أنا وعادل إمام    القمة العربية تصدر بيانها الختامي.. والأمم المتحدة ترد سريعا "السودان"    كواسي أبياه يراهن على الشباب ويكسب الجولة..الجهاز الفني يجهز الدوليين لمباراة الأحد    ناقشا تأهيل الملاعب وبرامج التطوير والمساعدات الإنسانية ودعم المنتخبات…وفد السودان ببانكوك برئاسة جعفر يلتقي رئيس المؤسسة الدولية    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    إسبانيا ترفض رسو سفينة تحمل أسلحة إلى إسرائيل    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    إدارة مرور ولاية نهر النيل تنظم حركة سير المركبات بمحلية عطبرة    اللاعبين الأعلى دخلًا بالعالم.. من جاء في القائمة؟    جبريل : مرحباً بأموال الإستثمار الاجنبي في قطاع الصناعة بالسودان    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان أحمد محمد عوض يتغزل في الحسناء المصرية العاشقة للفن السوداني (زولتنا وحبيبتنا وبنحبها جداً) وساخرون: (انبراش قدام النور والجمهور)    الخارجية تنفي تصريحا بعدم منحها تأشيرة للمبعوث    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    مناوي: وصلتنا اخبار أكيدة ان قيادة مليشات الدعم السريع قامت بإطلاق استنفار جديد لاجتياح الفاشر ونهبها    مانشستر يونايتد يهزم نيوكاسل ليعزز آماله في التأهل لبطولة أوروبية    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    واشنطن تعلن فرض عقوبات على قائدين بالدعم السريع.. من هما؟    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: لابد من تفعيل آليات وقف القتال في السودان    الكشف عن شرط مورينيو للتدريب في السعودية    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    رسميا.. كأس العرب في قطر    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سر هروب سعاد بت المتمر .. بقلم: عثمان يوسف خليل/ المملكة المتحدة
نشر في سودانيل يوم 16 - 10 - 2017

ان زرت ذاك الحي الابروفي..ودعونا نقول انه حي الكبجاب شمال فإنك ستتوقف عند بيت كبير وسيبدو لك من شكله كأنه بيت من بيوت الباشوات ولن يخطر على بالك ان هذا البيت المنيف كان لأحد أثرياء ذلك الزمان الغابر وسترى باباً اثريًا قديماً جداً من الخشب تراكمت أمامه الأتربة حتى سدته تماماً بل ان جزء من أسفله بدا يتآكل بفعل الأرضة ولكن من ياترى كان يسكن في هذا البيت المنيف؟ ولم ترك كل هذا الوقت مهملاً ومهجوراً.
في نهار ذلك الْيَوْمَ وصل سيف الدين المتمر وأسرته الي بيتهم الجديد الكائن في ذلك الحي بعد مشوار ليس بالطويل ووضعت زينب العبادية بنتها الرضيعة سعاد من على كتفها وهي نائمة ولم تكد تصدق انها ارتاحت من ذلك الضجيج الذي كان يأتيها من الباعه متسللاً الي بيتها المجاور لسوق أمدرمان ثم ادركت انها لم تُرْضِع صغيرتها سعاد طيلة النهار لذلك وضعتها على حجرها وتدلى من صدرها كوم من الثدي لو وزع مافيه من حليب لاشبع كل رضيع في ذلك الحي..
توهطت زينب العبادية وسط عنقريبها الجديد -الذي ماتزال تفوح منه رائحة من -السعف- وبدا مشدود الحبال وبان من صوته وحركة ارجله انه قد فقد توازنه وأعلن أنينه الشديد محتجاً من كُتلة عجزيتها المترهلة وهي تتقلب يميناً وشمالا وكنت تسمع رنين قويشات الذهب الثمين والذي تمتلأ بهما يديها الاثنتين..
