عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. ان الناظر للشأن السياسي السوداني يرى فرح الأحزاب وبعض الافراد الناشطين بانتصار بعضهم على بعض في اهداف جزئية غير منتبهين للصورة الكلية للمشهد السوداني التي لا تنذر بخير. وذلك الصراع ليس بين قوى الثورة والقوى المعادية لها ولكنه بين قوى الثورة فيما بينها وباستخدام أساليب قذرة تجاوزت ما كان يفعله النظام السابق، فاستطاع المسيطر على الواقع جر تلك القوى الى معارك جانبية وتاريخية تاركين الأهداف الرئيسية التي خرجوا على أساسها، والذي يحرك الواقع ليس هو قوى الحرية والتغيير كما يفترض ان يكون باعتبارها الحاضنة السياسية والمرجع الأول والأخير لحكومة الثورة وفق الوثيقة الدستورية، فالحكومة او السلطة التنفيذية المدنية تتحرك في قضايا اساسية وفق اهداف ومرجعية لا علاقة لها بقوى الحرية والتغيير وظهر ذلك التباين جليا في سيطرة العسكر على المشهد الكلي بعكس ما تقول الوثيقة وظهر التباين اكثر بين ما تقول به قوى الحرية والتغيير ما تفعله السلطة في السلام وفي العدالة وفي الرؤية الاقتصادية وأخيرا في العلاقة مع إسرائيل، ففي كل تلك الملفات تتحرك الحكومة في اتجاه مختلف عن ما تقول به الحاضنة السياسية. والمتتبع لما يحدث يدرك ان حمدوك والبرهان يعملون بتناغم وفق اهداف موضوعة مسبقا لا علاقة لها بأهداف الثورة وقد تم اختيارهم من قبل تلك الجهات التي تتمثل في الامارات بمعونة مصر ودرجة اقل السعودية وامريكا وبمساعدة من قوش وبقية الحرس العسكري، وتلك الأهداف تتمثل في فرض الامارات كفاعل في المشهد الإقليمي والدولي وتحقيق ضربة لقطر الداعمة لنظام الاخوان وكذلك الاستفادة من خيرات السودان بالإضافة الى تحقيق اهداف تلك الدول مثل أمريكا الساعية للملفات الأمنية للمنظمات الارهابية او مصر الساعية للسيطرة على الملف السياسي السوداني من خلال المخابرات المصرية او السعودية الباحثة عن موطئ قدم لها، ورغم محاولة أمريكا على عدم فرض الخطة الإماراتية المصرية بفرض العسكر وافساحها المجال للجانب المدني ولكن تفوق التكتيك الاماراتي وضعف الجانب المدني والسياسي السوداني قاد في الاخر على سيطرة العسكر. وكانت الخطة تقوم على الاستفادة المتبادلة فوجدت الامارات دولة تابعة لها في المواقف السياسية وظهر ذلك جليا في الاتفاقية مع إسرائيل فرغم المراوغات الكثيرة التي حاول حمدوك ايجادها الا انها في الاخر ظهرت على حقيقتها كاتفاقية ازعان من جانب توابع للإمارات وامريكا. فلم تكن هنالك تشاور او غيره كما تحدث صديق تاور ولكنه امر فرض على حمدوك والبرهان ففرضاه على الجانب السوداني. وامريكا وجدت ملفاتها الأمنية التي تبحث عنها بل الكثير من الدول والافراد استطاعوا الوصول لتلك الملفات حتى أصبحت تذاع على العلن، ومصر أصبحت اكثر اطمئنانا في علاقتها مع السلطة الحاكمة وتحديدا بعد نقل قوش وابن عوف الى مصر فاصبح البرهان يحتاج الى الذهاب على الدوام الى هنالك لأخذ التوجيهات ورسم الخطط وصبح وجود رئيس المخابرات المصرية في السودان امر اكثر من عادي فهو الذي يدير هذا الملف ولا ننسي استفادة مصر من السودان في صراعها مع اثيوبيا، بل تذهب مصر الى اكثر من ذلك وتريد ان تنقل تجربة الجيش المصري المسيطر على المشهد السياسي الى السودان. اما لجنة البشير الأمنية وقوش وغيره من العسكريين فاستطاعوا تمرير من يواليهم في السلطة التنفيذية حتى يعملوا على اضعاف العدالة ويهربوا مع الذين في السجون من المحاكمات على الجرائم التي اقترفوها في حق الوطن، وكذلك عدم فتح ملفات الفساد الكبيرة التي تشمل الجميع والعمل على التستر على زملائهم السابقين في التنظيم. ونتيجة لبحث الجميع عن اهداف مؤقتة نجدهم قد وضعوا السودان على مسار الدولة الفاشلة، وذلك بوجود مؤسسات صورية مثل المؤسسات العدلية التي تعمل على تجميد العدالة او الاقتصادية التي تهرب من استحقاقات المواطن الأساسية، وكذلك عدم وجود برامج واضحة وقوانين ولوائح داخل تلك المؤسسات توضح أهدافها ويكون لها مساحتها التي تتحرك بها مما قاد الى تداخل تلك المؤسسات وتحديدا المؤسسات الأمنية والنظامية التي أصبحت تتوغل كثيرا في العمل المدني مثل امتلاكهم لمؤسسات عدلية خاصة بهم او مصادر تمويل بعيدة عن المؤسسة