بيان رسمي سعودي بشأن حادث طائرة الرئيس الإيراني    عقار يطّلع على خطة وزارة التربية والتعليم "امتحان الشهادة السودانية"    إخضاع الملك سلمان ل"برنامج علاجي"    إنجاز قياسي.. مانشستر سيتي بطل الدوري الإنجليزي للمرة الرابعة توالياً    عائشة الماجدي: نشطاء القحاتة أشباه الرجال بمرروا في أجندتهم في شهادة الغالي محمد صديق    بسبب إحاطة عاجلة عن رئيس إيران.. بايدن يقطع إجازته    ضباط ينعون الشهيد محمد صديق إثر تصفيته في الأسر من قِبل مليشيا الدعم السريع    إسرائيل والدعم السريع.. أوجه شبه وقواسم مشتركة    سُكتُم بُكتُم    السودان ولبنان وسوريا.. صراعات وأزمات إنسانية مُهملة بسبب الحرب فى غزة    شاهد بالفيديو.. مذيعة تلفزيون السودان تبكي أمام والي الخرطوم "الرجل الذي صمد في حرب السودان ودافع عن مواطني ولايته"    مسيرات تابعة للجيش تستهدف محيط سلاح المدرعات    مصر: لا تخرجوا من المنزل إلا لضرورة    عصر اليوم بمدينة الملك فهد ..صقور الجديان وتنزانيا كلاكيت للمرة الثانية    الطيب علي فرح يكتب: *كيف خاضت المليشيا حربها اسفيرياً*    عبد الواحد، سافر إلى نيروبي عشان يصرف شيك من مليشيا حميدتي    المريخ يستانف تدريباته بعد راحة سلبية وتألق لافت للجدد    تعادل سلبي بين الترجي والأهلي في ذهاب أبطال أفريقيا في تونس    باير ليفركوزن يكتب التاريخ ويصبح أول فريق يتوج بالدوري الألماني دون هزيمة    كباشي يكشف تفاصيل بشأن ورقة الحكومة للتفاوض    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    (ابناء باب سويقة في أختبار أهلي القرن)    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بدعة "مجلس شركاء الفترة الانتقالية" وفوضى الحكم في السودان .. بقلم: د. سمير محمد علي حمد
نشر في سودانيل يوم 06 - 12 - 2020

شراكة الحكم في الفترة الانتقالية في السودان بين قوي الحرية والتغيير وما تبقي من اللجنة الامنية للنظام البائد والتي فرضت مشاركتها في السلطة باعتبارها المسيطر على المؤسسات العسكرية بالبلاد بعد ازاحة الدكتاتور المخلوع، قامت على الاعلان السياسي والوثيقة الدستورية اللتان تنصان بوضوح على مؤسسات الحكم المختلفة ومهامها. فمؤسسات الحكم في الفترة الانتقالية حسب الوثيقة الدستورية قبل التعديل هي: مجلس السيادة ومجلس الوزراء والمجلس التشريعي اضافة الي المحكمة الدستورية ومجلس القضاء العالي ومناصب رئيس القضاء والنائب العام والمراجع العام والمفوضيات المتفق على تشكيلها. فاذا تحلي جميع اطراف المعادلة السياسية في السودان بالروح الوطنية الحقيقية وانزوت الاجندة الحزبية والطموحات الشخصية لصالح المصلحة الوطنية للبلاد لكانت كل هذه المؤسسات قد انشأت في مواقيتها وبالكيفية المتفق عليها لإنجاز مهام الفترة الانتقالية والتأسيس لما بعدها دون الحاجة لابتداع مزيد من الاجسام الدستورية والتي تتيح للعسكر مزيد من السلطات لإعاقة تحقيق اهداف الثورة السودانية وفق ما نصت عليه الوثيقة الدستورية.