اما سائق التاكسي الذي أوصلهم لمسكنهم الجديد فقد انتبه لمؤهلات تلك المرأة ولم يكد يصل الي المحطة الوسطى حتى بدأ يحكي ذلك لزملائه بان عجلات عربته كادت ان تنفجر وما ان سمع زملائه من سائقي التكاسي حكايته تلك حتى بدأوا يرددون ذلك المقطع من الاغنية المشهورة:
(وبقامتك اليايات ألفي الصدير لاعبين).
وهم يتصايحون دقُرْ دَقُرْ خاصة مرزوق ذلك العجوز المتصابي والذي كان يحمل صحن الفول المانع استعداداً لتجهيز وجبة الفطور الجماعي من مطعم (على كيفك) وهو يضرب عليه وكل حواسه مع عم صابر الذي بدأ يوُصِّف بدقة في تقاطيع زينب العبادية، ومرزوق يردد مع الكل وهو يوح وينقز بقوامه النحيف ونظاراته المربوطة بخيط دبادره وهي تهرب من مناخيره وفِي نفس الوقت يحاول ان يعدل بنطاله القديم ويصيح بأعلى صوته :
-ووب ووب اااي ااااي كدي.،
وما ان هدأ اولئك العجائز المتصابين من فورانهم الخيالي حتى رجع عم صابر لوصفه:
-يازول المرة دي عندها يايات التقول بس يايات الاوستن..
-الله لا ترحمك..الليلة الله استر عليها أكان ما تكْسِر شاسي..
هكذا حكى سائق التاكسي لزملائه الذين كانوا ينتظرون الزبائن في صف طويل عند المحطة الوسطى بام درمان...
امازينب العبادية فَلَو دقت الناس نقاره فوق رأسها فان ذلك لا يساوي شي امام فرحتها بعد المعاناة التي وجدتها من ذلك الاازعاج الذي كانت تسببه أصوات الباعة المتجولين وهم يعلنون عن بضاعتهم وضجة المركبات وكل الهوسة ديك التي لم تألفها في حياتها..
سبق لسيف الدين المتمر انه حمل زوجته وأغراضه تاركاً بربر متوجها الي ام درمان هو وزوجته زينب العبادية التي لم تنجب له ذرية بعد ، وقد اسكنها في منزل صغير ومتواضع بزقاق العصاصير المجاورة لسوق ام درمان حتى يكون قريباً من دكانه بالسوق وبعد ان انفتحت عليه الدنيا وتوسعت تجارته اشترى لهم احد المنازل الواسعة بحي الكبجاب يتكون من صالون كبير وعدة وكانت سعاد اول من شرفهم لتعم نسمة الفرح على الاسرة وسماها ابيها على والدته لتكون هي احد أسباب الرحيل وكان من فرحة وجودها السبب الأساسي للخروج من بيت حي السوق.. تربت سعاد في كنف والديها ومن حب ابيها وخوفه عليها لم يكن مسموح لها بالخروج وهي بعد صغيرة الا ويدها في يد ابيها الذي وفر لها كل ماتريده..كانت سعاد فتاة مليحة القد باهرة الجمال ولها حيويه استطاعت ان تملأ بها حياة أمها خاصة وان الأب طوال الْيَوْمَ يكون مشغولاً
ارتاحت الاسرة لهذا المكان الجديد -او هكذا تصوروا، عندما حطوا رحلهم هناك- ولكن هل ستدوم هذه الحال على ماهي عليه؟..الحي نفسه كان صغيراً وهادئاً حتى انك تسمع صوت الامواج الآتية من النيل وعند اخر الليل ان استقرت السمع فستشنف أذنيك غناء السماكة والمراكبية وهم يجوبون النيل وكذلك غناء السكارى وأهل الكيف..لكن كانت هناك حركه اخرى وان كانت حركه هادية لكنها ستخلق دوياً هائلا عند حدوثها..
