عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    بعد حريق.. هبوط اضطراري لطائرة ركاب متجهة إلى السعودية    نهضة بركان من صنع نجومية لفلوران!!؟؟    واشنطن تعلن فرض عقوبات على قائدين بالدعم السريع.. من هما؟    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: لابد من تفعيل آليات وقف القتال في السودان    نتنياهو يتهم مصر باحتجاز سكان غزة "رهائن" برفضها التعاون    الكشف عن شرط مورينيو للتدريب في السعودية    شاهد بالصورة والفيديو.. في مقطع مؤثر.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تبكي بحرقة وتذرف الدموع حزناً على وفاة صديقها جوان الخطيب    شاهد بالصورة والفيديو.. في مقطع مؤثر.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تبكي بحرقة وتذرف الدموع حزناً على وفاة صديقها جوان الخطيب    بالفيديو.. شاهد أول ظهور لنجم السوشيال ميديا الراحل جوان الخطيب على مواقع التواصل قبل 10 سنوات.. كان من عشاق الفنان أحمد الصادق وظهر وهو يغني بصوت جميل    رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يلتقي اللجنة العليا للإستنفار والمقاومة الشعبية بولاية الخرطوم    شاهد بالصورة والفيديو.. في أول ظهور لها.. مطربة سودانية صاعدة تغني في أحد "الكافيهات" بالقاهرة وتصرخ أثناء وصلتها الغنائية (وب علي) وساخرون: (أربطوا الحزام قونة جديدة فاكة العرش)    الدفعة الثانية من "رأس الحكمة".. مصر تتسلم 14 مليار دولار    قطر تستضيف بطولة كأس العرب للدورات الثلاثة القادمة    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني في أوروبا يهدي فتاة حسناء فائقة الجمال "وردة" كتب عليها عبارات غزل رومانسية والحسناء تتجاوب معه بلقطة "سيلفي" وساخرون: (الجنقو مسامير الأرض)    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    سعر الدولار في السودان اليوم الأربعاء 14 مايو 2024 .. السوق الموازي    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    صندل: الحرب بين الشعب السوداني الثائر، والمنتفض دوماً، وميليشيات المؤتمر الوطني، وجيش الفلول    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    تقارير تفيد بشجار "قبيح" بين مبابي والخليفي في "حديقة الأمراء"    أموال المريخ متى يفك الحظر عنها؟؟    قطر والقروش مطر.. في ناس أكلو كترت عدس ما أكلو في حياتهم كلها في السودان    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    هل يرد رونالدو صفعة الديربي لميتروفيتش؟    لاعب برشلونة السابق يحتال على ناديه    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثور (2) .. بقلم: شوقي بدري
نشر في سودانيل يوم 03 - 03 - 2020


ملحوظة يستحسن قراءة الثور رقم 1
مرت سبعة ايام فقط بدلا عن الثمانية ايام كما وعد الزين . وها هو يعود عابرا نهر السوباط وفي عينيه بريق ، مع اخيه طه على ظهر ،، اللوري ،، . وهذه المرة كان اللوري محملا باغراض كثيرة على رأس مواد البناء . كانت هنالك اربعة من الاسرة الحديدية بحشايا ومخدات قطنية . ستة من كراسي الخيزران التي كانت في كل المكاتب واغلب المنازل ، بعض القدور من الالمونيا ،ملابس جميلة للجميع ، قام بخياطتها جمعة من الباريا في المديرة الاستوائية الذي يجلس في الفراندا المواجهة لمقهى عبد الرجال الكبير ،عقود من الخرز لاخته ابوك وبعض الحلوى . وكان هنالك عود مستقيم من اغصان الاندراب المعالجة بالحرق التي تتواجد امام اغلبية متاجر التجار من الشمال كقناة لرمح باسنان كثيرة ،، كوكاب ،، مما يستعمل في الدفاع او صيد السمك . كل ما مطلوب .
هو بعض الصوف ، الصمغ والنار لتثبيت القناه في السنان الذي قام بصنعه الحداد المشهور في ميدان المولد شرق الجامع . وطار اجوت من الفرح واحس بأنه قد صار صيادا ومقاتلا . اما بتاو فلم تضيع الوقت في ارتداء فستانها الاحمر تحت اللاوي الابيض. العم اتيم او ،، سليمان ،، زود بسجادة صغيرة للصلاة والكثير من التبغ له ولضيوفه . في شكل كتل ضخمة .
