اللاعبين الأعلى دخلًا بالعالم.. من جاء في القائمة؟    جبريل : مرحباً بأموال الإستثمار الاجنبي في قطاع الصناعة بالسودان    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    بعد رحلة شاقة "بورتسودان.. الدوحة ثم الرباط ونهاية بالخميسات"..بعثة منتخب الشباب تحط رحالها في منتجع ضاية الرومي بالخميسات    على هامش مشاركته في عمومية الفيفا ببانكوك..وفد الاتحاد السوداني ينخرط في اجتماعات متواصلة مع مكاتب الفيفا    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    شاهد بالفيديو.. الرجل السودني الذي ظهر في مقطع مع الراقصة آية أفرو وهو يتغزل فيها يشكو من سخرية الجمهور : (ما تعرضت له من هجوم لم يتعرض له أهل بغداد في زمن التتار)    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان أحمد محمد عوض يتغزل في الحسناء المصرية العاشقة للفن السوداني (زولتنا وحبيبتنا وبنحبها جداً) وساخرون: (انبراش قدام النور والجمهور)    الخارجية تنفي تصريحا بعدم منحها تأشيرة للمبعوث    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    مناوي: وصلتنا اخبار أكيدة ان قيادة مليشات الدعم السريع قامت بإطلاق استنفار جديد لاجتياح الفاشر ونهبها    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    مانشستر يونايتد يهزم نيوكاسل ليعزز آماله في التأهل لبطولة أوروبية    مطار دنقلا.. مناشدة عاجلة إلى رئيس مجلس السيادة    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    بعد حريق.. هبوط اضطراري لطائرة ركاب متجهة إلى السعودية    نهضة بركان من صنع نجومية لفلوران!!؟؟    واشنطن تعلن فرض عقوبات على قائدين بالدعم السريع.. من هما؟    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: لابد من تفعيل آليات وقف القتال في السودان    الكشف عن شرط مورينيو للتدريب في السعودية    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    رسميا.. كأس العرب في قطر    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سكر حلفا الجديدة .. بقلم: عباس أبوريدة
نشر في سودانيل يوم 22 - 05 - 2020

وجودي في كنانة أتاح لي فرصة التجوال بين مصانع السكر المختلفة ، قضيت فترة ً في سكر عسلاية وكان تحت الإنشاء وفترة ً أخرى في سكر سنار وثالثة في سكر حلفا الجديدة.
كما التحقت بمعهد تنكنولجيا صناعة السكر لدى إفتتاحه بكلية الهندسة بجامعة الخرطوم والذي تم إنشاؤه كهدية من حكومة ألمانيا تحت إشراف خبير السكر الألماني البرفيسور ديليفير بمنحة قدرها خمسة ملايين مارك كأول معهد من نوعه في إفريقيا والشرق الأوسط لخدمة صناغة السكر في السودان والتي كانوا روادها الأوائل . ولعل الألمان حرصوا عى تعزيز وجودهم في السودان بعد خسارتهم لعطاءات تنفيذ مشروعات سكر سنار وسكر عسلاية وربما ملوط لصالح الشركات الإنجليزية.
في أعقاب إنتهاء الفصل الدراسي الأول أقام لنا سعادة السفر الألماني حفلا ً بهيجا ً في السفارة الألمانية وعبر عن سروره بنجاح البرنامج ووعد بمتابعته ودعمه المستمر . حضر الإحتفال قيادات صناعة السكر في السودان ولفيف من أساتذة البرنامج من جامعة الخرطوم .
كان علينا أن نتوجه بعدها إلى إحدى المصانع العاملة لإستكمال البرنامج العملي ، كانت الخيارات المتاحة هي مصنع الجنيد وحلفا وسنار ، كنت أميل لمصنع الجنيد لمعرفتي به وبعض مهندسيه ِفقد زرته مرات عديدة أثناء الدراسة الجامعية ولقربه من العاصمة ولكني تنازلت للزملاء محمد تاج الدين ( الكاملين) وعبد العظيم الحليو (مدني) وقبلت أن أتوجه على مضض لحلفا الجديدة مع زميلي محمد علي سليمان الضو.
بدأنا الرحلة على متن حافلة مواصلات الجزيرة الفخمة لمدينة القضارف حيث قضينا اليلة هناك في فندق العامل قبل أ ن نستكمل الرحلة لحلفا الجديدة ضحى اليوم التالي .