ان تلصصنا على ونسات نساء فريق البحر في الكبجاب لوجدن إنهن لم يرتحن لتلك الساكنة الجديدة ففي لمة من اللّمات الكثيرة كانت هناك لمة حريمية ذات طعم خاص ففي منتصف نهار ذلك اليوم وجدت الفاقة وقلة الشغلة سوقاً رائجة في بيت روضة حمد النيل المره الشبعانه من من حق زوجها كما تتفاخر ووتفشر وسط نسوان فريقها وحقيقة روضة هذه غير المال والجاه فقد كانت ذات جمال يغني عليه سرور والامين برهان..وعندها نهارئذٍ ومع قلة المشقلة بدأ القرقريب بالحديث عن جارتهن الجديدة مرة الحلبي كما اشارت إحداهن لزينب العبادية..
- الرسول يا نسوان إنتن ليه خبر جارتكن الجديدة ما جبتنو..(هكذا افتتحت روضة بابكر باب الونسه وهي ترشف من فنجانها والعرق يخب من وجهها الي صدرها)
-القطيعة حاره يا روضة لكن سمعت لي كلام عن زينب العبادية وبتها سعاد.،
-اضاني طرشه كُرْ!!
ثم انعدلت روضة وجلست بعد ان كانت متكإة:
-شن خبرك ياختي؟
-قالوا ليك زينب العبادية دي رحلوها عشان راجلا الحلبي ده شافا في السوق وهي تقلب في دِنْقِلا وترمي ورا وقدام..
-بري اطرشنا!! ده كلام شنو؟ لكن يأختي الدنقل ده شنو؟ اما بت مدني فقد كانت امرأة سبعينية تزوجها كمال أنور وانتقلت معه من الجزيرة لام درمان واشتهرت في كل الحي بأنها حوامة خاصة بعد وفاة زوجها وكانت تتصنع الحيل حتي تتمكن من دخول بيوت الناس ولا تعود لبيتها الا بعد منتصف الليل بعد انت تكون منهكة من تلك الحوامات والعجيب ان شباب الحي كانوا يتهكمون عليها ويسخرون منها بقولهم انك لن تجد في شوارع ابروف بعد منتصف الليل غير بت مدني والكلاب...
اما سميره بت جاريدو فهي معروفة هناك بأنها قطاعة وتجيد فنون الكذب فقد ألّفتْ قصص عده كانت تحبكها من تخطيط خيالها المريض عن عايلة زينب العبادية وهي في حقيقة الامر لا تعرفهم تلك المعرفة اللصيقة وكانت بت مدني تزيدها هي الاخرى بعض الروايات حتى تكسب ودها.
ولكن في حقيقة الامر ان بعض العاقلات من نساء الحي وديل طبعاً الغير منتميات لمجموعة روضة وسميرة جاريدو، وصفن زينب العبادية بأنها امرأة كريمة ،سمحة الخصال وهادئة في طبعها لكن عيبها الوحيد هي انها لم تكن تزاور اهل حيها الا نادراً وعذرها في ذلك ان زوجها التاجر سيف الدين حرّج عليها هي وبنتها من الخروج الا باذنه وقد كان ذلك الامر غريب عليهن ولم يالفنه مما سبب لهن حرجاً شديداً وتعجبن كيف انها امرأة مطيعة لزوجها ولا تعص له اي امر مهما كان ذلك الامر..
لكن صديقات زينب العبادية القلائل الّاتي كن يزرنها فقد سمعنها تروي قصة زواجها من والد سعاد وكيف ان ذلك الزواج قد تمّ وهي بعد فتاة صغيرة في سنها ولم تتكلف بعد وتزيد على ذلك بقولها ابو سعاد (رباني تحته) ولا تستطيع ان تخالف أمره..
