مانشستر سيتي يدخل التاريخ بإحرازه لقب البريميرليغ للمرة الرابعة تواليا    بسبب إحاطة عاجلة عن رئيس إيران.. بايدن يقطع إجازته    ضباط ينعون الشهيد محمد صديق إثر تصفيته في الأسر من قِبل مليشيا الدعم السريع    عقار يؤكد ضرورة قيام امتحانات الشهادتين الابتدائية والمتوسطة في موعدها    السودان ولبنان وسوريا.. صراعات وأزمات إنسانية مُهملة بسبب الحرب فى غزة    إسرائيل والدعم السريع.. أوجه شبه وقواسم مشتركة    سُكتُم بُكتُم    شاهد بالفيديو.. مذيعة تلفزيون السودان تبكي أمام والي الخرطوم "الرجل الذي صمد في حرب السودان ودافع عن مواطني ولايته"    مصر: لا تخرجوا من المنزل إلا لضرورة    الملك سلمان يخضع لفحوصات طبية بسبب ارتفاع درجة الحرارة    مسيرات تابعة للجيش تستهدف محيط سلاح المدرعات    واصل برنامجه الإعدادي بالمغرب.. منتخب الشباب يتدرب على فترتين وحماس كبير وسط اللاعبين    عصر اليوم بمدينة الملك فهد ..صقور الجديان وتنزانيا كلاكيت للمرة الثانية    الطيب علي فرح يكتب: *كيف خاضت المليشيا حربها اسفيرياً*    عبد الواحد، سافر إلى نيروبي عشان يصرف شيك من مليشيا حميدتي    المريخ يستانف تدريباته بعد راحة سلبية وتألق لافت للجدد    تعادل سلبي بين الترجي والأهلي في ذهاب أبطال أفريقيا في تونس    باير ليفركوزن يكتب التاريخ ويصبح أول فريق يتوج بالدوري الألماني دون هزيمة    كباشي يكشف تفاصيل بشأن ورقة الحكومة للتفاوض    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    يس علي يس يكتب: الاستقالات.. خدمة ونس..!!    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثورة ديسمبر المجيدة .. ماذا عن دماء الشهداء .. ماذا عن إصلاح القضاء.. ماذا عن تفكيك التمكين .. وماذا..؟ .. بقلم: عبد القادر محمد أحمد /المحامي
نشر في سودانيل يوم 06 - 06 - 2020

جميعنا يشعر أو يجب أن يشعر بالخجل ونحن نستقبل الذكرى السنوية الأولى لمجزرة الاعتصام، ولا أبرئ نفسي، ليس لنواقص في ممارسة الهم العام فحسب، ولكن ايضا لكوني أنتمي لجيل ظن فيه شباب الثورة خيرا، فخاب ظنهم، واكتشفوا اننا نهوي التنظير ولا نحسن الفعل .
بمناسبة هذه الذكرى المؤلمة، لا فكاك من الوقوف عند عدة محطات تشكل موضوع الساعة، لجنة تفكيك التمكين، القضاء، ولجنة مجزرة الإعتصام، لنرى ما صار وما يجب أن يصير. أما النيابة العامة فسأفرد لها مقالا.
حفظا للحقوق علي أن أذكر بأن معظم ما ورد في هذا المقال كان نتاج حوار توثيقي، أجراه الصحفي الأستاذ عبد الوهاب همت، وتعذر نشره بالراكوبة لأسباب فنية.
1
علينا الإقرار بأن هذه الثورة رغم عظمتها، إلا أنها ولدت كجنين غير مكتمل النمو، فقد قطعنا رأس الحية وبقي الجسد كما هو، وطفقنا نفرح ونهلل بسقوط البشير، ودولته العميقة باقية تفعل بالثورة الأفاعيل، فكان حصاد ذلك ما عليه الحال اليوم. لسوء حظ الثورة فأن السادة أعضاء المجلس العسكري الذين انحازوا لها كانوا جزءا من نظام البشير، فتحوطوا لأنفسهم بأن عملوا على إبقاء الأوضاع كما هي داخل الجيش والأمن والشرطة وكل مرافق الدولة، ثم في مناخ التوجس وعدم الثقة الذي صاحب مفاوضات قسمة السلطة وقعت مجزرة الإعتصام فازدادت الأمور تعقيدا، وبقي أنصار النظام المباد في مأمن من التطهير، وظلوا يحتلون كل مفاصل الدولة في صمت وترقب.
