قادة عالميون يخططون لاتفاق جديد بشأن الذكاء الاصطناعي    صلاح ينهي الجدل حول مستقبله.. هل قرر البقاء مع ليفربول أم اختار الدوري السعودي؟    لماذا يهاجم الإعلام المصري وجودهم؟ السودانيون يشترون عقارات في مصر بأكثر من 20 مليار دولار والحكومة تدعوهم للمزيد    رئيس لجنة المنتخبات الوطنية يشيد بزيارة الرئيس لمعسكر صقور الجديان    إجتماعٌ مُهمٌ لمجلس إدارة الاتّحاد السوداني اليوم بجدة برئاسة معتصم جعفر    معتصم جعفر:الاتحاد السعودي وافق على مشاركته الحكام السودانيين في إدارة منافساته ابتداءً من الموسم الجديد    عائشة الماجدي: (أغضب يالفريق البرهان)    رأفةً بجيشكم وقيادته    احاديث الحرب والخيانة.. محمد صديق وعقدة أولو!!    حكم الترحم على من اشتهر بالتشبه بالنساء وجاهر بذلك    كباشي يزور جوبا ويلتقي بالرئيس سلفاكير    شاهد بالفيديو.. لاعب سوداني يستعرض مهاراته العالية في كرة القدم أمام إحدى إشارات المرور بالقاهرة ويجذب أنظار المارة وأصحاب السيارات    عبر تسجيل صوتي.. شاهد عيان بالدعم السريع يكشف التفاصيل الكاملة للحظة مقتل الشهيد محمد صديق بمصفاة الجيلي ويؤكد: (هذا ما حدث للشهيد بعد ضربه بالكف على يد أحد الجنود)    بالفيديو.. شاهد الفرحة العارمة لسكان حي الحاج يوسف بمدينة بحري بعودة التيار الكهربائي بعد فترة طويلة من الانقطاع    عضو مجلس السيادة مساعد القائد العام الفريق أول ركن ياسر العطا يستقبل الأستاذ أبو عركي البخيت    سعر الجنيه المصري مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    سعر الدولار في السودان اليوم الإثنين 20 مايو 2024 .. السوق الموازي    موعد تشييع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ومرافقيه    البرهان ينعي وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي    علي باقري يتولى مهام وزير الخارجية في إيران    الحقيقة تُحزن    شاهد بالفيديو هدف الزمالك المصري "بطل الكونفدرالية" في مرمى نهضة بركان المغربي    مانشستر سيتي يدخل التاريخ بإحرازه لقب البريميرليغ للمرة الرابعة تواليا    الجنرال في ورطة    "علامة استفهام".. تعليق مهم ل أديب على سقوط مروحية الرئيس الإيراني    إخضاع الملك سلمان ل"برنامج علاجي"    السودان ولبنان وسوريا.. صراعات وأزمات إنسانية مُهملة بسبب الحرب فى غزة    الطيب علي فرح يكتب: *كيف خاضت المليشيا حربها اسفيرياً*    كباشي يكشف تفاصيل بشأن ورقة الحكومة للتفاوض    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السودان بين وعود ومخاطر سد النهضة 3: الاضرار .. بقلم: احمد عبد الله الشيخ
نشر في سودانيل يوم 02 - 05 - 2020

كل ما أوردناه في المقال السابق يتعلق بالمزايا (المزعومة) لسد النهضة، ونتناول فيما يلي مضار السد (الكبيرة كما أراها) والتي ألاحظ أنها لا تجد القدر الواجب من النقاش:
1/النحر
إن أي تغير في جريان وانتظام الأنهار يؤدي إلى تغير قاعدة النهر السفلية "base-level"، وهذا بدوره يؤدي الي زيادة في معدلات النحر Incision)) أو الحفر أو التآكل (7). هذه الزيادة في معدلات النحر تظل في حالة حراك حتى يستعيد النهر توازنه. عادة تحدث هذه العمليات المعقدة بصورة طبيعية بعد أي ارتفاع أو هبوط في القشرة الأرضية او الانزلاقات الأرضية والطينية، وقد تحدث أيضا بفعل الإنسان مثل بناء السدود. تكمن خطورة عمليات النحر في أنها من التعقيد بمكان بحيث لا يمكن حسابها والتحسب لها، كما أنها تؤدي إلى تغير ملحوظ في مجري النهر وتسارع في تآكل الشواطئ "الهدام" وقنوات الصرف كما تهدد سلامة المنشآت المائية الدائمة مثل السدود والموانئ والكباري والقناطر إذا زاد معدل النحر وتعمق مجري النيل تحت اساسات تلك المنشآت (7).