سيف الدين المتمر شخصية فريدة من نوعها فَلَو اقتربت منه فسوف تكتشف انه إنسان معقداً جدا لذلك لم يكن يثق بأحد خاصة فيما يتعلق بزوجته وبنته سعاد فذاك دونه الموت ويبدو ان هناك أسباب لهذه العقد النفسية التي كانت تسيطر على سيف الدين سببها ان زينب العبادية زوجته كانت امرأة تضج بجمال فاره ونسب كريم ورغم انها كانت امرأة حافظة لنفسها وأسرتها لكن نفس الحاج كانت مضطربة..
أسر لي احد قدامى سكان الحي ان شاعراً من شعراء الحقيبة رأى زينب العبادية ايام شبابها ونضارتها وهي خارجة من بيتها وعندما رأته غفلت راجعه والغريبة انها وجدت سعاد بتها وهي الان فتاة تضج بالانوثة واقفة في منتصف الغرفة وهي ترقص مع أغنية يا موفورة النفل ولم تشعر بوجود أمها التي لم تدري ما تصنع هل تشارك بنتها الرقيص؟ ام تنهرها فقد كانت هي الاخرى تحب هذه الغنية خاصة وان شاعرها قريبها العبادي وسرحت مع معها حتى ان وصل الثنائي لمقطع:
رنّ في قلوبنا حجيله تل
وعام نهده وكتفه الحتل
اتوسد في فنياده تل تل
صاحت زينب (وووب سجمنا) وكادت سعاد تقع من طولها من المفاجاة لولا ان طمأنتها أمها وطيبت بخاطرها.
اما الشاعر الكبير علي البكري فلم يستطع ان يتحمل ذاك البهاء والجمال رغم قصر اللحظة التي شاهد فيها زينب فتحرك فيه شيطان الشعر وألف أغنيته المشهوره التي هام بها الناس وتغنوا معها وهم لايعرفون ان زينب هي المعنية:
جفلت تقول ديك غزالةً نافلة
عَقَبت على بيتها وبي ماحافلة
شطفت روحي أم روحا حافله
كبرت سعاد وصارت لصيقة بوالدتها وكان من عادة زينب العبادية وبنتها انهما كانا يقضيان النهار في شراب القهوه وتجهيز الغداء للحاج والذي كان يأتي متاخراً من دكانه ومع ذلك ينتظرنه بالغداء وفِي احد النهارات الامدرمانية الغائظة تلك بدأت سعاد باغتت سعاد أمها بسؤال لم تتعود عليه مما جعل القهوه تندلغ على صدرها العاري والذي بدأ في الضمور..كانت زينب متكأة على عنقريبها الهباب وهي ترتشف في قهوة الظهيرة.. البيت يحفه السكون حتى الشارع يبدو هو الاخر في صمت شديد اما سعاد فقد وضعت فنجان القهوة على الارض وكانت تحش في الرجلة وهي جالسة على بنبر قصير حين باغتت أمها بسؤال كبير..
-يا أمي انتى حبيتي أبوي..
-أجي يابنات امي!!! والله ياهو!!حب شنو يابتي هو انا ناس أبوي وامي ادوني فرصة اشوف ابوك ولا أكلمه..
-كيف ما شفتي ماكان عايش معاك في البيت؟.
-عايش معانا بروحه بس لكن أبداً ما شفناه..
احتارت أمها في هذا الكلام الجديد الذي لم تعهده فمن أين أتت به فزينب العبادية نفسها تجزم بان ِرجلَها لم تطأ سوق أمدرمان قط ولا اي سوق اخر وكيف لا فزوجها يوفر للبيت كل شي وهي لا تحب ان تغضبه خاصة انها تربت تحته اضافة الى انها غريبة في هذه المدينة وبيتها هو مملكتها لذلك يجب عليها ان تحافظ على هذه المملكة.
-ابوك ياسعاد خلى لينا الدكان والبيت ده وقروش كتيرة دفناها انا وهو في حفره تحت سريره..
-ياحاجة نحنا ولايا ومابنقدر على السوق والبيع..
-طيب نشوف واحد نوكله..
-واحد منه يمه مافي زول أمين بنعرفه..
