائي الأبطال؟    شح الجنيه وليس الدولار.. أزمة جديدة تظهر في مصر    أوروبا تجري مناقشات "لأول مرة" حول فرض عقوبات على إسرائيل    قوات الدفاع المدني ولاية البحر الأحمر تسيطر على حريق في الخط الناقل بأربعات – صورة    الأهلي الحصايا يطيح بأكاديمية الشعديناب من منافسة دورة العزة والكرامة بالدامر    سيكافا على الابواب ومعسكر الهلال في غياب    دراسة "مرعبة".. طفل من كل 8 في العالم ضحية "مواد إباحية"    السعودية: وفاة الأمير سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن عبدالعزيز آل سعود بن فيصل آل سعود    والي ولاية البحر الأحمر يشهد حملة النظافة الكبرى لسوق مدينة بورتسودان بمشاركة القوات المشتركة    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يترأس اجتماع هيئة قيادة شرطة الولاية    الأجهزة الأمنية تكثف جهودها لكشف ملابسات العثور على جثة سوداني في الطريق الصحراوي ب قنا    "آبل" تعيد بيع هواتف قديمة في "خطوة نادرة"    ماذا بعد سدادها 8 ملايين جنيه" .. شيرين عبد الوهاب    سامية علي تكتب: اللاجئون بين المسؤولية المجتمعية والتحديات الدولية    بيومي فؤاد يخسر الرهان    نزار العقيلي: (العطا طااااار ومعطا)    تراجع مريع للجنيه والدولار يسجل (1840) جنيهاً    "امسكوا الخشب".. أحمد موسى: مصطفى شوبير يتفوق على والده    الأهلي بطل إفريقيا.. النجمة 12 على حساب الترجي    نجل نتانياهو ينشر فيديو تهديد بانقلاب عسكري    الغرب والإنسانية المتوحشة    رسالة ..إلى أهل السودان    بالنسبة ل (الفتى المدهش) جعفر فالأمر يختلف لانه ما زال يتلمس خطواته في درب العمالة    الإعلان عن تطورات مهمة بين السودان وإريتريا    شركة الكهرباء تهدد مركز أمراض وغسيل الكلى في بورتسودان بقطع التيار الكهربائي بسبب تراكم الديون    من هو الأعمى؟!    زيادة سقف بنكك والتطبيقات لمبلغ 15 مليون جنيه في اليوم و3 مليون للمعاملة الواحدة    اليوم العالمي للشاي.. فوائد صحية وتراث ثقافي    حكم الترحم على من اشتهر بالتشبه بالنساء وجاهر بذلك    إخضاع الملك سلمان ل"برنامج علاجي"    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حزب الامة القومي: معاش وأمن الناس أولاً : تصدر فضايا الاستقرار الامني والاجتماعي والاقتصادي في السودان أغسطس 2017م
نشر في سودانيل يوم 31 - 08 - 2017


بسم الله الرحمن الرحيم
مدخل:
هيمنت قضايا الامن والصراع القبلي والمعيشة والزراعة والمخدرات والعودة القسرية للسودانيين من السعودية وقضية طلاب دارفور علي المشهد السوداني خلال الشهرين الماضيين، مما تشكل تحدي كبير، يرسم ملامح المرحلة المقبلة، وما ستواجه البلاد من انفلات أمني وضائقة معيشية وتفسخ اجتماعي وتصاعد التوترات السياسية والدبلوماسية. ونتيجة لشغل حزب الامة القومي موقع القيادة للحركة السياسية السودانية، فإن توجهاته تحدد مسار السياسات البديلة الرشيدة التي من شأنها مجابهة التحديات المتمثلة في مصير سياسات نظام الخرطوم الفاشلة، وفي تعثر مسارات الحل السياسي الشامل الداعي الي وقف الحرب وإحلال السلام العادل الشامل وفتح الطريق أمام التحول الديمقراطي الكامل، وفي تراجع كثير من عادات وثقافات وقيم المجتمع السوداني مما أدي الي انتشار المخدرات والجريمة بصورة مقلقة للغاية، وفي التحلل من علاقات الازعان والتبعية للدول الأخرى وبناء علاقات خارجية تقوم علي التوازن وتراعي مصالح السودان والسودانيين. لذلك استشعارا للمسئولية الوطنية التي تقع علي عاتق حزب الامة القومي في إيجاد مخارج للازمة الراهنة وفتح مداخل تصدي للكارثة الامنية والاقتصادية والمعيشية والمجتمعية، فقد تداولت مؤسسات الحزب (الرئاسة، المكتب السياسي، الامانة العامة) هذه القضايا بشي من المسئولية والقلق، وفي إطار استراتيجي يهدف الي تبصير المواطن السوداني ودق ناقوس الخطر، وإبراز مخاوف ومحاذير المرحلة المقبلة، والتي تستدعي وعياً معرفياً بالإشكالات الراهنة، وتدخلاً غير تقليدي يستنهض الشعب السوداني لأخذ زمام المبادرة، وتفاعلاً سياسياً وإعلامياً علي مستوي التحدي، وتحركاً عاجلاً لبناء منظومة المعالجات والحلول قبل فوات الأوان. يركز هذا التقرير السياسي علي قضايا (الصراعات القبلية، الموسم الزراعي، الازمة الاقتصادية، المخدرات، العائدين من السعودية، قضية طلاب دارفور) كمؤشرات فقط للأزمة الراهنة، وبما تحمله هذه القضايا من تداعيات وتمظهرات ماثلة علي الصعيدين المحلي والعالمي، ولأنها تمثل أكبر دليل علي فشل النظام وسياساته من ناحية وتأثيرها في المستقبل القريب من ناحية أخري. كما سيبين هذا التقرير موقف الحزب من القضايا المذكورة، وإلقاء الضوء علي التدخلات السياسية العاجلة المطلوبة، وستكون بإذن الله هذه القضايا الست محل بحث في ورش عمل منفصلة خلال الايام القادمة بغرض تطوير الرؤية حولها، وستكون كذلك محل اتصال وتباحث مع شركائنا وحلفائنا وكل القوي السياسية والمدنية والمجتمع الدولي، وسيقود حزبنا حراك في كل الولايات والقطاعات الحديثة للتنوير بقضايا هذا التقرير ضمن حملته للتبشير باستراتيجية الحزب للسلام العادل والحوكمة الديمقراطية.