أورد الاستاذ محمد احمد المحجوب في كتابه الديمقراطية في الميزان تحذيراً للدكتور عبد العزيز احمد المستشار السابق بوزارة الاشغال العامة المصرية من خطورة التآكل بعد اكتمال السد العالي على المجاري والجسور (17). وقد حدث ما تنبه اليه الدكتور عبد العزيز احمد من ارتفاع معدلات النحر بعد قيام السد العالي والتي أصبحت تهدد سلامة السد العالي، لذلك قررت إدارة السد العالي ألا يطلق من الخران أكثر من 250 مليون م3 في اليوم (7). ومن جهته لاحظ الدكتور رشدي سعيد (مرجع سابق) التناسب الطردي بين كمية المياه الصادرة من السد العالي ومعادلات النحر وذلك بسبب إزياد قدرة المياه الصادرة من السد العالي على النحر بسبب خلوها من الطين والمواد العالقة التي كانت تحد كثيرا من قدرتها على النحر. هذه العمليات المعقدة من النحر ستؤدي الي تغير مجري النيل وتسارع في تآكل الشواطئ "الهدام" وقنوات الصرف في المشاريع الزراعة القائمة مثل مشروع الجزيرة وتهديد لسلامة سدي الروصيرص وسنار خصوصا إذا تعمق النحر تحت اساستها. ولكن يبقي التحدي الأكبر بعد سد النهضة كيف سيتم إقناع إثيوبيا على خفض كميات المياه المطلقة من سد النهضة للسيطرة على معدلات منخفضة للنحر في السودان إذا لزم الامر.
2/الزلازل
نفي السيد وزير الري ومعه كثير من مؤيدي سد النهضة وجود أي زلازل في منطقة سد النهضة وأن منطقة الاخدود الافريقي المشهورة بالزلازل تبعد كثيرا عن منطقة السد. هنا أورد لكم نص تقرير مكتب الاستصلاح الامريكي الملحق الثاني الصادر عام 1964 بعنوان الارض ومصادر مياه النيل الازرق في إثيوبيا صحفة 51(18):
"The Blue Nile River Basin is an earthquake area and this fact must be considered in the design of engineering works"
وترجمتها "ان منطقة حوض النيل الازرق منطقة زلازل وهذه الحقيقة يجب ان تؤخذ في الاعتبار عند تصميم الاعمال الهندسية". سد النهضة يقع في منطقة حوض النيل الازرق فانه يقع في منطقة نشطة زلزاليا قولا واحدا. كما أن الناظر إلي خريطة توزيع الزلازل في حوض النيل، يلاحظ حدوث زلازل متوسطة الي كبيرة (بقوة تساوي أو أكبر من 4.0) درجات على مقياس ريختر في منطقة حوض النيل الأزرق والتي عادة يتم رصدها من قبل المحطات الاقليمية والدولية لرصد الزلازل، وذلك لخو منطقة حوض النيل الأزرق من محطات رصد وتسجيل الزلازل. قد يقول قائل توجد زلازل في منطقة حوض النيل الأزرق ولكنها تختفي في منطقة السد. هذا قول صحيح! ولكن اختفاء الزلازل من منطقة السد ناتج من عدم وجود محطات راصدة للزلازل وخلو المنطقة من السكان، وليس لعدم حدوث زلازل. نذكر هنا بأن أكبر زلزال حدث بقارة إفريقيا في القرن الماضي كان في جنوب السودان بتاريخ 20/05/1990، بقوة (7.2) درجة على مقياس ريختر ولكنه لم يحدث أي دويا في الاعلام لقلة الأضرار ولخلو مركز الزلزال من السكان (20).