-اها نسوي شنو؟
-نبيع الدكان ونرتاح..
-انتي شايفة كده أحسن..
-مافي حل غير كده..
هكذا جلست سعاد تتحدث مع والدتها وهي في شهور العدة تشاورها في امور الحياة بعد غياب رب البيت..
سعاد بت المتمر ماتت والدتها زينب العبادية قبل عشر سنوات لتفقد رفيقتها الوحيدة في هذه الحياة، فقد كانت سعاد هي كلما ما تملك في هذه الدنيا وقد نذرت حياتها لامها وسعاد تلك المرأة التي لم لم تحمل السعاده الا اسمها أخذت من ابيها لون البشرة البيضاء وطوله ومن والدتها تلك الأرداف والشعر الأسود والمسدول الي مابعد كتفتيها..
بدت سعاد بت سيف الدين ورغم تقدم السن تحتفظ بمسحة من بقايا حسن ودعه رغم تقدم سنها، هذا البهاء ورثته من تلك الخلطة الجينية..وقد عاشت حياة قاسية لم تتمتع فيها بمباهج ويعود ذلك لصرامة والدها وتشدده التب حرمتها من ان تعيش بطريقة طبيعية مثل بقية بنات جيلها فهي لم تتعلم على الرغم من وجود المدارس في ذلك الوقت كما انها حُرِّمت من اي علاقات اجتماعية حتى مع الجيران وحتى أهل والدتها الذين كانوا متواجدين بنواحي بربر لم تكن تعرفهم..
مدينة بربر كانت تضج بالحياة ويأتيها الناس من كل فج وكان هولاء الناس في ذلك الزمان ياتون للتجارة وفيهم من طاب له المقام وبقي هناك وتناسب مع سكان بربر. احد هولاء شاب مليح الوجه فارع الطول سمح المحيا ابيض البشرة تعود اصوله الي مصر وتركيا..
في منتصف نهار ذلك الْيَوْمَ شهد سوق بربر وصول سيفد الدين ولم ينتبه أحداً قط لوجود ذلك الشاب أبداً فالناس في هم معيشتهم وبربر اعتادت على استقبال الغرباء منذ زمان بعيد ومنذ ان كانت اكبر مركز تجاري حينها ولذلك تجد فيها خليط من سحنات.بدت على ملامح ذاك القادم اثر من الرهق الشديد جراء السفر الطويل..ولسبب ما لا يعلمه هو ولا احد غيره توجه من تلقاء نفسه الي دكان الحاج احمد العبادي احد أكبر وجهاء البلد والذي وجد عنده كل الإكرام ولم يكن في نية سيف الدين ان يستقر هناك ولكنه اعجب باهلها وبالبلدة نفسها فطلب له المقام وعاش عزيزاً في كنف الحاج احمد العبادي وحمايته الذي قربه اليه وأصبح عنده من الأمناء وأصبح خاصته مع الأيام بعد ان وجد عنده أمانة النفي وهمك الشباب والمثابرة واطمأن اليه بعد ان عرف طريقة التعامل في السوق .وتمضي الأيام والسنين ثم يأتي يوم
:-ياحاج انت رجل شهم ووجدت عندك كل الراحة والأمان..-ياسيف الدين يا ابني المقام مقامك وانت أصبحت ابن لي..-ياحاج انا عندي طلب منك أرجو ان تقبله مني..كان هذا الحوار يدور بين حاج احمد العبادي وسيف الدين في احد نهارات الجمع وبعد وقت الغداء مباشرة..ادرك الحاج احمد ان سيف الدين سوف يفاتحه في موضوع الزواج فقد لاحظ انه صار يلمح لهذا الموضوع في السوق مع بعض الشباب في سنه في أوقات الفراغ..-ياعمي انا غريب عندكم وماليش اهل..- يابني نحنا اهلك عيب تقول كده..
