تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    أبل الزيادية ام انسان الجزيرة    الفاشر ..المقبرة الجديدة لمليشيات التمرد السريع    وزير الداخلية المكلف يستعرض خلال المنبر الإعلامي التأسيسي لوزارة الداخلية إنجازات وخطط وزارة الداخلية خلال الفترة الماضية وفترة ما بعد الحرب    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    أرسنال يحسم الديربي بثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    وزير الصحة: الجيش الأبيض يخدم بشجاعة في كل ولايات السودان    نائب وزيرالخارجية الروسي نتعامل مع مجلس السيادة كممثل للشعب السوداني    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    تجارة المعاداة للسامية    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    استجابة للسودان مجلس الأمن يعقد اجتماعا خاصا يوم الاثنين لمناقشة العدوان الإماراتي    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الروح تزهر مرتين ... بقلم: سلمى الشيخ سلامة
نشر في سودانيل يوم 11 - 02 - 2010

للبرد هنا طعم ماكر وللثلوج على القمم لون يشدك للتامل ، صمت ووقار تنيث فى داخله بجلباب زاهد وعصى شيخ تتمسك بها وتصعد الى القمم،تلوح خضرة "نساها " الشتاء ،تتشابى اوراقها الخضراء باتجاه الشمس الباردة الظلال،فتخرج من بين ثناياها رائحة استعذبها انفى ...
كان الليل الشتوى الذى يحكى انه طويلا يبدو لمحة ،بل اقصر ،كنت اتقلب على نار القر تدخل بين فرجات اصابعى التى كنت ادعكها كيما تدفأ ...لكن هيهات ، فدرجة الحرارة كانت اقل من الصفر باربعين درجة
حين فتحت باب الثلاجة كانت تبدو ادفأ من البيت !
عبأت كوبا من اللبن ، وفى بالى مقولة امى رحمها الله "اللبن البارد بدفى " حين ابتلعت اول جرعة منه احسست بقشعريرة تسرى فى كل اعضائى ،فقررت ان اودع الكوب الى جوف ذاك الصندوق الكهربائى "لم اكن اعرف اسمه حتى تلك اللحظة"حتى كان ان جاءت صديقة لابنتى وسمعتهما تتناقشان حول ما يحويه ذاك الصندوق من اشعاع ، وعلى المرء حين يستخدمه ان يكون حذرا ويقوم بتغطية الاوانى داخله
هكذا اذن كان اسمه "الماكرويف"الذى لم اكن قد شهدته فى كل المدن التى عشت فيها ، ربما لانه كان محدود الاستخدام او وقفا على الاسر الغنية ...
صار اللبن الان دافئا ،يمكننى ان ارمى اليه بحبات من الشاى الاسود، الوقت ليلا ، لكنى احتاج الى ما يدفئنى
كان والدى عليه كل الرحمة حين يصحو من نومة بعد الغداء ،يصلى العصر بعد حمام ثابت المواقيت كما الصلاة ، ثم يسالنى على نحو خاص ان اصنع له شاي"صاموتى "حيث اغلى الشاى باللبن دون اضافة ماء
يشرب شايه على عجل حيث صوت عم عبد اللطيف دبلوك يجئ منبها "ياعم الشيخ المغرب قرّب"يكون والدى لحظتها قد حمل عصاته وتدلت مسبحته على يمينه تلك المسبحة التى كنا نسميها "ترانزيستور" لصغر حجمها حيث شاع انئذ ازدهار الترانيزستور ، ذات يوم زارتنا امراة كان زوجها زميلا لوالدى فى السكة الحديد ، كانت امراة جميلة ، طويلة القامة سمراء سمرٍة تشوبها نضارة ، وجهها طفولى ، سوى انها كانت مأخوذة بوظيفة زوجها ، فتبدو لك زوجة لوزير ما ، باكثر منها زوجة موظف فى السكة الحديد ...