لا ادري ما الذي يجعل قوي الحرية والتغيير تمنح بقايا اللجنة الامنية للنظام البائد والمتمثلة في المكون العسكري للمجلس السيادي مزيدا من السلطات الدستورية بينما تضِّيق على الحكومة المدنية وتعارضها احياناً في تنفيذ برامجها؟ هذا المجلس الجديد والمسمى "شركاء الفترة الانتقالية" يعطي العسكر سلطات حجبتها عنهم الوثيقة الدستورية غير المعدلة، كما تتيح لهم التمدد خارج الصلاحيات والسلطات الممنوحة لهم والمنصوص عليها في الوثيقة الدستورية. فيبدو ان قوي الحرية والتغيير لم تكتفي بالصمت والخنوع تجاه تجاوزات جنرالات المجلس السيادي بل تريد ان تتيح لهم الفرصة لمزيد من السلطات والوصاية على مؤسسات الفترة الانتقالية بأكملها بابتداع مثل هذا المجلس ومنح رئاسته لهم. فهذا الضعف والخنوع من قوي الحرية والتغيير جعل العسكر يتمددون يوماً بعد يوم في مفاصل السلطة ويتدخلون في اختصاصات الجهاز التنفيذي في خرق واضح لنصوص الوثيقة الدستورية حتى بلغت الجرأة بأحدهم ان يصف رئيس وزراء ثورة ديسمبر العظيمة بانه "لا يملك" جاعلا من نفسه المرجعية التي تحدد "من يملك ومن يستحق"، ومعطيا لنفسه الحق في تفسير مواد الوثيقة الدستورية وفق فهمه مفترضاً ان يوافقه الاخرون على تفسيره القاصر. وكان من الاجدى له ان يثير رايه عن اتفاق حمدوك-الحلو في اجتماعات المجلس الاعلى للسلام الذي يضم رئيس الوزراء وعسكر السيادي وهو احدهم ويوجه انتقاداته مباشرة بطريقة محترمة ومسئولة الى رئيس الوزراء للوصول الي وفاق بشأن الامر بدلاً من بث مقولات غير لائقة لا في حقه ولا في حق رئيس الوزراء ولا في حق ثورة ديسمبر العظيمة، عبر الصحف. فالمفروض انهما دستوريان رفيعان في سلطة واحدة ولها هدف واحد فلا يليق ان تدار مثل هذه الامور خارج قنواتها الدستورية. في حقيقة الامر ان صمت وضعف قوي الحرية والتغيير والمكون المدني بالمجلس السيادي غير المبرر هو ما شجع العسكر بتجاوز صلاحياتهم الى أدوار ليست في دائرة اختصاصهم، مما اربك عمل الحكومة التنفيذية بل والتطاول على رئيس وزراء ثورة ديسمبر العظيمة بالهجوم عليه وتجريده من اختصاصاته عبر الصحف والتقليل من الجهود التي يبذلها لتذليل العقبات التي تعترض طريق السلام في السودان بمقولات غير لائقة.
عموما اثبتت تجربة الحكم في الفترة الانتقالية حتي الان ان العسكر تحركهم اجندة لا تتوافق مع اهداف ثورة ديسمبر المجيدة ولا يكترثون كثيرا بما توافقوا عليه مع قوي الثورة بالوثيقة الدستورية وجعلوا منها مجرد العوبة يفسرون نصوصها وفق ما يحقق اجندتهم وطموحاتهم، ساعدهم على ذلك ضعف وخنوع قوي الحرية والتغيير والاعضاء المدنيين في مجلس السيادة وصمتهم غير المبرر عن كثير من الاجراءات غير الدستورية التي اتخذها العسكريون بالمجلس السيادي، والامثلة التالية تدلل بوضوح على ذلك:
1. يتصرف عسكر المجلس السيادي في شئون السلطة وفق تفسيراتهم الخاصة للوثيقة الدستورية احياناً واحياناً اخري لا يكترثون اصلاً بما جاء بالوثيقة الدستورية فنتج عن ذلك استحداث منصب ما يعرف ب "نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي" وهو منصب مبتدع لم تنص عليه الوثيقة الدستورية لا بنص مباشر او غير مباشر، والغريب في الامر انه حتي الان لم يبدي المجلس المركزي للحرية والتغيير أي اعتراض على هذا الاجراء غير الدستوري ولا ادري كيف وافق الاعضاء المدنيين في مجلس السيادة على ذلك؟
2. ان رئيس المجلس السيادي جعل من نفسه رئيساً للجمهورية دون أي سند قانوني فالوثيقة الدستورية لم تعط رئيس مجلس السيادة أي سلطات تميزه عن باقي اعضاء مجلس السيادة حسب ما نصت عليه المادة 12 من الوثيقة الدستورية، وهي سلطات لا تتعدي اعتماد ما يصدر من مجلس الوزراء والمجلس التشريعي مع اختصاصات اخري ليست ذات طبيعة تنفيذية ولا تشريعية، ورغم ذلك ومع ضعف وصمت قوي الحرية والتغيير والاعضاء المدنيين بمجلس السيادة نجد ان رئيس مجلس السيادة يتصرف وكانه رئيساً للجمهورية يتخذ اخطر القرارات الوطنية المصيرية دون سند دستوري وينفرد بتحركات متعلقة بمستقبل السودان في الخفاء وخارج اطر مؤسسات الدولة الدستورية في مظهر يوضح بجلاء فوضي الحكم في السودان خلال هذه الفترة الانتقالية، مع العلم ان المادة 74 من الوثيقة الدستورية تجعل كل سلطات رئيس الجمهورية التنفيذية المنصوص عليها في كل القوانين السارية حصراً لرئيس مجلس الوزراء.