-ماقصدي ياعمي سامحني، بس انا في الحقيقة نويت الزواج وأتمنى القرب منك.
-انت يابني من وقت تلف وتدور مالك من قبيل؟ ماتقول كده..
-انا طالب يد زينب بتك..-والله يابني ماعندي أحسن منك أبشر بس اديني فرصة وبرد عليك..دخل الحاج احمد العبادي على زوجته حاجة فاطمة ووجدها مازالت جالسة على المصلاة وهي تسبح..
انتبهت لوجوده حين جلس على عنقريب كان بجوارها وأدركت من ملامح وجهه انه يخبئُ شيئاً في نفسه حاج احمد..
-ياحاجة زينب جاها عريس ود حلال.
-زينب بتي انا..
-ولدنا سيف الدين اتحدث معاي دلوقت..-الشورة شورتك ياحاج والبت بتك..- انا موافق، انتي وبتك شن قولكن؟
-ألَّبت ماعندها رأي والراي رأي ابوها..
لم يعود حاج احمد العبادي لسيف الدولة الذي بات في شوق وقلق على رد طلبه..بعد حين وقفت الحاجة فاطمة من جلستها ولبست سبحتها على عنقها واتجهت الي حيث كانت زينب جالسة مع اخواتها وهن يلعبن بام حفرة..أمسكت زينب من يدها مع دهشة زينب ودخلت بها الي غرفة البنات وتحدثت معها حديثا مغتضباً فهمت منه زينب القليل ولَم تستوعب الكثير..
تم زواج سيف الدين وزينب العبادية وكان حديث الناس في المنطقة كلها.. وانتقل سيف الدين من مساعد للحاج في السوق الي صاحب كلمة ومشورة في البيت وفِي السوق وتعرف على اسرار البلد التجارية والتجار وعاش فترة ليست بالقصيرة حتى اشتهر في كل سوق بربر ولكنه تطلع لان يستقل بحاله لذلك قرر السفر الي أمدرمان حيث استقر هناك ونجح في تجارته وأنجبت له زينب بنتهم الوحيدة سعاد..
بعد وفاة الحاج سيف الدين بعام واحد اصيبت زينب العبادية بجلطة دماغية نتيجة انزلاق فقدت من جرائه القدره على الحركة والكلام ولم يكن امام سعاد خيار الا التفرغ لرعاية والدتها تفرغاً كاملاً ومن الأشياء التي اتعبتها في البداية هي كيفية التعامل ولكنها تعلمت التحدث اليها عن طريق الاشاره حتى انها اتقنت هذه اللغة اتقاناً تاماً..ولم تكن تلك المهمة بالساهلة عليها خاصة وأنها تتطلب جهود جسديه ونفسية كبيرة، وقد أدى ذلك لإصابتها بحالة من الاكتئاب لم تعرف كيف تتعالج منه ولم يكن هناك اي شخص حولها تشكي له ولم يكن في بالها ان هذه حالة تحتاج لعلاج نفسي.،واستمرت على هذا المنوال الي ان حدث شئ هزّ كيانها وقفل كل أبواب النّوَر في وجهها ففِي منتصف نهار ذلك الْيَوْمَ تركت سعاد والدتها حاجة زينب العبادية لوحدها وهي نائمة وعندما عادت من مشوارها لاحظت انها نائمة وهي مفتحة العينين وتنظر الي سقف الغرفة القديمة المبنية بالطوب الاحمر.. حاولت سعاد ان توقظ والدتها وعندما رفعت يدها لاحظت انها لا تستقر وان جسمها بارد بعدها صرخت جعلت الجيران يتجمعون في لحظة واحدة داخل بيتها..