يوم زارتنا هذه السيدة كان فى بيتنا ما يزيد على الاربعة راديوهات ليس بغرض التباهى لكنها الصدفة وحدها ، فواحد كان فى المطبخ على عادة تلك الازمان ، ربما لاتزال هذه العادة رائجة الى الان ، وواحد كان فى غرفة والدى ، واحد كان خاص بى ، واخير كان فى غرفة الاولاد ، يسمعون من خلاله نشرات الاخبار ومباريات كرة القدم حيث لم يكن التلفزيون قد دخل حيز الحياة بعد"اوائل السبعينات"
قالت السيدة وقد هالها الرقم "اربعة "
زوجى عنده اربعين بدلة كاملة وعندنا سبعة روادى فى البيت
ابتسمت امى وقالت
صدفة يا بنيتى
"ذات عام جاء خالى الكان وما زال يعيش فى السعودية حاملا عددا من الراديوهات ، كنت مغرمة وما زلت بالاختراع المسمى راديو ، فسالت خالى ان يهدينى واحدا ، حيث توسلت اليه باكية"
قالت امى مواصلة حديثها
واحد جابو ليها خالها ، لانها بتحب الراديو من كانت صغيرة ، والتانى رسلو واحد صاحب ابوهم ، والتالت برضو هدية ، والفى اوضة ابوهم دا اشتراه من سوق الله واكبر دا
ضحك والدى حين حكيت له مادار من حديث بين امى وتلك الزائرة، فرد بقوله
الله يهدى الناس من جشع الدنيا
رحمة الله عليك يا والدى فلقد كنت متنزها عن غرض الدنيا وحب الامتلاك فيها
حين جاء والد ابنتى لخطبتى قال له
يا ولدى ما عندى بنات للبيع ، لكين عندى بنات للسترة
ويوم عقد القران لم يزد طلبه عن عشرين جنيها ، وليته لم يفعل فلقد تعرضت للاذى جراء تلك العشرين جنيها ، وباتت وبالا على تم تصنيفى بموجبها اننى "رخيصة الثمن "
لم تكن فى المدينة "الابيض " من فتاة قد تزوجت على ذلك النحو قط، حيث رفضت المهر وال"شيلة " التى كانت تعنى لى عدم الجدوى ، فهى امر يخص العروس فقط وليس غير ، بل كانت وجهة نظرى ان تكون الاسرة شراكة بين الفتاة وزوجها ، يتخطيان بها العقبات الاولى للحياة وينتصرا لاسرتهما الصغيرة التى فى طور الانشاء ...
كنت حديث المدينة يومها ، لكن ذلك لم يكن بالامر الهين او الذى يمكن تجاوزه ان فهم الطرف الاخر مغزى تلك الفعلة !
كان والدى رحمه الله ، مربوع القامة ، لونه اسود مخملى ، شعره ناعم ولا يتركه يطول قط ، لم اره بشعر طويل فى حياتى ، وجهه مستدير، حين يبتسم تلوح تلك الالئ براقة
كانت تعجبنى مشيته ، فاتقمصها حتى بات اصدقائى وصديقاتى ينادوننى "سعادة الضابط "كانت مشيته سريعة بخطوات عسكرية شديدة المهابة
لكنه فى ايامه الاخيرة بدا عليه التعب والترهل ، لانه توقف عن المشى لتلك المسافات الطويلة
كان يمشى يوميا ما يعادل العشرة اميال ، هى المسافة بين السيمافورين "الداخلى والخارجى للمحطة فى مدينة الابيض " يجول بين القضبان يفتشها واحدا واحدا ، يتحسس "فلنكاتها " واحدة واحدة ، رغم وجود العمال من الدريسة ، لكنه هكذا كان ودائما ، يدخل الورشة ويبحث عن نواقصها لتستكملها الادارة الخاصة معه ، لا يعنيه امر من كان مدير الورشة من المهندسين او العمال المهرة انذاك ، معنى براحة الركاب والبضائع فلكل منهما وقع خاص لديه ، يدخل المخازن مفتشا عن كيفية الاوضاع فيها !
