رسميا.. كأس العرب في قطر    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    حصار ومعارك وتوقف المساعدات.. ولاية الجزيرة تواجه كارثة إنسانية في السودان    صندل: الحرب بين الشعب السوداني الثائر، والمنتفض دوماً، وميليشيات المؤتمر الوطني، وجيش الفلول    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    هل انتهت المسألة الشرقية؟    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    تعادل الزيتونة والنصر بود الكبير    تقارير تفيد بشجار "قبيح" بين مبابي والخليفي في "حديقة الأمراء"    أموال المريخ متى يفك الحظر عنها؟؟    المريخ يكسب تجربة السكة حديد بثنائية    لأهلي في الجزيرة    مدير عام قوات الدفاع المدني : قواتنا تقوم بعمليات تطهير لنواقل الامراض ونقل الجثث بأم درمان    شاهد بالفيديو.. "جيش واحد شعب واحد" تظاهرة ليلية في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور    قطر والقروش مطر.. في ناس أكلو كترت عدس ما أكلو في حياتهم كلها في السودان    تامر حسني يمازح باسم سمرة فى أول يوم من تصوير فيلم "ري ستارت"    شاهد بالصورة والفيديو.. المودل آية أفرو تكشف ساقيها بشكل كامل وتستعرض جمالها ونظافة جسمها خلال جلسة "باديكير"    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    شركة "أوبر" تعلق على حادثة الاعتداء في مصر    عضو مجلس السيادة مساعد القائد العام الفريق إبراهيم جابر يطلع على الخطة التاشيرية للموسم الزراعي بولاية القضارف    بالفيديو.. شاهد اللحظات الأخيرة من حياة نجم السوشيال ميديا السوداني الراحل جوان الخطيب.. ظهر في "لايف" مع صديقته "أميرة" وكشف لها عن مرضه الذي كان سبباً في وفاته بعد ساعات    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    الكشف عن سلامةكافة بيانات ومعلومات صندوق الإسكان    هل يرد رونالدو صفعة الديربي لميتروفيتش؟    محمد وداعة يكتب:    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    السودان..اعتقالات جديدة بأمر الخلية الأمنية    شاهد بالصور.. (بشريات العودة) لاعبو المريخ يؤدون صلاة الجمعة بمسجد النادي بحي العرضة بأم درمان    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زلزال الأرض وغضب السماء .. بقلم: د. عبدالوهاب الأفندي
نشر في سودانيل يوم 24 - 01 - 2010

أعادت كارثة زلزال هايتي مرة أخرى وبقوة الأسئلة الوجودية التي طرحها من قبل زلزال لشبونة في الأول من نوفمبر عام 1755. وقع ذلك الزلزال –الذي يستحق أن يسمى "زلزال الحداثة"- في صباح يوم "عيد كل القديسين" حين كانت الكنائس تغص بالمصلين، مما أدى إلى رفع نسبة الضحايا. وعندما عم الدمار والخراب والحرائق المدينة، لجأ كثير من الناجين إلى شاطئ البحر، فجاءت موجة تسونامي عاتية أودت بحياة كثيرين منهم.
(2)
لم تتزلزل الأرض فقط في ذلك الصباح –وقد بلغ تأثير الهزة أطراف سويسرا وسواحل شمال افريقيا، كما وصل التسونامي إلى جزر الهند الغربية- بل تزلزلت العقائد والأفكار أيضاً. مفكرون بارزون مثل فولتير كفروا بالدين ورفضوا الفلسفات المعاصرة، مثل فلسفة ليبنيز الذي كان يرى أن الله سبحانه وتعالى تخير من بين كل العوالم الممكنة أفضلها (وهي رؤية فلسفية سخر منها فولتير بمرارة في روايته "كانديد"). وتساءل المتسائلون وقتها: إذا كان خالق الكون ومصرفه رحيماً قادراً وعادلاً، فكيف يمكن فهم وقوع مثل هذه الكوارث التي لا توفر الأبرياء، بل وتتخير المصلين الخاشعين في الكنائس؟
(3)
نفس الأسئلة طرحت حول زلزال هايتي الذي دمر واحدة من أفقر بلدان العالم وأكثرها شقاء. فقد كان في هايتي قبل الزلزال أكثر من مائتي ألف يتيم، ويقدر المقدرون أن يرتفع العدد إلى مليون بعد الزلزال. وقد طرحت الأسئلة نفسها حول تسونامي المحيط الهندي عام 2004 وزلازل باكستان المتلاحقة في أعوام 2005 و2008. ويقول القائلون: إذا كانت الزلازل تعبير عن غضب السماء وعدالتها، أليست هناك أماكن أجدر بهذه العقوبة، وما أكثرها؟
(4)
في تعليق أثار الكثير من السخط في الأوساط المسيحية وخارجها، قال القس الأمريكي اليميني بات روبرتسون إن زلزال هايتي عقوبة إلهية لأهلها لأنهم يمتهنون السحر ويتعاملون مع الشيطان. وفي رد غير مباشر على القس طرح رجال دين آخرون إجابة على سؤال: "أين هو الله" أمام هذه الكارثة استناداً إلى إجابات للسيد المسيح على تساؤلات مماثلة حول قوم حاقت بهم كوارث وهم يصلون نافياً أن تكون الخطيئة هي سبب ذلك البلاء لأن من أصيبوا لم يكونوا أكثر الناس ذنوباً. وأضاف هؤلاء يقولون إن أبرز دليل على وجود الله ورحمته هو تلك الرحمة التي فاضت بها قلوب العالمين وأيديهم تجاه ضحايا الزلزال في هايتي.