كانت المرة الأولى التي أشق فيها أرض البطانة وسط تداعات ٍ لصور ٍ شتى لها منها وصف أستاذي تاج الين إبراهيم عمر في تقديمه لمسرحية المك نمر على مسرح الدامر الثانوية ب " الأرض الخشنة الناعمة التي تسامت فيها اروع قصة حب ٍ وتسطرت أبشع فصول مأساة " وقفزت بخاطري ابيات العباسي بصوت الشريف عبد الرحمن الجيلي في الذي جسد دور حمد ود دكين وظلت عالقة بذهني منذ سمعتها . كانت المسرحية من بطولة العبيد فضل المولى و الشريف عبد الرحمن الجيلي ومرتضى ثالح شيخ العرب .
وكأني أرى الحوار بين "ريا" و "حمد ود دكين ورهطه "وأسمع مفرداته عندما شارف رهط "ود دكين" ديار "ريا" قام أحد مرافقيه بمناداتها عندما لم تلقي عليهم التحية قائلاً :
بالضيفان تمُّري لا سلام لا كلام
صدقوا اهل المثل توب العرب صح لام
"ريا" ردت عليه :
حبابكم عشرة ومن دون كشرة والف سلام
يا وجوه العرب المتلي ما بتلام
انا بت الرجال اهل الدرق والسيف
بت الما بهموا بي حساب الخريف والصيف
بت البحجو لى المرقوب بكرموا الضيف
انا "ريا" كان شفتكم افوتكم كيف ؟؟
: فرد عليها قائلا ً
من وين في الاهل كفاك فخر يا بنية ؟
ردت عليه "ريا" :
انا بت البيوت المن بعيد معنيه
بى فوق السما نفوسنا وبيوتنا حنيه
انا بت ابكبس في النسبه بطحانيه
عندها بادر ود دكين قائلاً:
عبد الله ابكبس عز البطانه وفخري
في راس العرب بنعد ماهو الوخري
كريم وهميم وصميم كان للقبائل دخري
بت شيخ العرب هيلك صحيح تفتخري
توقد ناره ديمه الما بكوس الجمره
وفي الضيفان يهوش سكينو دايماً حمره
بي كاس ما عبر لبنو بيجيك بالعمره
هيلو الشكرة هيلو الرئاسه هيلو الامره
فهنا تدخل أحد مرافقي ود دكين للتعريف به :
عملتي حسابو ضيفك وكرموا وجبتيه
يخجل كان سألتي وإسمو ما عرفتيهو
إسم شيخ العرب سامعابو ما شفتيه
ده خريف البطانه الفيها مالوا مشارك
هيلوا السارحه هيلوا الصاهله هيلوا البارك ما وقع ليك كلامي ساكته لي شنو خبارك فخرك ود دكين جاك في فريقك زارك
تداعت أيضا ً صولات وجولات الطيب ود ضحوية ورفيقه طه الضرير ومشاويرهم مع الهمبتة والهمباتة .
اما مسدار الصيد للحردلو شاعر البطانة الفحل ، فكنت كأني أراه بين الكثبان وبين تجمعات الشجيرات المتناثرة فقد كان الوقت خواتيم الخريف وتباشير فصل الشتاء:
الشم خوخت بردن ليالي الحرة
والبراق برق من منا جاب القرة
شوف عيني الصقير بي جناحو كفت الفرة
تلقاها ام خدود الليلة مرقت بره
تعرف لي مشاهد الرقاد والفرة
فلاخ المصب بيه بتبين تِتْورَّا
فوق حيا فوق محل من الصعيد منجرة
شاحد الله الكريم ما تلقي فيه مضرة
أب عراق فتق قرنو المبادر شرا
الباشندي عمت مهشيشب الدرة
من النقرة كل حين فوق عيلو منصرة
ها الايام محاريها القليعة ام غرة
قدمت من هنا وبي أضانا سمعت كرَّة
فوق كرتوت شخيتيراً تِخَيِّن خرَّ
قلاتو الوهاط بي لشغة قبل ام حرَّة
يا باسط النعم تسقيها في ها المرَّة
جاهن منقلب وقتاً عصير وشفاف
وكاسب ليلو بيهن من صدف ماخاف
ديل الطبعهن دايم الأبد عياف
وفي نايط السروج لقين بقيلاً جاف
حجار المزار المن بعيد بنشاف
جرَّن فوقو اللي التعفر عاف
من عند المضيق مرقن هناك بسناف
ديل قسين على القوي والمتلنا ضعاف
لونن من بعيد متل البليلي نضاف
حُرْد ومعصرات من شبة الأكتاف
لي الناس البغنولن يجروا القاف
ماليات الخشم من كامل الأوصاف
قبل الوصول إاليها كنت أتصور أن حلفا الجديدة وخشم القربة هما إسمان لبقعة جغرافية واحدة ووجدتها أحد أضلاع المثلث الخزان والمصنع والمدينة . حلفا الجديدة تتلقى شريان حياتها الإقتصادي من خزان خشم القربة عبر مشروع مؤسسة حلفا الزراعية والتي تفوقت في أنتاج القمح والسكر ، في حين تتلقى مصدر الطاقة بالكامل من مصنع السكر صاحب الإنتاجية العالية والمنتجات المبتكرة . وجدت حلفا مدينة النظام والرخاء والوفرة قد تصل لحد التخمة في حين كانت المدن الكبرى الأخرى تكابد المشقة وشظف العيش وإنعدام السلع .