بدورها خرجت الوثيقة الدستورية وعليها الكثير من الملاحظات، لكنها اشتملت على إيجابيات أهمها تحديد أهداف المرحلة الانتقالية، ومنها إزالة التمكين وعهدت إلى مجلس الوزراء مهمة تنفيذه. للأسف لم يتصدى المجلس لهذه المهمة ذات الأولوية ، فاستعادت الدولة العميقة ثقتها في نفسها، وبدأت تنخر في جسد الثورة وتساهم في خلق الأزمات الأمنية والاقتصادية والسياسية، فأصبحنا في حاجة ماسة لما يجعل جذوة الثورة مشتعلة لتحمي نفسها وتتخطى الأزمات، فتفاعل الجميع مع قانون التفكيك وقرارات لجنة التفكيك، خاصة أنه يجد سنده في الوثيقة الدستورية، لكننا لم نكن في حاجة إليه لو قام مجلس الوزراء بمهمته، لذلك فإن لجنة التفكيك يجب النظر اليها كآلية لمجلس الوزراء لتنفيذ مهمة التفكيك .
قانون التفكيك غير المعدل التزم لحد ما بهدفه، حيث قضى بحل المؤتمر الوطني وواجهاته والمنظمات التابعة ومصادرة أموالها، واعطي اللجنة حق التوصية بحل كل الكيانات التي تشكل ذراعا للنظام المباد، وإنهاء خدمة منسوبيها، واي شخص تولى الوظيفة العامة عن طريق التمكين، ثم نصت المادة 7- و على حق اللجنة في : ( إتخاذ كافة التدابير والإجراءات والدعاوى ضد أي شخص محاربة للفساد.. أو ضد أي.. أفعال.. تشكل جرائم ضد الاموال العامة والخاصة ..)، فكلمة التدابير (measures) او الإجراءات (proceedings ) تعني اتخاذ وسائل او ترتيبات تحوطية لتدارك أمر ما، كالحجز على مال متهم خوفا من تصرفه فيه، لكن لا تعني الاسترداد.
اما قانون التفكيك المعدل الذي يعطي اللجنة حق استرداد اي مال ناتج عن الفساد، فهو مخالف للوثيقة الدستورية، فقد نصت الوثيقة في المادة 8-15 على تفكيك بنية التمكين، وبطبيعة الحال، يشمل ما يمكن أن يتم بقرارات إدارية، وهذا ما يجب أن يقتصر عليه عمل اللجنة. أما المحاسبة عن جرائم الفساد وغيرها، فقد نصت عليه في المادة 8 - 3، وتختص به الجهات العدلية، والسلطة القضائية هي صاحبة الولاية الحصرية، وفقا للمادة 30- 3.
التعديل يخالف ايضا شعارات السلمية والعدالة التي رفعتها الثورة، كأعظم ثورة مبادئ في التاريخ، فباستقراء تاريخ الثورات التي اندلعت في مواجهة أنظمة وطنية فاشستية، نجد أن الثورة الفرنسية بدأت بالعنف باستيلاء الثوار على مستودعات الأسلحة الحكومية، ثم اقتحموا سجن الباستيل وقتلوا مديره وقطعوا رأسه وطافوا بها أنحاء باريس. ثم بدأت الجماهير الغاضبة غارات مسلحة على قصور النبلاء والأغنياء فيما عُرف بهجمات «الخوف العظيم»، فهرب النبلاء خارج فرنسا. وهكذا بدأت وتصاعدت أحداث الثورة الفرنسية، بشكل دموي مخيف انتهى بنهب وحرق اموال الملوك والاغنياء، وبرؤوسهم مقطوعة تحت سكين المقصلة.
أما الثورة السودانية فقد بدأت بحراك سلمي يرفع شعار الحرية والسلام والعدالة كمبادئ، وسلاح الكلمة (تسقط بس) في مواجهة الترسانة العسكرية للنظام المباد، بكل ما يملك من قسوة واستبداد وحقد تجاه الشعب. وظلت الثورة محافظة على سلميتها حتى بعد أن وقعت مجزرة الإعتصام، كأبشع جريمة غدر في تاريخ البشرية، تجرد مرتكبوها من صفات الإنسانية وقواعد الفروسية.