هميم كان هذا الرجل ، كنت اراه كل صباح خلال ايام الاسبوع ، حين اكون بانتظار الباص ليقلنى للمدرسة خلال المرحلتين المتوسطة والثانوية ، كنت وللصدفة اقف فى نفس المحطة ، ويهل ماشيا ، يلقى علىّ التحية من بعيد ، ويمضى ، كأن الامر لا يعنيه باتجاهى ، لكنه مشغول بالحديث الى من يمشون معه فى تلك اللحظة احيانا يكون وحده فلا يرانى لانه يكون مشغولا بالنظر الى الفلنكات النائمة فى القضبان الحديدية ، ويكون هو غائص فى بر آخر ، لن يرى الا ما هو امامه ، تتدلى مسبحته من يمينه ويتابع مشواره فى صمت باحثا عن مكامن اوجاع الفلنكات
مشدود القامة كان ، حين تراه فى زيه الكاكى "جاكيت وبنطال يرتدى دائما قبعة كنا نسميها البرنيطة وهى من تركة الانجليز فيما ازعم ، لاننى لم ار اى هيئة ترتديها سوى السكة الحديد، ولم يتخل عنها حتى آخر لحظة من لحظات عمله الطويلة التى امتدت من يوم ان كان عمره عشرة اعوام الى ان بلغ سن التقاعد فى العام 1983
ولد حسبما ذكر فى العام 1918لم يدخل المدرسة قط، لكنه تلقى تعليمه الاولى فى خلوة فى بربر ، ومنها خرج الى العمل فى السكة حديد ، فى مدينة عطبرة القريبة من بربر ، تنقل بين المدن من اقصى الشمال فى حلفا الى اقصى الجنوب فى واو ، مرورا بمحطة عطبرة وتسنى شرقا ،ثم القضارف وخشم القربة حتى انتقاله الى مدينة الابيض التى ظل فيها من العام 1969 وحتى العام 1983 الذى نزل فيه الى المعاش ....
يبدو ان الانضباط كان سمة تلك الاجيال التى تعمل فى الحكومة ، اورثنا هذا الانضباط دون ان يتكلم دون ان يشير الينا ان نحتذيه ، لكننا كنا نراه ونفعل مثلما كان يعمل ، جميعنا بلا استثناء تربطنا بالمهن التى نؤديها رابطة الانضباط، فهو كان يحكى لنا عن الانضباط فى العمل ، كلما جاء القطار فى مواعيده كان ينظر فى ميناء ساعته ويبتسم فرحا ، منذ ان كان القطار يمشى بالفحم الحجرى حتى تغير الى الديزل ، كان الانضباط سمة له "القطار " يصل فى مواعيده ، حدثنا ان تلك الحالة تعنى "حافز للسائق " وهذا الحافز بمرور الزمن "انتفى " حيث بات القطار متلكئا ولا يصل فى مواعيده قط ، حتى اسماه الناس "قطر الهم " اسوة بمسلسل راج فى السبعينات ، وماتلك الخاصية الا لان السكة حديد اعتراها الترهل المهنى ، ليس بسبب العمال او الموظفين ، بل بسبب ال"اسبيرات " التى كانت لاتصل الى من يحتاجها ، وكان تدخل الدولة السافر فى مجرى العمل فى السكة الحديد لاسباب سياسية عامل من العوامل كما يقول والدى رحمه الله
كانت محطة الابيض بيته واهله وناسه ، يدخل بيوت العمال فيها والموظفين يتعاطى مع الكل كما يتعاطى مع اهل بيته ، لذلك اسماه الناس "عم الشيخ " البعض كان يخشاه فيرتجف لحظة وصوله ، والبعض كان يوقره لانه حريص على العمل وغير عابئ الا بالعمل ، يمنحه وقته وجهده كما كل الناس فى تلك الحقبة التى شهدت رسوخا للعمل العام ، لم يكن يساوم احدا ولم تدخل بيتنا منح كان التجار يرصدونها للموظفين
ذات مرة سالته
انت يا ابوى ليه فى ناس من نفس درجتك وحالهم احسن من حالنا؟
ضحك ساخرا مما اربكنى ورد بقوله
الحكاية ما ساهلة يا بتى ، امشى وين يوم السؤال العظيم ؟ يوم يسالنى من وين جبت دا كلو وانت موظف مرتبك صغير ؟ تعرفى بتجينى عشرات الهدايا من "سمن ، وعسل ، ودقيق ، وغيرها "لكن ما بشيل حاجة ما حقتى"، هل تفتكرى لو جبتها البيت بكون سعيد ؟ لانى بشوفا حاجة حرام ، دايرانى أأكلكم حرام ؟ دا مال سحت والعياذ بالله