ذهب طه وبقى اكول مع والدته واخوته . وهذه المرة تواصل الزين مع اشقاء بتاو أوو ودينق وبدأ في تحسين مقدرته على التكلم مع والدته بالشلكاوية التي تقارب الدينكاوية ، بعد طول غياب .
دينق كان يمر بمشكلة صغيرة . فلقد بدأت وسط الشباب صرعة جديدة وهى سوار الالمنيوم في الزواج . والسوار في سمك ذراع طفل . بدأ التجار ببيعه باربعين قرشا وارتفع السعر بسرعة الى ستين قرشا والآن صار السعر ثمانين قرشا ، وهذا مبلغ كبير اذا اخذنا في الاعتبار ان الشباب الذين يعملون في ملكال في الاعمال اليومية يتقاضون خمسة قروش في اليوم و الرغيف في الفرن الوحيد والذي لا يخلوا ،،السوس ،،يساوي فرشين . ومرتب العامل هو جنيهان وثمانين قرشا والحد الادني للعمال في الشمال لنفس العمل في القطاع الحكومي هو 12 جنيها في الشهر .
ما حدث كان يبدو كمعجزة . فبعد ان تحدث اكول مع والدته اشول عاد وهو يحمل قدر الالمنيوم القديم . وبدا في بناء شئ غير مفهوم . وبعد يوم ونصف اليوم كان ذلك الشي يلتهم قدر الالمنيوم بعد وضع كمية معتبرة من الحطب المشتعل . وتحول ذلك القدر القديم الى سوارين من الالمنيوم . وبينما اكول يقوم بصقل السوارين
رفع اجوت يديه محاكيا قرون الثور ورقص فرحا .واندفعت الكلمات من فمه وهي يغني بقصيدة مرتجلة ويضرب الارض باقدامه . وعندما توقف اخبره اكول بانه سيعلمه كيف يصهر الالمنيوم ، وسيحضر له قدور الالمنيم القديمة التي تكون قد صارت غير مستخدمة بسبب الكسرى التي توضع فيها للحفظ وتقوم الاحماض باحداث ثقوب في قعر القدوروتصير غير مجدية في طهى الطعام او حفظ الماء . كما يمكن شراء قدور جديدة وسعرها لن يزد عن عشرة الى خمسة عشر قرشا . وعند سماع ذلك صار دينق يضحك ويقفز عاليا ثم يركض بعيدا ويعود بسرعة وينظر الى الاسورة ويقول ...... ان التجار لن يكسبوافلوسنا بدون وجه بعد اليوم ، انا سأصنع الاسورة اخي اكول سيعلمني .
عاد طه وهو يحمل كمية كبيرة من جلود البقر ، وكمية من جلود الصيد بكل الاحجام من البيبور باسعار رخيصة بطريقة غير مصدقة من المورلي لان تقديرهم وتعاملهم مع النقد محدود . فجلد الغزال الصغير يباع باقل من خمسة قروش . وحتى جلد التيتل ملك الطرائد لا يزيد سعره عن عشرة او خمسة عشر قرشا . وهذا بعد خياطة الفتحة التي يحدثها الرمح بالعصب بطريقة لا يمكن اكتشافها الا بصعوبة . اقترح طه على العم سليمان تحفيذ الشباب على شراء الجلود وسيساعدهم في بيعها مباشرة لمن يشحنوها الى الشمال وسيجدون ربحا طيبا كل مرة .
مع طه كانت مجموعة من النوير من ابناء اكوبو في صحبتهم احد اقاربهم . كان واضحا من ملابسه وتمكنه من دارجية الشمال انه قد امضى سنين في الشمال . كان سياخذهم الى الشمال للعمل في نقل مواد البناء لبناء العمارات العالية االتي لا يوجد مثلها في الجنوب ، وسيتكفل زعيمهم بدفع رحلة الباخرة الى كوستي والقطار الى الخرطوم ، الى من لم يتوفر له المال والبعض قد باع ثوره المفضل او عجلا لشراء بعض الملابس المناسبة وتكاليف الرحلة التي ستأخد خمسة ايام و تساوي 219 قرشا . وقد يعيدون ما صرفه زعيمهم او بعض ما دفعه لهم ، وقد يتكفلون باحضار اقارب جدد فيما بعد ، وطه قد تنازل لهم عن نصف المبلغ المتعارف عليه للرحلة وهو 30 قرشا واطلقوا عليه اسم كور وتعني الاسد فبالرغم من انه لم يكن طويلا مثل اخيه اكول الا انه كان عريض المنكبين بعضلات مفتولة . كانوا يحملون بعض السمك المجفف وطحين الذرة واغراضهم الشخصية البسيطة .
