دعنا لا نحاكم تديّن الناس بممارسات الإسلام السياسي، فربما تدفع ذلك – ومعك الحق – بأنهم حالة خاصة، وأنهم قلة وشراذم لا يمثلون المسلمين. فلنلقي نظرة إذن على الجانب الآخر، جانب الأغلبية الساحقة ممن ينتمون إلى الإسلام، أولئك الذين يحرصون على أداء العبادات والشعائر بانتظام، والذين، لسبب أو آخر، يكتفون بهويتهم الدينية ولكنهم على استعداد للخروج في مظاهرة تندد بمن قيل عنه بأنه ملحد أو كافر أو مسيء للدين الإسلامي، أو لنبيه، ونطرح السؤال: هل نحن بالفعل مسلمون أو متدينون؟!. ما هو فهمنا للإسلام؟ وما هو موقفنا وطريقة تعاملنا مع تعاليمه؟ وما علاقتنا بالله؟ وإلى أي حد نحن قريبون من هذا الدين؟. نطرح هذه الأسئلة لأننا نريد أن نتجاوز الحالة الايمانية الفطرية البسيطة التي رأيناها في المجتمع السوداني في مرحلة ما قبل الحداثة، حيث لم تكن واضحة بعد الفوارق بين ما هو عرفي وما هو ديني/ نصي. وحيث يكون الإنسان أقرب إلى الفطرة البسيطة، التي تشابه ما كان عليه الوعي بين الصحابة في فجر الإسلام. لنقرأ الإجابة في ما عليه حال المسلم اليوم. ما الذي يمكن أن تتوقعه من إنسان مُستلب، مزدوج الشخصية يعيش ممزق الوعي بين عالمين ووجودين، مغترب عن نفسه وعن مجتمعه؟. ومما (يزيد الطين بلة) أن شعوراً غامضاً بالذنب والخطيئة يعذبه، ولا يستطيع له دفعاً، لأنه يجهل مصدر خطيئته، ولا يعرف ماهية الذنب الذي اقترفه!. ثمة خطأ ما في تديّن المسلم يقيم جداراً بين الشخص ومعبوده، يرمي الإنسان في المنفى والغربة بعيداً عن الله. يحكون لك في الطفولة عن ملكين عن اليمين وعن الشمال يحصيان كل صغيرة وكبيرة، وعن عزرائيل الذي يمكن أن يزوك في أي لحظة ، وأنت نائم وفي الشارع ، والبيت والملعب يتربص بك ليقبض روحك، ثم ينتظرك في القبر مُنكر ونِكير يرهقانك بالأسئلة، ثم ينهالان ضرباً عليك وأنت محاصر في حفرتك الضيقة، وإذا كنت من تاركي الصلاة فإن ثعباناً ضخماً أسود اللون ينتظر رابضاً في القبر ليتلقفك من أيدي دافنيك ويتولاك بوحشية وأنت في محاصر لوحدك هناك، ولا ينتهي مسلسل الرعب، حتى تأخذ مكانك في النار، يملؤون قلبك بالرعب، ويقولون لك بأن رحيم، ولكنك لا تجد أي رحمة في مسلسل الرعب هذا الذي يحيطك منذ الطفولة. والمشكلة المعذبة أكثر من هذا إنك لا تستطيع أن تهجس في نفسك بأي تساؤل عن معنى هذا، لأن الله رقيب في قلبك يسمع ما يجول في خاطرك، فتقاوم عقلك وتبذل ما في وسعك لتخرسه عن التفكير، لأن التفكير على هذا النحو مَهْلكة وإثماً عظيماً. ثم تذهب إلى المسجد لا لتعبد الله وتزداد قرباً منه حباً، ولكن لتتطهر من آثامك التي تجهلها ولا تعرف لها مصدراً، وإذا بالإمام يتفنن في تصوير عذاب القبر لمن عصى والديه، فتجد نفسك تجهش بالبكاء ندماً وخوفاً، لأن والدتك المتوفاة لم تكن راضية عن اختيارك لشريكة حياتك التي اخترتها بمحض حبك لها وكانت تريد من ابنة أختها زوجاً لها، وقد تعزي الخلافات الزوجية