كان غالبا يجرجرنى خارج تلك الاسئلة بقوله
جيبى لينا لندن نسمع الاخبار
كانت تلك احد اهم "احتياجاته "ان يستمع لنشرة الاخبار من لندن ، او القاهرة ان عزت لندن ، ونادرا ما كان يبحث عن محطة امدرمان لانه فى السبعينات وتحديدا اواخر السبعينات باتت لا تدخل الى شبكة الراديو ، بسبب ضعف اعتراها ، فباتت كل المدينة تستمع الى محطات لندن وصوت امريكا ومونت كارلو والقاهرة ، حيث تستمع اليها بوضوح ، تجدها تلك المحطات اينما توجهت فى المدينة فى السوق او المطاعم او المقاهى ، حيث لم يكن التلفزيون قد استولى على المقاليد بعد ، فكانت الثقافة مشتركة ، التعليق على الاخبار من وحى تلك الاذاعات ، حتى اخبار السودان الخرطوم نستمع اليهاعبر تلك المحطات ، ونثق فيها ، وحين اطلقت المعارضة الوطنية اذاعتها من اثيوبيا ، كنا نستمع الى صوت الراحل الهندى كل يوم ، ونترك الحبل لاذاعة اثيوبيا التى كانت تبثنا اغنيات سودانية ، وفى فترة كانت ايضا اذاعة تشاد والصومال تغنينا عن سماع الاغنيات السودانية من خلال اذاعة امدرمان، وتلك الفترة ايضا لم تشهد الاكتشاف الذى سيغير وجه الاستماع : "المسجلات " فلم يكن فى المدينة سوى تلك الاشرطة "الريل والمسجلات الكبيرة الخاصة بالريل وهو شريط كبير نسبيا تضعه فى ناحية فارغا والناحية الاخرى مسجل عليها فتنتقل البكرة من الملئ الى الفارغ ، وهكذا كنا نستمع الى الاغنيات "
فى فترة سابقة حين كان والدى فى القضارف ، كان الراديو كبيرا ويعمل بالبطارية ، له زر اخضر ينبئك ان الراديو يعمل ، كنا نتسابق كيما نحاول رؤية المتحدث من خلال ذلك الزر وكان والدى يضحك منا ، ويحاول ان يحدثنا عن الاثير ، وبروح الطفولة تلك لانرى ان حديثه سوى "سحر" حاول ان ينفذ به الينا
كان يضع الراديو فى تربيزة كبيرة عالية نستخدمها فى الليل بعد ان نكون على اهبة النوم فى وضع "الرتينة " التى كانت كانت تستخدم فى الاضاءة ايام كنا فى القضارف حيث لم تدخل الانوار الكهربائية بعد ، حتى الثلاجات كانت تعمل بالجاز ، كان والدى يصب الجاز الى قعر الثلاجة فى مكان خصص لهذا الغرض ، وتدور لعدة ايام دون ان تحتاج الى جاز جديد
كان يسافر الى تسنى وحين يعود كنت ترى الوان من الحلوى لم نرها فى مدينة القضارف ، لها طعم خاص ، يحدثنا انها من اثيوبيا ، وكذا صابون كان دائما داخله هدايا من الاطقم الزجاجية الى الساعات ، وغير ذلك ، كنا نسارع الى فتح علب الصابون الكرتونية لنرى ما بداخلها ،ظلت امى تحتفظ بتلك "الكبابى" الى وقت قريب ؟؟
فى الاعياد كان والدى يحضر لنا عصير الاسطناطور ان كتبتها صحيحة ، وتلك انواع من العصير كانوا يطلقون عليها الليمونادة والجنجبيرة زجاجها مستدير النهاية كنا نسميها "ام كرش" ونحتفظ بها فى البيت فى صناديقها الخشبية ليستردها والدى لتعود مملوءة فلم يكن البيبسى قد غزا الاسواق بعد
حتى بلوغى الثانية عشر من عمرى كنت اروح واجئ الى اسرتى مع جدتى لامى التى تربيت فى كنفها ولم اكن قد عشت حياة كاملة واسرتى الا بعد رحيل جدتى العام 1969حينها بدات حياة جديدة كل الجدة ، وبخاصة مع والدى عليه الرحمة
لذلك لم تكن العلاقة بيننا تلك الصافية دائما او السيئة دائما ايضا...