اختلت اشول بطه لفترة غير قصيرة . كانت تقول له ان بتاو قد رفضت ارتداء الصدار المصنوع من الخرز والذي يشير الى انها مستعدة للزواج . وفتاة مثل بتاو سيقف العرسان صفا للزواج منها . واخيها اجوت قد تعلق قلبه بفتاة من قرية قنطوط وسيتزوجها . واصدقاءه قد ذهبوا كالعادة وتحدثوا مع اهل الفتاة وتحدثوا عن صديقهم ، شجاعته كرمه وحسن معشره . وكان متوقعا ان يساعد مهر بتاو من الابقار في دفع مهر اجوت . ويبدو ان بتاو تريد الزواج من اكول . واكول يشاركها الشعور. وعندما اخبرها والدها انه لا يمكن ان تتزوج اكول لانه اخوها فهو اخ دينق وابوك اولاد ابيه دفع الله الذي دفع مهر اشول . والدينكا ، الشلك والنوير لا يتزوجون باقرباءهم ويعتبرون ابنة العم او الخال بمثابة الشقيقة ويسخرون من الشماليين الذين يمارسون هذه الجريمة في حق اطفالهم . ولا يتزوجون حتى من بنات قريتهم . وبتاو قد هددت بأنها ستلقي بنفسها للتمساح . وعندما سخروا منها ان التماسيح في منطقة البنطون قد اختفت . قالت انها ستذهب الى اعلى السوباط وستجد التماسيح .
الجامع في ملكال كان مبنيا من الحجر بلون مائل الى الحمرة . كان يبدو كعملاق وسط السوق الذي يتكون من مباني منخفضة . المنازل في الاحياء السكنية منخفضة الكثير منها من الطوب بسقوف من الزنك بانحدار بسيط لتصريف الامطار التي قد تستمر لاسابيع ، الاغلبية مستديرة بسقوف مخروطية من القش وتحيطها اسوار من ،، الشرقاني ،، وهى الحصائر الخشنة المصنوعة من الاعشاب العالية التي تشتهر بها اعالي النيل . لا يأكلها النمل الابيض ولكن يأكل الدعائم المصنوعة من الاغصان وجزوع الاشجار . بعض الحيشان مصنوعة من الطرور الذي يطفوا وبستعمل في صناعة الاطواف التي تستخدم كمراكب مسطحة لنقل البشر وكل شئ . النمل الابيض لا يأكل الطرور بالرغم من عدم صلابته . يستخدمه اطفال اعالى النيل في العاب الحروب .. وهذا يجعلهم ادري بالحروب الحقيقية عندما تستخدم الهروات الثقيلة . ينادي عليه الشلك مع القصب وهم ينادون ..... ابوب وتعني الطرور وسيانق وتعني القصب . وبسبب خفة الوزن يحملون على رؤوسهم كميات كبيرة .
بعد صلاة الجمعة تعلق البعض بالامام لكي يصحبهم الى المنزل لتناول طعام الغداء، كانوا قد اعدوا له وليمة صغيرة ، وسيحضر الآخرون طعامهم ويجتمعون في المنزل المحدد وقد يأتون في يوم الجمعة القادم لنفس المنزل او منزل آخر. بنفس الطريقة التي كان يتصرف بها المصريون الين يسكنون في حيهم الخاص الذي يعتبر فاخرا بالمقارنة باحياء السودانيين ، لهمة مدارسهم الخاصة ولا يختلطون بالجنوبيين الا في حيز ضيق . اما الانجليز قديما فكانوا يعيشون منعزلين قبل رجوعهم الى بلادهم . الجميع كانوا يحسون بانهم اهل المدينة وينكرون هذا الشعور على اهل الديار .
وبعد ان جلس الجميع . للدردشة في انتظار الطعام المت بالدار مجموعة من التجارومعهم شاب غريب . وبدأ الجميع في الصراخ والتكلم في نفس الوقت ويشيرون الى الشاب الغريب ويتهمون بقلة الادب التطاول على الامام والحديث في اثناء الصلاة اكثر من مره . وعندما لاموه على ترديد سبحان الله والامام يرتل القرآن اثناء الصلاة .ولم يفهموا لماذا فتلك اول مرة يسمعون شخصا يتكلم خلال الصلاة .
