الوحدة الإندماجية هي مصطلح جديد في القاموس السياسي السوداني من إختراع حركة العدل و المساواة في أعقاب أو قبيل توقيع علي ما سمي بإتفاق الإطار ما بين الحركة و الحكومة السودانية و التي بدأت مراسمه في عاصمة جمهورية تشاد وإنتهت في عاصمة قطر في الثالث و العشرين من شهر فبراير الماضي. و للمصطلح معني سياسي يختلف عن معناه اللغوي. و تتركب العبارة من كلمتين مختلفتين في المعني فالوحدة لا تعني الإندماج. لآن الوحدة تعني الإتحاد الذي يحافظ كل عنصر من العناصر المتحدة بصفات مكوناتها.و تقابل كلمة الوحدة في الإنجليزية كلمة Unity و من جهة أخري فإن الأندماج تعني الإنصهار و في عملية الإندماج تنصهر العناصر المندمجة و تختفي الصفات المكونة لكل عنصر من العناصر المندمجة و تقابل كلمة الإندماج في الإنجليزية كلمة Merge. إذا فما هو المعني المقصود بالوحدة الإندماجية في السياق السياسي؟ سياسيا، دعت حركة العدل و المساواة جميع حركات دارفور الأخري التي تحمل السلاح في وجه الحكومة الي وحدة إندماجية شاملة مع حركة العدل و المساواة حتي لا تكون هناك مفاوضات أخري متزامنة أو متوازية لمفاوضاتها مع الحكومة. و تاتي هذه الدعوة الي الوحدة الإندماجية الشاملة في العدل و المساواة علي قاعدة "لا غالب و لا مغلوب"! حسبما تكررها الحركة كلما ذكرت الوحدة الإندماجية التي تدعو إليها. و هذه القاعدة هي الأخري تحتاج الي الفحص و التدقيق للوصول الي المعني المراد منها و من ثم الوقوف علي الرسالة التي تريد الحركة إيصالها الي الحركات المدعوة الي الأندماج و الإنصهار فيها. و لعل أحد أهم الأسباب التي جعلت الحركة تدعو الحركات الاخري الي الإندماج فيها هو ان جميع هذه الحركات ليست لديها اية قوات مقاتلة علي الأرض –لا علي أرض دارفور أو علي أية أرض أخري في أي مكان.و أن هذه الحركات هي حركات الأنترنت و حركات الفنادق و أن كل أنشطتها منحصرة في الصحافة الإلكترونية و لسيت علي أرض المعارك مثل جبل مون و أمدرمان أو مهاجرية. و أنها لم تسبق لها أن هزمت الحكومة أو الجانجويد في شعيرية و لا حتي في المهاجيرية! و ذلك بالرغم مما يجري اللآن في أعالي و سفوح جبل مرة. فالحرب في دافور تدور رحاها في جبل المون (و ليس في أو حوالي جبل مرة) و المهاجرية و مشارف مدينة أمدرمان. فالحركات التي لم تهزم الحكومة في هذه المناطق فهي ليست جديرة بالتفاوض مع الحكومة لتستأثر بنائب الرئيس في القصر الجمهوري و لو نائب رئيس بدون أعباء. و ليست من حقها أن تتشرف بحراسة مراكز الإنتخابات التي تتوقع الحكومة أن يفوز فيها أعضاء المؤتمر الوطني في دارفور بما فيها مناطق المستوطنين الجدد في القبة و وادي صالح و تلس و الاماكن الأخري. مع ملاحظة بأنه لم ترد أي إشارة عن هؤلاء المستوطنين الجدد في أضابير الإتفاق الإطاري الذي تم التوقيع عليه في قطر. و من المتوقع أن يؤدي هذا الإتفاق الي إتفاق شامل لمشكلة السودان في دارفور بحلول الخامس عشر من شهر مارس/آذار الجاري.و بالمناسبة هذه أول مرة يأتينا السلام من دولة عربية و لكن العرب هم اول من يؤيد حكامنا العساكر. غاب موضوع إعادة بناء القري المحروقة و غادرها أهلها الي المعسكرات بأنواعها المختلفة داخليا و خارجيا من بنود الإتفاق الإطاري و لكن الإتفاق قد تحدث عن العودة الطوعية و لكن لم يحدد فيما إذا كانت الحكومة ستعيد إعادة بناء هذه القري حتي يستطيع النازحون و اللاجئون من النزول فيها بسلام أم لا. و مما لم ترد الإشارة عنه أيضا في الإتفاق الأطار موضوع مليشيا الجانجويد و لا يخفي علي أحد أن نزع سلاح هذه المليشيات هو أحد أهم متطلبات السلام العادل و الشامل في دارفور – إن وجد! و ليست من بين بنود الإتفاقية حدود دارفور الشمالية و لا موضوع الإقليم الواحد. و بالرجوع الي المصطلح نجد ان المراد هو علي الحركات الأخري ان تتوحد بصورة إندماجية في حركة العدل و المساواة علي أساس لا غالب و لا مغلوب. و لكن هذه القاعدة تشوبها الغموض و بالتالي فإننا نحتاج الي مذكرة تفسيرية توضح لنا ماهية قاعدة لا غالب و لا مغلوب. و إلي حين ذلك الوقت علي الحركات الأخري أن تفكر جليا في أن تتوحد فيما بينها أو علي الأقل أن تجد أرضية مشتركة فيما بينها و تلملم الأطراف و لتكون صاحبة قضية في دارفور من خوربرنقا الي شقيق كارو و من كلبس و حتي أمدافوق و إما أن تفكر في الوحدة الإندماجية في حركة العدل و المساواة حتي لا تفسد عليها تمرة الغراب.