3. تحركات رئيس مجلس السيادة غير الدستورية وتدخله في اختصاصات الجهاز التنفيذي اربكت عمل الجهاز التنفيذي وعقدت مجهوداته في اهم الملفات التي كان يديرها، والاشارة هنا الي ملف رفع اسم السودان من القائمة الامريكية للدول الراعية للإرهاب. ففي راي كاتب المقال ان الحكومة التنفيذية قد ابلت بلاءً حسناً في هذه الملف ونجحت في ادارته بواقعية وحكمة، الا ان هنالك حدثان اربكا عملها فيه وربما بسببهما لن تستطع الحكومة تحقيق كافة اهدافها في هذا الملف خاصة تلك المتعلقة بحصوله على الحصانة ضد اي دعاوى قضائية مستقبلية متعلقة بالإرهاب، حيث يسعي مشرعون من مجلس الشيوخ الامريكي لربط ذلك بتعويض السودان اهالي ضحايا تفجيرات 11 سبتمبر. الحدث الاول الذي اربك عمل الحكومة في ملف الارهاب هو ذاك اللقاء الذي تم بين رئيس مجلس السيادة الانتقالي ورئيس الوزراء الاسرائيلي من وراء ظهر الشعب السوداني وحكومته الانتقالية في فبراير 2020. فهذا اللقاء والذي جاء في توقيت بالغ الحساسية بالنسبة للسودان اجتمعت فيه مصالح امريكية متعلقة بالانتخابات الامريكية ونجاح السودان في الوصول الى تسوية مع اهالي ضحايا السفارتين اضافة للمصلحة الاسرائيلية في التطبيع، بعث برسالة الي الجانب الاسرائيلي وايضاً الادارة الامريكية مفادها ان السودان يعرض بضاعته في مزاد التطبيع مع دولة اسرائيل ومستعد للبيع طالما كان المقابل مرضياً، فتلقي الجانب الامريكي الرسالة بسعادة بالغة لأنه يملك المقابل الذي سيجعل السودان يطبِّع وهو صاغر، وهكذا ومنذ هذا اللقاء حولت الادارة الامريكية مسار ملف قائمة الارهاب وربطته بمسالة التطبيع مع اسرائيل، مما اربك عمل الحكومة في هذا الملف وادخلها في حرج بالغ حيث اضطرت مكرهة الموافقة على التطبيع مع اسرائيل مع رهن التوقيع النهائي بموافقة المجلس التشريعي الانتقالي. اما الحدث الثاني هو ما اعلنته روسيا فيما يتعلق باعتزامها إنشاء قاعدة بحرية في البحر الأحمر في السودان لتزويد أسطولها بالوقود، بحسب مسوّدة اتفاق مع الخرطوم صادق عليها رئيس الوزراء الروسي [1]، بينما لم تصدر أي تفاصيل عن هذا الامر من الجانب السوداني، وربما يكون الجانب العسكري قد تورط ايضا في مثل هذا الامر بالغ الخطورة على سيادة السودان وعلى وعلاقاته الخارجية. فمثل هذا الامر له تأثير سلبي بعلاقة السودان مع الولايات المتحدة الامريكية وعلى مساعي الحكومة التنفيذية في السودان في ملف الرفع من قائمة الارهاب الامريكية وخاصةً الجزء المتعلق بحصول السودان على حصانة ضد اي دعاوي ارهاب قضائية مستقبلية. وربما ان هذا الاعلان القاضي بأنشاء قاعدة روسية بالسودان والذي لم يؤكده او ينفيه الجانب السوداني، له علاقة بالعقبات التي باتت تعرقل حصول السودان على حصانة ضد اي دعاوى مستقبلية متعلقة بالإرهاب.
