سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    وزارة الخارجية القطرية: نعرب عن قلقنا البالغ من زيادة التصعيد في محيط مدينة الفاشر    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    ياسر عبدالرحمن العطا: يجب مواجهة طموحات دول الشر والمرتزقة العرب في الشتات – شاهد الفيديو    حقائق كاشفة عن السلوك الإيراني!    المؤسس.. وقرار اكتشاف واستخراج الثروة المعدنية    البيان الختامي لملتقى البركل لتحالف حماية دارفور    الداخلية السودانية: سيذهب فريق مكون من المرور للنيجر لاستعادة هذه المسروقات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    تجارة المعاداة للسامية    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البروفيسور صديق أحمد إسماعيل .. رحيل بلا وداع ... بقلم: إمام محمد إمام
نشر في سودانيل يوم 16 - 09 - 2010

غيّب الموت، والموت علينا جميعاً حقٌ، يوم الاثنين الماضي البروفيسور صديق أحمد إسماعيل العميد الأسبق لكلية الدراسات العليا في جامعة الخرطوم والأستاذ في كلية الطب بجامعة الخرطوم والاستشاري في أمراض القلب، بعد معاناة طويلة مع المرض ألزمه السرير في مستشفى الزيتونة التخصصي في الخرطوم وهارلي ستريت كلينيك، ولندن كلينيك في العاصمة البريطانية. ومما لا ريب فيه أنّ جامعة الخرطوم رزئت بوفاته، بل إنّ السودان كله في رأيي الخاص رُزئ برحيل أحد علمائه الأفذاذ، وأساتذته الأجلاء، وأطبائه الكبار. فوفاته حدث جلل، ومصاب فادح، وفقد أليم، لكافة أفراد أسرته وأهله وأصدقائه وزملائه وطلابه ومعارفه، ورحيل عالم جليل، وطبيب نطاسي مثله، فقد عظيم لبني السودان كلهم. ولما كان البروفيسور صديق أحمد إسماعيل من الذين يرفضون إظهار ضعفهم الإنساني حتى ولو كان بسبب المرض، فإنه لم يمنح أصدقاءه وطلابه ومعارفه سانحة لحظات الوداع الأخير عند عيادتهم له في مرضه الأخير سواء في الخرطوم أو لندن، وذلك بمنع مشاهدته، وهو على سرير المرض، أثناء زيارتهم له، بناء على رغبته التي حرصت ابنته الصغرى ريان على تنفيذها تنفيذاً صارماً ودقيقاً، فكانت تكتفي بكتابة أسماء الزائرين وإدخالها على أبيها، لذلك لم يتسنّ للكثيرين، وأنا من بينهم، نظرة الوداع على أستاذنا الجليل البروفيسور صديق أحمد إسماعيل، على الرغم من محاولاتنا المُضنية في كل زيارة، ولكن أكبرنا حرص ريّان على الالتزام بتعليمات والدها، فكانت نعم الابنة البارة بأبيها. لذلك كان رحيل البروفيسور صديق رحيلاً بلا وداع بالنسبة للكثيرين من أصدقائه وطلابه ومعارفه.
كان البروفيسور الراحل يتميّز بخلقٍ قويمٍ، ومعشرٍ طيبٍ، ولسانٍ ذربٍ، وأدبٍ جمٍّ. وكان معروفاً بقوة الحجة، وحسن المجادلة، وصريح العبارة، قوياً في الحق لا يخشى لومة لائم، لا يُداهن في رأيه، ولا يجامل في حكمه، لا يكتم الشهادة ولا يُسارع في التزكية، ولا يُجادل بغير علمٍ، ولا يُلاطف في غير مواضع الملاطفة، في ذلك قلت فيه في مقال لي نُشر في هذه الصحيفة بتاريخ الأربعاء 18 أغسطس الماضي، لتأكيد أنّه قليل الحديث عن تزكية الناس، وفي الوقت نفسه، عدم كتمانه لشهادة الحق، ما يلي: "كان أستاذنا الجليل البروفيسور صديق أحمد إسماعيل عميد كلية الدراسات العليا الأسبق في جامعة الخرطوم، والنطاسي الشهير - شفاه الله تعالى - (عليه شآبيب رحمة الله تعالى) قليل الحديث عن تزكية الناس، فهو في ذلك لا يزكي أحداً على الله، ولكن في أكثر من مجلس سمعته يتحدث عن مأمون حميدة بخير، ويشيد بمبادراته وتميّزه في الطب والتعليم العالي". وهنا لا يزكي البروفيسور الراحل أحداً على الله، ولكنه يعلم تمام العلم أنّه مأمورٌ بشهادة الحق ولو على نفسه. لأنّ الأصل في شهادة المسلم- وهي مطلب شرعي- أن يقول الحق ولو على نفسه. لهذا يشهد بالحق كله، حتى لا يتنزل فيه قول الله تعالى: "وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ".