أولاً: التحضير والزراعة للموسم 2017/2018م بالتركيز علي محصول الذرة كمحصول غذائي رئيسي:
كما هو معروف أن هناك عوامل عديدة متداخلة تحدد نجاح الموسم الزراعي من فشله وتنقسم الي قسمين:
1. عوامل بفعل الانسان وتشمل السياسات والادارة.
2. عوامل بفعل الطبيعة وتشمل الامطار وتوزيعها.
ولتقييم الموقف الزراعي قام خبراء زراعيون من حزب الامة القومي بزيارات ميدانية لعدد من مناطق الزراعة المطرية خلال يوليو لتقييم المرحلة الاولي من الموسم الزراعي أجروا دراسة استطلاعية لبعض المزارعين لمعرفة رؤيتهم للموسم وتوصلوا للاتي:
1. عامل السياسات والادارة:
1) من حيث السياسات والادارة لاحظوا أن هناك تأخير في التحضير والزراعة من عدد من المزارعين وأفادوا أن من أسباب التأخير هو ضعف المقدرات المالية التي أدت لفشلهم في تسويق محاصيلهم خاصة الذرة لانخفاض السعر وارتفاع تكلفة الانتاج والحكومة لم تستجيب لطلبهم المقدم منذ بداية الحصاد برفع سعر التركيز الي (400) جنية لسعر جوال الذرة لمقابلة تكلفة جوال الذرة العالية التي وصلت أكثر من (300) جنية للجوال ليحقق ربح مناسب يشجعهم الي اللحاق بالموسم. ولم تستجيب لطلبهم الا أخيراً والمؤسف أن سعر التركيز المصدق (280) جنية لجوال الذرة بدلاً عن (400) جنية كما طلب المزارعون وهذا السعر لم يحفز المزارعين علي الاقدام علي الزراعة.
2) يرفض البنك الزراعي تمويلهم لانهم معسرين ولم يسددوا مديونية البنك الزراعي وهذا مؤشر أيضاً لفشل الموسم الزراعي.
3) عدم توفير المدخلات وتعطيل وصولها الي ميناء بورتسودان بسبب تعطل الكرينات ووسائل النقل وتعقيد إجراءات التخليص أضر بالشركات الموردة وسينعكس ذلك في تأخير الزراعة وفشل الموسم.
4) تأخير الزراعة حتي نهاية يوليو مع قلة الامطار في كثير من مناطق الانتاج أضر بمحصول السمسم والفول السوداني وخرجت مساحات كبيرة من دائرة الانتاج، مما يؤثر علي ارتفاع أسعار الزيوت والاعلاف المركزة والتي بدأت بالفعل في الارتفاع.
2. عامل الطبيعة (الامطار وتوزيعها) وأثرها علي الموسم:
1) بالرجوع الي تقارير هيئة الارصاد الجوية عن موقف الامطار لشهري يونيو/ يوليو من هذا الموسم تشير التقارير كما جاء بجداول الامطار المرفقة أن معدلات الامطار العالية نسبياً تركزت في المناطق الجنوبية في معظم الولايات (جنوب دارفور، جنوب كردفان، جنوب النيل الازرق، جنوب القضارف) وهي تشكل تقريباً 40% من جملة مساحة الذرة بمناطق الانتاج وتوضح تقارير الامطار أن معظم مناطق وسط وشمال مناطق الزراعة المطرية دون الوسط أي أقل من (300) مليمتر.
2) وكما هو معروف من نتائج البحث الزراعي ومن خبرة المزارعين أن زيادة الامطار وشحها في شهر يوليو هو المحدد الاساسي لنجاح أو فشل الموسم الزراعي ويقول المزارعون أمطار الضراع (شهر يوليو) إن نجحت نجح الموسم وإن فشلت فشل الموسم. ومن تحليل جداول الامطار أن أمطار يوليو دون الوسط وهذا مهدد بفشل الموسم، ونأمل أن يتحسن الحال في شهر أغسطس لتحصل البلاد علي محصول وسط لان هناك مساحات كبيرة تأخرت زراعتها. كما تجدر الاشارة أن شح الامطار في مناطق الرعي يهدد بالمحل (فقر المراعي وشح المياه) وهذا مهدد كبير للثروة الحيوانية، من حيث المنتج والعرض وأسعار الصادر وأسعار اللحوم المحلية.
3) الزراعة المروية: من تصريحات العديد من المزارعين في الصحف ومن تحليل بعض الصحفيين في أعمدتهم وصفحات الزراعة كلها توضح ان موقف الموسم الزراعي في المشاريع المروية ليس بأحسن حالاً من القطاع المطري وذلك لأسباب عديدة يتلخص أهمها في الاتي:
● تأخير في التحضير والزراعة بسبب تأخير تطهر الترع وصيانتها في عدد من الاقسام وهذا مهدد كبير للزراعة بالعطش بالإضافة الي تأخير زراعة المحاصيل في العروة الصيفية ستؤدي الي تنافس محاصيل العروة الشتوية (القمح) في حصتها من المياه وهذا سيؤدي الي تدني إنتاج وإنتاجية محاصيل العروتين بالمشاريع المروية.