لذلك فإن هذه الثورة هي الأعظم على الإطلاق، فيجب أن لا نشوه صفحاتها البيضاء بقانون التفكيك المعدل.
هذا القانون يخالف ايضا الدعائم الخلقية في سن التشريعات، فالتشريعات يجب أن تبنى على العدل، وتكون لها حكمة ودوافع نبيلة، ولا أرى حكمة في سن تشريع يعطي اللجنة حق استرداد أموال من أشخاص باسم محاربة الفساد، وهناك تشريعات سارية تحاكم الفساد وهناك جهات عدلية مختصة، ولا أرى دوافع نبيلة في مصادرة أموال من شخص قبل صدور حكم بإدانته بواسطة القضاء . كذلك من الدعائم الخلقية في سن التشريعات أن تكون عامة مطلقة في الأصل ومجردة، فالعدالة قيمة إنسانية يستفيد منها حتى عديمو الإنسانية، وقيمة مجتمعية لا تختص بحالة معينة ولا بفرد من الأفراد، وتقوم على عدة فضائل أهمها، كبح جماح شهوة الانتقام بإسم القانون، فلا يجوز للمظلوم أن يتحول إلى ظالم، فإذا كان الظلم ظلمات، فان الظلم على يد المظلوم أظلم واظلم.
ومن أهم دعائم إقامة العدل أن يتم التحقيق والمحاكمة بواسطة الاجهزة العدلية احتراما لاستقلاليتها ولمبدأ الفصل بين السلطات. كما أن القضاء مهنة لها أهلها وهي تقوم على جملة آداب وصفات يجب أن يتحلى بها القاضي، من نزاهة وتجرد واستقلال وحرص على إحقاق الحق بالتأني والحكم بالبينة، بعيدا عن هوى النفس.
هذا ليس قدحا في حق السادة أعضاء لجنة التفكيك، فقد أكدت على أهمية الدور الذي يقومون به في حدود ما ينبغي لهم من اختصاص، لكن علينا أن نعض بالنواجز على كل المبادئ التي نادت بها الثورة والتي من شأنها أن تكون العدالة للجميع في مظهرها قبل جوهرها. Justice must be seen to be done ولا يحول دون ذلك القول بأن العدالة بطيئة، فلماذا لا نخصص نيابات ومحاكم بكل درجاتها لنظر قضايا الفساد، فليس كل منسوبي الأجهزة العدلية فاسدين أو تابعين للإنقاذ، ولماذا لا نعجل بإعادة القضاة السابقين لكي يساهموا في تصريف العدالة ونحن في حاجة ماسة لهم ولخبراتهم!!
وما قيمة العجلة في المصادرة مقابل ما يهدر من قيم العدالة!! لماذا الخوف والمال تحت إدارة ومراقبة الجهات العدلية التي أمرت بحجزة لحين نظر الدعوى.!
وإنني أتعجب أن تشكر لجنة التفكيك النائب العام على مساعدتها، وهي تعلم أو يجب أن تعلم أنه (عاجز) عن القيام بدوره الأصيل، وتعلم أو ينبغي أن تعلم أسباب العجز .! وهذا العجز يجب أن لا نعالجه بتدخل اللجنة في اختصاص النيابة، لكن على قوى التغيير أن تقوم بدورها كحاضنة سياسية للحكومة، وتطالب النائب العام بالتنحي أو تنحيته، فمن يأتي بالشرعية الثورية يجب ان تسقطه الشرعية الثورية، فهذه الثورة وما سكب فيها من الدماء والدموع، لا تستحق ما يفعل بها في العلن والخفاء.
على قوى التغيير أن تعمل على إنشاء مفوضية مكافحة الفساد واسترداد الأموال العامة، وهي من المفوضيات المستقلة المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية، ولو قامت هذه المفوضية لجنبتنا الوقوع في الكثير من المزالق.