وصلنا المصنع بعيد منتصف النهار فابى زميلنا الباشمهندس محمد خير مختار ألا ّ ان يستضيفنا في منزله العامر الفخيم بحديقته الغناء وغرفه الفسيحة وتولى تعريفي بالأهل في مدينة حلفا بشرى حمد حميدة في إدارة مؤسسة حلفا الجديدة الزراعية وزوجته عالية أحمد مصطفى أبوريدة وفي مدينة المصنع العم سعد سليمان صاحب البقالة الراقية التي تعج بكافة أصناف البضائع والمعلبات إستجابة ً لمتطلبات موظفي المصنع وزواره من المواطنين والأجانب على حد ٍ سواء . لا غرو فقد نقل العم سعد لحلفا الجديدة تجربته التجارية في مدينة "تسني" و عبر الحدود مع أرتريا والتي إبتعد عنها بعد أن إتهمته السلطات الأثيوبية بمساعدة ثوار أرتريا.
إضافة ً للبقالة التي كان يديرها جلال وحسبو بكفاءة عالية ، إشتهر العم سعد كتاجر جملة على نطاق واسع في المنطقة خاصة في مجال التمور إ ذ كان هو مركز الإستقبال للعجوة العراقية المفضلة لأهل الشرق .
كان العم سعد على علاقة متميزة مع إدارة مصنع السكر ومؤسسة حلفا الجديدة الزراعية وإدارة خزان خشم القربة وطافة الجهات الحكومية كما كان له تواصل مع جل زعماء عشائر البطانة من شكرية وبطاحين وهوسا وبني عامر وفلاتة .
كان العم سعد يحرص على جمع الأهل في منزله كل يوم جمعة فكانت فرصة ً طيبة ً لي أن ألتقي بطيف ٍ واسع ٍ من الأهل وأن أكتسب معارف وخبرات حياتية جديدة .
لم يكتفي الباشمهندس محمد خير مختار بتعريفي بالأهل في منطقة حلفا بل تولى لا حقا ً تعريفي بأهلنا آ ل ياسين عند زيارتي له في سقادي شرق .
امسياتنا كان يعطرها لفيف من الزوار على رأسهم الأستاذ عبد المحمود أحمد عبد المحمود مدير مدارس البنين ( شقيق الدكتورة فاطمة عبد المحمود) كان يتحفنا بسيلٍ من ذكرياته في ربوع السودان خاصة ً منطقة كادقلي . كما تشنف أسماعنا معزوفات موسيقية رفيعة منها سمفونيات بيتهوفن أعادت لنا ذكريات حفلات الفرق الموسيقية الأجنبية الزائرة في قاعة الإمتحانات بجامعة الخرطوم .
عند وصول عائلته ، انتقلنا من منزل محمد خير إلى ميز المهندسين وعرفنا فيه على كوكبة نيّرة ضمت ابراهيم عجباني ، عبد الله التوم ، شريف عبد القادر ، ابوزيد ، عبد المنعم محمد علي ، محمد الفاتح ، بكري سيد أحمد ، الريح عبد الخير ، مصطفى كاكوم ، كما كان من زوار الميز الدائمين أبوقصيصة ، عبد المحمود أحمد عبد المحمود ، فاروق النص ، عثمان الشيخ ، واحمد عباس وعبد الواحد ولكن جنقا كبير طهاة الميز كان بلا منازع نجم الفكاهة وحبيب الجميع غلى إختلاف أذواقهم .
