لا يختلف إثنان مدركان حول حقيقة أن الحظر الإقتصادي و التجاري الذي تم فرضه من قبل أمريكا على السودان منذ زهاء العشرين عاماً كانت و ما زالت له إنعكاساته السالبة بل و المدمرة على البلاد، و التي ظلت تحدث عن نفسها و تتبدي جلية من خلال المستوى المعيشي للمواطن فضلاً عن الراهن الإقتصادي الموسوم بالتدهور العام. و من المعلوم أن البلاد قد تحولت جراء هذا الحظر إلى دولة من أفقر بلدان العالم بعد أن بلغ فيها الخلل الإقتصادى منتهاه و تدني دخل الفرد بصورة مريعة حتى بلغ الحضيض. و بالرغم من أن التدهور الإقتصادي قد أصبح، منذ مدة ليست بالقصيرة، سيد الموقف و ظل يلعب دوراً هداماً طال حياة الناس بصورة عامة إلا أنه لم يكن، بطبيعة الحال، نتاجاً طبيعياً للحظر الإقتصادي وحده بل ثمة عوامل أخرى عديدة تضافرت و تشابكت فقادت إلىه. و قد كان هذا التدهور الإقتصادي، في باديء الأمر، أخف حدة مما هو عليه حالياً لكنه إستفحل و تضاعفت آثاره السالبة، بمرور الزمن، حتى صار مهدداً حقيقياً للإقتصاد السوداني، قلب الحياة المعيشية للمواطن رأساً على عقب و ضاعف من معاناة الناس كما كانت له إفرازاته الإجتماعية المؤسية على أكثر من صعيد، بعد أن لم تسعى الحكومة و الجهات المعنية إلى كبح جماحه عبر المعالجات الضرورية التي من شأنها إيقافه أو، على أقل تقدير، التخفيف من وطأته. و بجانب الحظر المشار إليه فإن من المسببات الرئيسة للدمار الإقتصادي الكبير و الواسع النطاق بالبلاد، الذي ضرب بنية الإقتصاد في مقتل، نمو طبقة طفيلية ظلت تقوم بأنشطة تجارية هدامة، إزدهرت بصورة كبيرة على حساب النمو الإقتصادي و الإنطلاقة المرجوة و الواعدة للإقتصاد. و لما لم تجد هذه الطبقة أية جهة معنية بأمر الإقتصاد توقفها عند حدها و تكبح جماح نشاطها المدمر الذي يمثل معولاً هداماً بالنسبة للإقتصاد فقد أفرزت مجموعة من الأُثرياء الذين كوّنوا ثروات هائلة و ظلوا يعيشون وضعاً معيشياً يمثل مفارقة صارخة، إذا ما قورن بالوضع المعيشي العام للسواد الأعظم من السودانيين. و قد أفرز هذا الوضع بدوره طبقتين إحداهما متخمة و الأخرى معدمة تضم غالب أهل السودان، ما يتعارض مع مقاصد ديننا الإسلامي الحنيف الذي يسعى لإقامة مجتمع معافى قوامه الكفاية و عنوانه التكافل و العدالة الإجتماعية التي تؤسس للسلام الإجتماعي و تعمل على ردم الهوة بين طبقات المجتمع. و قد ظل هذا الوضع الشائه قائماً منذ سنوات طوال حتى تمخض عنه إقتصاد مقعد و واقع إجتماعي مزرٍ لا أحد يستطيع التكهن بمآلاته. كما أن من العوامل الأخرى التي ظلت تنخر كالسوس في إقتصادنا إستشراء الفساد المالي الذي ضرب أطنابه في الوسط الحكومي و الذي إعترفت به الحكومة نفسها و صرحت، مراراً و تكراراً، على عزمها على محاربته و القضاء عليه لكن وقائعه ما زالت تترى من وقت لآخر. و من هذه العوامل كذلك الترهل الحكومي الذي يتمظهر في أعداد مهولة من الدستوريين من مستشارين و وزراء و ولاة و معتمدين في الحكومة الإتحادية و الولايات، و الذين أصبح الصرف عليهم يحتاج لميزانية خاصة. و من هذه العوامل