الزلازل تنقسم إلى نوعين:
النوع الأول: الزلازل الطبيعية التي تنتج عن تحركات الصفائح التكتونية العادية في باطن الأرض، كالتي تحدث دائماً في اليابان وتركيا وإثيوبيا ... الخ
النوع الثاني: الزلازل التي تحدث نتيجة لأفعال الإنسان مثل استخدام التصديع الهيدروليكي (وهو حقن مياه وسوائل مختلفة في الشقوق الأرضية بغرض توسيعها) كطريقة من طرق حفر آبار النفط، أو تلك التي تنتج من ثقل وزن بحيرات السدود الكبيرة على القشرة الأرضية.
وبالنظر إلى ضخامة سد النهضة الذي يعتبر من أكبر السدود في أفريقيا (19)، بالإضافة إلى أن منطقة حوض النيل الأزرق تعتبر من مناطق النشاط الزلزالي في إثيوبيا، فإن ذلك كله يجعل من أمكانية حدوث زلازل كبيرة في منطقة النيل الأزرق والسد أمراً راجحاً، إن لم يكن مؤكداً. قد يقول قائل إن جسم السد مصمم على تحمل زلازِل كبيرة، وأن اثيوبيا لا يمكن ان تخاطر بالتكلفة الإنشائية العالية في مشروع فاشل. هذا قول مردود عليه بأن هنالك دول تفوق خبراتها خبرات إثيوبيا مثل إيطاليا والصين وحدثت فيها انهيارات لسدود مما سبب كوارث، وذلك بسبب حرص هذه الدول على التنمية وتوليد الطاقة وعدم الاخذ بمعطيات الجيولوجيا كما سنوضح لاحقا. الملم بمبادي الجيولوجيا والهندسة يعلم خطورة إنشاء خران مائي ضخم في منطقة نشطة زلزاليا. لعل الحكومة الاثيوبية اعتمدت على بعض الاستشارات أو الدراسات الغير دقيقة، أو خضعت لضغط ما أو ضغط من اللوبي المؤيد للسد الذي ربما عظم الفوائد وقلل من المخاطر.
كما يجدر بالذكر إن الزلزال الذي ضرب منطقة الدمازين و الروصيرص عند الساعة الحادية عشرة مساء يوم الخميس الموافق 16\11\2017، بقوة (4.3) درجة على مقياس ريختر، وقد ورد الخبر في عدة صحف سودانية ومواقع اليكترونية، هذه الزلازل لا تزال تؤكد حقيقة وجود نشاط زلزالي في منطقة حوض النيل الأزرق، وبالتالي من المؤكد أن يزيد هذا النشاط بعد ملْء بحيرة سد النهضة، وربما يشكل ذلك خطراً على المدن السودانية القريبة من الحدود، خاصة مع الكثافة السكانية في مناطق النيل الأزرق حتى سنار وجنوب الجزيرة ، ولا أعتقد بأن تصميم المباني يساعد في تحملها للزلازل، بل أن معظمها مشيدة من الطين! يضاف إلى ذلك تعرض سدي الروصيرص وسنار لمخاطر وأضرار بالغة لكونها قديمة، ولا أعتقد أن تصاميمها تساعد على تحمل الزلازل الكبيرة.
تهيؤ أي منطقة من حيث المباني والبنية التحتية للزلازل يقلل من حجم الأضرار حال حدوثه، ولكن كما أشرنا سابقاً بأن مناطق النيل الأزرق وشرق السودان والجزيرة غير مهيئين لأية زلازل حسب الواقع اليوم. على سبيل المثال الزلزال الذي ضرب جزيرة هاييتي في العام 2010 كان بقوة (7) درجات على مقياس ريختر(21) ، أي أقل من زلزال جنوب السودان في العام 1990 ولكن أضراره كانت عالية جداً ووصل عدد ضحاياه لحوالي 316.000 شخص(21)، بالإضافة لأعداد كبيرة من المفقودين والجرحى وذلك نظراً للكثافة السكانية العالية وعدم تهيؤ المباني لمثل هذه الزلازل، بينما تعرضت اليابان في العام 2011 لزلزال كبير بقوة (9) درجات على مقياس ريختر(22) ، ولكن الخسائر من حيث عدد الضحايا كانت أقل من جزيرة هاييتي، إذ لم يتجاوز عدد ضحايا اليابان ال 15,894 شخصاً وذلك لأن اليابان مبانيها مصممة لمقاومة الزلازل(22).