● تأخير وصول المدخلات وتأخير ترحيلها من ميناء بورتسودان حتي الان وخاصة السماد هذا يؤدي لفشل إنتاج المحاصيل في العروة الصيفية وخاصة القطن والذي تقلصت مساحته من (450) الف فدان الي (100) الف فدان فقط في مشروع الجزيرة.
ختاماً: نقول كل هذه العوامل مجتمعة التي تطرقنا لذكرها خطأ السياسات وفشل الادارة مع أن أمطار الموسم غير مبشرة حتي تاريخه كلها مؤشرات فشل الموسم، وعليه من هذا المنطلق ينبه حزب الامة القومي الجهات المسئولة اتخاذ الخطوات التالية تحوطاً لدرء أي أثار سالبة تؤثر عل الموسم الزراعي:
1. شراء الذرة من المزارعين بسعر التركيز (400) جنية للجوال لتحفيز المزارعين علي الزراعة.
2. عدم تصدير الذرة لبوادر فشل الموسم.
3. توفير اعتماد للبنك الزراعي لشراء صوامع جاهزة (Bins) بصورة عاجلة.
4. صيانة المخازن الحالية وتبخيرها لمكافحة أفات المخازن.
5. تجميد مديونية المزارعين وتمويلهم بهدف اللحاق بالموسم.
ثانياً: الصراعات القبلية وانتشار السلاح (تجدد الاقتتال ما بين المعاليا والرزيقات نموذجا):
تاريخياً ترجع أسباب النزاعات القبلية الي التنافس والصراع حول الموارد لا سيما الاراضي (زراعية ، مراعي)، ولكن سرعان ما يتم احتوائها وحلها، وذلك لوجود نسيج اجتماعي متماسك تحكمه إدارة أهلية قوية وسيادة ثقافة التسامح والتصالح والتعايش، ووجود ترسانة من القيم والاعراف التي تقف سداً منيعا ضد تدخل أي طرف ثالث خفي، وسرعة التدخل من قبل النظم السابقة وإبرام معاهدات شعبية. فقد نشبت نزاعات قبلية في السابق ولكن تم احتوائه تماماً، ولكن تجددت فقط في عهد الانقاذ بصورة خطيرة لأنه عهد جاء حاملاً ضمن توجهاته خلخلة النظام الاجتماعي في البلاد.
عند مجيء نظام الانقاذ في يونيو 1989م استهدف فيما استهدف الادارات الاهلية وقام باختراقها وتقسيمها واستحداث إدارة أهلية جديدة موالية له، كما قام بفتح قنوات للتعامل المباشر مع القبائل، وأقدم النظام علي التسليح العشوائي لكل فئات المجتمع بما في ذلك الشباب والطلاب والنساء ودفعوا بهم في أعمال حربية في جنوب السودان وتمليكهم السلاح الذي غنموه بما فيها من مدرعات وعربات دفع رباعي وتوفر السلاح بكميات كبيرة ونوعيات كثيرة.
بعد اتفاقية السلام وانفصال جنوب السودان صار السلاح وبالاً علي مالكيه حيث استخدمته القبائل ضد بعضها البعض وأصبح عدد الضحايا بعد أن كانوا آحاد أصبحوا جماعات يقدروا بالمئات في الجنوب الجديد (كردفان والنيل الازرق)، وفي فترة الصراع السوداني التشادي تم تسليح أعداد كبيرة بغرض دعم أطراف النزاع في تشاد، وعند اندلاع الصراع المسلح في دارفور أقدمت السلطات الحكومية علي تسليح أعداد كبيرة من قبائل دارفور تحت مسمي حرس الحدود والمليشيات المتحالفة مع النظام بغرض كسر شوكة التمرد كما زعمت، وعندما خفت حدة القتال مع حركات دارفور استخدم السلاح في حروب قبلية عبثية فحصدت المئات من أبناء القبائل عطفاً علي الدمار الشامل للقري والفرقان فقد كشفت التقارير عن وجود أكثر من ست مليون قطعة سلاح، وتلاحظ أيضاً تمليك عدد من النافذين في النظام من أبناء القبائل كميات كبيرة من السلاح تم استخدامها في صراعات قبلية فحولتها من صراعات محدودة بالإمكان احتوائها الي حروب متجددة تهدد المدنيين، هذا بالإضافة الي انضمام أعداد كبيرة من أبناء القبائل الي الحركات المسلحة، ودخول كميات كبيرة من دول الجوار التي اندلعت فيها حروب لا سيما جنوب السودان وليبيا. هذه العوامل مجتمعة جعلت السلاح بكل أنواعه سلعة تجارية تباع في السوق، حيث تم استخدامه في عمليات النهب والسلب وجرائم السرقة والاحتيال والاغتصاب حتي صار ثقافة (بالكاش تعيش بلاش) وصارت هناك حدود داخل حدود الوطن الواحد كما ظهرت لأول مرة في السودان ما يطلق عليه ب(المناطق الرمادية) التي يسود فيها قانون الغاب وتفتقد أدني مقومات الدولة. هذا الوضع الدموي (صراع قبلي، وجرائم منظمة وغير منظمة) يسود في ظل غياب تام للسلطة والدولة وتغاضيها عن ما هو حاصل حتي أصبح حمل السلاح في الاسواق أمر طبيعي.
