الحرية مسؤولية، ولكي تسير أمور المجتمع على ما يرام ينبغي على الناس أن يحترموا المواثيق والعهود التي قطعوها على أنفسهم. في المجتمع الليبرالي الحديث فإن للإنسان الحق في الحياة، والحق في الحرية، والحق في الاستمتاع بأملاكه الشخصية. وكل مجتمع يضمن لأفراده هذه الحقوق الأساسية يمكن القول بأنه مجتمع ليبرالي عقلاني. كما أن لكل فرد الحق في الإيمان بدينه أو مذهبه بشرط ألا يفرض ذلك بالقوة على الآخرين. جون لوك البرامج الإنتخابية للأحزاب والمرشحين، والمبذولة على أوراق وندوات ومخاطبات الساسة الذين يرغبون في خوض الإنتخابات التي لا تتعدى فرصها الألفي مقعد أو تزيد، على مرشحين يزيدون على الأربعة عشر ألف بقليل، ليست هي ما يرغب المواطنون في معرفته، فالمواطنون يرغبون في الثقة في المرشح والثقة في تنفيذه لما صرّح به من خلال برنامجه المطروح. ومعلوم أن البرامج السياسية الواقعية توضع على مستويين، المستوى الأول إرضاء الجماهير بطرح مشاريع تتوافق وما يتمنونه من عيش، والمستوى الثاني يرتبط بمقدرات هذا المرشح أو ذاك، على تنفيذ ما وعد بتنفيذه، فالمرشح عمر حسن البشير مثلاً( رئيس الجمهوية)، صدرت منه تصريحات كان أبرزها مؤخراً تعهده بالشريعة الإسلامية وتوجيهاتها، وقد رمى ب(بياضه) للشعب السوداني في بداية حملته الإنتخابية. إذن والحال كذلك فهل يا ترى راعى حقوق غير المسلمين ضمن حملته تلك، وحقوق المسلمين الذين لهم رأي في النهج السائد حاليا فى تطبيق الشريعة الإسلامية بحسب مفهوم المؤتمر الوطني؟. إن الحديث عن الوحدة الوطنية، والشعارات المتوفرة بكثرة على طرقات العاصمة، تؤكد أن المؤتمر الوطني يسعى للم شمل السودانيين بالسلام والوحدة، فكيف يمكن التوفيق بين تجاهل مرشح رئاسي لديانات وثقافات وعادات بعض القبائل من السودانيين، وبين دعوته لهم لبناء سلام شامل يضمن لهم حقوقهم كمواطنين من الدرجة الأولى، وهل حقيقة يهتم المواطنون لهذا الموقف(المبدئي) كإهتمامهم بقضاياهم الأساسية من أمن وخبز ودواء وماء. في الشعار الذي أطلقه المؤتمر الوطني لأبناء جنوب السودان، والذي دُشّن قبل الحملات الإنتخابية بأيام قلائل، جاءت عبارة" معاً لإستكمال مسيرة السلام"، فكيف يدعو حزب المؤتمر الوطني أبناء الجنوب، كل أبناء الجنوب للسير معاً نحو السلام دون إستصحاب رغباتهم هم في الطريقة التي يريدون إستكمال السلام بها. كيف ندعو للحرية ونتحرّاها ونحن نغمط أبسط الحقوق لبعض أبناء الوطن. لم يكن موقف المؤتمر الوطني في نيفاشا من الشريعة في شمال السودان، إلا طعناً في الوحدة الطوعية التي دُبّجت بها الإتفاقية الملزمة للأطراف الموقعة عليها، فالشمال ليس ملكاً للشماليين، فهناك من غير الشماليين من يملكون عقارات وأسواق ومناشط وتاريخ في الشمال، وهم سودانيون من الدرجة الأولى بحسب الإتفاقية التي بموجبها ستُجرى الإنتخابات، فكيف نتجاهلهم في البرامج الحزبية والحملات الإنتخابية ساعة، و تتم دعوتهم ساعة أخرى للتصويت والإنتخاب للبرنامج نفسه الذي يتجاهلهم. إن الدعوة للمناظرات بين المرشحين ضرورية، لوضع الأمور في نصابها وليعرف الشعب لمن يصوت وعلى أي أساس، فهناك من القضايا العالقة والتي تهم المواطن ما لو وضعت قيد البحث والتناظر، لما إحتجنا للشعارات والصرف البذخي على المطابع ودور الإعلان. بالنسبة للكثيرين فإن قضية المياه الصالحة للشرب أهم من الموقف من الخمر وشاربها، وكذلك ضمان المسكن الآمن والصحي يعنيهم أكثر من ورود اسمهم ضمن التعداد السكاني أو عدمه، واستمرار التيار الكهربائي في المنزل، يهم الناس بمقدار أكبر من إنارة الشوارع والحدائق العامة، وقس على ذلك الكثير من الأمور التي تقع ضمن حاجات الناس الأساسية ولا تلقى إهتمام إلا حين إنطلاق الحملات الإنتخابية. قامت الإنتخابات أو لم تقم، فإن توفر الحاجات الأساسية للبشر سيظل مطلبٌ مستمر والخمر والمخمورين بالتأكيد ليس من بينها وإلا نكون قد وصلنا للرفاهية التي تجعل من الخمر هماً للمنتخَب والمنتخِب معاً، فهناك الكثيرون من أهل هذا الوطن لا يكترثون، بل ربما لا يعرفون ما يحدث من حراك سياسي بإتجاه الإنتخابات، ولكنهم يكترثون حقيقة ويعرفون أنهم يجوعون ويعطشون ويمرضون بسبب سياسات خاطئة لولي أمرهم. nazeer ebrahim [[email protected]]