كانت ككل العلاقات تصاب بالوهن احيانا والقطيعة احيان اخرى ، كنت اعتقد انه لايحبنى قط ، لكنى كنت واهمة ايضا ...
شابها الاستقرار ابان دراستى فى كلية المعلمات ، وهى فترة امتدت لاربع اعوام كاملة
كان يجرى على ّ حرير القول بوعود لم اكن موقنة بصحتها ، ولم يكن لدىّ الا المقاومة بسبل اجترحتها عبر وسائل خاصة منها الكتابة
حين جاء ذلك اليوم وامرنى والدى ان احزم امتعتى للسفر الى الابيض مغادرين امدرمان ، احسست لحظتها اننى ساترك حلمى للفراغ الابدى ، طاوعته والقلب يدمى ينزف بلا توقف ،دم تجلى فى الاعين التى حال بياضها الى احمر ، لعدد من الايام كنت انزف فى صمت ، لم اسمح لعينى ان تغمض فلقد مات الحلم
الان اقف امام عتبة الباب لمدرسة ستضمنى بين جوانحها لعدد من الاعوام ، باب حين تفتحه ستجد امامك "غفير متجهم " يجيبك فى نفاد صبر ويدعوك للدخول فى غضب !
كانما ايقظته من قيلولة او سرقت ما تبقى من راتبه ،يشير اليك فى بلاهة لا تخفى الى حيث يقع مكتب العميد
كان العميد ايامئذ الراحل بشير التجانى عليه الرحمة ، وكانت السيدة زينب محمد سليمان هى مسؤولة شئون الطالبات فى الكلية ،دعتنا الى مكتبها وجلسنا ، كانت تحادث والدى وكانى غير موجودة ، كنت كلما رفعت عينى وجدت والدى يبتسم فى وجهى ، كنت اتجاهل ابتسامته ، كانت السيدة زينب احد صديقات والدتى وجارتنا فى العباسية فى امدرمان ، طويلة وسمراء جميلة بما يليق وسيدة فى عمرها حينها..
بدات تحكى لوالدى عن المدرسة وقوانينها ، طوال تلك الجلسة كنت اشفق على نفسى من الاحزان التى كانت تحيط بى والخوف من اننى لن اعود تلك الانسانة التى كنتها ، كنت ممتلئة بالحماس لانى استطعت الى حد محاولة اكمال حلمى ، لكنى هاانى اجلس امام مديرة شؤون الطالبات التى ستدخلنى بعد قليل الى حيث ساضع حقائبى وادخل الى عالم لم اكن مستعدة لدخوله ، عالم سيحرمنى من العيش فى مدينة اعشقها ، هربت اليها باتجاه حلم تمنيته ، هل على ان ارضخ ؟ وكيف يكون الرضوخ فى تلك اللحظة ؟كنت امثله بكامل ملامحه ، كنت احلم ان اكون محامية واقف فى المحاكم واقوم بتبرئة المظاليم ! لكن ذلك تبخر الان ، كلية ، لم اكن استمع الى ماكانا يقولانه هكذا اخبرت والدى حين خرجنا من مكتب السيدة زينب ...
حكى لى يومها ماقالته له السيدة زينب وكانه يحكى لشخص لم يكن حاضرا ؟!
تحولت عقب بدايتى الحضور فى الفصل الدراسى الى كائن "مهمل " لم اكن معنية بالدروس قط ، ولا الحضور ابدا ، لم اكن على وفاق مع نفسى حتى ، احسنى يتيمة اوجدتها الظروف فى بيت لم تكن تحلم ان تدخله فى حياة والديها اللذين رحلا عنها فجأة ..