بينك وبين زوجتك كعقاب إلهي لعدم رضا والدتك، والحديث النبوي يقول أن الجنة تحت أقدام الأمهات، ويتآكلك الندم والشعور بالإثم، فترجع إلى المنزل ضيِّق الصدر، عَكِر المزاج، مكفهر الوجه لا تكاد تطيق نفسك. تتقطع كل خيوط الحب والتواصل الحميم بينك وبين الله، الذي اكتملت صورته في قلبك وعقلك كقوة جبارة، وككائن كلي القدرة، يتربص بك كل ثانية ينتظر أقل هفوة منك ليعذبك، وتتحاشى التفكير فيه لأن قلبك يمتلئ عند تذكره بالخوف والرعب، ومن ثم يتعلم عقلك الخوف ويكف عن التساؤل لأنه عقل جبان يخشى عاقبة التفكير. إنه عقل لا يعمل، عقل كسول، عاطل، أو معطل. وفي اللغة عَقل، يعقل بمعنى ربط الناقة، أي عقلها، وفي المرويات أن عمر بن الخطاب قال لمن سأله أيربط ناقته أم يتركها حرة توكلاً على الله (أعقلها وتوكل). وهذا هو ما نفعله بعقولنا التي ميَّزنا بها الخالق عن سائر مخلوقاته، بما يشمل حتى الملائكة والشياطين!. وبسبب هذا الخوف الذي يسكننا في العماق وتم ارضنا له منذ الطفولة والذي حذرنا من الحياة لأنها لهو شيطاني يقود إلى النار، يصبح الفرح والضحك من الآثام دينياً، ومن المعيبات عرفياً اجتماعياً، وترى المسلم إذا غرق في نوبة من الضحك يستغفر الله، معتذر عن فرحه ليغفر الله له هفوته ونسيانه سؤال القبر. ثمة هوَّة بين السماء والأرض، "وليس هنا بالطبع مقام الحديث بالتفصيل عن طبيعة العلاقة بين السماء والأرض في الإسلام ،ولكن ،وبإيجاز – لا أدري إلى أي حد هو غير مُخل – نستطيع أن نقول بأن هناك شبه انقطاع تام بينهما ،على عكس ما عليه الحال في الأديان الأخرى سماوية وغير سماوية ،حيث تكون هناك صلة مباشرة عبر وسائط بشرية أو طبيعية تقوم بتجسير المسافة بين الآلهة في ضبابها العلوي وبين الإنسان في وحل عالمه الأرضي . وربما يرجع هذا إلى أن الإسلام يمثل بين الأديان كافة قمة التوحيد والتجريد للذات الإلهية. إلا أن التجريد يستعصي على طبيعة البشر التي تميل إلى التجسيد.. لابد من صلة شخصية ما إذن ،بين الإله والكائن البشري الذي يعبده. فالدين ،من ناحية وظيفية وسسيولوجية ،هو ،وكل طقوس عباداته وشعائرها ،إنما هو عبارة عن "خارطة طريق". والأنبياء والرسل في هذه الحالة إنما يمثلون "علامات" في هذا الطريق ،يهتدي بها المؤمنون. ولكن تختلف المسألة في الدين الإسلامي ،بسبب اتساع الفجوة بين السماء والأرض ،وبين ما هو إلهي وما هو بشري ،على نحو يهدد بانقطاع أي صلة بينهما. ويعوِّض الوجدان الديني هذه الفجوة بالارتفاع ب"شخص" النبي كوسيط إلى ذرى الكمال البشري ،ذلك لأن التجريد المطلق للإلهي في الإسلام لا يدع مجالاً لأي صلة شخصية تتجاوز العبودية والخضوع ،رغم الحاجة إليها ،وذلك على عكس ما نقرأ في الكتب المقدسة الأخرى ،عن علاقات بين الخالق والمخلوق موازية لعلاقات البشر بين بعضهم البعض ،حيث نجد عاطفة الأبوة والبنوة بين الإله والنبي ،ونجد الحوار والجدال والإقناع بين السماء والأرض ،ويبدو