تعج وسائل التواصل الاجتماعي بجدل ساذج جدا حول الالحاد ، هناك تصور عام بأن الالحاد يعتمد على نظريتي التطور والانفجار العظيم ، كما ان هناك اعتقاد بأن الالحاد مرتبط بفهمنا لبعض العلوم الطبيعية كالفيزياء والكيمياء..؟؟؟ وهذه الاعتقادات تقلب حقيقة العلاقة بين الدين والعلم ، والالحاد والايمان، فأولا يجب فهم أن الدين عموما هو طرح اجابات غيبية لتساؤلات ميتافيزيقية ، فالدين يجيب على العلة الاولى التي انتجت الوجود ، الدين هنا لا يطرح معادلات رياضية بل قصة ، او حكاية ، منذ الاديان الهندية والاشورية والفرعونية ومرورا باليهودية وما نتج عنها. هنا لا توجد قضية علمية يمكن دحضها بل مجرد اقصوصة اما ان تؤمن بها ايمانا اعمى او تتركها.. ولذلك فالالحاد لا يحتاج لنظريات علمية لدحض ما هو ليس بعلمي ، لا يحتاج لنظرية التطور ولا الانفجار العظيم ، فالالحاد سابق عليهما ، بل لا يعتمد عليهما كما يظن البعض ، فالنظريات العلمية قابلة للدحض كما قال بوبر ، قابلة لأن تنهار وتحل محلها نظريات أخرى ، بل أن العلم ليس أكثر من نظريات تلغي بعضها البعض ليتشكل التطور العلمي. فلو انهارت نظرية التطور فلا يعني هذا انهيار الالحاد بل يعني وجود قفزة علمية جديدة في حياتنا الانسانية مما يعزز قيمة العقل ، ولكنه لا يعزز الالحاد او ينفيه كما انه لا يعزز الايمان او ينفيه لأن الايمان بدوره خارج نطاق العلم والا كان الدين مجرد نظرية . لذلك فمن يقومون بمناظرات علمية لدحض او تعزيز الايمان والالحاد هؤلاء في الواقع واهمون جدا ويخلطون بين الماورائي والطبيعي ، فسياق الدين مختلف عن سياق العلم تماما . لا يحتاج الملحد لأن يكون فيزيائيا ولا كيميائيا ولا فلكيا لكي يكون ملحدا ، ليس بالضرورة ان أجد نظرية علمية لاثبات عدم وجود الجن والشياطين فالجن والشياطين خارج تجربتنا البشرية وخارج إطار المعرفة العقلانية . ان الالحاد هو بذاته رفض لكل ما هو خارج عن اطار الناموس الكوني حتى ولو لم يقدم الالحاد اي اجوبة عن اسئلة انطلوجية او كونية . فلو تتبعنا الاسئلة الكبرى لوجدناها قد طرحت قبل الاف السنين ، وأتت أديان مختلفة وكثيرة قدمت اجابات مختلفة وكثيرة أيضا لها ، لكنها اجابات غير علمية ، ولم يأت حتى اليوم دين يهتم بأن يطرح اجابات علمية ليكون دينا روحانيا ومصدرا للنظريات العلمية في نفس الوقت. فالالحاد بذاته هو ايضا كالدين بذاته .. خطان متوازيان لا يلتقيان. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.