علي الدوام كان دور النظام في كل الصراعات القبلية مؤجج ومغذي لها بصورة مباشرة وغير مباشرة، بدليل أن التدخل دائماً يأتي بعد الاقتتال والخسائر في الانفس والممتلكات وفي غالب هذه الصراعات هناك مؤشرات واضحة للمشكلة وحجم الاستعدادات والتحركات، دليل ثاني في كل تجارب تدخلات النظام تهتم فقط بتداعيات الصراع من دفع للديات ومواقف الاطراف وغير معنية بالأسباب الجذرية للصراع والتي في الغالب النظام جزء منها، دليل ليس أخير كل الاتفاقيات التي أبرمتها الحكومة أو أشرفت عليها أو تدخلت فيها كان مصيرها الانهيار المبكر وتجدد الاقتتال بصورة أكثر ضراوة، في المقابل كل الاتفاقيات العرفية بين زعماء القبائل أنفسهم عمرها طويل نسبيا وضماناتها أوسع بما لديها من تأييد شعبي . وخير مثال للتدخل السلبي هو النزاع الاخير بين المعاليا والرزيقات والذي تعامل معه النظام بصورة إستعدائية فيها إهانة واستفزاز حينما أقبل علي اعتقال العشرات من رجال الادارة الاهلية من القبيلتين، وهذا تطور خطير ينذر بمزيد من المواجهات.
إن حزب الامة القومي يضع في سلم همومه إجراء المصالحات القبلية وإعادة التعايش القبلي ورتق النسيج الاجتماعي فقد أعلن رئيس الحزب في خطاب "العودة للوطن" في يناير 2017م عزمه علي التواصل مع زعماء الادارة الاهلية لمحاصرة الفتن القبلية، وقد كون الحزب لجنة عليا للمصالحات القبلية، وقد أعد الحزب دراسة أولوية حول "خريطة النزاعات القبلية في السودان" وقد أشارت الدراسات الاولية الي وجود عدد (151) نزاع قبلي في السودان.
الصراعات القبلية وانتشار السلاح من القضايا الخطيرة والتي فجرها النظام وتُعد (لعب بالنار) مما تتطلب معالجات قومية بعيداً عن سياسات النظام التي أنتجت المشكلة، وعليه فإن حزب الامة القومي يري الاتي:
1. وزع النظام السلاح بدون ضوابط وبصورة عشوائية نتيجتها الاقتتال القبلي وامتداد الصراع لمساحات واسعة وأصبح هناك سباق تسلح للقبائل في سعيها لتأمين نفسها، وبالتالي فإن عملية جمع السلاح بالقوة لن تجدي وقد تفتح باباً لمواجهات جديدة.
2. الإدارة الأهلية تمثل مفتاح مهم للغاية في أي عملية تتعلق بالقبائل (مصالحات، جمع سلاح) بما تملكه من علاقات واسعة وسلطات عرفية وإدراك للواقع ومعرفة للحقائق وتأثير علي أفراد القبيلة، لذلك فإن استعداء الادارة الاهلية وتهميشها يعد فتنة تقود الي الصوملة.
3. إن عملية جمع السلاح ليس حملة إعلامية لأغراض تتعلق برفع العقوبات وخلافه، وإنما عملية معقدة تتطلب إرادة سياسية قومية وفق رؤية واضحة يشارك فيها الجميع (أحزاب سياسية، وإدارة أهلية، ومنظمات مجتمع مدني وغيرها) وفق ضمانات وإجراءات تتعلق بحفظ الامن والاستقرار ، ولن تجدي باستخدام القوة، وإذا كان النظام جاد في هذا المسعي عليه أن يبدأ النظام بجمع سلاح القوات المتحالفة معه، ومن ثم مطالبة الاخرين، بلا استثناءات.
4. إن الحل في إحلال سلام شامل وكامل ومستدام يأمن المواطن علي نفسه وماله وعرضه وأرضه، حينها فقط سيتم تسليم السلاح طوعاً، وذلك وفق ظروف مواتية للاستقرار والأمن والتعايش.
5. إن هناك تغيرات كبري حدثت بفعل المناخ والجفاف والتصحر وانفصال الجنوب مما انعكس ذلك بشكل واضح في الصراعات القبلية بحثاً عن المرعي والمياه، مما يطلب تدخلات تنموية من حصاد المياه ومتابعة المراحيل وابتكار مصادر متعددة لكسب العيش الكريم.
6. إن عدم حسم قضايا الاراضي وملكيتها خاصة مشاكل الحواكير خلقت نزاعات واضطرابات تهدد النسيج الاجتماعي، الامر الذي يطلب إجراء مصالحات قبلية وإعادة بناء العلاقات الاجتماعية علي أسس تراعي الاعتراف بحق القبائل في الانتفاع بأرضهم وتقنين الحيازات التقليدية في الحواكير والدار والمجالس.
ثالثاً: الضائقة المعيشية والازمة الاقتصادية:
منذ بواكير الانقاذ تم إدارة الاقتصاد بصورة تجارية وباستثناء فترة المرحوم عبدالوهاب عثمان لم يكن من بين الذين تعاقبوا علي وزارة المالية متخصصا في الاقتصاد الكلي فحصروا همهم في توفير الموارد لمقابلة المصروفات المتزايدة كيفما اتفق فوقع نتيجة لذلك كل العبء علي كاهل المواطن المغلوب علي أمره...
