تتكشف الآن للجميع نتائج مسار الهبوط الناعم، والتي حذرنا منها مراراً و تكراراً، و كنا نراها قبل وقوعها من اليوم الأول لعملية المساومة السياسية الرخيصة، بثورة التضحيات العظيمة التي سالت من أجلها دماء سودانية عزيزة. قيادات حزب الأمة و المؤتمر السوداني و آل الميرغني، جميعهم كأحزاب يمينية برجوازية، لا يرغبوا في التغيير الثوري الجزري، لأن مصالحهم الطبقية مرتبطة بمنظومة رأس المال الطفيلي الكيزانية. الفترة الإنتقالية الآن، لا تحكمها الوثيقة الدستورية وحدها، بقدر ما تحكمها توازنات القوي داخل جهاز الدولة، بين العسكر و بقايا الكيزان من جهة و قوي الثورة المدنية و حكومتها الإنتقالية من جهة أخري، و السلطة الحقيقية الآن كما تشير الدلائل، واقعة تحت يد المكون العسكري في المجلس السيادي، و من خلفه فلول العصابة الإجرامية الإسلاموية. الواقع المعاش يقول أن المدنيين داخل الجهاز التنفيذي، لا يستطيعون القيام بأبسط الأشياء التنفيذية، مثل تغيير السفراء بالخارج، أو بسط نفوذ مجلس الوزراء علي البنك المركزي و هيكلة المصارف، و تفكيك الشركات الحكومية، من أجل تغيير بنية الإقتصاد الكيزانية التي ما زالت مستمرة. المسيطر الفعلي على بنك السودان المركزي و الموارد و الكتلة الحرجة للإقتصاد السوداني، هو الجيش و الدعم السريع، و من خلفهم العصابات الإسلاموية، و أصبح بنك السودان المركزي عبارة عن جزيرة ثورة مضادة فاسدة، في محيط ثوري متلاطم الأمواج. توجد داخل بنك السودان، كشوفات حسابات النظام السابق المشبوهة، و أموال الشركات الأمنية العسكرية المجنبة، و وثائق تكشف فساد سنوات حكم الإنقاذ الغابرة، و أدلة فساد المنظومة الإقتصادية العسكرية الأمنية الحالية. إذا قامت الحكومة الإنتقالية، لمعالجة الأزمة الإقتصادية، بطرح مشاريع و دراسات جدوي للإستثمار في البني التحتية و تطوير القاعدة الإنتاجية، من أجل إستقطاب رأس مال السودانيين العاملين في الخارج، قبل إجراء الإصلاحات الهيكلية الإدارية المطلوبة، فإن ذلك لن يحقق النتائج المرجوة و سيبؤ بالفشل الزريع، لأن المستثمر الوطني سيدخل في منافسة غير متكافئة مع الشركات الحكومية، المعفية من الجمارك و الضرائب و الجبايات المحلية. بدون محاربة الفساد الإداري، و وضع حد لبيروقراطية الخدمة المدنية، و هيكلة الجهاز المصرفي لخدمة المودعين، لن تتدفق الأموال السودانية الموجودة في الخارج، و لن يتم تطوير القاعدة الإنتاجية الوطنية. أيضاً السياسات العامة و التشريعات الحكومية الولائية، لا تدعم الإنتاج و المنتجين في الريف و لا تنحاز لهم، و محصلة ذلك النهائية ستكون في صالح السماسرة و المضاربين في العاصمة و الأسواق المركزية، و في صالح منظومة رأس المال الطفيلية المرتبطة بالمؤسسة العسكرية و النظام السابق. الأزمة الإقتصادية الخانقة و المستمرة ستؤدي الي كارثة، و الي مزيد من الإضطرابات الإجتماعية، في ظل التراخي و العجز التنفيذي لمجلس الوزراء أمام المنظومة الإقتصادية العسكرية الأمنية، و هذا الوضع الخطير ينزر بثورة جياع عارمة، سوف تقضي علي الأخضر و اليابس. التاريخ يؤكد أن الشخص الجائع، يمكن أن يفعل أي شيء للحصول على قوت يومه، و أن الثورة التي تندلع بسبب الجوع والفقر ستكون آثارها مدمرة لا هوادة فيها ، و أن الشعب الجائع لن يستطيع الصبر طويلاً أمام الضائقة المعيشية، و لن يسكت علي تخبطات النظام السياسي العشوائية. علي لجان المقاومة في المدن المختلفة، الخروج من عباءة الأحزاب السياسية العاجزة، و تنظيم صفوفهم و عقد مؤتمراتهم القاعدية، و قيام مؤتمر عام للجان المقاومة، يتم فيه إنتخاب مجلس رقابي و لجنة قيادة تنفيذية، و من ثم قيادة المظاهرات في الشارع و تنظيم الإضرابات و الإحتجاجات، من أجل إنجاز المرحلة الثانية من الثورة السودانية. يجب علي حكومة حمدوك الإنتقالية الإستعانة بلجان المقاومة، و منحها سلطات أكبر داخل أجهزة الدولة، حتي يتم تقوية لجان المقاومة بالقانون، و من ثم تؤدي اللجان أدوار في حفظ الأمن و مراقبة التوزيع و ضبط السوق، و محاربة الممارسات الإقتصادية الضارة، و التصدي للثورة المضادة، تمهيداً لوراثة اللجان للسلطة التنفيذية بالكامل. علي لجان المقاومة إستخدام كل الوسائل الممكنة للوصول المباشر الي السلطة في البلاد، عن طريق المظاهرات و الإضرابات و السيطرة علي النقابات من أجل إجبار العسكريين علي التنحي الكامل من السلطة، و بعد ذلك يمكن أن يتم تشكيل مجلس مفوضين من الشعب تحت رعاية لجان المقاومة، كأساس للحكومة الإنتقالية الجديدة. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.