أقيمت ليالي المآتم لمدة يومين حيث وجدت سعاد فيهما الكثير من الاطمئنان والحنان من اهل الحي وبعدها تفرق القوم كل لشأنه.. اما سعاد فقد عادت اليها الكآبة من جديد بسبب الفراغ الهائل الذي حدث لها وذلك على الرغم من ان البعض من اهل الحب المقربون بدأوا في التواصل معها.. انتابت سعاد موجة من الاحزان المبرحة والتي كانت قد داست عليها ايام العزاء خاصة وحولها جيرانها وانسوها ولو لبعض حين بمواساتهم ولكن ما انفض السامر حتى عادت سعاد تتذكر كل تلك المآسي التي عاشتها بسبب الجهد الشديد والعناء الذي تحملته سنين مع أمها التي أرهقتها بشدة طيلة الأيام والشهور التي عاشتها وهي تحملها على ظهرها للحمام وتطعمها بيدها ولا تفارقها حتى تتاكد بأنها ارتاحت لتقوم ببقية واجباتها وكل ذلك اضافة الي الجهد الذي كانت تقوم به التواصل مع أمها وكيف انها تعرضت لشتائم منها من غير بسبب الخرف..على الرغم من كل تلك المآسي فقد شعرت سعاد بالفراغ العريض في حياتها وكادت ان تقتلها الوحدة..اشتهر سيف الدين المتمر في سوق أمدرمان بالعمل في تجارة الفراد والتي كانت تأتيه من شندي مباشرة بعد ان امتلك دكاناً فخماً بالسوق وفي شارع الأقمشة والترزية وبعد ان انفتح عليه الخير وتنوع في تجارته انتقل لبضاعة تياب القنجة وغيرها وسيف الدين رجل مليح الوجه طويل القامة وذو بشرة بيضاء ونحيف الجسم وله اقدام عريضة حتى انه لم يكن يجد مقاس لاحذيته فيضطر ان يذهب لعمر التقلتي ويقطع له مراكيب الجلد..اما جريدة يده فقد كانت عريضة وله كفان يملآن الميزان وكان دايما يقول (مافي راجل ملا كفه في كفي)..سعاد الان امرأة تجاوزت الستين ولم تتزوج ولكن بدأت بعض التجاعيد تصل الي ذلك الوجه الجميل وبدأ بعض البريق الذي كانت تتمتع به وجنتيها الموردتين في الانحسار.. أصبحت تسكن لوحدها في ذلك البيت الكبير والذي كانت تكسوه الحياة لكنه الان يبدو كالخراب ولا تكاد تسمع فيه غير حركه انسانة حكم عليها ان تبقى وحيده لا انيس ولا جليس ويعتبره الكثيرون جزء من ذاك الحي في زمانٍ مضى وعند اطراف حي ابروف وعلى طرف شاطئ النيل رأيت بقايا مسكن رجل أقام هنا لزمن طويل حتى اصبح احد معالم المنطقة وحيد لايملك في حياته غير حمار اجرب وخرج ولا يعرف له اهل المنطقه اسماً ودعونا نسميه مبروك الخراجي. ذلك اليوم يعتبر يوم غير عادي من ايام الدميرة حيث النيل يعلو ضفتيه ويهدر موجه وهو يجري جافلا الي الشمال كأنه على موعد في خضم تلك الساعات وذاك الزخم الخريفي وعلى الضفة الغربية للنيل ومن نواحي شاطئ ابروف الطويل ظهر رجل هكذا بدون وبكل هدوء حط رحله، وأي رحلٍ؟ حتى ان احاداً ممن كان عابراً او موجوداً لم يسال احد عنه او بقترب منه فقد حسبوه عابر سبيل كغيره..مبروك-هكذا كانوا ينادونه-رجل في بداية السبعين من عمره او ربما اكثر ولكنه مازال يحتفظ ببقية من قوه..الرجل يبدو عليه انه قليل الكلام ولم يكن بالطويل ولا بالقصير-ربع القامة، ارتسمت على جبهته تجاعيد كانت تبدو كالاخاديد اما جلده فقد اصبح مكرمش ويشبه جلد الخروف القديم وذلك من كثرة نتوءاته..