ولحاجتهم لمقابلة الصرف وعدم اغضاب اهل السلطة تم صرف كل عائدات البترول في الميزانية الجارية، ومع الاهتمام بالصرف ايضا سقطت بنود الميزانية جميعا باستثناء الفصل الاول والذي بالمقابل اصبح يتزايد فسادا وشراءا للذمم وبهذا الوضع انهارت كل المشروعات المنتجة التي كانت ترفد الخزينة العامة بالإيرادات والنقد الاجنبي ويقف في قائمة تلك المشروعات مشروع الجزيرة .. الان مع الثراء الطبقي لأهل السلطة ومن شايعهم تزايدت الحاجة لاستيراد الكماليات والسفر المتواصل للخارج للاجازات والعلاج، تسبب ذلك في الضغط وزيادة الطلب علي النقد الاجنبي ومع ضعف عائدات الصادر السوداني اصبحت الفجوة كبيرة جدا بين العرض والطلب مما ادي الي زيادة سعر الصرف لقرابة الاثنين وعشرين الف للدولار الواحد، وهذا بدوره ادي لزيادة جنونية ويومية في الاسعار لا يطيقها اصحاب الدخل المحدود والمزارعين الذين استهدفتهم السلطة بتسفيه جهدهم بتثبيت اسعار منتجاتهم لخمس سنوات كأسوأ انواع الاستغلال لحاجتهم للتمويل وكم تمثل هاتين المجموعتين من جملة سكان السودان؟ انهم الاغلبية المهملة ويستمر مسلسل التضييق المستمر تحت مسمي رفع الدعم الغير موجود أصلا ولكنه ضروري لتوفير مصادر دخل جديدة للحاجة غير المنتهية للصرف علي المؤيدين وشراء اخرين جدد والصرف اللامحدود علي الجهات الأمنية الرسمية وغير الرسمية لإبقاء النظام علي سدة الحكم ..
يهلل النظام بالوعد برفع العقوبات الامريكية وكأنها ستوفر الدولار وترتفع بقيمة الجنية !!! مع العلم بأن العقوبات الامريكية تمثل جزء يسير من العقوبات الدولية المفروضة علي السودان .. كذلك فان الفساد الذي أضاع 16 مليار دولار في الفترة (2005 -2015) حسبما ورد بتصريح وزير التعاون الدولي كفيل بإغراق اي عون ربما يقدمه الاشقاء والحلفاء..
إن الحالة المعيشية للمواطنين انعكاس طبيعي للسياسة الاقتصادية للبلاد والتي اعتمدت بالأساس علي الايرادات والجبايات وأهملت المشاريع الانتاجية في مقابل الصرف البذخي السيادي والفساد الواسع الذي أزكم الانوف وتسرب الي صفحات الصحف رغم منع النشر في قضايا الفساد، والمشهد الان يشير بوضوح الي زيادات خرافية غير معلنة في أسعار السلع والخدمات، وانفلات الاسواق، والاقبال الي مزيد من الجبايات والرسوم بمسمياتها المختلفة، فهناك حديث داخل أروقة وزارة المالية عن ضعف الإيرادات ومن المتوقع الاتجاه الي فرض إيرادات وإتاوات ورسوم جديدة خاصة علي المحاصيل الزراعية (طبعاً كان يمكن النظر الي تقليل المصروفات).
وكذلك لا يتوقع إن تثمر عمليات استقطاب المستثمرين في استثمار حقيقي يمكن أن يسهم في التنمية والاقتصاد ومعاش الناس، وذلك يرجع الي عدة أسباب منها تكالب الحكومة لجلب الاموال لخزينتها، والتركيز علي مشاريع لا تحقق قيمة إضافية للاقتصاد، وعدم التركيز علي المنتجات التي يمتلك السودان فيها ميزات تفضيلية تنافسية، عطفاً علي قصور قانون تشجيع الاستثمار 2013م وعجزه عن جلب المستثمرين، وكيفية التعامل مع المستثمرين من حيث السياسات والاجراءات الطاردة للاستثمارات الحميدة ومشجعة للاستثمارات الخبيثة ، وخلق إشكالات حول الارض لعدم مراعاة مصالح المجتمع المحلي، وعدم مراعاة سلامة البيئة واستنزاف الموارد المائية (البرسيم)، إضافة الي الاعباء الملقاة علي الميزان التجاري المتمثلة في التحويلات للخارج (شركات الاتصالات).
وهذا ما ظل يحذر منه حزب الامة القومي، ونؤكد هنا أن ليس هناك حلاً جذرياً للأزمة الاقتصادية الا بذهاب هذا النظام وذهاب عقلية الجبايات التي أتي بها لتقابل له الصرف المتزايد لبقائه وعودة دولة الرعاية التي تهتم اول ما تهتم بحياة مجتمعها وسبل عيشه قبل اهتمامها بحماية الحاكمين. كما نشير الي أن التدخلات العاجلة تتمثل في الاتي:
1. التركيز علي دعم القطاعات الانتاجية وتوفير التمويل المطلوب بأيسر الطرق.
2. ضرورة خفض الصرف الحكومي المتزايد وإحكام سيطرة المالية علي الايرادات وتفادي تجنيبها قفلاً لأبواب الفساد.
3. محاربة الفساد الحكومي الحزبي الذي أصبح يهدد البنية الاقتصادية للبلد.
4. تحقيق السلام الشامل والمصالحة الوطنية لإيقاف الحرب وتوفير الموارد للبناء الوطني.
5. اعتماد الشفافية المالية في كل التعاملات الحكومية خصوصاً مشاركة المسئولين في مجالس الشركات ذات الصلة بعملهم.
رابعاً: المخدرات مهدد أمني واجتماعي حقيقي:
... تشير كثير من الدراسات والتقارير الاجتماعية بما فيها تقارير حكومية ومنظمات المجتمع المدني، الي أن انتشار المخدرات في السودان قد وصل مرحلة الخطر، وأصبحت من كبرى المهددات الامنية والمجتمعية، وهذا ما جعل حزب الامة القومي منزعجاً من خطورة الانتشار الواسع للمخدرات وعدم اهتمام الدولة بهذه القضية. ويسعي الحزب من هذه الجزئية في هذا التقرير لتوضيح وضع المخدرات بالبلاد والعوامل التي ادت الي انتشارها وخطورتها والكيفية التي يمكن أن يوظف الحزب كافة قدراته للإسهام في المكافحة.