(5)
في العقيدة الإسلامية علمنا أن الله تعالى خلق الكون ويسره رحمة للعالمين جميعاً، وبالتحديد أرسى الجبال ليصرف عن الناس خطر الزلازل المدمرة، وسخر كل شيء في الكون لراحة الإنسان ورفاهيته. ولكن بالمقابل فإن الإنسان هو خليفة الله في الأرض، والمسؤول عن حسن رعاية مواردها. ومقتضى الخلافة هو أن الله تعالى لا يتدخل مباشرة في شؤون الخلق، إلا بالوعظ والإرشاد وتبيان السلوك القويم عبر رسله.
(6)
كما نعلم فإن الفساد قد ظهر في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس، ليس فقط بظلم بعضهم البعض، بل بالتعامل غير المسؤول مع الأرض ومواردها. ومن رحمته تعالى أنه لا يؤاخذ الناس بكل جرائمهم، وإلا ل "ما ترك على ظهرها من دابة." وفي القرآن: "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم، ويعفو عن كثير."
(7)
لإدراك مغزى تلازم العدالة والرحمة في القضاء الإلهي لا بد أيضاً من استصحاب أن الحياة الدنيا ليست كل شيء، وبالتالي فإن القضية لا تتعلق بأن ينال الإنسان ما يستحقه من ثواب وعقاب على هذه الأرض. وبهذا المفهوم، فإن كثيراً من المصائب هي ابتلاءات واختبار للشخص، يكون له من الثواب بقدر ما يتعامل مع مصابه بصبر وروح إيجابية. ومن هنا قد تصبح المصيبة مكسباً كبيراً في نهاية المحصلة.
(8)
الابتلاء هو أيضاً لغير المصابين، وبأي قدر يقع تجاوبهم مع احتياجات من مسهم الضر. وبكل المقاييس فإن الاستجابة لهذا الاختبار من معظم جهات العالم كانت مشجعة وتبعث على الثقة بإنسانية أهل الأرض. ففي بريطانيا تفوقت استجابة المواطنين خلال بضعة أيام لطلب التبرعات من تحالف من منظمات الإغاثة الإيرادات القياسية في أعقاب كارثة التسونامي. ولم تتخلف المنظمات الإغاثية الإسلامية البريطانية عن الركب، حيث نظمت وتنظم حملات واسعة لجمع التبرعات. وكما سمع الكثيرون، فإن سكان غزة المحاصرين لم يتخلفوا عن ركب العطاء والإيثار كذلك، حيث جمعوا من التبرعات ما استطاعوا، وهي لمسة إنسانية تستعصي على الكلمات.
(9)
في يوم الأحد الماضي أقامت مجموعة صغيرة من المصلين "قداس شكر" أمام كاتدرائية بوت أو برانس التي تهدمت تماماً مثل جميع كنائس البلاد تقريباً. وقال القس الذي قاد الصلاة إننا نحمد الله لأننا ما زلنا هنا، وأضاف: "إننا الآن في يد الله". وقد ردد كثيرون في هذا البلد ذي الأغلبية الكاثوليكية أن الزلزال رسالة من الله وتنبيه إلى ضرورة إدراك قدرته وتغيير نمط الحياة. وقال البعض إن الدمار الذي ضرب مراكز السلطة هو تحذير للفساد والمفسدين.
(9)
ما يزال هناك بعض المتشككين، مثل ذلك الرجل الذي فقد أطفاله الخمسة وظل يبحث عنهم تحت الأنقاض وهو يصيح: إن الله غير موجود، وإلا لما حدث هذا! أو تلك المرأة التي مرت بمشهد لحرق جثث ضحايا الزلزال فألقت بنسختها من الانجيل في اللهيب المحترق. وبالمقابل هنالك تلك السيدة السبعينية التي انتشلت من مبنى الكاتدرائية بعد ثمانية أيام تحت الأنقاض فكان من أول ما قالت إنها لم تكن تخاطب سوى الله تعالى وهي تحت الركام، ولم تشعر بأي حاجة لسواه.
(10)
إن المولى سبحانه وتعالى لا يحتاج بالطبع إلى محامين للدفاع عنه، ولكن هناك خطر أن يعتقد البعض ليس فقط أنهم أرحم من الله بعباده، بل كذلك أعلم منه بأمور الدنيا، فيصيحون كما صاح موسى بالرجل الصالح: أخرقت السفينة لتغرق أهلها؟ وقد علم بعد فوات الأوان أن الرجل إنما خرق السفينة لينقذ أهلها ويصلح أمرهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.