مجالس مصانع السكر دائما ً عامرة بالظرفاء ففي حلفا كان ابراهيم عجباني وفي كنانة معاوية بدوي وعبدالله الأمين وفي سنار النعيم الأمين .
ضحى اليوم الأول لوصولنا تم ترتيب لقاء لنا مع مدير عام المصنع المهندس محمد أحمد حسن الشيخ السائح ، رحب بنا في المصنع وقدم لنا توجيهات قيمة في كيفية الإستفادة من البرنامج العملي . إجتمعت لديه اللباقة والمهارة العلمية والأسلوب الإداري الحديث . وجدنا لديه إلماما ًومعرفة واسعة بمشروع كنانة وصناعة السكر في السودان .
من إبتكاراته عقد لقاءات للإدراة العليا مساءا ًبمنزله لمناقشة سبل ترقية العمل وتذليل الصعاب وعدم ترك الأمور للقنوات الروتينية الجامدة . وكان نتاج ذاك أن المصنع كان يتجاوز طاقته التصميمية التي كانت تبلع ستون ألف طن في الموسم . كان دولاب العمل يسير بتناغم كبير بين الإدارات فلم يشهد الموسم شحا ً في المواد الكيميائية اللازمة لبياض السكر أو مواد التعبئة او الوقود اللازم لإنتاج البخار وتشغيل معدات الحصاد .
إدارة كنانة كانت حريصة جدا ً على الإشراف والمتابعة المستمرة ، فقبيل وصولنا لحلفا، قامت إدارة الشركة بتكليف المهندس فاروق النص مدير عمليات الإنتاج بالإشراف عليناأنا وزميلي محمد علي سليمان وكتابة تقارير دورية كما فوضت الإدارة المالية بصرف مستحقاتنا المالية من خزينة المصنع خصما ً عليها .
كنت حضورا ً مع لفيف من الزملاء في محكمة حلفا الجديدة لحضور القضية المرفوعة ضد زميلنا عبد الله التوم . ملخص القضية أن المفتش الزراعي عبد الله التوم دهس أحد أبناء السكان أثناء تجواله بالغيط إتهمه ذوي المجني عليه بالقيادة بإهنال والسرعة الزائدة وتمت إستجوابات عديدة لعمال الغيط ومساعدي المفتشين . كان الحضور كبيرا ًمن جانب أسرة المجني عليه ومن جانب موظفي المصنع .اذكر أن القاضي سأل والد الفقيد إن كان يريد العفو فرد قائلا ً "أنا أريد العفو ؤلكن أخوتي لا يقبلون ذلك"
كانت المرة الأولى التي أسمع عن "أبورنات" بعد أن إستشهد القاضي بمقولته عن شوارع السودان . حكم القاضي بالبرءاة وعدنا في تظاهرة فرح كبيرة مع صديقنا للمصنع في ختام الشهر الأول توجهنا لصراف المصنع لإستلام مستحقاتنا المالية فوجدنا جمعا ً من الناس امام شباك مكتبه فنادانا ( بصوت ٍ يسمعه الجميع ) قائلا ً " إما ان ان اصرف لكما أو أن أصرف لكل هؤلاء " . اخترنا طبعا ً أن يصرف لكل أولائك ونعود نحن في وقت ٍآخر .
في إحدى رحلات العودة للخرطوم كان يجلس بجانبت في المقعد الأخير في البص شخص عر َّف نفسه بأنه بروفيسور علم إجتماع في إحدى جامعات فلوريدا بالولايات المتحدة ، جاء لحلفا الجديدة مع أحد طلابه للدراسات العليا لتكملة بحث عن حلفا الجديدة بإعتبارها من افضل مشروعات أعادة التو طين في العالم.
بعد مشاهداتي للحياة البرية وتنوعها في البطانة ، شاهدت في سينما حلفا الجديدة قيلم "عرس الزين" للمخرج الكويتي خالد الصديق ، الفيلم من بطولة علي مهدي، تحية زروق . قصة الفيلم مستمدة من رواية عبقري الرواية العربية "الطيب صالح" بنفس الاسم الفيلم استغرق عرضه حوالي الساعة والنصف . كان الزحام شديدا ً عند مدخل السينما ولكن النظام كان دقيقا ً ويُحظى بالإحترام من الجميع ، كان واضحا ً أن جمهور حلفا الجديدة يغلب عليه أهل السلوك الراقي ، ولا حظت ذلك في سلولكهم تجاه الزبائن في المتاجر خاصة ً الدكتور "وردي" صاحب صيدلية "وردي" .