يصنف السودان من الدول العربية المنتجة للمخدرات بجانب المغرب ولبنان، وتصنف السعودية ومصر واليمن دول مستهلكة فيما تعتبر سوريا والاْردن دول عبور، وكذلك يصنف السودان في الدول الافريقية من دول العبور بجانب كينيا وليبيا، وتقدر حجم تجارة الكوكايين في غرب افريقيا 85 مليون دولار، مما أدت الي تفاقم الادمان وغسل الأموال الي جانب تأجيج الاضطراب السياسية والتهديدات الامنية في كثير من الدول الافريقية بما فيها السودان، وعالمياً تعد تجارة المخدرات إجرام منظم لان اساليب مهربي المخدرات تتنوع وتتبدل وتصبح دائما اكثر سرية وخطورة، حيث تمثل تجارة المخدرات المركز الثالث ضمن الانشطة التجارية والاقتصادية العالمية بحجم يبلغ 800 مليار دولار سنوياً، ويتم غسل 120 مليار دولار سنوياً في أسواق المال العالمية ومن خلال المصارف والبنوك الكبيرة..
ويعتبر السودان منتج رئيسي للبنقو يزرع في منطقة الردوم في المنطقة الحدودية بين جنوب السودان وافريقيا الوسطي ودارفور تقدر المساحة ب 3000 كيلو متر في بيئة مناخية مواتية في مناطق وعرة، ساعدت الاضطرابات والنزاعات وانتشار السلاح والحروب والعطالة في انتشار زراعته، ويستهلك اغلب الانتاج بالداخل وهناك شبكات الترويج تشرف علي نشاط زراعة البنقو ونقله وتوزيعه. واعتبر خبراء اجتماعيون ان السودان يمثل أهم دولة معبر بما له من حدود مع مصر وليبيا وإثيوبيا، وبالتالي تصله كمية كبيرة من حاويات المخدرات والشاشندي والحشيش والحبوب، والتي تم ضبط الكثير منها ومعبرا لحبوب الكبتاجون القادمة من دول الشام للسعوديةً ومعبرا للهيروين القادم من أفغانستان عن طريق شرق افريقيا لأروبا ومعبر لمصر والسعودية والإمارات. من أكثر انواع المخدرات تعاطياً في السودان البنقو والقات والشاشندي (الحشيش الاثيوبي) والعقاقير الطبية المخدرة والمؤثرة عقليا مثل حبوب الاكازول والترامادول ثم الهيروين والكوكايين والمنشطات، وفق تقارير فإن أكثر المدن التي تنتشر فيها المخدرات هي الخرطوم والقضارف ومدني والدمازين وعواصم ولايات دارفور. ومصدر قلق حزب الامة القومي ناتج عن ما تسببه المخدرات من ارتفاع معدلات الجريمة بزيادة انتشارها، وحوادث الطرق الإعاقة والوفاة، وزيادة تكلفة السجون والتأهيل لعلاج المدمنين والادوية والفرق العلاجية، ومشاكل الطلاق، والاقتصاد الخفي الذي يصعب مراقبته ويؤدي لانتشار الفساد المالي والاداري، وهذه أمراض اجتماعية وأمنية متفاقمة بشكل يومي، تحت بصر الاجهزة المختصة، مع ضعف الرقابة وتواطؤ بعض الجهات، فلم نسمع بأحكام قضائية رادعة في قضايا حاويات المخدرات التي عرفها القاصي والداني، وكذلك توافينا الصحف الاجتماعية يومياً عن ضبط كميات من المخدرات. وترجع كافة الدراسات انتشار المخدرات الي الدوافع الاقتصادية والاجتماعية من انحلال النسيج الاسري البطالة والفراغ والقوانين المتساهلة، والوجود الأجنبي الكبير. وذهب كثير من المراقبين الي أن مصدر خطورة انتشار المخدرات الكثيف له هدف سياسي يتعمد تغييب وعي الشباب للانصراف عن القضايا الوطنية، دون الادراك بأن المخدرات تدمر الشباب، وتأثيرها سلبي علي التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وتكوين مجتمعات مسالمة لا تعرف العنف والفساد تحت سيادة القانون. هذا الوضع الخطير تقف وراءه عدة عوامل يمكن إجمالها في (ضعف الارادة وعدم توفر الإمكانيات اللازمة للأجهزة المعنية، ووعورة الطرق والمعابر وطول الحدود، وعدم الاستقرار الامني المفتعل بدارفور ومناطق الحروب، عدم الاستقرار الامني والسياسي في دول الجوار ، والنزوح السكاني، ونقص المعلومات عن حجم المشكلة، وغياب الدعم المالي من المنظمات لمكافحة المخدرات مع وجود الدعم لمحاربة تجارة البشر ومكافحة الاٍرهاب، وعدم التزام الصيدليات بالوصفة الطبية وتصرف الادوية دون اتباع القوانين الصحية).
إن خطر المخدرات الماثل والذي تسبب فيه بلا أدني شك نظام الإنقاذ بسياساته المدمرة لبنية المجتمع السوداني، مما يشير بأن كافة سياسات واجراءات المكافحة ضعيفة ولا تتناسب مع الانتشار الواسع، لذلك فإن المعالجة المثلي التي يتبنها حزب الامة القومي هي حملة قومية تضم كافة مكونات الشعب السوداني لمحاربة المخدرات وفق عملية تثقيفية وتوعوية شاملة، ومراجعة التشريعات والقوانين، وكشف تجار المخدرات للراي العام، وتنسيق كافة جهود المكافحة المحلية والاقليمية والدولية، وتفعيل الاتفاقيات الدولية التي تتعلق بالمخدرات لا سيما اتفاقية سنة 1961، واتفاقية فينا 1972 والتي تم بموجبها اخضاع تداول وتجارة واستعمال المؤثرات العقلية للرقابة الدولية، واتفاقية سنة 1988، وجهود منظمة الدول الامريكية OAS في مكافحة المخدرات وغيرها من الاليات الاقليمية والدولية.