قال لهم الغريب ان الامام قد اخطأ في القراءة . لم يصدقوه لأن الامام حافظ لكتاب الله وهو لا يخطئ ابدا والا لما صار اماما . وتطاول الغريب وقال ان النبي سبحانه وتعالى قد طلب من المسلمين الذين يحفظون القران ان يقوموا بتنبيهه اذا اخطأ او اذا اخطأ الآخرون ولهذا يطلب من الحفظة التواجد خلف الامام ، الا انه كان في الصف الثاني .... وكيف يخطئ النبي وهو الذي اتى بالقرآن ؟ رده كان ان النبي صلى الله عليه بشر ، والقران قد اتى به الوحي وهو كلام الله سبحانه وتعالى ، والنبي صلى الله عليه وسلم ما هو الا رسول . وعندما قال له احدهم وهو رجل من اكثر المترددين على الجامع ..... ان الحديث الشريف مع القرآن هو الاسلام . كان الرد ان الحديث لا قيمة له اذا كان هنالك نص قرآني صريح وبعض الاحاديث ضعيفة وقد تكون موضوعة .. ولا داعي للقياس او الاجماع مع القرآن . وبعض الآيات قد نسختها آيات .
رده على من سأله اذا كان يريد ان يقوم ،، باصلاح ،، الامام ، فقال لهم انه لا يريد اصلاح الامام لانه ليس بشاحنة معطلة يقومون باصلاحها ، ولكن يريد ان يصححه . والانسان يصحح . وكان في امكانه ان يصمت اذا كان الامام قد الحن فقط في القراءة ولكن عندما يكون الخطا مغيرا للمعني فيجب التنبيه .
الغريب كان يبدو هادئا وملابسه ناصعة البياض ، عمامته من الكرب الجيد المطرز تظهر طرف طاقية حمراء . وملفحة من الدمور بخطين ازرقين . كان مظهره مظهر رجل متزن متقدم في السن وليس مظهر شاب في بداية شبابه .
استعد ناظر المدرسة واراد ان ينهي المشكلة بسرعة حتى يتفرغ النخبة لطعام الغداء والنقاش المفيد . قال الناظر بعد ان غسل الغريب بنظرة باردة .... كل اناء بما فيه ينضح . وكان هذا من المفروض ان ينهي المشكلة فالناظر هو ناظر المدرسة الوسطى التي هي اكبر مؤسسة تعليمية . وكلامه لا يعلى عليه كما تعود الناس . وبكل برود قال الغريب يا استاذ .... كل اناء بالذي فيه ينضح . هذه قصيدة الشاعر حيص بيص . انتفض الناظر وكأنما لدغته عقرب صحراوية . وقال انه لم يسمع ولا يوجد شاعر اسمه حيص بيص . وان هذا كلام مجانين . رد الغريب بقراءة جيد ومخارج للحروف مدروسة وقرأ .
ملكنا فكان العفوُ منا سجيّةً . . . فلما ملكتم سال بالدمِ أبطُحُ
وحلّلتمُ قتل الأسارى وطالما . . . غدونا عن الأسرى نعفّ ونصفح
فحسبكمُ هذا التفاوتُ بيننا . . . وكل إناءٍ بالذي فيه ينضَح .
واضاف انه محمد بن سعد فقيه شافعي من اهل السنة . كان يتألم لمقتل الحسين بن على .
اتجهت الانظار الى الغريب . فطلب الامام من القادمين الجدد الجلوس على الحصير وطلب من الغريب الجلوس على الكرسي الوحيد الشاغر . ثم طلب من الغريب ان يحكي له ماحدث في الجامع فقال الغريبب . .... يامولانا انت قرأت من سورة الاحزاب ...... وكفى الله المؤمنين شر القتال . والصحيح هو وكفى الله المؤمنين القتال . لان القتال ليس كله شر والا لحرم الجهاد ،الدفاع عن النفس ، العرض والمال . ولهذا كنت اقول سبحان الله ، فاذا لم تسمعها فقد يسمعها من هو بالقرب منك .