الإله قريباً من الأرض ،حيث تنتابه نوبات الانفعالات البشرية من الحزن والغضب والغيرة والحب وغيرها ،مما يخلق نوعاً من التواصل و الحميمية في علاقة السماء بالأرض ،بتقريب المسافة بينهما ويكون التفاعل أكثر حضوراً وحيوية في حياة الفرد والمجتمع اليومية ،عبر هذه الوسائط الأرضية". في الإسلام إذن تُردم هذه الهوة ، أو يتم تجسيرها بشخص النبي كما قلنا ،إلا أن الإشكال هنا يتمثل في ان شخصية النبي لا تستطيع ان تخترق الحاجز الإلهي . بين ما هو إلهي خالق ،وبشري مخلوق ،حسب طبيعة قانون الإيمان الإسلامي الذي لا يسمح بمثل هذا الاختراق . التصوف الإسلامي حاول بذكاء أن يحل هذه المشكلة عن طريق "الذات المحمدية" الذي تمثل نقطة الإلتقاء بين الطرف الأقرب من الإلهي إلى أرض البشر الذي يقابله الطرف الأعلى من البشري المنفتح على الإلهي ،وبذلك يكون للنبي وجودين أو قل حقيقتين : أرضية وسماوية ،وبهذه الطريقة تصبح الطريق "سالكة" بينهما للجنس البشري كله ،وبطريقة ما – وفقاً لهذا التصور – يفيض الوجود عن هذه الذات المحمدية ،والتي تمثل الفضاء السرمدي الذي يتوسط الوجودين :الإلهي في إطلاقه والطبيعي في نسبيته. إلا أن الإسلام السني – وحتى الشيعي – الذي يغلق هذه الطريق الواصل بين الوجودين مكتفياً ب"الوحي" كخط اتصال وحيد يربط ما بينهما ،يوسع واقعياً من هذه الفجوة ،لأن التواصل عبر الوحي يصادر من هذه العلاقة البُعد الحواري فيها، لتصير بهذا علاقة ذات بُعد واحد: أحد طرفيها – الإلهي – متحدثاً.. والطرف الآخر – البشري – مصغياً ومستمعاً . لتظل حاجة الإنسان إلى الحوار مع إلهه قائمة. (1). العناد الصوفي والإلحاح اللامحدود للتواصل مع الله وتجسير الهوة أو الفجوة بين السماء والأرض، بين البشري والإلهي يدفع المتصوفة إلى المغامرة بطلاق الدنيا والزهد فيها وفي ملذَّاتها طلباً للذة الكبرى، سواء بالاتحاد أو الحلول، وهؤلاء المغامرون قِلة قليلة لا تكاد تُذكر. أما باقي المسلمين وقد قنطوا من أي تواصل حميم وخاص مع إلههم، فسيختارون الانحياز لضرورات العيش، وتلبية نداء الحياة على علاتها. وسيكتفون بأداء ما يطلبه الله من عبادات وشعائر يؤدونها في الأقل خوفاً منه، وفي الأغلب مجاملة للمجتمع، واتقاء لنفيه لهم. أي أنهم ينافقون الله والمجتمع. بمعنى الآية "يخادعون الله والذين آمنوا، وما يخدعون إلاَّ أنفسهم وما يشعرون، في قلوبهم مرضٌ فزادهم الله مرضاً، ولهم عذابٌ أليم بما كانوا يكذبون" (البقرة: 9،10) والنفاق عند الله في درجة أحط وأسوأ من الكُفر بالله .. والكفر هو الإنكار، ولذا قال في القرآن "إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار"، أي أن عذاب الكُفار أقل وأخفَّ من عذاب المنافقين. ويمكنك أن ترصد آيات المنافق التي عدَّدها النبي (إذا قال كذب، وإذا أؤتمن خان، وإذا وعد أخلف) في السلوك الديني الاجتماعي للمسلم. تعليقاً على ما كتبه كارل ياسبرز ونقله عنه مالك