لن نسمح لبعض الزملاء المتلاعبين أن يخدعوا شعبنا مجدداً. وإن كنا قد ناهضنا حملاتهم التضليلية طوال سنوات حكم الساقط البشير، وإبان تلك القبضة الحديدية، فلا شك أن الظرف الحالي مواتِ أكثر للوقوف لهم كشوكة حوت يصعب بلعها. طوال الفترة الماضية كنا نجد شيئاً من الصعوبة في فضح مخططاتهم وأغراضهم الدنيئة. أما الآن ومع حالة الوعي التي تشكلت منذ انطلاقة ثورة ديسمبر المجيدة فقد خفت هذه الصعوبة بدرجة كبيرة. لهذا لن يرتاح هؤلاء الكذبة المضللين. وسنقف لهم بالمرصاد رغم تمتعهم بالعديد من المنابر غير النزيهة التي تتيح لهم فرصاً للتلاعب بمشاعر السودانيين ودس السم في الدسم. بالأمس وبعد أن نبهني الأخ العزيز طارق حامد إلى بعض ما قاله رئيس المجلس العسكري الانتقالي خلال لقائه مع ضياء الدين بلال، ضغطت على نفسي وألحقت سماعة بأذني واستمعت للحوار كاملاً. بعدها قفزت لذهني مجموعة من الأسئلة: " لماذا تأنق ضياء الدين بلال وأصطحب معه مدير القناة إلى مكتب الفريق أول البرهان لإجراء هذا اللقاء؟! هل كان هدف ضياء تقديم خدمة إعلامية محترمة وتطمين هذا الشعب الثائر القلق على مستقبل وطنه وأمنه واستقراره، أم أن للقاء أهدافاً أخرى بعيدة كل البعد عن ذلك؟! وللأسف الشديد وصلت لنتيجة أن اللقاء كان بهدف التطبيل وتلميع الصورة وتعزيز العلاقة بين القناة ومقدمها والقائمين على أمر العباد في هذه الأيام. نفس ما كان يفعله ضياء الدين بلال وآخرون كلما أتاح لهم البشير الفرصة للسفر معه هو ما أتحفتنا به قناة النيل الأزرق أمس الأول. فقد جاءت الأسئلة (جبانة) و(هزيلة) وليس فيها أي جديد. أكثر ضياء من عبارة (سعادة الفريق) وحاول إيهامنا بأنه يريد أن يكون صريحاً، لكن فات عليه أن الصراحة والشجاعة في مثل هذه اللقاءات لا تُحسب بانتقاء الكلمات، بقدر ما تُقيم بما يخرج به الحوار في نهاية الأمر. ما الجديد بالله عليكم حين يقول البرهان " نحن واثقون من عدم تورط أي من أعضاء المجلس في فض الاعتصام"! هذا حديث سمعناه منه شخصياً أكثر من مرة . ولو كان ضياء الدين محاوراً موهوباً وشجاعاً كما يظن البعض ل (فرع) من هذا السؤال العديد من الأسئلة الأخرى حتى يُخرج من ضيفه الإجابات المقنعة التي تساعد السودانيين في فهم ما يجري. فإما إن يقنع البرهان الناس بأن مجلسهم لم يكن جزءاً من جريمة فض الاعتصام حقيقة، أو يمضي السودانيون إلى نتيجة أنهم تورطوا فعلاً في الجريمة. هل سأل ضياء الدين ضيفه السؤال الفرعي: " لماذا تصادفت جريمة فض الاعتصام مع هجمات أخرى شبيهة في أكثر من 12 مدينة سودانية في ذلك اليوم الأسود؟! بالطبع لم يوجه مثل هذا السؤال. لماذا إذاً؟! لأنه ببساطة ليس بذلك الإعلامي الشجاع الباحث عن الحقيقة (كاملة) كما يتوهم بعضنا. وكل ما في الأمر أن هذه الفئة من الإعلاميين وجدوا ضالتهم في نظام بغيض وكريه اسمه نظام الانقاذ فاستغلوا علاقاتهم وعرفوا من أين تؤكل الكتف، ولهذا حظيوا بهذه المساحات الواسعة وتعددت بالنسبة لهم المنابر لتضليل الناس وإهدار وقت العباد فيما لا يفيد حتى يطول أمد الظلم والطغيان وتتعاظم منافعهم الشخصية. سأل ضياء الدين ضيفه أيضاً عن علاقته بدارفور وحميدتي بطريقة توحي لأي صاحب عقل بأن الغرض هو تجميل صورة البرهان الذي ارتبط في أذهان الناس بجرائم ارتكبها نظام الكيزان الحاقد الكريه في حق أهلنا الطيبين بدارفور. وفي هذه الجزئية أيضاً لم يضغط ضياء الدين أو (يُفرع) أسئلته حتى يُخرج من ضيفه المفيد، بل اكتفي بأسئلة سطحية تتيح للبرهان تقديم صورة جميلة عن فترة عمله في دارفور لينتهي الناس إلى حقيقة أن البرهان يصلح كرجل