داخلنى الخوف ان يتوقف قلبى عن الخفقان لشدة حزنى ، حتى بات لونى شاحبا ،مع ذلك ،ايقنت بعد عدة اشهر ان ثمة ما يجب الحفاظ عليه ، وهو وجودى فى هذه المدرسة وعلىّ ان اكون امينة عليه، وهو اننا كنا "نصرف"مبلغا من المال ، هذا المبلغ "على قلته " ساهم الى حد كبير فى دفع العائد الاسرى ، ساهم فى شراء ملابس للاطفال للمدرسة ، وبعض الاحتياجات لرخاء عمّ تلك الفترة من التاريخ "منتصف السبعينات"
حتى تخرجى فى الكلية كنت امينة على اهلى
بعد تخرجى ، "كانت الطالبة لحظة تخرجها يكون اسمها مكتوبا ضمن قائمة اللاتى سيصرفن مرتباتهن من صراف المديرية فى الابيض "
اول شهر عقب التخرج كان شهر مايو ، كان صيفا لاهبا ، لكنه لم يمنع والدى من المشى الى المديرية والعودة الى البيت حاملا اول مرتب لى !
جاء ذلك اليوم وابتسامة عريضة تعلو وجهه الاسمر ، كان فخورا انى استطعت ان انجز له مشروعه فى العون الاسرى بحكم انى اكبر البنات ، حيث اكبر الاولاد كانا ما يزالان فى الجامعة ...مدّ باتجاهى "ظرفا مغلقا " موضوعة فى جوفه تلك التى ما زلت اسميها "ملاليم" قال
مبروك وكان الظرف ما يزال ممدودا باتجاهى
قلت
دا حقك ..
رايت ارتجافة خده ، وتدحرج دمعة سارع الى حبسها ، لكنه لم ياخذنى الى حضنه ، لم يحدث ان فعل قط ايامئذ !
حوّله باتجاه امى ، التى ماتوانت فى رفع كفها الى السماء والدعاء لى ، ثم تلقفتنى الى حضنها ، وددت لحظتها ان اظل هناك الى الابد...
حتى شهر يوليو ظل ذاك المشهد مستمرا ، يقوم والدى بصرف راتبى من المديرية
لم اكن بحاجة الى تلك "الملاليم " كنت آخذ منها ما يكفى لدفع اثمان الكتب التى اشتريها كل شهر من مكتبة محجوب عوض الكريم رحمه الله ، عدا ذلك ، كانت تتكفل به امى ، فلقد انعشت روحها تلك الملاليم ، تشترى كل فترة الوان من الملاءات ، وتبدل ما اعتراه الوهن من احذية الاطفال ، وملابسهم التى كانت تحيكها على ظهر تلك الماكينة القديمة ، لكنها كانت تفى بالغرض ...
كان والدى يمتلك خاصية فريدة "السرد"يظل يسرد عليك قصة واحدة لعدد من المرات ، لكنك فى كل مرة تجدها جديدة ، ليس بدواعى انثقاب الذاكرة ، او النسيان ، لكنه يحكيها فى مناسبات مختلفة ووسط حضور مغاير ، حيث يمتلك حسا كوميديا ساخرا ، ويحب الضحك ، كان يضحك حتى تجرى تفاحة ادم علوا وهبوطا...
يخاف والدى علينا كثيرا ، رغم الجفوة التى تراها فى تعامله معنا،لكن داخله معقودة جلسات للخوف والشجن ، داخله طفل لم يجد من يراعاه ،فلقد ظل كالطفل المدلل طوال حياته معنا ، يمتلك عنادا لا يدانى، واعتداد بالذات ، اورثنا اياه ، بلا استثناء ،
يمتلك قلبا كبيرا ادخلنا جميعا الى رباه ، ولم اكن ادرك هذا القلب ايام عنادى وكبريائى الزائف ..
يوم ان ولدت امى آخر عنقودها ، كان ذلك فى المستشفى حيث اجريت لها عملية قيصرية لاول مرة فى حياتها ...
كان والدى خوف يمشى على قدمين ، كنا فى اجازة المدارس "نصف السنة "
كان اكثر اهل بيتنا توترا ، وقلقا ، تجده وقد لبس ملابس العمل ، لكن قلبه لا يطاوعه فيتجه ناحية المستشفى الكان ملاصق لبيتنا ، يفصلنا عنه "السلك الشائك " يعود ويجيب على اسئلة لم نسالها
امكم كويسة هسى جيت منها، قالو العملية بعد ساعة ، حامىش عشان انتظرها لمن تطلع من العملية ...