ذكرت كثير من الدراسات العلمية المنشورة أن بناء السد العالي في جنوب مصر تسبب في نشوء عدد كبير من الزلازل في المنطقة (23)، وأيضاً سُجلت عدد من الزلازل في منطقة مروي بعد امتلاء بحيرة سد مروي كما اوردت كثير من الصحف السودانية والمواقع اليكترونية. ويجدر بالذكر بأن مناطق أسوان ومروي لم تشهد هذا النوع من النشاط الزلزالي قبل قيام السدود. كما تكررت هذه الظاهرة في عدة بلدان أوربية (24).
ويجدر بالذكر بأن الزلزال المدمر الذي ضرب منطقة (سيشوان) في الصين بتاريخ 02\09\2009، والذي بلغت قوته (7) درجات بمقياس ريختر في العام 2008 بلغ عدد ضحاياه حوالي ال 100,000 شخص (25). وقد رجح بأن من بين أسباب زلزال (سيشوان) 1. ثقل بحيرة سد (زبنقو) الذي تم بناءه في منطقة زلزالية برغم قلة وزن البحيرة لكونها تخزن فقط 1.2 مليار متر مكعب، بينما بحيرة سد النهضة ستخزن 74 مليار متر مكعب. بالإضافة إلى أن 2. تسرب مياه بحيرة سد (زبنقو) لباطن الأرض ساعد في إعادة النشاط لبعض الصدوع التي أدت بدورها لحدوث الزلزال. علماً بأن عدد من العلماء الصينيين حذروا الحكومة الصينية من مخاطر الزلازل في منطقة السد المذكور ولكنها لم تأبه لتلك التحذيرات (25).
من الملاحظ أن نفس العوامل الجيولوجية التي أدت إلى زلزال منطقة (سيشوان) المدمر كبناء السد في منطقة زلزالية، ووجود صدوع وفوالق أرضية تسمح بتسرب كميات ضخمة من مياه بحيرة السد، موجودة في منطقة سد النهضة مما يجعل المنطقة عرضة لزلازل كبيرة.
3/الانزلاقات أو الانهيارات الأرضية
تعرف عمليات الانزلاق الأرضي بأنها عمليات سقوط أو انهيار مفاجئ لكتل كبيرة من الصخور والتربة، وتحدث تلك العمليات في المناطق المرتفعة مثل الجبال والتلال والهضاب. هذه العمليات تعتبر من الخطورة بمكان لأنها قد تحدث بغتة، حيث تؤدي إلى خسائر بشرية ومادية كبيرة في كثير من الأحيان. تعرضت منطقة قريبة من العاصمة الإثيوبية أديس أبابا لانزلاق أو انهيار أرضي مما أودى بحياة 65 شخصاً، بالإضافة لعدد من المفقودين والمصابين (26). كما ذكرت دراسة أن حوض النيل الأزرق في إثيوبيا يعتبر من أكثر مناطق إثيوبيا عرضة للانزلاقات أو الانهيارات الأرضية (27)، وذلك لتوافر كل العوامل الجيولوجية للانزلاقات والانهيارات الأرضية مثل الأمطار الغزيرة، والصدوع والفوالق الأرضية، وطبيعة التربة البركانية الركامية. على الرغم من أن الانزلاقات أو الانهيارات الأرضية قد لا تؤدي إلى انهيار كلي لجسم السد، ولكنها قد تسبب أضرار بالغة به مثل تلف البوابات، أو الخطوط الناقلة للكهرباء، أو المحولات (28). الأضرار سالفة الذكر ربما تؤثر على معدل انسياب مياه النيل الأزرق نحو السودان، الأمر الذي قد يتسبب في غرق أو عطش المشاريع الزراعية بالسودان التي تعتمد على الري من مياه النيل، وقد تؤدي لخسائر بشرية كبيرة في المنطقة كما حدث لسد فايونت في ايطاليا (29).
