حسنا، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية 128 عضوا، مشروع قرار عربي إسلامي يرفض القرار الأمريكي باعتبار مدينة القدس عاصمة لدولة الكيان الإسرائيلي.. لكن في موازاة ذلك أسقطت الولاياتالمتحدةالأمريكية قبل ذلك بأيام، قرارا لمجلس الأمن الدولي يدين ذات القرار الكارثة الذي أصدرته واشنطن، وذلك باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد قرار مجلس الأمن. والمدهش أن مجلس الأمن أحد أهم أجهزة الأممالمتحدة، وله سلطة قانونية على حكومات الدول الأعضاء، لذلك تعتبر قراراته ملزمة لها. بينما قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة تتمتع فقط بتأثير معنوي وليس ملزما، ولا تستطيع أن تُجبر أي دولة من دول العالم بتنفيذ مضمون قراراتها. وبالتالي ليس لقرار الجمعية بشأن القدس أي إلزام لواشنطن المتجبرة، بينما قرار مجلس الأمن هو الذي كان سيكون ملزما لكنها أبطلته بحق الفيتو!! الأممالمتحدة بأذرعها المختلفة مثل مجلس الأمن الدولي، تبدو كقصر مشيد وبئر معطلة، فرغم إنشائها في أكتوبر 1945 إلا أن حصيلة نجاحاتها متواضعة ولا تتناسب مع حجم الأموال المنفقة ولا مع حجم الزخم الإعلامي المصاحب لأنشطتها.. فلم تكن إلا مطية للقوى الكبرى وآلية لصياغة المبررات واجتراح المسوغات لتحقيق أطماع هذه القوى وسيطرتها على الدول الضعيفة وفرض رؤاها السياسية عليها. حتى اليوم، عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة نحو 72 اجتماعًا ودورة.. وخاطب قادة وزعماء الدول العالم من منبرها بيد أن كثيرا من هؤلاء القادة لا يحترمون هذا المنبر وهم محقون على ما يبدو، لأن الأممالمتحدة تعاني من اختلال كبير في عدالة قراراتها وهي الجسم الذي قام بمسوغ إرساء العدالة الدولية.. ولعل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي لم يكن متعديا على الأممالمتحدة عندما خاطب الجمعية العامة لأول مرة في عام 2009، وذلك رغم وجوده على رأس الحكم الليبي منذ عام 1969.. وكانت اللحظة الدرامية عندما حمل القذافي نسخة من ميثاق الأممالمتحدة، والذي قرأ منه بعض الجمل، ثم قام بتمزيقه وإلقائه أمام القادة والرؤساء أثناء الخطاب الذي استمر لأكثر من ساعة ونصف ساعة كاملة؛ رغم أن الوقت المسموح به طبقًا لنظام الأممالمتحدة هو 15 دقيقة فقط لكل رئيس دولة أو ممثلها.. الطريف أن ترامب كان قد سمح للقذافي بإقامة خيمته في فناء منزله؛ وقد حدثت أزمة بسبب هذه الخيمة حيث قوبل طلب القذافي بإقامة خيمة بدوية كبيرة له في نيويورك ومعروف أن ترامب كان أحد كبار أباطرة تجارة العقارات في ذلك الوقت ولا ندري كم قبض من الأموال نظير ذلك. وفي مرة، وجه رئيس فنزويلا الراحل هوغو شافيز نقدا لاذعا للرئيس الأمريكي الأسبق في خطابه قائلا: "لقد جاء الشيطان إلى هنا أمس"، وأضاف: "رائحة الكبريت ما زالت موجودة إلى الآن، وأنا أقف أمامها"، وتلا ذلك بقراءة صلوات، بينما كان يمسك صليبًا، وذلك بحجة أنه يريد التخلص من الشيطان جورج بوش، منتقدًا سياسات الولاياتالمتحدة الخارجية. الرئيس بوش نفسه الذي تستضيف بلاده مقر الأممالمتحدة، كان قليل الخبرة في حضور اجتماعات الأممالمتحدة واكتشف ذلك مُصوِّر صحفي اسمه ريك ويلكينج، وذلك حين استطاع أن يقوم بتقريب عدسته إلى الورقة التي كتبها الرئيس بوش لوزيرة خارجيته كونداليزا رايس باستخدام قلم رصاص، وكتب فيها "أعتقد أنني بحاجة إلى استراحة للذهاب إلى الحمَّام، فهل هذا ممكن؟".. فلم يكن على علم بالبروتوكول الخاص بالأممالمتحدة بالدخول والخروج أثناء الاجتماعات بل يشير ذلك إلى عدم احترام الولاياتالمتحدة لهذه المؤسسة الدولية. وكان للقطب العالمي الآخر – الاتحاد السوفييتي آنذاك – نصيب من الاستخفاف بالأممالمتحدة؛ ففي حادثة شهيرة لنيكيتا خريتشوف، رئيس وزراء الاتحاد السوفييتي، في العام 1960، قام الرجل بطرق طاولة الوفد السوفييتي بحذائه اعتراضًا على خطاب رئيس الوفد الفلبيني، والذي كان قد انتقد السياسة الخارجية للاتحاد السوفييتي وتصرفاته في شرق أوروبا واصفًا إياها بالاستعمارية. الخلاصة؛ أن الأممالمتحدة ومؤسساتها المختلفة المتفرعة منها تحتاج لإصلاح شامل لكي يكون أداؤها فاعلا.. بيد أنه في أحسن الأحوال لن يكون هناك إصلاح إلا محدودا وشكليا، في ظل عدم وجود إرادة سياسية للإصلاح لأن الدول الكبرى مستتفيدة ومستثمرة في هذه الاختلال المطلوب في حد ذاته من جانبها. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.