لاول مرة اشهد ذلك اللون لفضلات ادمية على الاطلاق
قال لى
حاسى بمغص ما طبيعى ، اغلى لى شوية نعناع
قمت طائعة الى المطبخ وغليت ما طلب الىّ ، شربه ، سالته عن المغص هل خفّ؟ قلت "امكن كنت لابس خفيف ، لانه فى برد الصباح ؟رد على بقوله : الله يستر
لكنه بعد عدة دقائق رايته يهرول باتجاه الحمام ،سمعته يئن على نحو موجع ، وخرج بعد عدة دقائق ، ساعدته كيما ينزل عن عتبات الحمام ، بغتة وقعت عينى على المقعد ملطخا بلون اسود ، اوصلته للسرير وعدت لانظف الحمام ، كانت اول مرة اشهد ذاك اللون الكلى السواد يصبغ المقعد ، تساءلت لحظة كنت انظف الحمام :كيف يمكن ان يتحول الالم الى لون اسود ؟
عقب خروج امى من المستشفى حكيت لها ما حدث يوم ولادة هند ، فردت بقولها
كل ما يتوتر بكون كدا ...
شهدت ذاك التوتر مرة اخرى ، رايت دمعا هذه المرة ، لاول مرة اراه يبكى وعلى مرأى من جمعنا ، لم أره يبكى حتى يوم رحيل والديه ، امه رحلت قبل ابيه ، ولم أره يبكى قط !
لكنه فى ذاك اليوم بكى كنت فى حالة مخاض ، يزداد المى ، فترتفع وتيرة صراخى وبكائى ،فإذا ما انفرجت لحظات الالم ، اتوجه الى عيون اهلى استمد منها الشجاعة لاكمال مهمتى المستعصية ، كلما نظرت ناحيتهم ، وجدت دموعا تغطى الوجوه ،كل اخوتى وامى وابى ،كنت اطلب اليهم التماسك ، وانى بخير ، ساكون بخير ، هكذا كنت اقول ...لكن موجة البكاء كانت تعلو ، وكان ابى يخرج ذلك اللون الاسود من امعائه ...!
كنت ارنو ناحيته ،فاراه يرتعش ، ترتجف المسبحة الصغيرة فى يده ، وهو يحاول جاهدا الى اخفاء ادمعه التى سحت على خده ، وهلع يرتسم فى وجهه..
حزن لم يسعى الى مداراته ،كان حزنا معلنا وخوفا مرئيا ..
مثل ذلك الحزن شهدته يوم ان كنت باتجاه مغادرة البلاد ، عصر يوم 13 يناير من العام 1991، لم يخرج من غرفته الى وداعى ، فعدت لاراه ، دخلت الى غرفته ، وجدته وقد اتخذ وضع الجنين فى بطن امه ، يده اليمنى تحت راسه متوسدا اياها ،يده الاخرى كان يغطى بها وجهه، ويتخذ وضع من ينام ...
حين رفع راسه باتجاهى كانت الدموع تغسل وجهه
مع السلامة ابوى اتمنى انى الاقيك
لم يكلمنى ، بل مد يده ، ثم اخذنى الى حضنه ، تلك اول مرة يحدث فيها ان ياخذنى الى حضنه ، قال "لا اله الا الله " فاكملتها "محمد رسول الله "
قال
خلى بالك من نفسك ، الموت مامعروف لمنو ؟عافى منك وراضى عليك ، الله يوفقك ..كان الله هون عليك وجيتى راجعة حتلقى كل اوراقك هنا محفوظة
حين عدت العام 2005 الى البلاد ، كان قد رحل قبل عشرة اعوام من عودتى ، وجدت اوراقى كما هى ، محفوظة فى حقيبة كبيرة ، كان يضع حولها "افرع النيم " لتحفظها من الجنادب والبراغيث ،وجدت دفاترى القديمة ، واوراق البرامج التى كنت اكتبها للاذاعة ، التى حدثنى فى خطاب له "ناس الامن جو،وقالو دايرين اوراقك ، رفضت اديهم منها سطر واحد " وجدت ملفى الشخصى الذى استخرجه بعد احالتى للصالح العام ...وجدت كل شهاداتى المدرسية وشهادة ميلادى ، وكل اوراق حكومية من نتائج الفصل الدراسية الى ارانيك مرضية لم تتعد الثلاثة ..! طوال خدمتى فى الحكومة ...