4/انهيار السد وفقدان النهر للطاقة
من المقولات القديمة أن احتمالية الموت نتيجة من نطحة بقرة تظل ضئيلة جدا، ولكنها لا تنعدم. وهكذا خطر انهيار سد النهضة يظل احتمالا قائما ولن ينعدم، آخذين في الاعتبار أن السد يقع في منطقة غير مستقرة جيولوجيا. أما القول بأن جسم السد يحتوي على أجهزة رصد عالية الدقة لأي حركة، فهو قول فطير لأنه لا يمكن التنبؤ بوقت ومكان حدوث الزلزال أو الانزلاق الأرضي، كما أن تلك الاجهزة ترصد الحركة ولا تمنعها، كما هو الحال في جهاز قياس نسبة السكري في الدم، يقيس ولا يمنع صدمة السكري.
أورد الدكتور إبراهيم الأمين في كتابه السودان الاخضر بين دفتي السد العالي وسد النهضة الصادر عام 2015 نقلاً عن د. سيف الدين يوسف وزير الموارد المائية الأسبق عن عدم وجود سيناريوهات لدي السودان في حالة حدوث انهيار لسد النهضة، اذ يمكن لمياه السد أن تصل سد الروصيرص في 8 ساعات وسنار خلال يوم أو يوم ونصف والخرطوم في 8 أيام (30). كما ذكر أيضاً الكتاب نقلاً عن بروفيسور أحمد عبد الرحمن العاقب أن التوربينات المولدة للطاقة في سد النهضة سوف تأخذ 80-90% من الطاقة الدافعة للمياه مما يجعل نهر النيل الأزرق نهراً فقداً للطاقة. هذه الطاقة في النيل الأزرق هي القوة الدافعة لنهر النيل الأبيض شمالاً ولولا نهر السوباط لظل النيل الأبيض حبيس المستنقعات. فقدان النيل الازرق لطاقته يجعل منه نهراً بطيء، مما يزيد من حجم النباتات المائية المزعجة والطحالب ذات الروائح الكريهة فيكثر استخدام منظفات المياه مثل الكلور مما يفقد مياه النيل لطعمها الأساسي (7).
5/الأثار البيئية والاقتصادية والاجتماعية لسد النهضة
لم تنشر حكومة السودان النتائج المتعلقة بدراسة الاثار البيئية والاقتصادية والاجتماعية لسد النهضة والظن أنها لم تقم بتلك الدراسة إلى الان، كما لم تجر اللجنة الفنية السودانية أي دراسات حول مخاطر سد النهضة (31)، فالحديث المضخم عن الفوائد والتقليل من الاثار السالبة دون اجراء الدراسات العلمية هو ضرب من طق الحنك.
ولا يفوت على القاري الكريم، أن سد النهضة سيصيب السودان بكثير من الضرر، إذا ما تغيرت السياسة واختلفت المصالح السودانية الإثيوبية، فإثيوبيا يمكن أن تمارس ضغطا هائلا على السودان. وذلك لأن سد النهضة سوف يجعل لإثيوبيا اليد العليا التي تتحكم في مواقيت وكميات المياه المنسابة في النيل الأزرق مما يضع السودان تحت رحمة إثيوبيا (32)(33).
قد يقول قائل إن إثيوبيا لا يمكنها حجز مياه النيل الازرق لفترة طويلة وهذا قول صحيح! ولكن إثيوبيا سوف تتحكم تماما في مياه النيل الازرق بعد اكتمال سد النهضة. فمثلا يمكن أن تسمح بمرور كميات كبيرة من المياه في مواقيت ليست مناسبة للسودان، أو تسمح بمرور كميات قليلة من المياه في أوقات الذروة الزراعية مما يهدد النشاط الزراعي في السودان. كما يمكن سد النهضة إثيوبيا من تهديد السودان بالغرق، أو استخدام المياه كسلاح لإجبار السودان لتقديم التنازلات مثلا: في أراضي الفشقة أو في بعض المواقف السياسية، خصوصا مع خلو السودان من مصدات للمياه كما اشرت اَنفاً (30)(32)(33).
