تناقلت كل الصحف السودانية فى الاسبوع الماضى خبر دعوة الجنرال الامريكى و ليم وورك قائد الفرقة الامريكية بافريقيا ضرورة قيام قاعدة فى السودان بغرض مكافحة الارهاب و جعل الجنوب ضمن المنظومة الدفاعية الامريكية وجاء فى الخبر تعليق الناطق الرسمى باسم القوات المسلحة السودانية المقدم الصوارمى خالد الذى قال معلقا على ذلك "ان شعب جنوب السودان لم يختر الإنفصال فى الاستفتاء المزمع قيامه فى يناير المقبل و اضاف قائلا ان الدول الافريقية التى تستضيف قواعد امريكية لم تستفيد منها انما تقدم خدمة للمنظومة الدفاعية العسكرية الامريكية فى المقام الاول و نفى المقدم الصوارمى وجود انشطة إرهابية فى السودان موضحا ان مهمة مكافحة الارهاب لم تكن ضمن تخويل القواعد العسكرية و انما من مهام الاجهزة الامنية" بعد التحول الذى طرأ على فكر الحركة الشعبية بعد سقوط نظام منقستو هيلا مريام فى اثيوبيا الذى كان يحتضن الحركة الشعبية فكريا و يدعمها لوجستيا و استرداد الحركة عافيتها من الهزائم المتوالية التى كانت قد تعرضت لها فى بداية عهد الانقاذ ثم اتجهت الحركة يمينا نحو الغرب و الولاياتالمتحدةالامريكية بعد مؤتمر و اشنطن الذى اتبنت فيه تقرير المصير كأحد الاجندة الاساسية لتوجهات الحركة فى صراعها السياسى ان كان ضد سلطة الانقاذ او مع القوى السياسية التى تتحالف معها فى التجمع الوطنى الديمقراطى و الغريب فى الامر ان كل القوى السياسية دون استثناء قد وقعت مع الحركة الشعبية اتفاقيات ثنائية او جماعية تؤكد فيها حق تقرير المصير لجنوب السودان و هى البداية التى بدا الدكتور جون قرنق ينظر فيها للتحولات الاستراتيجية الهامة فى مسيرة الحركة الشعبية لذلك اهتم فى تنمية قدرات اثنين من كوادر الحركة الشعبية و اوكل لهما مهمات خطيرة و ملفات استراتيجية الاول نيال دينق الذى كان زراعه اليمين فى العلاقات الدولية و الشأن الداخلى لترتيب اوضاع الحركة الشعبية و الثانى باقان موم الذى اوكل اليه علاقات الحركة مع القوى السياسية الشمالية فى التجمع الوطنى الديمقراطى اضافة لقيادة قوات الحركة فى شرق السودان. فى الزيارات المختلفة التى كان يقوم بها عددا من رجال المخابرات الامريكية لتفقد اوضاع المعارضة او الحركة الشعبية اثناء عهد الرئيس بيل كلينتون كان دنيال دينق هو المسؤول الاول فى الحركة للالتقاء بالمسؤولين الامريكين و التحاور معهم فى كثير من القضايا و خاصة ان نيال دينق رجل لا يحب الاضواء او الظهور امام عدسات الاعلام و لا يكثر من التصريحات ثم كان العضو الدائم فى كل الحوارات التى اجرتها الحركة الشعبية مع حكومة الانقاذ منذ ابوجا و صديق لانطونى ليك كما انه كان دائم الحضور فى المشاورات التى كانت تجريها ادارة الرئيس جورج بوش حول الاوضاع فى السودان بعد تعين مبعوث خاص للسودان. بعد موت الدكتور جون قرنق و تولى السيد سلفاكير مياردت رئاسة الحركة الشعبية و رئاسة حكومة الجنوب كان يقلقه سؤالا مهما كيف يفرض سلطته كرئيس فى ظل الترتيب الذى اقامه الدكتور جون قرنق؟ و سؤال آخر لماذا اتى السيد سلفاكير بالسيد بونا ملوال كمستشار له رغم الموقف غير الايجابى لبونا ملوال من الحركة ثم نقده المستمر لهااثناء حياة الدكتور جون قرنق؟ يعتقد البعض ان سلفاكير اراد ان يكون بونا قريبا منه لكى يساعده على ترتيب اوضاع الحركة بما يتوافق مع توجهات رئيسها الجديد حتى يضع بصماته كما وضعها سابقه و لكن لا نريد الخوض فى ذلك كثيرا لانه سوف يخرجا من الموضوع الاساسى و لكن تاكد للسيد سلفاكير ان هناك اشياء لا يمكن تجاوزها و هى القضايا الاستراتيجية و منها تقرير المصير و الاستعداد له لذلك كان سفر نيال دينق الى الولاياتالمتحدةالامريكية فى بعثة رسمية من الحركة تهدف للتدريب وكسب المعارف و القدرات التى تؤهله من اجل بناء الجيش الشعبى لتحرير السودان فى الوقت الذى اشيع ان هناك خلاف بين السيد سلفاكير و ابناء قرنق الامر الذى جعل نيال دينق يذهب الى الولاياتالمتحدةالامريكية و عندما عاد نيال دينق اوكلت اليه رئاسة الجيش الشعبى لتحرير السودان دون ان يسال احد نفسه اذا كان هناك فعلا خلافا بين نيال دينق و السيد سلفاكير هل يمكن ان يسلمه اخطر مهمة يمكن ان تطيح بسلفاكير نفسه اذا كان هناك خلافا كما اشيع عنه و فى زيارة سلفاكير الى الولاياتالمتحدةالامريكية عقب انتخاب الرئيس اوباما التقى بعدد من الخبراء فى وزارة الدفاع الامريكية من اجل تقديم الدعم للجيش الشعبى لتحرير السودان و تحدث عن مآلات انفصال و الوحدة و اكد لهم ان شعب الجنوب سوف يصوت باغلبية ساحقة للانفصال و يجب ضرورة تقوية الجيش الشعبى و تدريبه لكى يدافع عن الدولة الوليدة بعد الانفصال و لذلك اوكلت مهمة النهوض بالجيش الشعبى لتحرير السودان الى الادارة الامريكية بافريقيا " الافريكوم" و سوف نتحدث لاحقا عن ما قدمته هذه الادارة منذ عام 2009للجيش الشعبى. القضية الثانية ان السيد باقان اموم احتل ذات الموقع الذى كان الدكتور قرنق قد هيأه له منذ هروب باقان من الجامعة و التحاقه بصفوف الحركة الشعبية و ارساله الى هافانا لتلقى التدريب و التأهيل العسكرى عندما كانت الحركة تتبنى الخط الماركسى و بعد تحولاتها لم يفقد باقان اموم موقعه بل اصبح هو المسؤول عن علاقات الحركة الشعبية مع القوى السياسية الاخرى الامر الذى جعل سياسة الحركة تسير فى الطريق المرسوم لها دون تغيير و من خلال هذا الموقع اصبحت علاقة الحركة السياسية مع الولاياتالمتحدة من مهمات باقان اموم و هى دائما معلنة و يتحدث عنها بصورة و اضحة ثم ان باقان هو الذى يرتب اجندة الحركة مع الجانب الامريكى اما علاقة دنيال دينق فهى علاقة سرية لانها تقوم على العلاقات العسكرية و سبل تطويرها و بالتالى لا يتم الحديث عنها حيث الناس تركز على نشاطات السيد باقان اموم و هى سياسة قد نجحت فيها الحركة الشعبية و اصبحت بعيدة عن التعليقات السياسية و الامنية حتى. فى عام 2007 اعلنت ادارة الرئيس جورج بوش الابن تكوين الادارة العسكرية الامريكية لافريقيا " الافريكوم" و تعرف من قبل الادارة الامريكية بانها احد الادارات التى تدعم السياسة الامريكية فى افريقيا و خاصة العلاقات العسكرية مع 53 دولة و مقر الادارة الحالى فى مدينة " اشتوت قارد" بالمانيا فى عامى 2008- 2009 بحث الولاياتالمتحدةالامريكية لمقر للادارة الجديدة فى افريقيا خاصة فى دول شمال افريقيا " الجزائر – المغرب- موريتانيا ثم السنغال" و لكن لم توافق جميع تلك الدول و الملاحظ ان جميع الدول المذكورة كانت جزءا من النفوذ الفرنسى فى الماضى الامر الذى ادى لانتقادات من فرنسا التى طرحت قضية اتحاد دول البحر المتوسط من اجل المحافظة على مناطق نفوذها لذلك بدات الولاياتالمتحدةالامريكية تبحث عن دولة توافق على استضافة الادارة. فى عهد الرئيس الامريكى الحالى باراك اوباما اهتمت كثيرا بالافركوم " و طلبت اليها ميزانية 278 مليون دولار لكى تستطيع ان تنجز اهدافها و كانت الادارة قد بدات بالفعل تدريباتها فى عدد من دول غرب افريقيا خاصة فى موريتانيا و السنغال و النيجر تحت ادعاء محاربة الارهاب و حركة القاعدة فى تلك المنطقة حيث ان الادارة نشرت فى تقاريرها انها استطاعت تدريب اكثر من 3000 فرد من تلك الدول كقوات خاصة تعمل فى مجال محاربة الارهاب و مطاردة عناصر القاعدة. فى بداية الالفية بعثت الولاياتالمتحدةالامريكية بالدكتور ريموند براون كمستشار فى العلاقات الدولية للسفارة السودانية حيث مكث فى الخرطوم لاكثر من سنتين