كان البروفيسور الراحل صديق أحمد إسماعيل – يرحمه الله تعالى- يجذب أصدقاءه وطلابه ومعارفه إليه بطيب حديثه، وسطوع حجته، وقوة برهانه، وشدة صراحته، وفوق هذا وذاك بسماحة نفسه، وحسن معاملته للآخرين، وتتمثل فيه طيبة أهل السودان الخيّرين. عرفت الفقيد عندما كنت طالباً في كلية الآداب بجامعة الخرطوم في ثمانينيات القرن الماضي، ووقتها كنت مقرباً من البروفيسور الراحل عمر محمد بليل مدير جامعة الخرطوم آنذاك (عليه شآبيب رحمة الله تعالى)، للمساهمة في الجهد الصحافي والإعلامي بالجامعة، خاصة وأنني كنت أقدم برنامجاً أسبوعياً مع البروفيسور الراحل عبد الله الطيّب (يرحمه الله تعالى) في التلفزيون السوداني من خلال برنامج "شذرات من الثقافة"، وبرنامجاً إذاعياً يومياً في الإذاعة السودانية من خلال برنامج "آفاق"، بالإضافة إلى عملي في جريدة "الصحافة" في عهد رئاسة أستاذي فضل الله محمد، فأتيح لي وأنا طالب في كلية الآداب أن أتعرّف عن كثبٍ على أساتذة عظامٍ في كلياتٍ غير كلية الآداب، ومن بين هؤلاء الأساتذة الأفذاذ في الجامعة، كان البروفيسور الراحل صديق أحمد إسماعيل، وتوثقت صلتي به عندما كان عميداً لكلية الدراسات العليا في جامعة الخرطوم، وعند زياراته الصيفية إلى لندن، ومن ثم كنت ألتقيه كثيراً عندما أحضر إلى السودان، لاسيما في جلسات المؤانسة مساء كل يوم جمعة في منزل الأخ الصديق الأستاذ حسن تاج السر رجل الأعمال المعروف، وهو مجلس تنداح فيه أحاديث السياسة والاقتصاد والاجتماع، يؤمه نفر كريم من مختلف الأطياف السياسية والتيّارات الفكرية، كان الراحل نجمه المتلألئ، ومفكره النير، وصوته المجلجل، ومحدثه اللبق، ومجادله الحسن، وربانه الحكيم. لا ريب عندي أنّ فقده الأليم سيكون فقداً عظيماً لنا جميعاً، ولمجلس المؤانسة الحسنى، مكاناً وأُناساً ومواضيع النقاش. ونسأل الله تعالى أن يتذكره حضور ذلكم المجلس بالدعاء له، والمبادرة بالعمل على تكريمه وتخليد ذكراه، بالتعاون مع جامعة الخرطوم وجامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا، لأنني أعلم تمام العلم أنّ الأخ الصديق البروفيسور مأمون محمد علي حميدة رئيس الجامعة يكن له حباً جماً، وتقديراً عظيماً، واحتراماً كبيراً، ويزاحمه في ذلك، زحاماً مقبولاً، الأخ الصديق البروفيسور مصطفى إدريس مدير جامعة الخرطوم. عندما كان الراحل عميداً لكلية الدراسات العليا في جامعة الخرطوم يعتبر مبعوثي الجامعة- وكانوا كُثر يومذاك- أبناءه وبناته، يحثهم بقوة على التزوّد بالعلم، ويحنو عليهم بلطف، ويبذل لهم النصيحة، ويبادلهم حباً بحبٍ، واحتراماً باحترامٍ. وأذكر أنني كنت مع بعض الأصدقاء في زيارة إلى الأخ الصديق الدكتور أيوب بيه في منزله بشمال لندن، وتذاكرنا معاً الحديث عن البروفيسور الراحل، وقلت للدكتور أيوب زرناه أكثر من مرة، ولكن لم يُسمح لنا بالدخول إليه، بناءً على طلبه من إدارة المستوصف اللندني، فأذعنّا لذلك على مضضٍ، لأننا نريد أن نراه ويرانا، ونسمع له ويسمع لنا. فقال أيوب: "أنا لا أستغرب ذلك، فلقد عملت معه عندما كنت طبيباً صغيراً، فهو لا يرغب في إظهار ضعفه الإنساني مهما كانت الظروف، هكذا هو أستاذنا البروفيسور الراحل، حتى أنا عندما كنت أقابله قبل مرضه هذا، كان يعاملني كأنّي مازلت طبيباً صغيراً أعمل معه، ولكني أعلم أنّه يعامل طلابه بحنو الأبوة ورفق الأستاذية".