دولة وسياسي مُحب لوطنه وأهله، دون توضيح الكثير جداً من الأمور بالغة الأهمية. وقد فات على المُحاور (المُتذاكي) أن ما حدث في دارفور سُجل وصُور كاملاً وشهد عليه الكثيرون بما فيهم المنظمات الدولية، وأن ما جرى هناك لا تنفع معه مجرد حلقة تلفزيونية تُلبس لها (بدلة) زرقاء كاملة ويُعتدل لها في الجلسة لكي يقتنع الناس بأن كل شيء (تمام) وعلى ما يُرام. هذا ابتسار واستغباء للسودانيين يا ضياء لو كنت تدري. العلاقة مع حميدتي لم يكن كافياً أن يطرح ضياء على ضيفه سؤالاً وحيداً: " كانت علاقة شخصية"!! ما هذا (الاستعباط) يا عزيزي مُقدم قناة النيل الأزرق!! راعي الضأن في خلا السودان يعلم أن هناك علاقة شخصية تربط البرهان بحميدتي، ولم نكن ننتظر لقاءك (المفخخ) حتى نفهم هذه. لكن ما كان يجب أن يسمعه السودانيون هو: لماذا تطورت العلاقة الشخصية بينكما أصلاً رغم التفاوت في كل شيء!! وما السبب الذي دفعكم كضباط كبار في الجيش للقبول بوجود شخص من خارج القوات النظامية وحصوله على أعلى الرتب العسكرية!! صحيح أن البرهان قال أن حميدتي كان جزءاً من المؤسسة العسكرية منذ عام 2003، لكن هل سأله ضياء الدين: " كيف صار جزءاً من هذه المؤسسة، هل بعد التحاقه بالكلية العسكرية، أو تخرجه في ساندهيرست مثلاً"!! هناك الكثير عزيزي القاريء مما يؤكد أن اللقاء لم يكن بغرض المساهمة في دفع الاتفاق بين المجلس وقوى الحرية والاعلان، أو تقديم خدمة إعلامية محترمة. وقد تناولت هذا الأمر لتوضيح فكرة أساسية هي أن خطراً كبيراً يحيق بالاتفاق الذي تم بين الجانبين. طالما أن ضياء الدين وأمثاله آخذون في التمدد فثقوا أن الأمور لن تسير كما يجب إلا بيقظتكم ووعيكم التام أيها الثوار. حرام والله بعد كل هذه التضحيات والدماء التي سالت والأرواح التي أُزهقت أن يأتي أمثال هؤلاء ليشكلوا بطانة سوء تحيط بالبرهان وحميدتي مثلما فعلوا مع الطاغية البشير. حتى إن أراد البرهان وحميدتي التراجع عن بعض أخطاء الماضي وراودهما شعوراً بالوطنية ورغبا حقيقة في التوصل للحلول التي ترضي الشعب السوداني لن يعينهما هؤلاء بمثل ما شاهدناه عبر قناة النيل الأزرق. القناة نفسها ظلت تسهم على الدوام في شغل السودانيين عن قضاياهم الأساسية بتقديم الكثير جداً من البرامج (الهايفة) والأغاني، الشيء الذي ساعد نظام المخلوع في البقاء لأطول فترة ممكنة. ولهذا أرجو ألا نسمح مجدداً لا لبعض قنواتنا الشريرة ولا لهؤلاء الأرزقية الذين تكسبوا كثيراً ولمعوا أنفسهم على حساب البسطاء والغلابة بأن يعزفوا لنا على أوتار العاطفة. لم يضيع السودان سوى بعض المثقفين والمستنيرين بسبب أنانيتهم المفرطة وحبهم لذواتهم وتغليبهم للخاص على كل ما هو عام. ثمة أشياء قد لا ينتبه لها رجل الشارع العادي ودور الإعلام الوطني الذي يشعر بالمسئولية تجاه وطنه وإنسانه بلده أن يوضح ما يُراد اخفاؤه. المتابع الجيد لسلوك ضياء مثلاً منذ أن وصل ثورانا لمنطقة القيادة وتمكنوا من إزاحة الطاغية البشير سيلاحظ أنه، أي ضياء قد سافر إلى الدوحة وبقي هناك لفترة ليست بالقصيرة. وقتها بدأ يظهر في قناة الجزيرة كمحلل وظل على عهدنا به ساعياً للعب بالبيضة والحجر. حتى ذلك الوقت لم تكن الصورة واضحة له وللكثيرين ممن يفكرون بطريقته، ومن كانوا يتخوفون من أن تصل ثورتنا إلى غاياتها كاملة، لذلك تحسبوا لإظهار قدر من الثورية. أما بعد أن وضحت الأمور وسيطر المجلس العسكري على الأوضاع بدرجة ما نتيجة الخطأ التاريخي الذي وقعنا فيه بقبول المجلس الحالي الذي يرأسه البرهان- حميدتي، فقد لاحت لهم في الأفق مرحلة دكتاتورية عسكرية جديدة، وهذا