فى عام 2004 عندما اقمنا مهرجانا للثقافة السودانية فى مدينة " برسبن" عاصمة ولاية كوينزلاند و كنا قد دعونا السيد غايرى هارد غروف الذى كان يشغل وزير الهجرة و الجنسية فى حكومة الليبراليين و قد لبى الدعوة ثم دعونا حزب العمال الذى كان فى المعارضة حيث حضر نيابة عن الحزب كايفن رود الذى كان يشغل وزير خارجية حكومة الظل فى ذلك الوقت حيث خاطب المهرجان قال انه حقيقية لا يعرف عن السودان الكثير الا من خلال الاخبار كما انه لا يعرف عن الثقافة السودانية شيئا و لكن اليوم اصبح مفتونا بهذه الثقافة المتنوعة و قال يجب عليكم المحافظة على ثقافتكم و توريثها الى ابنائكم لاننا حقيقية نريد ان تكون استراليا بلدا متنوع الثقافات ليس على الورق و نصوص الدستور ولكن كحقيقة معاشة يجب ان تشهدها استراليا فى السنين القادمة تلاقحا لتلك الثقافات لكى تعطى الثوب الاسترالى الوانه الزاهية الجميلة. كان التنافس بين التيارات فى حزب العمال قوى جدا تصعد شخصيات الى القمة و تتوارى اخرى و كل ذلك التنافس فرضه التحدى القوى للحزب الليبرالى بقيادة رئيس الوزراء فى ذلك الوقت جون هيورد الذى فاز ثلاثة مرات متتالية ضد غريمه حزب العمال الذى كانت تتبادل عدد من القيادات قيادة الحزب لمواجهة الليبراليين ابرزهم كيم بيزلى و لكنها كانت تفشل فى انتزاع النصر حتى صعد كايفن رود لقمة حزب العمال و طرح عددا من القضايا جذبت اليه الناخب الاسترالى ابرزها انسحاب القوات الاسترالية من افغانستان فرص التعليم العالى العناية الصحية و الاهتمام بالاطفال فرض ضريبة الكربون ثم توقيع استراليا على معاهدة كيوتو للمناخ و بالفعل استطاع كافين رود ان يحقق شعبية كبيرة جدا وانتصارا كبيرا على الليبرالين. حافظ حزب العمال على شعبيته بعد ما قدم السيد كايفن رود رئيس الوزراء اعتذار للسكان الاصليين الذين تضرروا كثيرا منذ و صول سفينة كبتن كوك الى سواحل استراليا حيث فى بعض المناطق تمت ابادتهم كما حدث فى جزيرة تسمانيا و انتزع العديد من الاطفال من اسرهم و رغم كل هذه المأساة كانت الحكومات الاسترالية المتعاقبة ترفض الاعتذار لهم و لكن عندما وصل كافين رود الى قمة الجهاز التنفيذى قدم اعتذارا رسميا باسم الدولة الى السكان الاصليين ثم و قعت استراليا على اتفاقية كيتو و لكنه تلكأ فى سحب القوات الاسترالية من افغانستان الامر الذى احدث صراعا داخل الحزب ثم جاء ضريبة 40% على ارباح شركات المناجم و التى احدثت الخلاف داخل الحزب بصورة كبيرة جدا ثم ظهر تيارا داخل قيادة حزب العمل تطالب رئيس الوزراء بتعديلات داخل الحكومة و سياستها حتى لا يتعرض الحزب فى الانتخابات القادمة الى هزيمة. خلال ثمانية و اربعين ساعة تصاعدت التوترات داخل قيادة حزب العمال و قرر البعض الوقوف ضد اراء و برنامج رئيس الوزراء بل طالب البعض بسحب الثقة منه داخل الحزب باعتبار ان سياسته سوف تفقد الحزب شعبيته الامر الذى قاد الى التصوت حيث لسحب الثقة حيث ترشحت جوليا جيلارد ضده و هى نائبة لرئيس الوزراء و قد فازت بثقة قيادات حزب العمال لكى تخلف كافين رود فى رئاسة مجلس الوزراء و قيادة الحزب. جوليا جيلارد هى اول امراة تنال منصب رئيس وزراء ا فى تاريخ استراليا وهى ابنة مهاجر بريطانى مولودة فى بريطانيا و تبلغ من العمر 48 عاما و كانت تعمل بالمحاماة قبل ولوجها الى العمل السياسى و هى التى كانت فى واجهة المتصدين لسياسة رئيس الوزراء و قالت بعد انتخابها " اننى طلبت من زملائى فى الحزب احداث تغيير فى القيادة بعد ما لمست ان القيادة الحالية كانت تتوه و بدات تفقد شعبيتها لذلك قررت ان لا اقف مكتوفت اليدين بل يجب التحرك من اجل التغيير و اكدت انها سوف تلتقى فى الشهور القادمة بالحاكم العام " بمثابة رئيس الجمهورية" من اجل اجراء انتخابات مبكرة لكى يختار الشعب الاسترالى رئيس الوزراء. ان رئيس الوزراء السابق كافين رود كان مقتنعا انه سوف يكسب التصويت ضد نائبته جوليا جيلارد و لكنه اخفق فى ذلك و انسحب دون ضجيج و اعترف انه خسر المعركة و يتراجع للصفوف الخلفية فى الحزب و تقدمت قيادات اخرى هكذا تعلم القيادات الاسترالية الاجيال الجديدة ان الديمقراطية ليست هى مصطلحات و كلمات تردد فى المنابر السياسية انما هى ثقافة و سلوك يحترم من قبل الجميع المنتصر و المهزوم. سألت عددا من الشباب عن ارائهم فى عملية التغيير الذى حدثت فى استراليا و التى فاجات حتى المتابعين و المعلقين السياسيين حيث قال بعضهم ان عملية التغيير كانت قادمة فى حزب العمال خاصة لاختلاف و جهات النظر حول عدد من السياسات و لكن المفاجأة انها تاتى بهذه السرعة غير المتوقعة و قالوا انها الديمقراطية التى نحترمها و يجب على الجميع احترامها قالت الىً امرأة طاعنة فى السن انها مسرورة جدا لان امراة هى التى جاءت لمنصب رئيس الوزراء و لكن حزنى كبير على فقد السيد كافين رود و اضافت قائلة و لكن من يعمل بالسياسة يجب عليه ان يحترم مفاجأتها. رغم ان السيد كافين رود فاز بالانتخاب المباشر من قبل الشعب الاسترالى لم يرفض عندما قررت الاغلبية فى الحزب التصويت ضد بقاءه فى قيادة الحزب و رئاسة الوزراء و لم يرفض الاقتراع و لكنه قبل نتيجة التصويت و تنحى عن القيادة دون ضجيج او اثارة قلاقل او تهريج فى الصحف لان اللعبة الديمقراطية تقبل النصر و الهزيمة فى وقت و احد و كلاهما المنتصر و المهزوم هما المنتصران من اجل الديمقراطية. خسر السيد كافين رود نتيجة التصويت و تنازل عن قيادة الحزب و رئاسة الوزراء و لكنه كسب ذاته كسياسى يريد ان يعلم الاجيال كيف تكون الممارسة الديمقراطية حقيقة انها لحظة تتطلب خاصة من كل المهاجرين الذين جاءوا من دول العالم الثالث و من بلاد تحكم بانظمة ديكتاتورية الى استراليا ان يقفوا اجلالا و احتراما لهذه الممارسة الديمقراطية.