في لقائه مع قناة العربية و الحدث قال رئيس الوزراء الانتقالي د. حمدوك :( أن نسبة المدارس التي تضررت بفعل الكوارث الطبيعية المتمثلة في الفيضانات والأمطار والسيول خريف هذا العام ، تبلغ 9% من مجمل المدراس). وهذه نسبة كبيرة يمكن أن تحدث خللا حقيقيا في مسار العملية التعليمية ، وذلك بالنظر الي توزع المدارس جغرافيا ، و نوعيا بنين وبنات وعلي مستوي المراحل أساس وثانوي. من المهم إلقاء نظرة أولية لماهية الحد من مخاطر الكوارث للولوج لمعالجة المدارس المتأثرة بالكوارث، وذلك لتبيين كيف تعالج قضايا البني التحتية الحيوية والتي تمثل المدارس أحد أهم مكوناتها ، لما لها من تأثير في مجمل العملية التربوية والتعليمية ومن ثم التنموية. يعتبر مصطلح الحد من مخاطر الكوارث Disaster Risk Reduction DRR مصطلح حديث نسبيا وقد اضحي بديلا لما كان يعرف بإدارة الكوارث Disaster Management ، فمفهوم الحد من مخاطر الكوارث هو فعل يومي وتنموي في آن ، واهم ما يميزه انه غير مرتبط بالضرورة بوقوع الكارثة، كما أنه يعني بفكرة مركزية هي العمل المستمر لبناء المرونة Resilience لدي الدولة وكل القطاعات الرسمية والمجتمعية ، كما أنه يعمل بشكل دائب على الوقاية والتحسب للكوارث من خلال خطط واستراتيجيات يضطلع بها كل من الدولة والمجتمع ويقوم اساسا علي تقييم المخاطر والهشاشة ، وهو بهذه الصفة عمل مدروس وغير عشوائي كما أنه غير موسمي ولا ينتظر وقوع الكارثة بل يعمل بشكل استباقي Proactive للكوارث. ولأهمية هذا الإتجاه تبنت الأممالمتحدة إطارين دوليين لتقوية وتعزيز هذا المفهوم ، كان الأول هو إطار عمل هيوغو 2005 وانتهي بعام 2015. جاء بعده إطار سنداي وقد بدأ في العام 2015 وسوف ينتهي في العام 2030 ، و لحسن الحظ فان السودان عضو مصادق علي كلا الاطارين، إلا أنه وللأسف لم يتم إحراز تقدم يذكر فيما يلي الإطار الأول والذي قُصد منه أن يضع اللبنات الأساسية لبناء مؤسسات خاصة بالحد من مخاطر الكوارث ، كما وللأسف لم تتوافر إرادة سياسية جادة للاهتمام بالإطار الحالي منذ المصادقة عليه والي الآن ، فالمأمول أن تولي الحكومة الإنتقالية الحالية هذا الأمر قدراً أكبر من الإهتمام حتي يستفيد السودان من هذه الأطر ليعمل مع المجتمع الدولي علي خفض مستويات الخسائر الناجمة عن الكوارث. ذلك أن الإلتزام بهذه الأطر يعتمد وبشكل جذري علي الارادة السياسية وما تتمتع به من وعي حول الحد من مخاطر الكوارث. ولربما تكون هذه فرصة سانحة للتنبيه بضرورة إنشاء مؤسسة مستقلة تعني بشؤون الكوارث من منظور الحد منها استجابة للحاجة الماسة لذلك ، وذلك لأن السودان لا يتوافر علي مؤسسة متخصصة بالمعنى الفني تضطلع بمهام الحد من مخاطر الكوارث. فبالرجوع لموضوع المدارس من منظور الحد من مخاطر الكوارث يجب لفت الإنتباه الي حقيقة أساسية وهي أن المدارس تعتبر واحدة من أهم البني التحتية الحيوية. وقد أفرد إطار سنداي الغاية الرابعة من ضمن غاياته السبع لضرورة العمل علي تقليل الأضرار علي البني التحتية الحيوية حيث نصت الغاية علي :(التقليل بشكل أساسي من الأضرار علي البني الحيوية والخلل في الخدمات الأساسية والتي من بينها البني الصحية والتعليمية بما يشمل تطوير قدراتها ومرونتها عالميا بحلول 2030م). من خلال قراءة هذه الغاية يتضح مدي الإهتمام بالمنشآت التعليمية بما فيها المدارس ، و يتضاعف هذا الإهتمام بالنظر الي مؤشرات هذه الغاية حيث تم التأكيد عليها في مؤشرين من أصل ثمانية مؤشرات ( عدد المنشآت التعليمية المتضررة أو المدمرة نتيجة للكوارث) و ( عدد مرات حدوث اختلالات في خدمات التعليم نتيجة للكوارث). من هنا يتضح مدي أهمية التركيز علي ضرورة خفض وتقليل آثار الكوارث علي المنشآت التعليمية بما فيها المدارس وذلك لضرورة وحيوية هذه المنشآت وأثرها الكلي علي الاستقرار والتنمية والأمن القومي. لم يترك مفهوم الحد من مخاطر الكوارث الأمور للصدفة أو للأقدار، وإنما سعي لتأكيد دور الدولة والفاعلين المجتمعيين في ضرورة الاستفادة حتي من حدوث الكارثة ، وذلك بناء علي فرضية أساسية (إن حدوث الكوارث قد يوفر فرصا للتنمية ما كان لها أن تُتاح لولا حدوثها) وقد أكد إطار سنداي هذا التوجه بتبنيه لمبدأ ما بات يُعرف ب (البناء بأفضل مما كان Build Back Better BBB )حيث تذكر الأولوية الرابعة من الإطار( تقوية الجاهزية للكوارث لإستجابة فعالة والبناء بأفضل مما كان BBB في التعافي وإعادة الإعمار ) ، أن إعمال مبدأ البناء بأفضل مما كان يساهم وبقدر وافر في الاستثمار في المستقبل ويحافظ علي قدرة الدولة أن تكون أكثر قدرة ومرونة في مواجهة الكوارث مستقبليا (للمزيد أنظر كتاب ادارك المستقبل في الحد من مخاطر - إطار عمل سنداي وتجربة مدينة سنداي- محمد عبد الحميد وازاهر حسن ، منشورات الهلال الأحمر السوداني 2017 م). مهما يكن من من أمر ؛ يمكن وبالنظر الي نسبة 9% من المدارس المدمرة بحسب رئيس مجلس الوزراء تعتبر فرصة مواتية لتطبيق مبدأ البناء بأفضل مما كان بحيث يتم إما إعادة تموقعها Relocation إن تعذر اعادة بناؤها في موقعها الحالي. أو إعادة بنائها بأفضل مما كانت عليه ، بل و يمكن ان تصير مراكز إخلاء Evacuation centers في حالة حدوث أي كارثة، و بالتالي يكون قد تمت الاستفادة من الكارثة لتصير المدارس بني حيوية استراتيجية تسهم فى العملية التربوية كما تخدم كمراكز إيواء للمتضررين من الكوارث ، وبذلك تكون البلاد قد استفادت من ما مجموعه 9% من المدارس كمواقع آمنة متي ما تمت الحاجة إليها ، وبذلك نكون قد حولنا النغمة الي نعمة. د. محمد عبد الحميد د. محمد عبد الحميد استاذ مادة الحد من مخاطر الكوارث بالجامعات السودانية