الاقتصادية واخرها قانون الغاب في التغول على الخبز والوقود الذي نراه الان حيث أصبحت تلك المؤسسات تأخذ حصص المواطنين بالقوة. وكذلك هي دولة لا تحتكر السلاح في مؤسسة واحدة فهنالك الكثير من الجيوش الان بعد توقيع اتفاق السلام التي أصبحت معتمدة وهنالك جيوش أخرى خارج تلك الاتفاقية بالإضافة الى التحركات في شرق السودان ووجود حواضن اجتماعية جاهزة لتلك الجيوش في النيل الأزرق او دارفور وغيرها، فهذا الامر ينذر بخطورة الوضع فلن يستطيع الجيش الذي يتكون من اغلب تلك المجتمعات ان يحاربها ومع السمعة السيئة للجيش السوداني التي أصبحت تتنامى تميل الكفة لصالح تفكك الجيش أكثر من توحده. اما على المستوى السياسي فتوجد أحزاب ضعيفة لا تستطيع قراءة المشهد وتمتلك فقط اهداف مرحلية تتحرك على أساسها مما سهل عملية شرائها او اسكاتها باستخدام الجزرة والعصا. وفي ظل كل ذلك مع وجود تقاطعات ايدولوجية واثنية يصبح رفع العقوبات المرتبط بالعلاقة مع إسرائيل والذي يتباهي به حمدوك عبارة عن تفجير للصراع، فهو لن يخدم الانسان السوداني العادي ولكنه يخدم فقط أصحاب المصالح. ورغم ذلك هنالك امل بان يلحق الجميع السودان قبل الوقوع في المزيد من الحروب والاقتتال الداخلي الذي بدأت نذره في الشرق، ولكن قبل ذلك نحتاج الى صحوة ضمير من حمدوك لمواجهة الدولة العميقة التي يقودها البرهان او على الأقل تقديم استقالته ليقود السلطة التنفيذية انسان من داخل هذه الثورة ويدرك أهدافها الحقيقية وابعدها الكلية. فقد وضعت الثورة منفستو الحل للازمة السودانية والذي تجاهله حمدوك وسار خلف الامارات والبرهان وغيرهم، ويتمثل في عدة خطوات بعد مراجعات طويلة لفشل الدولة السودانية منذ الاستقلال وهي أولا ابعاد عناصر النظام السابق من المؤسسات المدنية والنظامية ويجب على من يأتي بعدهم بالإضافة الى شروط الكفاءة والنزاهة ان لا يكون له علاقة بالنظام السابق، ثم محاكمة افراد النظام السابق على كل الجرائم واسترداد الأموال المنهوبة، وكل من اجرم بعد سقوط النظام السابق في فترة الحكم العسكري او الحكم المدني، وبعد ذلك انشاء مؤسسات حقيقية تمتلك البرامج والقوانين واللوائح التي تفصل لها مهامها دون تدخل من المؤسسات الأخرى، فيجب ان يعمل الجيش عمله والشرطة والخدمة المدنية دون وجود لتقاطعات، وهذا يتطلب هيكلة شركات المنظومة الأمنية وايلولتها الى وزارة المالية وان تتجه تلك المنظومة للعمل وفق تخصصها أي بانشاء مصانع تختص بمهامها مثل السلاح والمهمات مما يقود الى الاكتفاء الذاتي لها ويمكنها ان تصدر ولكن بالتنسيق مع الجهات الأخرى، وكذلك يجب توحيد الجيوش أي دمج الدعم السريع في الجيش بعد تاهيله. اما برامج السلطة فتضع على هدى الشعارات التي كانت تمثل خلاصة لحل كل الإشكالات وهي الحرية والسلام والعدالة والكرامة الإنسانية ويجب ان تعتمد قيم الحضارة السودانية الموغلة في القدم عند تحويل تلك الشعارات الى برامج. فيجب على الحرية ان تقوم على القيم السودانية ذات العلاقات الاجتماعية المعقدة والمتشابكة وان لا ننقل تجارب الاخرين فقط، وكذلك على السلام ان يخاطب مسببات الحروب قبل الحديث عن قسمة الثروة والسلطة فقبل ذلك توجد تقاطعات ايدولوجية واثنية تحتاج الى حوار جاد من اجل صياغة برامج وقوانين تعبر عن الشعب السوداني. وهذا قليل من كثير يجب ان نسعى فيه من اجل اخراج السودان من ازماته المتعددة وبدونه يمكن ان تحدث انتصارات جزئية مثل محاولة نقل تجربة الجيش المصري الى الداخل السوداني التي يتوهمها برهان او انتصارات خارجية يراها حمدوك او سلطة يراها حميدتي او سلام وفق هوى الحركات المسلحة كما يتخيلونه، ولكن كل ذلك سينهار بسبب التقاطعات التي ستحدث بينهم فهم لا يتحركون وفق هدف واحد ولكن وفق اهداف لا تنسجم مع بعضها البعض ولا تنسجم كذلك مع اهداف الثورة التي قامت، وقريبا يمكننا ان نجد انفسنا امام واقع مرير يمكن ان يماثل الواقع الرواندي او في افضله ان يماثل التجربة اللبنانية وفي كلا الحالتين سيتحول السودان الى دولة فاشلة اذا لم يتفكك تماما، فنحتاج فقط النظر الى ابعد من الصراع الازلي بين حزب الامة والحزب الشيوعي او يوتوبية المؤتمر السوداني وسذاجته السياسية او فرح الأحزاب العروبية الطفولي بسلطة مؤقتة.