بعد ان ظعن صاحبنا في مكانه ذاك بدأ يوزع على اهل الحاره وكل الحي الماء الذي يرده من النيل ولا يأخذ أجراً عليه لمن يحتاجه اما حماره فقد كان يطعمه من خشاش الارض ولكن من أين يأكل هذا الرجل..فقد ظل هذا الرجل نفسه سرٌ غامض استعصى على الكل حل طلاسم وظن الكل به الظنون، كلٍ يأول حسب روايته.من هولاء كان هناك صديقين من عادتمها الجلوس على ضفة النيل عند كل مساء مهما كانت طبيعة الجو فهم من اصحاب الكيف والكيف يحلو عندهما بعيد عن اعين الناس وبعد ان ضرب ذاك الكيف اصنابه في الرؤوس دار حديث عن مبروك: -إنت يا فاروق حكاية مبروك ديه ايه؟-ليه تسألني انا ياصحبي ماهو انا وانت أصلاً ماعارفين-ياخي زولكم ده حير القريب والبعيد..-الكل حذر في التعامل معه.. -ليه هو بعاتي ياخي..ولكن يدعي بعض من اهل الحي انهم رأوه هكذا في هذه المنطقة كأنه مارد خرج من النيل واتخذ له في البداية غرفة بسيطة جوالات قديمة وبعض الكرتون لتقيه الحر والبرد ولا احد كذلك يعلم كيف يأكل ومتى يطبخ ولم يشاهد في سوق ولا في دكان حتى..لكن هنالك قصة غامضة تلتف حول الرجل.، مبروك الخراجي يعمل بمزاجه الخاص حين تنقطع المياه في المنازل لاي سبب من الأسباب وعندما يكون الماء متوفرا يعمل حمالاً ينقل حطب الشاف والطلح من شاطئ البحر للبيوت القريبة، ومن اهم زبائنه زينب العبادية التي كانت كثيراً ما تستخدمه في مراسليها للسوق والحي ومن عادته انه يقف عند الباب وينادي على أهل الدار ان كانت لهم اي حاجة ليقضيها عنهم وواصل في صنيعته تلك حتى بعد وفاة الحاج سيف الدين وزينب..انقطع مبروك لليالي عددا افتقدته فيها سعاد وبدا يساورها القلق ولكنها لا تجروا ان تسال أحداً عنه وكيف تفعل ذلك؟ فقد يتهما الناس!! ثم تسال من؟ فعلاقاتها محدودة في الحي! هكذا كانت نفس سعاد تضج بالحيرة حتى انها احتارت في هذا الامر وعادت تسأل هذه النفس الهجّاسة..-انتي ياسعاد الجاك شنو على كبرك ومالك ومال الراجل ده..
وتعودنا نفسها وتستغفر ولكن ماتفتأ ان تأتيها الهواجس ثانية الا ان كان الهزيع الأخير من تلك الليلة المشهوده الحالكة الظلام ويلفها السكون والحي يغط في ثبات عميق الا في بيت سعاد فقد شرد النوم هناك وتاقت نفس الي ان تدخل في تجربة لم تعرفها من قبللبست ثوباً اسوداً وخرجت ميمنة شطر شاطئ النيل لتتفقد مبروك وكانت وهي تتخبط في ازقة الحي تسمع لقلبها نداء عجيب ووحيح لم تعهده من قبل واحتارت ثانية في هذا الامر الغريب عليها حتى انها توقفت لتاخذ نفساً وأثناء كل ذلك حدثت نفسها بالرجوع لبيتها ولكن كيف لها ذلك فقد ساقها قلبها الي مجهول لم تدري كنهه.. غابت سعاد وغابت معها حكاية مبروك ولم تعود الي بيتها حتى هذه اللحظة ولم يتم العثور على مبروك ولا على حماره،ثلاثتهم اختفوا من هذا الوجود..
عثمان يوسف خليل
المملكة المتحدة
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.