قال تعالى (جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وازواحهم وذرياتهم * والملائكة يدخلون عليهم من كل باب) صدق الله العظيم بدعوة كريمة من صديق مشترك في صيف عام 1972 كان لقائي الأول بالشيخ ابراهيم الطيب، كان لقاء يسوده الود والاحترام في حضرة رجل وقور مملوء بالحياء والأدب، يتحدث بصوت خفيض ونبرة من التؤدة والاناة مما يضفي عليه شيئا من المهابة والجلال. وكنت قبل ذلك قد سمعت خيرا عن هذه الأسرة الطيبة وأهل بيتها الكرام. ومع تواصل حميم مع الفقيد عبر أعوام تاليات توطدت علاقتي به. وقد سارت بنا الحياة في دروبها علوا وانخفاضا لنلتقي بين الفينة والأخرى بصحبة إخوة كرام، وكثيرا ما تكون هي المقر والمضيافة للمقيمين والزائرين والعابرين، يفيض عليهم من لطفه وكرمه وحسن استقباله. ومن خلال هذه الجلسات يذهب بنا الحديث إلى الشأن السوداني عامة، إذ كان شديد الحرص والاهتمام بأموره. ان جاز لي ان أورد بعضا من اهتماماته فإني ادلف إلى المجلس القومي السوداني الذي رعاه فكرا وجهدا ومالا، والذي خرجت من رحمه فكرة القافلة الطبية التي كانت تجوب السودان مرتين في العام. كان المجلس القومي السوداني فكرة إنسانية رائدة تجسدت فيها قيم الإيثار والتعاضد والتكافل والإحساس بآلام الغير وشكواهم، وكان كذلك مثالا لكيفية ان يكون الأخ عونا لأخيه متى كان ذلك ميسورا ومستطاعا. هذا وقد ابلت القافلة بلاء حسنا في تحقيق بعض مقاصدها، خاصة في مشروع زراعة الكلى الذي كلل بنجاح لا بأس به مع علاج لبعض حالات الأمراض الباطنية وعلاج السمع والبصر، وغيرها من فكرة تدريب الكوادر الطبية على ايدي اطباء القافلة. وصل عطاؤه إلى كانو حيث انشأ معهد الشيخ ابراهيم الطيب للغة العربية، كما تواصل في لندن مده الإنساني ليشمل بعض المرضي والطلبة والدارسين واصحاب الحاجات الملحة. من خلال نشاط المجلس القومي كان اهتمامه بالرموز السودانية، فقد تكفل تكفلا بحفل تأبين البروفسير عبد الله الطيب وكذلك تأبين الأديب الراحل الطيب صالح وقد حرص جاهدا أن تخرج هذه المناسبات في ثوب يليق بالفقيدين، اذ كانت تربطه بهما صلات حميمة تعود إلى عقود مضت، وتجلى ذلك فيما كانا يحملانه له من مشاعر الود والاعزاز والتقدير. كان للشيخ ابراهيم الطيب كذلك إسهام بارز ومباشر في مشروع (الخرطوم عاصمة الثقافة العربية عام الفين وخمسة)، إذ جاء قائدا لوفد رفيع المستوى على رأسه الراحل العظيم الطيب صالح، مما شكل إضافة حقيقية لتلك الاحتفالية الوطنية، فهذه وتلك وغيرها تقف شاهدا على عظمة الرجل ودوره الخير في محيطه ومجتمعه كرمز من رموز البر والإحسان. ستبقى ذكرى هذه الأعمال الجليلة حية متقدة تسطر إسما لامعا في لوحة الشرف والبذل والعطاء، وهنا لا يفوتني أن ازجي تحية الاحترام والتقدير لحرمه السيدة الجليلة (عديلة) حيث كانت تشاركه الفضائل التي ورثتها منه ومن والدها المغفور له الشيخ بشير الريح، ونسأل الله لها ولإبنائها مديد العمر والصحة والعافية. الشيخ إبراهيم الطيب عليه الرحمة هو سيرة عطرة وقصة نجاح مليئة بالأحداث والمواقف الخيرة، خاصة بما افاء الله عليه من نعمة لم يبخل بها، بل شارك أهل وطنه بعضا من قضاياهم وتفاعل معها بيد ممدودة بذلا وعطاء في اريحية لا تعرف المن والأذى متى كان ذلك مطلوبا ضروريا. لا أذيع سرا ان قلت إن معرفتي به كانت كسبا اعتز به لما لمسته فيه من عظيم السجايا وكريم الخصال وسلامة الطوية، وكان وجوده بيننا بعثا للطمأنينة والأمان برسالة الخير التي قام بها. إن الكلمات لتستحي أن توفي من هو في مقام الشيخ إبراهيم الطيب من التقدير والإنصاف، وهنا تضيق المعاني ويعجز البيان، ولعل السلوى تكمن فيما تركه من سمعة حسنة ومكانة سامية في افئدة من عاشروه وعرفوا جلال قدره العظيم. عاني في شهوره الأخيرة وتدهورت صحته، لكنه ظل صابرا شاخصا ببصره يرنو نحو الأفق البعيد مناجيا ربا رحيما سائلا العفو وتمام الرضا. ولا أحد يخلد في البرايا * بل الدنيا تؤول إلى زوال بدار كل ساكنها غريب * طويل الهجر منبت الحبال لا أقول إن الخير قد انقطع بفقده، ولكن برحيله خسرنا كثيرا، فهو يمثل جيل الخيرين من الرعيل الأول من اهل هذا البلد الكريم. ومن قد عب من كأس المنايا * فليس له إلى الدنيا إياب يعز مصاب مثلك من مصاب * وفيك اليوم قد عز المصاب ولجت إلى الجنان فلا سؤال * ولا وزن يقام ولا عذاب اللهم برحمتك الواسعة وجلال وجهك الكريم يا حي يا قيوم يا فالق الحب والنوى يا من يعيد الدهر من حيث ما بدا ارحم فقيدنا ابراهيم الطيب، يا حنان يا منان يا ذا الجلال والإكرام، وانت القائل في محكم تنزيلك (نبىء عبادي أني انا الغفور الرحيم). حسن تاج السر علي عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.