3. تلاحظ ان العسكرين يرأسون كل المجالس واللجان التي تم تكوينها خلال الفترة الانتقالية حتى الان، وليس معلوماً ما السر وراء ذلك؟ فليس هنالك أي سند دستوري لهذا الامر، ولا يمكن تفسير ذلك الا انه خنوع وتنازل غير مبرر من قوى الحرية والتغيير لصالح بقايا اللجنة الامنية للنظام البائد؟ فالوثيقة الدستورية قبل التعديل نصت في المادة 12 على سلطات المكون العسكري لمجلس السيادة الانتقالي ولم تشترط ان يكون العسكر على راس أي مجلس او لجنة يتم تكوينها.
والامر كذلك كما بينا اعلاه فماذا نتوقع من العسكر عند منحهم سلطات اضافية من خلال المنصة الدستورية الجديدة المسماة "مجلس شركاء الفترة الانتقالية"؟ والتي يقفون على قمتها باختصاصات مبهمة وفضفاضة تتيح لهم توجيه الفترة الانتقالية بكاملها كما يشتهون بعد ان كانت سلطتهم تقتصر على مهام محددة من خلال المجلس السيادي والذي سيرأسونه لما يزيد عن نصف الفترة الانتقالية بقليل. اما هذا المجلس الجديد ووفق سلطاته المعلنة والمبهمة والذي سيرأسونه طوال مدة الفترة الانتقالية سيتيح لهم التحكم في مؤسسات الفترة الانتقالية وتوجيه دفتها كما يشتهون في ظل الضعف البيِّن لقوي الحرية والتغيير الذي وضح بجلاء خلال الفترة المنقضية من عمر الفترة الانتقالية.
فهذا المجلس كما يقول مقرر المجلس المركزي لتحالف قوى إعلان الحرية والتغيير: "إن مجلس شركاء الفترة الانتقالية ليس بديلًا للمجلس التشريعي لأنه لا يمتلك سلطة التشريع، وليس بديلًا لمجلس الوزراء لأنه لا يمتلك سلطة التنفيذ، كما أنه ليس بديلًا للمجلس المركزي للحرية والتغيير أو مجلس السيادة، مشيرًا إلى أنه جسم تنسيقي فقط بين جميع أطراف المرحلة الانتقالية بغرض تسهيل المهام، ولإدارة المرحلة بصورة سلسة ومنسجمة بين الشركاء." [2]. فاذا كان الامر كذلك وان المجلس للتنسيق فقط، فهل يتطلب مجلس مثل هذا ان يتكون بموجب النص عليه كمادة في الوثيقة الدستورية. فالمادة 80 في الوثيقة الدستورية بعد التعديل تخول انشاء هذا المجلس وحددت اختصاصاته بنص فضفاض يتيح لكل صاحب اجندة خاصة تفسيره وفق مصالحه ما يفتح الباب واسعاً لتداخل السلطات بين هذه المجلس ومؤسسات الحكم الأخرى. ولعل التجربة الماثلة الان من تمدد سلطات المكون العسكري لمجلس السيادة خارج نطاق سلطاته المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية خير دليل على إمكانية حدوث هذا التداخل في السلطات انطلاقاً من منصة هذا المجلس المبتدع.
ففي اعتقاد كاتب المقال ان هذه المجلس جسم دستوري لا محل له من الاعراب في نظام الحكم الانتقالي الحالي ولا ضرورة له بل سيعيق الفترة الانتقالية للأسباب التالية:
1. حسب مقرر المجلس المركزي للحرية والتغيير فان المجلس شركاء الانتقالية لا يملك سلطة سيادية ولا تنفيذية ولا تشريعية، وبالطبع لا ينبغي له ذلك وبالتالي ليس هنالك جدوي حقيقية من انشاءه. فتكوين مثل هذا المجلس حتي وان كانت هنالك ضرورة له لا يرقي ابداً ان يزج به في الوثيقة الدستورية وكان من الممكن التوافق عليه وتكوينه بعيداً عنها بعد تشاور واسع مع جميع مكونات قوي الثورة في السلطة وخارجها وان لا تتضمن عضويته أي شخص يشغل منصب دستوري حالياً والا تتعارض اختصاصاته مع أي من مؤسسات الحكم الانتقالي ويتم صياغتها بنصوص واضحة احادية التفسير لا لبس فيها ولا غموض. من ناحية اخرى فان اضافة مثل هذه المادة والتي تخول تكوين هذا المجلس غير الجوهري في مؤسسات الحكم للوثيقة الدستورية بالطريقة التي تمت بها، جعل من الوثيقة الدستورية نفسها مجرد العوبة في ايدي ثلة من اطراف السلطة الانتقالية في السودان كأنها لائحة تنظيمية لاجتماعاتهم يمكن تعديلها متي ما شاءوا.