احد الزملاء وافقني الرأي بإلغاء قانون التفكيك المعدل، لكنه يرى من غير المنطقي إلغاء قرار مصادرة (روتانا وعفراء)، وقد أقر المتهم بأن هذه العقارات باسمه لكنها تتبع للمؤتمر الوطني، الحال كذلك، تنطبق المادة 4 - 3 من قانون التفكيك ونصها ( تحجز وتسترد الممتلكات والأموال المملوكة للحزب أو الواجهات التابعة له وتؤول لصالح وزارة المالية..). صحيح هذه العقارات موضوع بلاغ فساد في مواجهة متهم، ومصادرتها مرتبطة بحكم الإدانة، لكن طالما أنه أنكر ملكيتها وانها تخص المؤتمر الوطني، وتمت مصادرتها على هذا الأساس، فيكون السيف قد سبق العذل.
مجمل القول، علينا التمسك بالمبادئ التي نادت بها الثورة ونحن نضع اساس لدولة جديدة، تقوم على العدالة وسيادة القانون، وعلينا التمسك بكل ما يؤكد اعلاء قيم التسامح والمصالحة وإعادة الثقة بين كل مكونات الشعب، كأرضية لازمة للاستقرار وبناء الدولة والتطور . ويبقى أيضا من موجبات ذلك أن الإجراءات أو البلاغات التي يتم اتخاذها في مواجهة أي شخص، يجب أن تهدف إلى إعلاء مبدأ سيادة القانون، بعيدا عن التشهير والانتقام والتشفي، وكل ما من شأنه خلق الضغينة والغبن وما يؤثر سلبا على التعافي المجتمعي، فهذه الثورة يجب أن تكون مدرسة مثالية تهدف لترويض سلوك كل أفراد وكيانات المجتمع للعيش في سلام ومحبة.
2.
من الأهداف التي نصت عليها الوثيقة الدستورية ، الإصلاح القانوني وإعادة بناء وتطوير المنظومة الحقوقية والعدلية وضمان استقلال القضاء، وتحقيقا لهذا الهدف كان مشروع قانون مفوضية اصلاح أجهزة العدالة، وقد وجد معارضة ولازال، من بعض السادة أعضاء المكون العسكري لمجلس السيادة، ومن جهات أخرى بعضها تهدف لإبقاء أوضاع تلك الأجهزة على حالها الذي تركته الإنقاذ، للأسف تابعت السيدة رئيسة القضاء هذه الحملة تحت راية الدفاع عن استقلال القضاء، وهي راية تستوجب سماع وجهة نظر من يرفعها، غير اني اندهشت وانا اسمع واتيقن بأن القضائية الآن في تواصل مع لجنة التفكيك لترشيح أسماء من تشملهم قرارات العزل.!! حقيقة لا ادري ماهو مفهوم استقلال القضاء عند السيدة رئيسة القضاء، بما يجعلها تعترض على قانون الإصلاح، وتوافق على التعامل مع لجنة التفكيك.!!
هذا التناقض لا يمكن فهمه الا كمحاولة للالتفاف حول المفوضية.
ان كل ما أحدثه تعديل قانون التفكيك 2020 بشأن القضاء والنيابة هو أنه أضاف القضاء والنيابة عند تفسيره لعبارة (أجهزة الدولة) التي يجب أن تشملها إزالة التمكين، وهو تفسير وان كان صحيحا، لكنه تحصيل حاصل لأن الوثيقة الدستورية نصت على تفكيك بنية التمكين في كل أجهزة الدولة، وبطبيعة الحال يشمل ذلك الأجهزة العدلية. لكن لا يفهم ولا ينبغي أن يفهم أن لجنة التفكيك أصبحت مختصة بتفكيك التمكين داخل الأجهزة العدلية، فهذا الفهم يهزم مبدأ وفكرة تحقيق استقلال القضاء كهدف نصت عليه الوثيقة، فبأي منطق تسمح القضائية للجنة التفكيك بالتدخل في القضاء ولهذه الدرجة!! ان وجود قضاة غير صالحين لا يعني استباحة الجسم بأكمله، إذ يجب مراعاة حساسية الدور الذي تقوم به القضائية وما ينبغي لها من إستقلال واحترام.
3.
أن حالة التوتر العام والأزمة السياسية التي نعيشها اليوم، تم زرع بذورها يوم وقوع مجزرة الإعتصام، حيث شكل هذا الحدث المؤلم الذي لم تحسب عواقبه، نقطة تحول سالبة في مسار الثورة، فأصبح من الصعب توقع أن يسير المكون العسكري في طريق تحقيق مهام المرحلة الانتقالية وإحداث التحول الديمقراطي .