حيث كان مرافقا لوفد الولاياتالمتحدةالامريكية فى التقارب بين الحركة الشعبية و المؤتمر الوطنى لاتمام عملية اتفاقية السلام الشامل اضافة الى انه كان حاضرا فى كل الاجتماعات التى كانت تعقدها الوفود الامريكية للسودان بعد احداث 11 سبتمبر باعتبار انه مستشارا خاصا فى العلاقات الدولية رغم ان الرجل يهتم بالمهمات الخاصة ثم ذهب الى جنوب افريقيا و اعاد 2009 لكى يصبح مستشار خاصا لقائد الادارة العسكرية الافريقية "الافريكوم" و هو ليس بعيد عن شؤون السودان و معرفة بالمسؤولين فى الحركة الشعبية و هو يجيد اللغة العربية لدراسته فى الجامعة الامريكية فى القاهرة و فكرة ان السودان يجب ان يكون جزء من المنظومة الامريكية باعتبار انه يشكل محورا مهما فى التقارب الافريقى العربى ثم موقعه الاستراتيجى و لكن بعد تعالت اصوات الانفصال و اصبحت تجذر نفسها فى المجتمع الجنوبى بدات تلوح فكرة ان يكون السودان الشمالى هو احد ركائز الامن الامريكى فى افريقيا و ان يكون جنوب السودان هى المنطقة العسكرية التى تدير بها كل الاعمال بهدف انها سوف تكون العامل الذى يخفف حدة التوتر بين الدولتين فى المستقبل. يعتقد بعض العسكريين و منهم المقدم الصوارمى و ارجو ان لا يكون ذلك فهم القيادة العسكرية فى القوات المسلحة السودانية او القيادة فى جهاز الامن و المخابرات الفصل بين القوات الامنية و العمل العسكرى فى الادارة الامريكية كان ذلك فى السابق ان تعطى هوامش للحركة فى اجهزة الامن و المخابرات للولايات المتحدة عملية تنسيق بينهما و لكن فى عهد المحافظين الجدد و فى عهد وزير الدفاع دونالد رامسفيلد اصبحت وزارة الدفاع الامريكية هى التى تشرف اشرافا كاملا على الاجهزة الامنية و ادائها و حتى ميزانياتها تخرج من وزارة الدفاع الامريكية و بالتالى سوف تخضع كل النشاطات العسكرية و الامنية و المخابراتية فى افريقيا الى " الافريكوم" لماذ وافق الرئيس اوباما استمرار سياسة المحافظين الجدد نتعرض لها فى ختام المبحث. فى 2009 بعثت الادارة العسكرية الافريقية "الافريكوم" الضابط و ليم بيرتلسون الى جنوب السودان و كان فى ضيافة حكومة الجنوب حيث كانت مهمته مساعدة الجيش الشعبى لتأسيس اكاديمية عسكرية تعتنى بتدريب قوات الجيش الشعبى و تدريس الاعمال الوجستية و الخطط العسكرية و التطبيب العسكرى و فن محاربة الارهاب و حفظ الامن و التصدى لحرب العصابات و بموجب ذلك سوف ترسل الولاياتالمتحدة عددا من ضباط الجيش الشعبى بهدف تدريبهم و تأهيلهم حتى يصبحوا عصب تلك الاكاديمية العسكرية و فى ذات الوقت اختارت ادارة الافريكوم عددا من ضباط قوات الجيش الشعبى للتدريبهم كقوات خاصة تختار منهم الافريكوم من يستطيع ان العمل معها تحت شعار التنسيق بين القوات و آوكلت تلك المهام للسيد نيال دينق. عندما كان السيد نيال دينق فى الولاياتالمتحدةالامريكية اوكلت مهمة رئاسة المخابرات للسيد ادور لينو و عندما عاد السيد دنيال و تولى مهمة الجيش الشعبى بدا فى ترتيب الاوضاع الداخلية له وكان اول قرار ان يتولى ادورد لينو قيادة الجيش الشعبى فى منطقة ابيى كبداية لاقالته من الجيش الشعبى باعتبار ان لينو له علاقات واسعة جدا و خاصة مع النخب الشمالية و ربما تخرج منه بعض الاسرار دون قصد و لذلك كان التحوط واجب و مهم ثم بدا عزل العديد من القيادات من اماكنها و ترفيع قيادات جديدة و تم اختيارها بعناية فائقة و لم تكون الافريكوم بعيدة عن ذلكو بعد اقالة ادور لينو من جنوب كردفان تمت اقالته نهائيا من العمل العسكرى و تمت كذلك اقالة كل القيادات القديمة التى لا تصلح للمرحلة القادمة و تمت اختيارات قيادات جديدة بعناية فائقة. كل تلك الفاعليات و النشاطات التى تقوم بها الافريكوم مع الجيش الشعبى