2. اللغة الفضفاضة التي صيغت بها اختصاصات هذا المجلس ستجعل كل طرف من الاطراف المكونة له يفسرها وفق مصالحه مما سيتسبب في توترات وصراعات بين مكوناته المتنافرة والتي تنعدم اصلاً فيما بينها الثقة. فالمجلس يختص كما نصت المادة 80 من الوثيقة الدستورية المعدلة " بحل التباينات في وجهات النظر بين الاطراف المختلفة وخدمة المصالح العليا للسودان وضمان نجاح الفترة الانتقالية". فخدمة المصالح العليا للسودان وضمان نجاح الفترة الانتقالية مهمة تتداخل فيها كل مؤسسات الفترة الانتقالية السيادية والتنفيذية والعدلية مما يجعل اختصاصات هذا المجلس تتداخل مع كل مؤسسات الحكم الانتقالية، وهذا حتما سيولد كثير من الاشكالات بين مؤسسات الحكم المختلفة ويعيق الفترة الانتقالية.
3. حماسة رئيس المجلس السيادي لهذا المجلس والعجلة التي صاحبت اصدار قرار انشاءه تزيد الريبة حول الغرض من انشاء. وقد وجد القرار معارضة واسعة مما جعل رئيس مجلس السيادة يسارع بالأدلاء بتصريحات تتعارض مع بيان مجلس الوزراء الرافض لقرار انشاء المجلس، مدافعاً عن المجلس. في حقيقة الامر فان حديث رئيس المجلس السيادي الذي صرح به لقناة العربية عن المجلس والذي فال فيه إن: "مجلسي السيادة والوزراء وافقا على إجازة مجلس شركاء الفترة الانتقالية، وإنه تشكل بالإجماع وفقاً للوثيقة الدستورية" [3]، لم يكن دقيقاً فيما يتعلق يتشكل المجلس وفقا للوثيقة الدستورية وان هنالك اجماع حوله، فبالرجوع الي عضوية المجلس نجد انها تتعارض مع نص المادة 80 من الوثيقة الدستورية والتي تنص على ان "مجلس شركاء الفترة الانتقالية تمثل فيه اطراف الاتفاق السياسي في الوثيقة الدستورية ورئيس الوزراء واطراف العملية السلمية الموقعة على اتفاق جوبا لسلام السودان"، حيث تتضمن عضوية المجلس على من لا تنطبق عليهم نص المادة، فكيف يكون المجلس قد انشأ وفقاً للوثيقة الدستورية؟ فهذا تضليل للراي العام لا يليق ان يصدر عن رئيس مجلس السيادة الانتقالي. كما ان حديثه ان المجلس تم بموافقة الجميع يتعارض مع ما جاء في بيان مجلس الوزراء الذي يبين ان الملاحظات التي ابداها رئيس الوزراء قبل قرار انشاء المجلس فيما يتعلق بعضوية المجلس واختصاصاته لم يتم الاخذ بها او اعتبارها مما يضع مزيداً من الشكوك والريبية حول التعجل في اصدار قرار انشاء هذه المجلس قبل اكمال المشاورات بين كل الاطراف المعنية والوصول الي توافق تام حوله.
4. وجود مثل هذا المجلس يجعل نظام الحكم مترهلاً وفوضوياً بتداخل الاختصاصات ويزيد من اعباء اعضاءه الذين يشغلون ايضاً مناصب دستورية في مجلسي السيادة والوزراء والذين من المفترض ان يتفرغوا لا عباءهم الدستورية الاساسية. فعضويتهم في هذا المجلس ستكون خصماً على اداء مهامهم الاساسية في مجلسي السيادة والوزراء.