لقد تجاهلنا حقيقة أن أعضاء المجلس العسكري هم المتهمين الأساسيين في جريمة فض الاعتصام، ودخلنا معهم في حوار الوثيقة ونسب أقتسام السلطة، ورغم أن المكون العسكري بشقيه (الجيش والدعم السريع) وقع على الوثيقة، لكن كان طبيعيا أن تكون له اجندته الخاصة في كيفية الخروج من هذه الورطة، لقد أصبح المكون العسكري شريكاً في قمة السلطة الانتقالية وممسكا بالقوة العسكرية، وفي ذات الوقت متهما في جريمة فض الاعتصام، وقد نصت الوثيقة بأن يكون من مهام الفترة الانتقالية التحقيق ومحاكمة المتورطين فيها!! فكيف يمكن تصور ذلك!!!
بالأمس استمعت للسيد رئيس الوزراء وهو يؤكد أن العدالة لا بد أن تطال الجميع، أيضا تصريحات الكثير من المسؤولين والحزبيين، تصب في ذات المعني، لكن لا أحد يحدثنا عن تصور محاكمة أشخاص يمثلون الآن سيادة الدولة، هذه التصريحات لا تخرج عن كونها محاولة لطبطبة العواطف، دون تحسب لعواقبها وانعكاساتها السيئة على أهل الضحايا والشباب .
لقد تجنبنا طوال الفترة الماضية الحديث عن لجنة التحقيق احتراما لاستقلاليتها ولحساسية دورها، لكن ظل الأستاذ المحترم اديب رئيس اللجنة يطلق العديد من التصريحات لأجهزة الإعلام المحلية والعالمية، ومعظمها متناقضة ولا مبرر لها، وعندما قام البعض بانتقاده رد بأن هناك من يحسدونه، حقيقة شعرت بالخوف من هذا الرد، لأنه يعطي انطباعا بأن الأستاذ اديب لا يدرك حجم وجسامة وعظم المسؤولية الملقاة على عاتقه، ويعتبرها نوعا من التشريف الذي يحسد عليه.!!
استاذ اديب يصرح بقرب إعلان تقرير اللجنة، ثم يعود ويصرح بأنه سيرفع التقرير للنائب العام ليقرر بشأن التهم رفضا أو قبولا، والجميع يعلم أن هذه اللجنة بموجب الوثيقة الدستورية وقرار تشكيلها عبارة عن لجنة تحقيق مستقلة تملك كافة الصلاحيات المتعلقة بالتحقيق وإجراءاته ، ولا تستمد سلطاتها من النائب العام.
استاذ اديب يتحدث عن قيامه بتجميع أدلة معينة ثم يقوم بوزنها ويتحدث للإعلام عن مقبوليتها وعدم مقبوليتها أمام المحكمة!
استاذ اديب يتحدث عن المسؤولية السياسية وليست الجنائية، للمجلس العسكري لكونه شخصية اعتبارية، وهو يعلم أن هذا التوصيف لا مكان له، وان الحديث عن مسؤولية المجلس العسكري السياسية أو الأخلاقية عن المجزرة لا تحتاج للجنة تحقيق، فالتحقيق يجب أن يشمل اعضاء المجلس العسكري كأشخاص وأفراد طبيعيين، فأي عضو بالمجلس وبحكم موقعة يجب التحري عن مسؤوليته الجنائية كشخص طبيعي (natural person) وليس كمجلس (Legal person), سواء كان ذلك بالتنفيذ أو بالأمر أو بالتخلي عن تقديم المساعدة اللازمة أو بالعلم والصمت، فكل هذه أفعال يغطيها القانون الجنائي، فهو يعاقب على ارتكاب الجريمة بالاشتراك اتفاقا وبالاشتراك بدون اتفاق، كما يعاقب على التحريض وعلى المعاونة، ويعاقب على القتل العمد والقتل شبه العمد والقتل الخطأ والجرأئم ضد الإنسانية.
