- المدير عايزك! و كانَ، غالباً، ما تعقُب هذه الجملة الندائيّة: حِزمة من الخواطر تجول بذهن أحمد، إعتاد أن يُخمِّن خلالها: ما هي أسئلة، و طلبات المدير، المحتملة!... و يحضِّر لها إجابات مُقنعة، أو على الأقل: مبرئة لذمته، و تُنْجيهْ، من: تطويلات المدير المعهودة، و (كأن تلك الحذلقة و الكلام الأملس دليل كفاءة!)، و كانت دائماً ما تجنبهُ إجاباته الجاهزة، تلك، خراب باقي يومه! لقد طهق من الطلبات، الطارئة، التي، غالباً، ما تكون: لا منطقية، توقيتاً... و لا مُتسقة مع أولويات (أحمد) في العمل. دلف إلى مكتب المُديرن بعد أن أصلح هندامه، و وضع على شفتيه ابتسامة (مرؤوس!)، تلك الابتسامة البلهاء، التي تدلُّ، على: استعداده للطاعة و التعاون، و لسان حاله المصطنع: من إيدك دي... لإيدك دي!... و همهم من تحت لسانه بتحية الصباح: - صباح الورد! - أهلاً يا (أحمد)، إتفضّلْ! ... تشرب شِنو؟ - شكراً. - طبعاً، يا أحمد، زي ما إنت عارف: أنا متمسِّك بيك،،، و لا أزالْ! (.يقلّب ملف بنهم إداري مصطنع):م - ما عارف أبدا من وين؟ لكن!... إنت طبعا: سيد العارفين، ...إنو مرّات الشغل يتطلّب تضحيات... - !؟؟؟ - ياخي! من الآخر، جاتنا أوامر إنِّو نفصلك... و طبعاً نحن ما راضين لكننا، زي ما إنتَ عارِف ، (عبد) المأمور ! آسفين ياخي... .ثمّ، مُصلحاً النّظَّارة: - و لمصلحتك، و عشان الكارير (Career) بتاعك، بنديك فرصة تستقيل... و لك عليْ: أحفظ ليك حقوقك كلّها! و لو احتجت لأي حاجة تلقانا في (الخِدمة(!. و في الحقيقة ، فإنّ (أحمد)، لم يكن في حاجة لتطييب الخواطر... أو مُستعدَّاً له، بل و كان، فعلاً، في غِنىً عن طلاوة لسان المدير، قليل الحيلة، هذه... فقد كانت هذه هي (الرفدة) التاسعة في تاريخِ (أحمدٍ) المهني، و قد تعلّم، من سابقاتها، ألّا أحد يُمكنه: سد باب العمل، أو الأمل، عليه، إلّا: هُو! و عندما خرج (أحمد) من الباب الرئيسي، للشارع، انتابه شعور بأنّه يرى مناظره، أي الشارع، لأوّل مرّة: متّسعاً كما الفضاء العريض... و شمسه الذهبيّة... هل كانت كل يوم كذلك؟ و قادته قدماه، إلى: البَنَابِر، التي شكلت ثلاثة أرباع دائرة تُحيط ب: (حليمة!)، ستَّ الشاي... و ابتسمت له حليمة، ابتسامة سماويّة: كما تراءت له، فجأة، رغم إنها كانت تبثها، دائماً، و لجميع الروّاد ! فقد كانت من طبيعتها، و جزء من بضاعتها... و طقطق البُنْ: - رفدوْني ليه؟ ... ليه؟ ليه!؟ و فاحت رائحة القليّة، و تلوَّى دُخانُها و عبّق المكان، و ملأ أنفه، و صدره، حُبوراً، حتَّى: أدمعت عيناه في محجريها، فلمَعَتْ دونما إنهمار الدمُوع ... حينئذٍ، لم يجد أمامه ألذَّ من أن: يُشعل لفافة تبغِهِ الأثير! عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.