سأل الامام الغريب اذا كان قد درس في المعهد العلمي في امدرمان ؟ وقبل ان يجيب الغريب قال احد الجهلاء ... ان الغريب ليس من اهل امدرمان وانه كما عرف فهو ابن شلكاوية ولابد انه قد اتى لاثارة المشاكل وسترون منع الكثير . الرد كان نعم انا ابن شلكاووية وافتخر، الرسول صلى الله عليه وسلم كان متزوجا من امة مسيحية وهى ماريا القبطية ام ابنه ابراهيم الذي بكى النبي صلى الله عليه وسلم بالدمع عند موته . واختها سيرين التي تزوجها شاعر الرسول حسان بن ثابت . وسيرين تعتبر من الصحابة لانها قد اسلمت وحسن اسلامها وحفظت القرآن . كما كان متزوجا من يهودية وهي صفية بنت حيى بن اخطب . وان الانسان كما سمعنا ينادى عليه في يوم القيامة باسم والدته . وان سيدنا بلال رضى الله عنه كان حبشيا وسليمان الفارسي والذي انقذ المسلمين واقترح حفر الخندق ، كان عبدا فارسيا . ومع كل جملة تتسع عيون الناس دهشة وهم ينظرون الى الناظر الذي التزم الصمت لاول مرة في طيلة تواجده في ملكال.
سأل الامام الغريب لماذا لم يواصل في المعاهد الدينية بعد اكمال المدرسة الوسطى ؟ الرد كان ، ان جده الزين كان يقول له ...... ان ما سيطور البلاد ويسعد العباد هو التعليم المهني والزراعي . وهذا بجانب الدروس الاسلامية ، وليس كل مسلم باستطاعته التبحر في الدين ونسيان سبل كسب عيشه وانتاج ما يحتاجه .
اصر البعض على احضار المصحف لاثبات كذب ابن الشلكاوية . واتى المصحف. وتأكد كلام ابن الشلكاوية . واكتفى الامام بالقول ان فوق كل ذي علم عليم . فواصل الغريب قائلا صدق الله العظيم . فتخل احد الجهلاء قائلا ... هل هذا قرآن لتقول صدق الله العظيم ؟ وبصوت واضح قرأ الغريب .... فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَاءِ أَخِيهِ ۚ كَذَٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ ۖ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ۚ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ ۗ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ
واراد الامام ان يعرف اين درس الغريب الادب والقرأن ؟ وزاد استغرابه عندما عرف انه قد درس في مدرسة الصنائع في عطبرة على رغبة جده شيخ الزين التي خرجت الكثير من اعلام السودان ومناضليه واهل الفكر . الا انه قد درس في المنزل على يد جده لابيه الشيخ الزين الذي درس على يد من اخذ العلم و،، الاجازة ،، من شيخ محمد الخير الذي كان اسمه محمد الضكير وهو مدرس المهدي ولكن المهدي بعد ان دان له السودان غير اسماء الكثيرين وصار اسمه محمد الخير لان اسم الضكير لايناسب . معلم المهدي . الغريب تحدث عن جده الذي كان امام القرية ومن يقصد لكل امر. له متجر وزراعة .ويقول لا رهبانية في الاسلام ويكسب رزقه بعرق جبينه . واستأذن الغريب للذهاب بالرغم من اصرار الجميع لبقاءه وتناول الطعام .
كالعادة بدا الناس في الكلام بين قادح ، مادح ومتعجب . الا ان الامام قال .... اذا كان هنالك رجل في كل ملكال يعرف دينه فهو هذا الشاب . ولم يعلق الناظر فهو يعرف ان الامام يعرف انه يزور متجر اليوناني جنوب البريد ويخرج وهو يحمل بعض الزجاجات . وكالعادة تخوف البعض ان هذا الشاب الذي درس في مدينة عطبرة لا بد قد تأثر بالشيوعيين . فعندما هاجموه في الجامع ووصفوه بأنه بأن كلامه مثل كلام الشيوعيين الذين لا يعرفون الدين قال لهم . مدافعا عن الشيوعيين ..... انه يعرف الكثير من الشيوعيين الذين يصلون ، يصومون يؤمون الناس في الصلاة ، لا يسرقون ولا يكذبون . والشيوعية ليست بمذهب بل مبدأ . وطالبوا الناظر لكي يشرح لهم الفرق لانهم لم يفهموا، الا ان الناظر لم يرد .
كبار التجار كانوا اكثر تخوفا واقل تقبلا . وبلسان واحد قالوا انهم يتوقعون المصائب من الغريب ، لان احداث الجنوب الاولى والاقتتال قد سببه المتعلمون وسط الجنوبيين. اما الجنوبي العادي فهو مقتنع بوضعه .
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.