سوق حلفا الجديدة كان غاية في النظافة مبني على طراز حديث موحد وتتوسطه فسحة كبيرة تجعل الوصول للمحلات ميسرا ً كما تتيح سرعة التدخل في الحالات الطارئة كما أن هناك مجال واسع لخطط التوسعة المستقبلية . به مكتب للخطوط الجوية السودانية والتي عدت على متن إحدى رحلاتها الرفيعة المستوى للخرطوم عبر مدينة كسلا، كما أن السوق به مكتبة كبيرة ومطاعم متنوعة على مستوى عال ٍ من الخدمة .
زرت في معية الزملاء خزان خشم القربة والتقينا بكوكبةٍ طيبةٍ من المهندسين الخبراء التابعين لوزارة الري . قدموا لنا شرحا ً وافيا ً عن نشأة الخزان ودوره في النهضة الزراعية إذ أن هدفه الأساسي الري وليس التوليد الكهربائي .
خزان خشم القربة هو أول محاولة للإستفادة الفعّالة من مياه نهر عطبرة الموسمي والتي شاهدناها تدمر كثير من القرى غلى الجانبين قبيل أن تصب في مجرى النيل الرئيسي في مقرن عطبرة في حين يتحول مجرى النهر إلى مستنقعات متناثرة في فصل الشتاء. خزان خشم القربة يبدو صغيرا ً بالمقارنة مع خزان سنار الذي زرته أثناء زيارتي لمصنع سكر سنار .
أثبت مصنع حلفا أن صناعة السكر هي نواة ً لتجمع سكاني كبير ونهضة إجتماعية رائدة قبل أن يكون ومشروعا ً ذو عائد إقتصادي فقط . مصنع حلفا توظيف فعتَال لمياه نهرعطبرة لتوليد الطاقة وإستخراج خيرات الأرض الكامنة والتأكيد غلى الميزة النسبيىة للسودان لإنتاج السكر ومشتقاته . فصناعة السكر تشكل مدخلا ً هاما ًلصناعات ٍ شتى منها العسل الذهبي والعسل الأسود والورق ووقود السيارات وأنواع الحلوى والعلف الطبيعي والغازوهول أو الوقود الأخضر كانت فترتي في حلفا من الأيام النضرات ، عملت فيها أبحاث قيمة ودراست عديدة واكتسبت مهارات رفيعة فصناعة السكر فيها من تطبيقات الهندسة ومعداتها ما لا يوجد في سواها . عملت أبحاث عن ميكنة الحصاد ورفع كفاءة أجهزة الطرد المركزي وطرق إزالة الألوان من السكر الخام ومجالات أخرى . كانت إستفادتي كبيرة من تجهيزات ضبط الجودة والمراجع العلمية والدوريات وسجل الأبحاث السابقة في المصنع . كما تعلمت كثيرا ً من الخبرات للمهندسين وكبار الفنيين في مختلف الأقسام .
وتعرفت في فيها على إخوة أفاضل وبقعة غالية من بقاع الوطن الحبيب .
ودّ عت حلفا ولكنها بقيت في الذاكرة وبقيت سيرة أهلها العطرة زادا ً في شعاب الحياة .
ودعتها وقد استبشرت بالغد الزاهر على ترابها بما حباها الله به من كنوز فقد كان مشروعها قابلا ً للتوسع رأسيا ً وأفقيا ً دون عناء كبير ، علينا فقط أن نشمر ساعد الجد لإستثمارها بعد عقدين من الزمان من السكون فلا نهضة لمن لا يعمل :
لا تُحبطن َّ وتهدر جهدك الغالي إنَّ الموارد فيها الغث ُّوالغالي
تسعى لمجد ٍ عزيز ٍ أنتَ تطلبه ُ وما بذلت له المكنون والغالي
فما بلغت َ مقاما ً أنت َ تقصده ُ وما ظفرت َ بطيب النفس ِوالبال ِ
لا تياسن َّ ففي الأزمان ِ متَّسع ٌ لكل طالب مجد ٍ باسق ٍعالي
شمِّر وأبذل للعلا جُهد اً لا يخدعنَّك حسن الظن ِّ والفال ِ


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.