وجدتنى احمل تلك القطعة منى واضعها فى حرز امين فى دولاب قلت لهم "كل معلوماتى هنا يوم ارحل ، لا املك وصية سوى ان لاتدفنونى هنا او فى اى مكان ، فقط تبرعوا بهذا الجسد لاى جامعة او مستشفى عسى ان يستفاد منه فى امر انسانى ... "
ثمة امر كان وظل يحيرنى فى تعاطى والدى معى ، كان امام الناس يبدو فخورا حد الزهو بى ، منذ ان بدات حياتى الجديدة فى كنفه بعد رحيل جدتى "امى نفيسة "كان كل اصدقائه وحتى امى تقول مع القائلين "ابوك فرحان بيك شديد "احبنى اصدقائه لفرط حديثه عنى ،وتمنى الكثير منهم ان اكون احد بناته!كانوا يحدثوننى عن امر لم اخبر به سوى امى
ذلك انى كنت امشى معها الى الصياغ نبدل مصوغاتى التى تركتها لى جدتى لنعود محملات باللبن والطعام لاهل بيتنا ، كنت حينها صبية لم اتجاوز الثلاثة عشر عاما ، حتى بعد تخرجى رغم ارغامه لى على دخول كلية المعلمات وكيف انه كان يصرف مرتبى مستخدما اياه فى حل ازماته ، لم اطلب اليه ذلك لكنه كان يفعل !حتى عملى فى الصحف كان يحكى عنه فى فخر لم يهبنى لحظة منه ...؟!
وجدت اصدقاءه يعرفون تاريخى بتفاصيل كنت اجهل الكثير عنها ..كانهم عاشوا حياتى .. لكم بكيت امامهم وحدثتهم برغبتى ان ينقل لى ولو جزءا يسيرا مما كان يقوله عنى ..!
كان ذلك الفصام فى التعاطى معى يقودنى الى البكاء وكثيرا ، الى الصوم عن الطعام حتى اصبت بالامساك المزمن ..وكنت اصوم ايضا عن الكلام ، جعلنى منطوية على ذاتى وحتى الان
كنت احيانا اقضى سبعة ايام دون طعام ، حتى ادخل فى غيبوبة تلزمنى سرير المستشفى حيث اكون مصابة بالانهيار العصبى ...
كنت آكل الكتب بنهم غريب ، احشر نفسى داخل البطانية واشعل بطاريتى ليل نهار ، واطالع ما شاء الله لى المطالعة ، حتى يصيبنى الاعياء ...كل هذه الاحالات لاتجعله يلين ناحيتى قط ..؟!
او ربما كان يتظاهر بتلك الجفوة ؟؟لانى اكتشفت فيما بعد انه كان الاكثر حنية وشغفا بنا وعلينا
رحمة الله عليك يا والدى فلقد فتحت فينا انهارا للمعرفة لن تجد لها مصبا سوى فى انفسنا ، باتجاهك ، فتحت لنا ابواب المعرفة من خلال مكتبتك التى حرصت على حفظها لنا منذ الثلاثينات ، حيث حفظت لنا مجلات الرسالة ، التى كانت تصدر فى مصر حينها ، ومجلتى النهضة والفجر ، آخر ساعة ، المصور ، مجلة العربى ، وكتب من عينة "العقد الفريد ، الفتوحات المكية ، الف ليلة وليلة ، كل ماكتبه طه حسين ، والمنفلوطى ، تفسير الجلالين ، تفسير ابن كثير ، مجلة العربى منذ العدد الاول ، وحتى العام 1983 ذلكم العام الذى انتقلنا فيه من الابيض الى امدرمان
رحمة الله عليك يا والدى رحمة تتسع
فبراير 2010
ايوا الولايات المتحدة
Salma Salama [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.