في الختام هنالك حوجة حقيقية لإثيوبيا لاستخدام ثروتها المائية في أغراض الزراعة المروية والتوليد الكهربائي وتحقيق التنمية ولكن دون إلحاق الضرر بالسودان. هذا النيل واصل وليس فاصل (34). ولكن إذا سيطرت النظرة الاحادية والروح الانتقامية ستكون النتائج كارثية على إثيوبيا في المقام الاول لأنها ستحد من قدرتها على النهوض. ظلت السدود في أفريقيا مشاريع سياسية تبينها الحكومات لكسب التأييد السياسي بترويج أن السد سوف يمثل الترياق الشافي لكل مشاكل البلد الاقتصادية، كما حدث في السد العالي في مصر ايام عبد الناصر (17). فعلي الرغم من أن السد العالي حمي مصر من موجات الجفاف التي ضربت دول حوض النيل في ثمانينات القرن الماضي، لكنه لم يقم بنشل مصر من التردي الاقتصادي كما كان مخطط له، بل أصبح عبئا على كاهل مصر بتسببه في كثير من المشاكل للقطاع الزراعي المصري.
بناء السدود الكبيرة يتم وفق خطط للتنمية تقوم على انشاء بنيات تحتية كبيرة ومنشئات زراعية وصناعية ضخمة مصاحبة لعملية بناء تلك السدود. تلك المنشئات من شانها أن تستهلك الجزء الأكبر من الكهرباء المنتجة، وأن بناء سدود كبيرة يعتبر مضيعة للمال إذا كانت الغايات من بنائها توفير كهرباء لشخص لا يملك أن يضئ غرفة أو أن يشعل موقد (29)(32).
عدم ضغط السودان على إثيوبيا لإبرام اتفاقية ملزمة ومنصفة على تشغيل سد النهضة وضمان سريان مياه النيل الازرق في مواقيت الحوجة السودانية، يعرض الزراعة في السودان لأخطار جمة، وأخشى أن يكون سد النهضة أيضاً مشروعاً سياسياً يحقق لأثيوبيا شيئاً من التنمية لبرهة، ثم يتحول الي عبء اقتصادي كبير عليها ومهدد لوجود وأمن السودان.
د. أحمد عبد الله الشيخ
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
المراجع
1.https://www.facebook.com/Satintoad/videos/10215452412163847/?d=n
2. https://www.alarabiya.net/ar/arab-and-world/egypt/2020/03/03/أزمة-سد-النهضة-تتصاعد-اثيوبيا-سنبدأ-الملء-ولا-قوة-تم
3. https://www.youtube.com/watch?v=76QIyubPks4
4. https://www.internationalrivers.org/sites/default/files/attached-files/irfactsheet_dammed_rivers_lores.pdf
5. https://www.smh.com.au/politics/federal/building-more-dams-is-no-way-to-prevent-flood-catastrophe-20110111-19mkm.html
https://www.smh.com.au/politics/federal/building-more-dams-is-no-way-to-prevent-flood-catastrophe-20110111-19mkm.html
6. Adhikari, U., Nejadhashemi, A., Woznicki, S. (2015). Climate change and eastern Africa: a review of impact on major crops.
7. رشدي سعيد. نهر النيل نشأته واستخدامه مياه في الماضي والمستقبل. القاهرة. دار الهلال. 1993.
8. Food and Agriculture Organization (2005). "Fertilizer use by crop in Egypt". Rome.
9.http://www.akhbarelyoum.net/tfr/6009?fbclid=IwAR02KJFiDvZKZkKd7u6FZn-tPjnzgSXCdsEE4MjDpkRS6Sld7RU0wAIYHLY
10. Vrbka, P., Bussert, P., Abdalla, O. (2008). "Groundwater in north and central Sudan". Applied Groundwater Studies in Africa.