وأحسب أنّ علو همة البروفيسور الراحل صديق أحمد إسماعيل، ونفسه الأبيّة، وصراحته الشديدة، هي التي أوهنت بدنه، وعلّت جسمه، فلا غرو إن استشهدنا في حاله هذه بقول الشاعر أبي الطيب أحمد بن الحسين المعروف بالمتنبئ:
وإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مُرادها الأجسام
وُلد الفقيد في عام 1935، وتلقى تعليمه الأولي والأوسط في أم درمان، والثانوي في حنتوب عام 1949، وكان طالباً مبرزاً في دروسه ومميزاً في سلوكه، وسرعان ما وقع عليه الاختيار، حيث كان ضمن تلاميذ الفصلين اللذين تقرر ترحيلهما إلى مدرسة خورطقت عند افتتاحها عام 1950، بأربعة فصول، اثنين من حنتوب، واثنين من وادي سيدنا، ولم يكن ذلك الاختيار، اختيار مصادفة، بل كان اختياراً رُوعيت فيه جوانب تعليمية وتربوية، وكان الراحل من أوائل المختارين لهذه المهمة التعليمية الوطنية. أمّا تعليمه الجامعي فكان في كلية الطب بجامعة الخرطوم -1953)9 (195، وكان يحصد جوائز الكلية الأكاديمية، كما كان طالباً مميزاً في سلوكه، ومبرزاً في دروسه، وعند تخرجه في كلية الطب حصل على جائزة كتشنر، وهي جائزة تمنح عادة لأول الدفعة. وعمل بعد تخرجه في وزارة الصحة بمستشفى كسلا، ومنها أُبتعث إلى بريطانيا للتخصص في الأمراض الباطنية، ومن المحاولة الأولى اجتاز امتحان زمالة الكلية الملكية البريطانية لأطباء الأمراض الباطنية، ورجع إلى السودان، واهتم بأمراض القلب، حيث تخصص في أمراض القلب في بريطانيا في أوائل الستينيات. وأستاذنا الراحل من أوائل الأطباء السودانيين الذين تخصصوا في أمراض القلب، بعد الدكتور الراحل عبد الحليم محمد، الذي كان أول طبيب سوداني تخصص في أمراض القلب، والدكتور الراحل النور عبد المجيد. وكان الراحل طوال أكثر من أربعة عقود يُدرِّس في كلية الطب في جامعة الخرطوم، وعمل طبيباً استشارياً في مستشفى الخرطوم ومستشفى الشعب بقسم أمراض القلب، ومن الأوائل الذين عملوا في مركز القلب في السودان، ويعتبر الفقيد الأب الروحي لمركز القلب. والبروفيسور الراحل صديق أحمد إسماعيل من الأطباء الاستشاريين القلائل الذين لم يعملوا في الخارج، اغتراباً أو هجرةً.
وأحسب أنّ أهلي في السودان، وخاصة في جامعة الخرطوم، مديراً وأساتذةً وطلاباً وخريجين وفنيين وعاملين، عندما بلغهم نبأ وفاة البروفيسور صديق أحمد إسماعيل، كان لسان حالهم يردد قول الشاعر العربي خويلد بن محرث من بني مازن بن سويد بن تميم بن سعد بن هذيل المعروف بأبي ذؤيب الهذلي:
وإذا المنيّةُ أنشبت أظفارها ألفيتَ كُلّ تميمةٍ لا تنفعُ
والنفسُ راغبةٌ إذا رغّبْتَها وإذا تُردُ إلى قليلٍ تقْنعُ
تحدثت هاتفياً مع الأخ الدكتور عمر إمام حاج عمر استشاري طب المجتمع وأحد مديري منظمة الصحة العالمية أسأله عن علاقته بالبروفيسور الراحل، فقال لي: "البروفيسور صديق ابن فصلي، إذ كنا في فصل واحد في مدرسة حنتوب الثانوية، وكنا في مجموعة واحدة، فاسمه يبدأ بحرف ال S واسمي يبدأ بحرف ال O وهما حرفان انجليزيان قريبان من بعضهما بعضاً، لذلك لم نكن نفترق في تقسيم الفصل إلى مجموعات في أي منشط من مناشط المدرسة، وتفرقنا عندما نُقل إلى مدرسة خورطقت الثانوية، ثمّ التقينا وتزاملنا في كلية الطب بجامعة الخرطوم في خمسينيات القرن الماضي. كان الراحل رجلاً يحب أنّ يكون كل شيء على حسب الأصول، لذلك لم يكن يتردد في قول رأيه. وكان ذو اعتداد بنفسه مع نكرانٍ لذاته. لم يكن يقرأ تقرير الطبيب عندما يأتيه المريض بتقرير من طبيب آخر، بل يكشف عليه كشفاً كاملاً، وبعد أن ينتهي من الكشف يذكر للمريض التشخيص، ويشير إليه بأنّه لا يمنع إذا رغب في أخذ رأي طبيبٍ ثانٍ، ثم يقرأ ذلك التقرير، فهو يؤدي المهنة بأمانة شديدة".