بن نبي من أن المسلم يتخذ من الدين محور حياته كلها وأنه مفتاح نفسيته والمقياس الذي تقاس عليه جميع أشكال سلوكه، تقول "منى فياَّض" بأن الممارسة تبتعد كثيراً عن هذه الصورة الأيديولوجية حتى عند فئات المتدينين " وما علينا إلا أن نرصد سلوك المسلمين في معاملاتهم اليومية، كي نسجل نسبة الازدواج الكبيرة التي يعاني منها الأفراد في مجتمعنا، وطرق التعامل الملتوية" التي تدل على انعدام المسؤولية والضمير. وقد توصل المستشرق الألماني ناغل، في محاولته لفهم الاختلاف بين الفرد المسلم والفرد الغربي المسيحي، إلى الاستنتاج بأن "الضمير وليد الفردية، ووليد الاستقلالية، ووليد إحساس بالمسؤولية في ظلِّ قيم علمانية أو أخلاقية إنسانية. يمكن للمسلم المتدين أن يشعر بالخوف أو المعصية، لكنه سرعان ما يُطَمْئِن نفسه إلى التوبة والمغفرة. ليس هناك لديه من قلق وجودي من النوع الذي يحس به الفرد الغربي." ولتأكيد هذا الزعم تشير فياض إلى دراسة " أُجْرِيَتْ حول موقف اللبناني من هذه القيم، بيَّنتْ أن المجتمع اللبناني – وهو نموذج مخفَّف عن الوضع في العالم العربي – يُظهِر الاهتمام بالمحافظة على القيم التقليدية والمحرَّمات الدينية والجنسية. فالأخلاق تدور حول هذه المحاور؛ لكن عندما يتعلق الأمر بالمحرَّمات الاجتماعية التي تتعارض مع "تدبير الحال" ومع المكيافللية الاجتماعية والسياسية، لا يعود التشدد قائمًا، ويسود القبول بازدواجية المعايير. كذلك أظهرتْ الدراسة إباحة كبيرة في خرق المعايير عندما تكون غير ظاهرة: مثل عدم الإعلان عن حادث أو عن مال وُجِدَ مصادفة. وهكذا نلحظ، على الرغم من وجود سطوة المحرَّمات الدينية، أنها لا تنعكس على السلوك اليومي للناس المتعلق بالنزاهة وبالمسؤولية الفردية. وإذ يُظهِر المجتمع اللبناني درجة عالية من التمسك بالدين (تبلغ 53% مقارنة مع المجتمع الأوروبي الذي تبلغ النسبة فيه 17% فقط)، إلا أنه عندما يتم التقصِّي عن فضيلة الأمانة نجدها تبلغ في المجتمع اللبناني "المتديِّن" 48%، بينما هي في المجتمع الأوروبي "غير المتديِّن" 73%. كذلك الأمر بالنسبة إلى المسؤولية الفردية؛ إذ إنها في لبنان 38% وفي أوروبا 48%. تؤكد هذه الإحصاءات أن الضمير في مجتمعنا يتشكَّل وفقًا لمعايير اجتماعية خارجية أكثر مما هو صفة داخلية ملازمة للفرد في جميع أنواع السلوك، الظاهر للعيان وغير الظاهر. وذلك يتعلق ببنية مجتمعنا العربي الذي ينحو إلى التمسك بالقيم نتيجة الضغوط الخارجية الصارمة، وذلك تبعًا لأساليب التربية التي تشدِّد على العقاب أكثر مما تشدِّد على الإقناع، على ما يذهب إليه هشام شرابي. لذلك يمتثل الشخص في حضور السلطة، ولا يمتثل في غيابها. وذلك يعني وجود الاحترام الأحادي، مما يدعم فكرة وجود إواليات التبعية؛ إذ إن الاستقلالية autonomie تفترض الاحترام المتبادل والمعاملة بالمثل، أي تفضيل العدالة على الطاعة؛ وهي من أهم إواليات الاستقلالية. ويسبِّب