خامساً: العودة القسرية للسودانيين من المملكة العربية السعودية:
المغتربون السودانيون، فئة مهمة من الشعب السوداني، على مدى خمسة عقود، اسهموا اسهاما مباشرا في كافة مناحي الحياة في السودان سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. وقد واجهوا اثناء فترة اغترابهم في البلدان التي يقيمون فيها مشاكل كثيرة متعلقة بأوضاع تلك البلدان اما بسبب الاوضاع السياسية او الاقتصادية التي مرت وتمر بها هذه البلدان.
في وقت ما كان السودانيون مغتربين في بلدان عربية كثيرة مثل دول الخليج والعراق وليبيا واليمن، وحال حدوث ازمات سياسية او اقتصادية لتلك البلدان ينعكس الامر سلبا او ايجابا على المغترب السوداني. عانى المغترب السوداني المقيم في الكويت والعراق واليمن ثم ليبيا جراء المشاكل حدثت بتلك البلدان مما ادى الى الهجرة المعاكسة او العودة القسرية.
خلال الثلاث سنوات الاخيرة مرت دول الخليج العربي بأزمات اقتصادية ونزاعات اقليمية اثرت في اقتصادياتها، فانخفاض سعر البترول عالميا ونزاعات اليمن وسوريا اثرت سلبا على اقتصاديات تلك الدول مما انعكس سلبا على المغتربين في بلدانها ومنهم السودانيين.
في السعودية رتب السلطات المسئولة حملة اسمتها "وطن بلا مخالف" واعلنت لكافة المخالفين لنظام الاقامة مهلة لتصحيح اوضاعهم بمغادرتهم للمملكة واعفائهم من عقوبات مخالفة الانظمة مما ادى الى مغادرة المملكة لأعداد كبير منهم (السودانيون الذين غادروا بسبب هذا الاجراء قاربوا الستون الف سواء افراد او اسر). وفي السعودية ايضا أُعلن عن فرض رسوم مالية سميت المقابل المالي لمرافقي المقيم من اسرته وتم تطبيقها اعتبارا من الاول من يوليو المنصرم 2017م وهي رسوم شهرية على اي فرد تابع لكل مقيم تبلغ (100) ريال ترتفع العام القادم الى (200) وهكذا حتى تصل عام 2020 الى (400 ) ريال شهريا على الفرد الواحد، بموجب هذا القرار أيضاً خرج عشرات الالاف من السودانيين. وكذلك فرضت السعودية رسوم سنوية على كل مقيم يعمل في القطاع الخاص بلغت 2400 ريال سنوية تدفع عند تجديد الاقامة.
لكل ذلك غادرت اعداد كبيرة من السودانيين، خلال الثلاثة اشهر الاخيرة، المملكة عائدة للسودان في اوضاع سيئة، فعودة المخالفين للأنظمة المستفيدين من فترة السماح ومتزامنة مع عودتهم عودة عدد كبير من اسر المغتربين تفاديا للرسوم المفروضة اعتبارا من يوم 01/07/2017م (المقابل المالي على المقيم) وذلك بعد انتهاء العام الدراسي المنصرم في السعودية في بداية رمضان وللحاق بالعام الدراسي في السودان، لكل ذلك اصبح هذا الموضع ازمة أخري تضاف الي أزمات الوطن... فأغلب العائدين ظروفهم المالية صعبة واضطروا للعودة اضطرارا لا اختيارا.
الاجراءات السعودية الاخيرة في حق الوافدين المقيمين عليها، سببها الرئيسي الازمة المالية جراء انخفاض سعر البترول وللسنة الثالثة على التوالي والنزاعات الاقليمية التي القت بظلالها على الموازنة المالية للعام الثاني على التوالي ، ولكن هناك اسباب غير معلنة وهي :
1. تضاعفت اعداد المقيمين في المملكة بشكل كبير اثر على دعم الخدمات الاساسية .. فالمملكة تدعم كافة السلع والمواد الغذائية خاصة والوقود والكهرباء، يبدو ان الهدف هو مغادرة اعداد من الاجانب لتخفيف العبء على الدولة جراء دعم الخدمات (يقدر بعض المتابعين ان الهدف هو مغادرة خمسة مليون وافد جلهم من الاسر).
2. تشير التقديرات الى ان اي مقيم في المملكة دخله الشهري اقل من سبعة الف سيكون من العسير المحافظة على استرته مقيمة معه في المملكة .
إذن ما هي الاثار المترتبة جراء عودة اعداد كبيرة من الجالية السودانية بالمملكة للسودان؟ ان المغترب السوداني سيواجه مصيره، فالحكومة لم تعلن اي ترتيبات لمساعدة العائدين قسريا اللهم الا اعانة بعض الاسر والافراد بمنحهم تذاكر سفر للعودة او منحهم ما هو معلن سلفا مما سمي تحفيز للمغترب مثل الاستثناءات من الموديل في لتصدير السيارات او اعفاءات جمركية على الاثاث الشخصي في حدود دنيا. في نهاية رمضان وبداية شوال تكدست اعداد كبير من السودانيين في ميناء جدة في انتظار العبور من جدة الى سواكن لان اغلب الاسر ارادت السفر عبر البحر لاعتبارات سعر التذاكر ونقل العفش.