يشكل غاية المنى لهؤلاء. ولهذا عاد ضياء أدراجه وسعى سريعاً للمحافظة على وضعه القديم طالما أن من يتولون الأمر حالياً يلبسون ذات البذة عسكرية ويرصعون أكتافهم بنجمات ونياشين مثلما كان عليه حال السفاح البشير. ظللت على الدوام أحذر بصفة خاصة من أقلام كثيراً ما دست السم في العسل وتذاكت على أفراد هذا الشعب الذي يستحق الأفضل دائماً. ولمزيد من الوضوح أقول أن فئة الإعلاميين مثل حسين خوجلي، الهندي، الطيب مصطفى، اسحق فضل الله، الرزيقي لا تشكل تهديداً كبيراً، فهؤلاء أمورهم واضحة، وما على الثوار إلا مقاطعتهم بصورة حاسمة وبذلك يتجنبوا شرورهم. أما نوعية ضياء الدين، محمد عبد القادر، مزمل ولطيف فهؤلاء كثيراً ما تذاكوا على الناس وقدموا لهم السم في الدسم كما أسلفت. هذه هي الفئة التي يجب الحذر منها والتعامل مع ما يصدر منها بجدية وتفنيد، هذا بالطبع بجانب المقاطعة لأنها أقوى سلاح يملكه الثوار حالياً. فلا يعقل أن يقرأ أحدنا مقالاً لأي ممن ذكرت ليسبه في نهاية المقال ثم يضغط على زر الإرسال ليُشرك فيه غيره، معتقداً أنه أضر به بتلك الشتائم والسباب. الكاتب سادتي يكفيه أن يتداول الناس ما يكتبه حتى وإن شتموه وسبوه في نهاية الأمر، فهذا لا يهمه كثيراً. وإن أردتم أن تتقوا شر هؤلاء عليكم بمقاطعتهم تماماً. كما أرجو من الزملاء الشرفاء ألا يعتقدوا أن هذا أمراً شخصياً، فهي مسألة عامة بالدرجة الأساس ويجب أن تواجه حملات هذه الفئة من الصحفيين بصرامة ووضوح شديد حتى لا نفسح لهم المجال لتسميم الأجواء مجدداً. فقد تهاونتم معهم كثيراً في الفترة الماضية وظننتم مخطئين أن الصحفي يفترض ألا يتطرق لما يكتبه زميل له سلباً، ولهذا وجدت هذه الفئةالمجال للإضرار بالوطن وأهله. وطنيتنا تحتم علينا ألا ننظر للأمور من زاوية كهذه، وعلينا أن نكون اكثر وضوحاً وصرامة في مواجهة كل من تسول له نفسه إيذاء أهلنا بأي شكل من الأشكال. ومثلما نكتب وننتقد عسكرياً يحمل بندقيته ليوجهها إلى صدر أحد المواطنين العزل، لابد أن نمتلك ذات الشجاعة لمواجهة زميل يحرض هذا العسكري على القتل سواءً بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. المتابع الجيد لقناة الجزيرة وما كانت تبثه وتقدمه من تحليل سياسي إبان فترة الاعتصام وبعد المذبحة وما نسمعه من محلليها هذه الأيام بعد توقيع الاتفاق سيتضح له الدور الخطير الذي يلعبه الإعلام. لذلك أرجو ألا نسمح بأي ثغرات أو ننجر وراء بعض الألاعيب التي أضاعت بلدنا في السنوات الماضية. وللزملاء الشرفاء أقول أن ما يواجهه الوطن يحتم علينا ألا نضع أدنى اعتبار لعلاقة شخصية، أو نتخوف من صورتنا العامة أمام الآخرين. وإذا كان المجلس العسكري جاداً فعلاً في اتفاقه مع قوى الحرية والإعلان فليفهم أعضاؤه أن الشعب لن يقبل بذات الوجوه القديمة التي طبلت وهللت وحرقت البخور للطاغية الساقط، كما ذكرت في مقال الأمس. وأهمس في آذان البرهان وحميدتي بالقول: إن كان هناك من زين لكما الأسلوب الذي تعتمده بعض فرق كرة القدم التي تواجه منافسين أشداء ذوي حماس وروح عالية فتعمد إلى تهدئة اللعب وامتصاص الهجمات المتتالية فعليكما أن تتأكدا أننا سنظل في كامل يقظتنا. لن نهاتر أو نسخر أو نسب، لكننا سنمارس نقداً موضوعياً ولن نفسح المجال لألاعيب بعض أرزقية الإعلام مهما كلفنا ذلك من عنت. وحلكم الوحيد في المجلس هو أن تخلصوا لما تم من اتفاق وتمضوا في الاتجاه الذي يخدم الثورة التي عانقت السماء روعة وبهاءً ولم يعد التراجع عن أهدافها وغاياتها ممكناً. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. //////////////////