شعور التبعية هذا غلبة الانتماء الجمعي: يصبح الفرد مجرد منفِّذ لقوانين وأوامر أو مصالح، وتنتفي هنا مسؤوليته الفردية". ويمكن أيضًا العودة إلى كتابات كلٍّ من مالك بن نبي ومكسيم رودنسون عن شخصية المسلم المزدوجة في تعامُله مع الدين، لكي نعي عمق المشكلة التي تعاني منها مجتمعاتنا وإنسانُنا. لذا يمكن الاستنتاج بأن الضمير وتبنِّي القيم الأخلاقية ليسا بالضرورة على علاقة بالتدين، وأن كثرة تعداد المتديِّنين العرب لا تكفي حلاً للمعضلات التي نعاني منها"(2). وكما ترى فإن معيارية السلوك الديني قد أحيلت إلى الشكل الأدنى من المجاملات/ النفاق الاجتماعي، بعد أن تمّ انتزاعها من الضمير الفردي للشخص، ولم تُستدمج في القيم الفردية. وكثيرة هي أنماط السلوك التي تكشف هذا النفاق والانضباط بسبب الخوف من السلطة التنفيذيَّة أو سلطة المجتمع، مثل مخالفة إشارة المرور، التي في غفلة من عيون الشرطة يمكن أن يرتكبها الشخص دون أدنى شعور بالحرج أو الذنب، ولكنه إذا لم يفعلها، إنما يتجنبها خوف الفضيحة والغرامة، اما أن لا يفعلها لشعوره الذاتي بالمسؤولية، أو لأن هذا الفعل خاطئ سواء كان هناك رقيب أم لا، بوازع من الانضباط الداخلي الذاتي، فأمر غير وارد. تحكي الدكتورة وفاء سلطان التجربة التالي: "كنت حديثة عهد بأمريكا، وأقف في دوري مع طفلتي كي اشتري لي ولها بطاقتين لدخول مباراة كرة قدم في مدرستها. كان سعر البطاقة للبالغين والأطفال فوق السابعة أربعة دولارات، وسعرها للأطفال تحت السابعة دولاران. وقف أمامي رجل أمريكي ومعه طفلان. ناول البائع عشرة دولارات وقال: ثلاثة بطاقات لي ولولديّ، مايكل 7 سنوات وجان 5 سنوات. فأعاد البائع له دولارين وقال: دعنا نقول مايكل 6 سنوات ، فلا أحد يعرف! امتعض الرجل من تصرف البائع وألقى بالدولارين أمامه وهو يقول: ولكن ابني يعرف عمره الحقيقي!. كانت تلك الحادثة درساً لي لن أنساه في حياتي، وأنا القادمة من بلاد تفضل سرقة قرش واحد إن كان "مصلحة" للمسلمين. دولاران مبلغ قد يسمح لذلك الرجل بشراء وجبة هامبرغر، ولكن مصلحته الحقيقية كانت تكمن في بناء طفل صالح لمستقبل أمته، كان يدرك في غلالة نفسه بأن طفله يراقبه ويتشرَّب أخلاقه وسلوكه" (3). وقالت في صفحة (81) " في الفناء المحيط بأية محكمة في سوريا بإمكان أي إنسان يحتاج إلى شاهد أن يجد رجلاً يدعى "شاهد زور" يُدفع له مبلغاً من المال ويُطلب منه أن يشهد لصالحه، لم أسمع في حياتي يأن امرأة لعبت ذلك الدور!". ثم يُقال لك أن المرأة هي مصدر الفساد في الأرض!. كما وتتمظهر بشكل واضح في المعايير القيميَّة المعلنة وما يكتنفها من تناقض مع الواقع، والحقائق الفعلية على الأرض، والممارسة، يصل لحد الوقاحة في عريّه وابتذاله، وقد قرأت في مكان ما هذه الملاحظات التي تكشف وتعري بعض أوجه هذا النفاق والكذب على النفس الفاضح: * لعلك تعرف كثيراً من هؤلاء المتدينين الذين يدفعون الرشوة ويزنون سراً