هناك وقائع تضع علامات استفهام حول كل أعضاء المجلس العسكري، منها وقوع المجزرة في ميدان القيادة العامة، والمجلس العسكري في قمة السلطة، واستمرار المجزرة لعدة ساعات وسط دوي الرصاص وصراخ الضحايا دون تدخل من الجيش، وترتيبات قطع الإنترنت وبيان رئيس المجلس العسكري بإلغاء المفاوضات،.. الخ. واتوقع ان تكون لجنة التحقيق قد سألت الفريق الكباشي عن التصريح الذي أدلى به، بأنهم هم الذين أصدروا قرار فض الاعتصام. كل ذلك دون مساس بحق اي منهم في تبني خط دفاعه.
على الأستاذ اديب أن يدرك خطورة وحجم المسؤولية الملقاة على عاتق لجنته، وان بلادنا تمر بوضع في غاية التعقيد فيجب التعامل بالمهنية وبالحكمة المطلوبة لتفادي بلادنا وشبابنا المزيد من الدماء.
وبالعودة لتصريحات السادة المسؤولين بأن العدالة ستنفذ في حق الجميع، فهذه تصريحات تخاطب العواطف وتتجاهل العقول، علينا مواجهة هذه الأزمة بالوضوح اللازم، ما إمكانية التحقيق والمحاكمة وأعضاء المجلس العسكري في قمة السلطة،يمثلون سيادة الدولة!!
علينا التفكير بهدوء وبمنطق للوصول للحل الذي يخرج البلد من هذه الورطة غير المسبوقة. علينا أيضا أن ندرك بأن لجنة أديب لا تملك العصا السحرية التي ترضي العسكر والثوار وأسر الضحايا في آن واحد .
علينا مواجهة الأزمة بموضوعية وبالصراحة الكاملة لا بدفن الرؤوس في الرمال، علينا أن ندرك بأن أي مشكلة مهما تعقدت لا بد لها من حل، وان بلادنا مليئة بالحكماء وأصحاب الرأي، فقط المطلوب منهم تخطي حاجز الخوف ومواجهة الأمر الواقع، ومحاولة طرح الحلول، وأعتقد أن الكثير من شبابنا وأسر الضحايا اجتازوا مرحلة الأحزان، ولديهم الاستعداد لسماع الحلول وتغليب مصلحة الوطن .
ان ظهور الحقيقة كاملة حول ما حدث في ميدان الإعتصام ومن هو المسؤول، أهم من الإجراءات التي تليها، وليس هناك ما يضير من التأخير شهرين أو ثلاثة بما يضمن شمولية وشفافية التقرير، لذلك ومن باب تشجيع التفكير في إيجاد الحل العادل، أرى تأجيل إعلان تقرير لجنة أديب وان يتم تغذيتها بعناصر إضافية من قانونيين وكذلك ممثلين لأسر الضحايا كمراقبين ، لاكساب عمل اللجنة المزيد من الثقة، وان توسع مهامها لتشمل حصر كل الضحايا من شهداء وجرحى ومفقودين على نطاق السودان.
علينا أيضا ان نسارع إلى إنشاء وتشكيل مفوضية العدالة الانتقالية، لتقوم بمهمة إشاعة ثقافة وقيم العفو والتسامح.
علينا أن نقتنع بأن الأهوال التي حدثت خلال الثلاثين عاما الماضية، لن يشفي غليلها القصاص، فأي قصاص يعادل مأساة مواطنبن عزل لجأوا لحرم يعتقدون أنه آمن، فيتم قتلهم وهم نيام بالحرق داخل الخيام، وبالرمي في النيل أحياء مقيدين، وبقر البطون والدوس على الرؤوس بالحزاء، واغتصاب الشباب ذكرانا واناثا.!
ثم ماذا عن الشهداء منذ أن جاءت الإنقاذ! ماذا عن شهداء الخرطوم وبورتسودان والأبيض وعبري وكجبار والعيلفون وغيرهم!!! أي قصاص يعادل دفن ثمانية وعشرين ضابطا وهم أحياء!!!
ماذا عن الأستاذ الجامعي يتم تهديده بالاغتصاب بواسطة ابنه الطالب! ماذا عن اشجع الرجال يتم اغتصابه بواسطة رفيق السلاح! ماذا عن الطبيب يتم اغتياله بغرز المسمار في رأسه، ويشهد زميله الطبيب أن سبب الوفاة حمى الملاريا!! وأي قصاص يمكن أن يشفي غليل ما حدث لاهل دارفور من حرق قرى بأكملها ومن فيها، واغتصاب وتشريد أهلها ليظل من بقي حيا يعيش داخل معسكرات اللجوء القسري داخل وخارج السودان!!!