الاشارات الواردة من السلطات والمسئولين في السودان لا توحي باي اهتمام او ايجاد بدائل للعائدين بل اعلى مسئول في جهاز المغتربين صرح بأن الدولة ليست جمعية خيرية حتى تأوي العائدين. ومن مكاسب القرارات السعودية التي يعمل عليها نظام الخرطوم هي مزيد من التحويلات المالية للسودان، لأن اغلب المغتربين سيرسلون اسرهم تفاديا لرسوم المقابل المالي وبالتالي كثير من المصروفات التي كانت يتم انفاقها في المملكة ستذهب للتحويل للسودان مما سيرفع من عائدات الدولة من النقد الاجنبي. وبشكل عام تمثل العودة القسرية للسودانيين من السعودية في الفترة الاخيرة أزمة ستضاف الى ازمات البلاد المتراكمة.
ولتقليل تداعيات هذه العودة القسرية علي مجمل أوضاع العائدين والبلاد، لابد من التدخلات الاتية:
1. علي الحكومة وضع خطط سكنية بشروط ميسرة مراعاة لظروف مواطنيها الذين طالما رفدوا خزينتها بعملات صعبة في فترة اغترابهم.
2. توجيه المؤسسات المالية خصوصاً التي تتبع للحكومة بتقديم التسهيلات اللازمة لاستيعابهم في مشروعات إنتاجية تسهم في زيادة الدخل القومي وتمثل مصدر دخل بديل لهم.
3. الاهتمام بدمجهم في النظام الصحي والتعليمي لأبنائهم بما يراعي ظرفهم الاستثنائي.
4. تسهيل كافة إجراءات الدخول "العودة للوطن" وتقديم كافة الخدمات الضرورية في الميناء والمطار.
سادسا: طلاب دارفور .. من قضية مطلبية الي سياسية
تفاقمت خلال الأسبوع الثاني من يوليو المنصرم أزمة طلاب دارفور بالجامعات السودانية وذلك بعد أن أقدم اكثر من 1200 طالب وطالبة على تقديم استقالات جماعية من جامعة بخت الرضا، وغادروا الجامعة في طريقهم إلى الخرطوم وتم منعهم ليستقروا في قرية الشيخ الياقوت ثلاثة أيام، ومغادرة اغلبيتهم إلى دارفور فى خطوة تؤكد عمق الأزمة وفشل النظام في معالجتها، هذه الخطوة التصعيدية لفتت الانتباه إلى قضية طلاب دارفور فى كل الجامعات، حيث فصل عدد 146 طالب من دارفور بالجامعات السودانية المختلفة خلال الثلاثة سنوات الاخيرة بسبب الرسوم الدراسية التي تنصل النظام عن الايفاء بها وفق اتفاقية الدوحة لسلام دارفور، ففي جامعة الزعيم الازهري فصل 8 طلاب وجامعة البحر الاحمر 27 طالب وجامعة كسلا 25 طالب وجامعة دنقلا 16 طالب وجامعة بحري 9 طلاب وجامعة الخرطوم 4 طلاب وجامعة بخت الرضا 16 طالب، هذا عطفا عن استهداف الأجهزة الأمنية باعتقال العشرات، وإصابة عدد من الطلاب في الجامعات لا سيما جامعة نهر النيل، وعمليات الاستهداف من قبل طلاب النظام بالجامعات، وحملات إعلام النظام التمييزية. مما جعل من قضية طلاب دارفور بالجامعات السودانية قضية قومية تمس الضمير السوداني وقد امتدت حملات المناصرة الي النطاق الدولي.. لذلك اهتمام حزب الأمة القومي بها من منطلق تداعياتها وتأثيرها علي النسيج الاجتماعي ومستقبل العملية الاكاديمية للطلاب وباعتبارها قضية إنسانية ومطلبية، ومن منطلق اهتمامه بقضية الإقليم المنكوب بأسرها والتي لا تنفصل عن سياسة النظام الاستعلائية والمدمرة للإقليم، والتي لا تحل إلا بوقف الحرب وإحلال السلام وفق اتفاق سياسي يحقق العدالة والاستقرار .. وقد طرح الحزب عدة مبادرات متمثلة في إيجاد مخرج سلمي يقوم على اعتراف النظام بالدمار والخراب والوفاء بالتعويضات الجماعية والفردية وعودة النازحين ووحدة الإقليم وتنمية ما دمرته الحرب ونزع سلاح المليشيات القبلية وإعادة التوطين وحل النزاعات حول الأرض ( الحواكير) ووقف تغذية الصراعات القبلية ونشر ثقافة السلام.. وفي إطار حل مشكلة الطلاب الالتزام بالتمييز الإيجابي وإطلاق سراح المعتقلين وارجاع المفصولين وتهيئة البيئة الجامعية ومحاربة خطاب العنصرية والكراهية وترسيخ معاني المحبة والتسامح بين الطلاب.
خاتمة:
هذه القضايا الست، والتي تمس حياة المواطن السوداني اليومية في (معاشه وأمنه) تمثل راس الجليد ومؤشرات لحجم الازمة في البلاد، والتي تستدعي مخاطبتها عاجلاً وأجلاً لاعتبار تطوراتها الوخيمة علي مجمل قضايا الوطن والمواطن. حزب الامة القومي يحذر من التهاون في إيجاد معالجات ناجعة لها اليوم قبل الغد، ومن جانبه سيبذل الحزب قصاري جهده تنسيقاً وتعاوناً مع كافة مكونات الشعب السوداني وقواه السياسية الحية والمجتمع الدولي في سبيل إيجاد مخرج يؤمن للمواطن سلامته ولقمة عيشه ويحفظ للوطن استقراره وأمنه. قال تعالي (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ).
اغسطس 2017م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.