5. الغموض الذي صاحب اضافة المادة التي تخول انشاء هذا المجلس حيث تم اضافتها دون اخضاعها لنقاش شفاف بين كل اصحاب المصلحة من كل قوي الثورة والسرعة التي تم بها تكوين المجلس مقارنة بمؤسسات اخري اصيلة واكثر اهمية لم يتم تكوينها حتى الان مثل المجلس التشريعي ومجلس القضاء الاعلى والمحكمة الدستورية وبعض المفوضيات يجعل هنالك ريبة حول الغرض من انشاءه، ويجعل منه منصة جديدة تعطي للعسكر سلطات جديدة لم تمنحها لهم الوثيقة الدستورية قبل التعديل. فصياغة اختصاصات هذا المجلس وطبيعة عضويته والتي جاءت في قرار تكوينه جعلت مجلس الوزراء يرفضه كما جعلت القيادي بالحرية والتغيير ابراهيم الشيخ احد مهندسي هذا المجلس باتهام رئيس مجلس السيادة بنقض ما تم الاتفاق عليه بشأن صلاحيات المجلس، قائلاً: "اضم صوتي لصوت رئيس الوزراء لابد من تحديد صلاحيات المجلس بشكل قطعي لا لبس فيه ولا غموض ولا حمالات أوجه، مجلس تشاوري تنسيقي لفض النزعات والتباين الذي قد ينشأ بين اطرافه ولما قد يستجد من قضايا وتفسيرات لاتفاقية السلام، هكذا اتفقنا وليس ثمة سبب لنقض ما اتفقنا عليه" [4]. وما يدعو اكثر للريبة حول الغرض من انشاء هذا المجلس، الدفاع المستميت الذي ابداه رئيس المجلس السيادي في حديثه في قناة العربية [3]، ومستشاره الاعلامي عن القرار الصادر بتكوين المجلس [5] ردا على رفض مجلس الوزراء لطبيعة تكوين المجلس واختصاصاته ورفض عدد من قوى الثورة على أنشاء المجلس نفسه.
خلاصة رؤية كاتب المقال ان ما يعرف بمجلس شركاء الفترة الانتقالية ما هو الا بؤرة جديدة من بؤر التوتر بين المكونات التي تحكم الفترة الانتقالية وعائق في طريق تحقيق اهداف ثورة ديسمبر العظيمة. فهو مجلس لا محل له من الاعراب في منظومة مؤسسات الحكم الدستورية ما يعكس بوضوح مدي الفوضى التي تعتري منظومة الحكم في السودان خلال هذه الفترة الانتقالية، لذا يجب الغاءه والشروع فورا في اكمال المؤسسات الدستورية التالية وعلى وجه السرعة ان كان هنالك حرص فعلي على المصلحة الوطنية بعيدا عن الاجندة والطموحات الشخصية ونجاح الفترة الانتقالية وتحقيق اهدافها:
1. المجلس التشريعي.
2. مجلس القضاء العالي.
3. المحكمة الدستورية.
4. المفوضيات المتفق على تشكيلها في الوثيقة الدستورية.
6 ديسمبر 2020م
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
المراجع
[1] https://www.skynewsarabia.com/middle-east/1392298-%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A7-%D8%AA%D8%B9%D8%AA%D8%B2%D9%85-%D8%A7%D9%95%D9%86%D8%B4%D8%A7%D8%A1-%D9%82%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D8%A9-%D8%A8%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86
[2] https://www.alrakoba.net/31490005/%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b1%d9%8a%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%ba%d9%8a%d9%8a%d8%b1-%d9%85%d8%ac%d9%84%d8%b3-%d8%b4%d8%b1%d9%83%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%86%d8%aa%d9%82%d8%a7%d9%84%d9%8a/
[3] https://www.alarabiya.net/ar/arab-and-world/sudan/2020/12/05/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86-%D8%B1%D9%81%D8%B6-%D8%AA%D8%B4%D9%83%D9%8A%D9%84-%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%B3-%D8%B4%D8%B1%D9%83%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%AA%D9%82%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D8%B5%D9%88%D8%B1%D8%AA%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9
[4] https://www.alrakoba.net/31490280/%d8%a5%d8%a8%d8%b1%d8%a7%d9%87%d9%8a%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%b1%d9%87%d8%a7%d9%86-%d8%a3%d8%ae%d9%84-%d8%a8%d9%85%d8%a7-%d8%a7%d8%aa%d9%81%d9%82%d9%86%d8%a7-%d8%b9/
[5] https://www.alrakoba.net/31490367/%d9%85%d8%b3%d8%aa%d8%b4%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%b1%d9%87%d8%a7%d9%86-%d9%85%d8%ac%d9%84%d8%b3-%d8%b4%d8%b1%d9%83%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%83%d9%85-%d9%84%d9%8a%d8%b3-%d8%aa%d8%ba/


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.