أيضاً إهمال الإنتاج بالرغم من أنه يمثل أس الإقتصاد، لا سيما و أن السودان يعد بلداً زراعياً من الدرجة الأولى، ما يجعل إيلاء الإنتاج الزراعي ضرورة و لازماً أساسياً من لوازم الإنعاش الإقتصادي المطلوب الذي من شأنه أن يؤسس لإقتصاد متطور. هذا علاوة على عدم الإهتمام بالصناعة بالرغم من أنها تعد من القطاعات الحيوية التي لا شك في أهميتها بالنسبة للتطور الإقتصادي. و من المؤشرات الدالة على خروج القطاع الصناعي، إلى حد كبير، من دائرة الإقتصاد تعطل المصانع بدرجة كبيرة أثرت تأثيراً سالباً على الواقع الإقتصادي. يضاف إلى هذه العوامل عامل آخر يمثل معول هدم كبير بالنسبة للإقتصاد، يتمثل في إستمرار الحروب في مناطق النزاعات، و التي لا شك في كلفتها الباهظة. و تأسيساً على ما سبق فإن المردود الإقتصادي المرتجى من رفع الحظر، و الذي من شأنه تعبيد الطريق لإنطلاقة إيجابية حقيقية للإقتصاد رهين بتحقيق مطلوبات أساسية لا يتأتى للإقتصاد أن ينتعش و يتطور بدونها. و تتمثل هذه المطلوبات في: - إستيعاب الحكومة لطبيعة المرحلة و حساسيتها الأمر الذي يستلزم تغييراً بنيوياً في سياستها، يقود إلى تقديم مصلحة الوطن على المصلحة الحزبية الضيقة و إلى عدم التخندق في المصلحة البحتة و الإستئثار بالشأن الوطني. - إصلاح البيئة السياسية بالبلاد بهدف تحقيق وفاق سياسي حقيقي بين سائر القوى السياسية السودانية، ترتضيه كل هذه القوى، كونه يمثل مرتكزاً أساسياً لإحداث الإستقرار السياسي المطلوب. - القيام بحراك جاد و فاعل و مخلص لوضع حدٍ للحروب الدائرة بالقطر، بإعتبارها تمثل أكبر مهدد للإقتصاد، و ذلك لإفساح المجال لتحقيق السلام و الإستقرار السياسي اللذين من شأنهما تعبيد الطريق للإصلاح الإقتصادى الشامل. - ترجمة توجه الدولة لمحاربة الفساد إلى فعل محسوس تكون محصلته القضاء على الفساد و بالتالي حماية المال العام من التعديات. - القضاء على الترهل الحكومي عبر خفض عدد الوزارات الإتحادية و الولائية مع خفض الأعداد الهائلة من الدستوريين و غيرهم و كذا إلغاء بنود الصرف غير المرشد مع وضع حد لإهدار المال العام. - إيفاء الحكومة بكل مطلوبات رفع الحظر النهائي و شروطه و ذلك من خلال سلوك سياسي غير تقليدي، رشيد ومعتدل، مع بسط الحريات بالبلاد و إنتهاج نهج ديموقراطي حقيقي و ذلك بالقدر الذي يجعل أمريكا و كل الجهات ذات الصلة تستوثق من أن السودان قد تحول تحولاً إيجابياً ملموساً لم تعد معه ثمة حاجة لفرض حظر إقتصادي أو تجاري عليه أو عزله دولياً. - خلق بيئة إستثمارية جاذبة فضلاً عن سن قوانين و إجراءات تحفز المستثمر و تمهد له السبيل للإقدام على الإستثمار بكل ثقة. - تنمية الصادرات السودانية بالقدر الذي يمكّنها من الإسهام الفاعل في الدخل القومي. هذه المطلوبات تمثل، من المنظور الإقتصادي البحت، عاملاً مفتاحياً للإستفادة من رفع الحظر كونها تشكل أرضية صلبة لتعافي و نمو و إزدهار الإقتصاد السوداني، إذا ما تم إيلاؤها الإهتمام اللازم من قبل الحكومة. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.