9. Sharaky A.M., Elewa H.H., Kasem A.M. (2017). "Impact of the Grand Ethiopian Renaissance Dam (GERD) on Gezira Groundwater, Sudan". In: Negm A., Abdel-Fattah S. (eds) Grand Ethiopian Renaissance Dam Versus Aswan High Dam. The Handbook of Environmental Chemistry, vol 79. Springer, Cham.
12. جواد عبد الكريم كمال. استخدام الدورة الزراعية لأغراض صيانة التربة. مجلة القادسية للعلوم الانسانية. المجلد الثامن. العدد الاول. 2005.
13. http://gadaa.com/oduu/20303/2013/06/19/why-is-the-hydroelectric-dam-on-the-blue-nile-the-grand-ethiopian-renaissance-dam-gerd-sized-for-6000-mw/
14. http://theconversation.com/why-technical-discussions-are-needed-for-the-grand-ethiopian-renaissance-dam-60004
15. Abdul Latif Jameel World Water and Food Security Lab, M. I. T. (2014). The Grand Ethiopian Renaissance Dam: An Opportunity for Collaboration and Shared Benefits in the Eastern Nile Basin. Cambridge, Massachusetts Institute of Technology: 17.
16. https://www.elwatannews.com/news/details/623526
17. محمد أحمد المحجوب. الديمقراطية في الميزان. الخرطوم. مطبعة العملة. 2004.
18. United States Bureau of Reclamation (1964). Land and water resources of the Blue Nile basin: Ethiopia. Appendix II. Washington, DC, Dept. of the Interior.
19. Zhang, Y., P. Block, et al. (2015). "Ethiopia's Grand Renaissance Dam: Implications for Downstream Riparian Countries." Journal of Water Resources Planning and Management 141 (9): 05015002.
20. Girdler, R. W. and D. A. McConnell (1994). "The 1990 to 1991 Sudan Earthquake Sequence and the Extent of the East African Rift System." Science 264(5155): 67-70.
21. DesRoches, R., M. Comerio, et al. (2011). "Overview of the 2010 Haiti Earthquake." Earthquake Spectra 27: S1–S21.
22. Pacific, W. H. O. R. O. f. t. W. (2011). The great east Japan earthquake: a story of devastating natural disaster, a tale of human compassion, World Health Organization 74.
23. Gahalaut, K. and A. Hassoup (2012). "Role of fluids in the earthquake occurrence around Aswan reservoir, Egypt." Journal of Geophysical Research: Solid Earth 117(B2).
24. Grigoli, F., S. Cesca, et al. (2017). "Current challenges in monitoring, discrimination, and management of induced seismicity related to underground industrial activities: A European perspective." Reviews of Geophysics 55(2): 310-340.
25. Moore, M. (2009). Chinese earthquake may have been man-made, say scientists The Telegraph.
26. Staff, R. (2017). Bereaved families scuffle with rescue workers at Ethiopian landslide site. Reuters.
27. Ismail, E. H., J. D. Rogers, et al. (2017). "Landslide susceptibility mapping of Blue Nile and Tekeze River Basins using oblique rainfall-aspect rasters." Bulletin of Engineering Geology and the Environment.
28. Wieland, M. (2010). Dam safety and earthquakes. International Water Power and Dam Construction.
29. Williams, P. (1991). The debate over large dams, Civil Engineering—ASCE, Vol. 61, Issue 8, Pg. 42-48.
30. ابراهيم الامين. السودان الاخضر بين دفتي السد العالي وسد النهضة. الخرطوم. 2015.
31. محمد عبد الحميد. تداعيات من ثنايا الذاكرة حول مخاطر سد النهضة. سودانايل 4/11/2019.
32. أحمد عبد الله الشيخ. سد النهضة بيع الماء أم الكهرباء! سودانايل 1/05/2018.
33. مصطفي عبد الجليل مختار. السودان وسد النهضة (2/3): بين الشراكة المجانية واحتلال الفشقة. سودانايل 15/03/2020.
34. الصادق المهدي. مياه النيل الوعد والوعيد. القاهرة. مركز الاهرام للترجمة. 2000.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.