كل هذه الأهوال والمآسي التي عاشها شعبنا، عالجتها الثورة بشعار حرية.. سلام وعدالة، وقننتها الوثيقة الدستورية بتأكيد رغبة الشعب في بناء دولة جديدة تقوم على المساواة والمحبة والسلام والديمقراطية وسيادة حكم القانون، بوعي وادراك بأنه لا بلوغ لهذا الهدف الا باعلاء قيم التسامح والمصالحة بين كل مكونات الشعب وإعادة الثقة بين أهل السودان.
ثم يبقى على السادة أعضاء المجلس العسكري من جانبهم، أن يفعلوا ما يساعد على بلوغ ذلك الهدف، بأن يمضوا في طريق تحقيق أهداف الثورة دون تردد ،
عليهم تقديم عربون صداقة يعيد الثقة بين الشعب وقواته المسلحة، بتشييد متحف بإسم الشهداء، يجاور ميدان الإعتصام، يعيد اللوحات والشعارات الرائعة التي تم طمسها، ويجسد صور الشهداء وبطولات الشباب ويحكي عن ما حدث في الميدان من تعايش وتكافل وتلاحم بين كل مكونات الشعب السوداني، ذلك المشهد العجيب الذي هز وجدان الانسانية وأكد أن هذا الشعب العظيم قادر على بناء دولة قوية، يعيش فيها الجميع في سلام ومحبة.
وعلى أهل الإنقاذ أن يدركوا بأن هذه الثورة مهما تعثرت الخطى ستمضي في طريقها، فلن يكون البديل هو عودة الإسلام السياسي، الذي باسمه يستغل الإنسان أخيه الإنسان، وعليهم أن يدركوا بأنهم في حاجة لفعل الكثير ليحصلوا على منصة تطل على الجماهير، عليهم أن يقفوا عند حكمة المهاتما غاندي التي جسدتها ثورة ديسمبر المجيدة، بأن العنف هو سلاح الضعيف وان اللاعنف هو أعظم قوة في متناول البشرية، وهو أقوى من أعتى أسلحة الدمار التي وضعتها براعة الانسان.
عليهم أن يتخلوا عن المكابرة في الحق والاقرار بأن التغيير الذي حدث كان مطلوبا وضروريا، عليهم أن يدركوا بأن الأهوال التي عاشها شعبنا طوال الثلاثين عاما الماضية، خلقت مظالم ومرارات واحزان داخل معظم البيوت فلا بد من كفكفة الدموع، عليهم أن يدركوا بأن بلادنا في حاجة ماسة للسلام ليعود اللاجئين لمدنهم وقراهم من معسكرات اللجوء القسري داخل وخارج السودان.
عليهم أن يدركوا بأن بلادنا في حاجة ماسة لعودة أبنائها المهاجرين قسرا، المنتشرين في كل بقاع الأرض، ليجتمع الشمل وليساهموا في البناء والتعمير.
عليهم أن يتخلوا طوعا عن المال العام الذي اكتسبوه دون وجه حق،
أخيراً علينا أن ندرك بأنه لا مجال للافلات من العقاب، فدماء شهداء المجزرة وكافة الشهداء والمظالم التي وقعت للناس طوال سنوات الإنقاذ، هي حقوق خاصة بأهلها، وينحصر دور الدولة في الترتيب لإجراءات العدالة الانتقالية وإشاعة ثقافة التسامح والعفو، ويقع العبء الأكبر على المتهمين بالتخلي عن المكابرة والتحلي بشجاعة الإعتراف بالذنب والاعتذار.
عذرا، لم اهدف إلى التجريح أو التعريض بأحد أو كيان، لكن تناولت مواضيع حساسة وبوضوح يفتح الباب للتداول والبحث عن ما يحقق الخير لبلادنا وجميع أهلها، فليس أمامنا الا الاقتداء بتجارب الدول التي اختارت طريق التعافي والسلام والبناء.
أسال الله أن تكون مجزرة ميدان الإعتصام، هي نهاية الأهوال والمآسي والأحزان التي عاشها شعبنا طوال الثلاثين عاما الماضية، وجنات الخلد للشهداء والشفاء للجرحى والعودة للمفقودين .
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.