كونت وزيرة العمل والشئون الاجتماعية لجنة لمراجعة قانون نقابات العمال لسنة 2020. ويأتي هذا القرار في أطار تحركات نقابية، بدأت منذ عزل رأس النظام السابق، ولم تتوقف بعد. وشهدت صعوداً وهبوطاً، في إطار التحولات السياسية التي حدثت منذ ذاك الوقت. حل المجلس العسكري (اللجنة الأمنية) النقابات، ثم اعادها خلال بحثه عن قاعدة جماهيرية، في مواجهة قوى الحرية والتغيير. وتفجرت معارك وسط القواعد النقابية لسحب الثقة من القيادات الكيزانية، ولكن تباطؤ اعداد القانون، أوقف تلك الملاحم. والآن وفي ظل وجود أكثر من مسودة يأتي تكوين اللجنة لمراجعة أحدى تلك المسودات. سأقدم ملاحظات حول بعض مواد القانون، في إطار تمليك الحقائق لقواعد النقابات، ولفتح حوار جماهيري، حتى لا يتم اعداد قانون ، بمثل هذه الأهمية، في المكاتب المغلقة. انشغلت قوى الحرية والتغيير بعدة قضايا، اعطتها الأولوية، ولم يكن من بينها قضية النقابات. أدي ذلك لإهدار الزخم الذي تفجر بعد انتصار إزاحة رأس النظام، والتحركات النقابية التي نتجت عنه. وكانت جماهير العاملين على استعداد لسحب الثقة من القيادات التي فرضها النظام المباد. ولكن المجلس العسكري تنبه لخطورة ذلك على محاولاته الانفراد بالسلطة، فقرر ارجاع نفس النقابات القديمة. وكان المجلس العسكري المحاصر بجماهير الثورة يبحث عن حاضنة اجتماعية تدعمه، ويستخدمها للادعاء بالسند الجماهيري له. كما استخدمت القيادات الانتهازية ذلك القرار لإبراز فائدتها للمجلس العسكري، وقدرتها في حشد التأييد له. ولكن مواكب 30 يونيو 2019 الهادرة نسفت كل تلك الاحلام الفطيرة. أهم نتائج التباطؤ أن القيادات الانتهازية مارست، ولا تزال، حتى اليوم، تمارس نشاطها علنا باسم عمال السودان. واستخدمت التباطؤ لترتيب أوضاعها وتنظيف مكاتبها مما يكشف ممارساتها، واخفاء كل الأدلة حول ممارساتها المالية، وأساليب الفساد والنهب المنظم لأموال النقابات الطائلة. وتشارك، نفس القيادات، في الفعاليات النقابية الدولية، وتقدم الشكاوى، بلا أدنى إحساس بالحرج، حول الحريات النقابية المهدرة في سودان الثورة. بل ويدعون، كذبا، الدفاع عن مطالب العاملين، التي صمتوا عنها خلال الثلاثين عاما الماضية. تصدى مركز الأيام للدراسات، وبمشاركة واسعة من نقابيين يمثلون مختلف التيارات، بالإضافة لبعض المتخصصين والأكاديميين، لقضية القانون. ونوقشت خلال عدد من ورش العمل والاجتماعات مسودات القوانين المقدمة من الأحزاب وتجمع المهنيين. وتم التوافق على مسودة للقانون وقع عليها: تجمع المهنيين، حزب الامة القومي، الحزب الشيوعي السوداني، حزب البعث الأصل، الحزب الوطني الاتحادي، الاتحادي الموحد، لجنة نقابات الحرية والتغيير كتلة نداء السودان، قوى الاجماع، تجمع القوى المدنية، المركز السوداني للحقوق النقابية. وسلمت مسودة القانون للوزارة لاستعجال إصدارها في قانون، ينهي الفراغ الراهن. وفي نفس الوقت كانت كتلة تصحيح مسار الحركة النقابية تمارس نشاطا واسعا، وسط القواعد النقابية. كما اعدت رؤيتها ومقترحاتها للقانون المقترح منها. أصدرت وزيرة العمل قرارا استنادا الي احكام قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 70 الصادر في 2019، بتشكيل لجنة للمراجعة النهائية لمسودة قانون نقابات العمال. ونلاحظ الآتي على القرار: التأخير والتباطؤ، غير مبرر، لإنجاز القانون، رغم وجود عدة مسودات منذ العام الماضي. ورغم ان كل أطراف المعارضة كانت ترفض قانون المنشأة الانقاذي، الذي ساهم في تخريب وتجميد الحركة النقابية. الاعتماد على مسودة واحدة، والإهمال التام للجهد الذي قام به مركز الأيام ومجموعة كبيرة من الأحزاب والتجمعات. عدم التوازن في أعضاء اللجنة بتمثيل مختلف التيارات بحسب حجمها وخبرتها. تعاملت الوزيرة مع نصائح منظمة العمل كأوامر يجب تنفيذها. فيما يلي ما طرحته بعثة المنظمة. زارت بعثة منظمة العمل السودان في يناير، حسب دعوة سابقة من الوزيرة. وكانت مهمة البعثة تتعلق بعدة مشاريع تقترح الوزارة المساعدة في انجازها (تدريب مهني، مراكز شباب، معاهد رفع الكفاءة الخ). شمل التقرير عدة قضايا، وكرس فقرتين لقضايا الحريات النقابية. وفيهما طالب التقرير بالتوقيع على الاتفاقية الدولية رقم 87 الخاصة بالحريات (لاحظ صمت القيادات الانتهازية عن هذه الاتفاقية خلال الثلاثين عاما الأخيرة). كما اجتمعت البعثة بعدة جهات ومن ضمنها القيادة السابقة لاتحادي العمال وأصحاب العمل. وقد اشتكى اتحاد العمال حله بقرار حكومي فوقي، وتم الاستيلاء على مكاتبه بالقوة، وجمدت حساباته مما عطل دفع مرتبات العاملين. ونصحتهم البعثة بتقديم شكوى رسمية للمنظمة الدولية للنظر فيها. ونصحت البعثة الحكومة بالتوقيع على الاتفاقية رقم 87، وأن تنظر في أمر تعديل القوانين النقابية لتتماشى مع الحريات المنصوص عليها في تلك الاتفاقية. قضية قانون النقابات وبالتجارب التاريخية للحركة النقابية، ليست عملا مكتبياً يؤديه موظفون، بعيدا عن جماهير العاملين والرأي العام السوداني. وعلى الوزارة تحمل مسئولياتها ونشر المسودة المقدمة للمراجعة النهائية للرأي العام السوداني، ليفتح حولها حوارا جماهيريا. للأهمية التاريخية للقانون المقترح، وللدور الذي ستلعبه النقابات المنتخبة في دعم التحول الديمقراطي، وحماية ثورة ديسمبر، والمضي قدما في انجاز أهدافها، ندعو لفتح حوار عام حول هذه القضية. وسأطرح في المقال القادم بعض سلبيات القانون المقترح، وفي مقدمتها قضية التمسك بنقابة المنشأة، قضية الوحدة النقابية، البنيان النقابي المقترح، الحد الأدنى لعضوية النقابة، تعريف العامل، دور الوزير والمسجل، الدورة النقابية. وأدعو كل المهتمين بالعمل النقابي للمساهمة في هذا الحوار الجماهيري. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.