ويفعلون كل ما يحاكمون الناس عليه.. ولا يخافون سوى الفضيحة! * ولعلك تعلم علم اليقين وبالأرقام بأن المدن التي تكتظ بالمساجد وتمتلئ مساجدها بالمصلين كل جمعة، والمجتمعات الأكثر تديناً في الظاهر، هي أيضا الأكثر فسادا فى الإدارة ، والأكثر ارتشاء فى القضاء ، والأكثر كذبا فى السياسة ، والأكثر هدرا للحقوق، والأكثر تحرشا بالنساء، والأكثر اعتداء على الأطفال، ثم يقول إمام المسجد للناس : إن سبب فساد الأخلاق هو نقص الدين!. * أو أن ترى بأن نسب التحرش تزيد عن 90% في أفغانستان وباكستان.. ثم يقال أن سبب التحرش هو ملابس المرأة. * وأنت تبتهج بوجود مساجد كبرى وفاخرة فى قلب نيويورك ولندن وباريس، وتبتهج بمشهد شاب غربي يردد الشهادتين ولو بصعوبة خلف شيخ فى مسجد من عواصم الغرب، وتعتبر ذلك انتصارا للإسلام، ولا تراه انتصارا لقيم حقوق الإنسان وللحريات الفردية والحريات الدينية، ولكنك تقيم الدنيا إذا علمت أن قسا قام بتعميد مسلم واحد، وتظن ذلك مؤامرة ضد الإسلام والمسلمين. * النفاق ... هو ألا تكترث لفساد الرشوة ، وفساد جهاز القضاء ، وفساد التهرب الضريبي ، وفساد تبييض الأموال ، وفساد الغش فى السلع ، وفساد مافيات المخدرات والميليشيات الجهادية وتهريب الأسلحة ، ثم ترى الفساد كل الفساد فى مجرد تنورة أو سروال قصير أو قبلة فى لوحة مشهورة. * النفاق ... هو أن تري أنجيلا ميركل تسعد شعبها وتيريزا ماي تتولى رئاسة الحكومة البريطانية ، وتري الكثير من السيدات اللواتي يحكمن العالم في أوروبا وأمريكا الشمالية والجنوبية وأستراليا وشرق آسيا وأفريقيا٬ وصندوق النقد الدولي ومحكمة العدل الدولية ومعظم منظمات الأممالمتحدة تتولاها سيدات٬ وتشاهد وزيرات الدفاع في النرويج والسويد وهولندا وألمانيا وإسبانيا واليابان ، ثم تقول أن المرأة ناقصة عقل ودين، ولا تصلح للعمل العام!. حقاً، إن بعض النفاق والتناقض ليدعو للأسى والحزن والرثاء. ففي كتابها "نبيّك هو أنت، لا تعش داخل جبته" تروي الدكتورة وفاء سلطان القصة التالية: كنت أستمع مؤخرا لمقابلة مع شيخ مسلم. طرح عليه أحد الحضور سؤالا: هل يجيز الإسلام ضرب المرأة؟ فرد على الفور: أبدا أبدا....ضرب المرأة في الإسلام حرام! فسأله الشخص نفسه: ولكن وردت في القرآن كلمة "واضربوهن"! فردالشيخ: كلمة "واضربوهن" هنا تعني داعبوهن بالمسواك! فغرق الحضور في الضحك، وتساءلت في سري: متى يستطيع هذا المعتوه أن يركز على نقاط تستطيع أن تصل به إلى خلاصات تتعارض مع تلك الفوضى العقائدية التي تُبرمج اللاوعي عنده؟!! مراجع وهوامش (1) عزالدين صغيرون، "التحالف الشيطاني بين الضحية والجلاد: قراءة فيما وراء "براءة المسلمين"، (2) منى فياض، " الإصلاح الديني: مهمة فردية"، نقلاً عن " صحيفة النهار، الأحد 17 آب 2003. (3) د. وفاء سلطان، " نبيك هو أنت، لا تعش داخل جبته"، ص(76). عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. ////////////////////