تؤكد ما ذهب اليه الجنرال و ليم وورك قائد الفرقة الامريكية بافريقيا لضرورة قيام قاعدة فى جنوب السودان بل ان الاجراءات بدات بالفعل من خلال زيارة الادارة الى جنوب السودان و العمل فى البنايات الاساسية لذلك . اما قضية الارهاب التى يقول عنها المقدم الصوارمى "لم تكن ضمن تخويل القواعد العسكرية" ان الهدف الرئيسى الذى فى ديباجة تاسيس الادارة هى محاربة الارهاب فى افريقيا تقول الفقرة" ان اهم اهداف الادارة العسكرية الامريكية فى افريقيا "هزيمة تنظيم القاعدة و تفكيك شبكاته فى المنطقة" و قد كنت اشرت فى عدد من المقالات ان الافريكوم تعتقد ان تنظيم القاعدة يتحرك فى قوس يمتد من السنغال فى المحيط الاطلنطى عبر الصحراء الى منطقة القرن الافريقيى يشمل دول " السنغال – الجزائر - المغرب- موريتانيا- النيجر - تشاد - افريقيا الوسطى – السودان – كينيا – الصومال- اليمن" . ان الادارة الامريكية للرئيس باراك اوباما لم تتخل عن سياسات المحافظين الجدد التى تقوم على الحروب الاستباقية و سياسة القوة انما اراد الرئيس اوباما ان تكون سياسته ناعمة و فى افريقيا تحاول الادارة الامريكية ان تستعد منذ الان للصراع الاستراتيجى الذى سوف تشهده افريقيا فى المستقبل بين الدول العظمى و خاصة الولاياتالمتحدة و الصين ثم الدول الناشئة البرازيل و الهند و التى بدات تتجه الى افريقيا بحثا عن الطاقة و المواد الخام التى تغذى صناعاتها و معروف ان قضية الارهاب ما هى الا حجج تحاول الولاياتالمتحدة استخدامها من اجل تحقيق مصالحها فى العالم الاسلامى و العربى و لكن الرئيس اوباما لم يتخل عن سياسة المحافظين لسببين الاول ان شعبية اوباما بدات تضعف و توسعت انتقادات المحافظين الجدد له فى العديد من المراكز و المؤسسات البحثية التى تقع تحت سيطرة الجمهوريين و اللوبى اليهودى رغم انه معروف تاريخيا ان الحزب الديمقراطى هو الحضن الدافىء لكل المنظمات اليهودية فى امريكا منذ عام 1927 عندما بدات الهجرات اليهودية الى امريكا و تبنت قضية الليبرالية التى اصلا هى بنات افكار الباحثيين اليهود اراد اوباما ان يوقف النقد العنيف من قبل المحافظين الجدد له خاصة ان انتخابات تجديد نصف الكونجرس فى اكتوبر القادم و لا يريد اوباما ان يخسر حزبه الاغلبية التى يتمتع بها فى الكونجرس و مجلس الشيوخ حتى لا يجد مضايقة كبيرة فى تنفيذ برنامجه السياسى لذلك جاء تعين الجنرال باتريوس ليكون قائد القوات الامريكية و القوة الحليفة فى افغانستان كخطوة لترضية المحافظين الجدد و السبب الثانى دعم الشركات الامريكية الكبيرة العابرة للقارات و عدم فرض ضرائب باهظة عليها و فى ذات الوقت تاسيس الوسائل التى تحميها فى الخارج و احد هذه الوسائل انشاء قاعدة كبيرة فى جنوب السودان تابعة الى قوات الافريكوم. ان الاشكالية التى تعوق دائما النخبة السودانية السياسية و العسكرية فى قضية التحليلات للعلاقات و الاستراتيجيات الدولية اننا دائما نعتمد على الثقافة السودانية التى لا تنظر للتخطيط المستقبلى البعيد المدى حيث ان الولاياتالمتحدة و الدول العظمى دائما تبدا التخطيط للعشرين سنة القادمة منذ الان و بالتالى ان القاعدة الامريكية للافركوم التى كان مقترح لها ان تكون فى شمال افريقيا او شمال غرب افريقيا كان الاختيار للموقع الاول هو ورثت مناطق النفوذ الفرنسى فى القارة الافريقية رغم ان التخطيط كان يتجه الى الاستعداد للتنافس الصينى و الدول الناشيئة الجديدة فى القارة الافريقية و لكن التغيير الذى حدث ايضا فرضته ظروف و تداعيات الصراع و النزاعات العنيفية فى القرن الافريقى خاصة ان عددا من ضباط ادارة الافريكوم يجوبون المنطقة اضافة الى جنوب السودان. zainsalih abdelrahman [[email protected]]