وتحدثت هاتفياً إلى البروفيسور أحمد حسب الرسول عن الراحل، فقال إنّه ابن فصله في مدرسة خورطقت الثانوية في عام 1950، ووصفه بأنّه كان نابغةٍ منذ أن التقيا، وتزاملا في كلية الطب بجامعة الخرطوم. وأضاف البروفيسور حسب الرسول: "كان للبروفيسور الراحل صديق، حس في مبادئ الطب وخلق الطب، وكان شغوفاً بالتحصيل العلمي والإطلاع، ويحارب من أجل العلم والمعرفة، وكان شديد الصراحة في العلم والمناقشات، وأفنى شبابه في الطب، وكان خير معلم في الطب، كنت استمتع بمحاضراته، وكان من الأطباء القلائل الذين يتذوقون الشعر والأدب". وأوضح البروفيسور حسب الرسول أنّ الفقيد كان يحفظ بُرديات الشاعر أحمد شوقي. وعُرضت عليه وظائف كثيرة داخل السودان وخارجه، ولكنه كان دائماً يُفضّل التدريس في جامعة الخرطوم، ولا يخشى في الحق لومة لائم.
أمّا البروفيسور علي فضل مدير جامعة الخرطوم الأسبق ووزير الصحة الأسبق فتحدثت إليه هاتفياً أيضاً أسأله عن البروفيسور الراحل صديق أحمد إسماعيل، فقال: "كان البروفيسور صديق بالنسبة لي صديقاً صدوقاً، وأخاً كريماً، وعرفته عندما كنت في حنتوب، والتقينا في كلية الطب بجامعة الخرطوم، حيث نمت بيننا صداقة حميمة، كان مدخل معرفتنا الحقيقية بأصدقائه من مدرسة خورطقت الثانوية. وكان واسطة العقد بين خريجي مدرستي حنتوب وخورطقت الثانويتين. وكان من أوائل الأطباء السودانيين الذين تخصصوا في أمراض القلب. وكان البروفيسور الراحل صديق مدرسة في الطب، وكان حلو اللسان، وله نظرات عميقة في السياسة، ساعده في ذلك قربه من الزعيم الوطني إسماعيل الأزهري، وهناك علاقة بين أسرتيهما. كما أنّ قربه من الأزهري جعله مُغرَما بالسياسة".
أخلص إلى أننا نشاطر الفقد العظيم والحزن الأليم والخطب الجلل في وفاة أستاذنا البروفيسور صديق أحمد إسماعيل أسرته الكبيرة المكلومة، ممثلة في أسرة جامعة الخرطوم كافة، وبني السودان عامة، وأسرته الصغيرة الحزينة، ممثلة في فلذات كبده، عزة وريم وأحمد وريّان، وأشقائه مختار وعبد القوي وإسماعيل وحرم وعفاف، وأصهاره آل أبو الريش وآل حسونة والدكتور خالد حمد الزبير الملك وهشام محمد أبو شامة. ونقول لهم ولأنفسنا تذكيراً، ما قاله الشاعر العربي كعب بن زهير بن أبي سلمى:
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوماً على آلةٍ حدباء محمول
وفي خاتمة هذه العُجالة أُناشد الأخوين الصديقين البروفيسور مأمون محمد علي حميدة رئيس جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا والبروفيسور مصطفى إدريس مدير جامعة الخرطوم، وأنا أعرف مدى حبهما وتقديرهما وإجلالهما لأستاذهما البروفيسور الراحل صديق أحمد إسماعيل، بإطلاق اسم الراحل على إحدى قاعات كليتي الطب في الجامعتين، وفاءً لما قدمه أستاذنا الراحل للطب في السودان. ومن الضروري أيضاً تكريمه وتخليد ذكراه من قبل الدولة، تنزيلاً لقول الله تعالى: "هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ".
وختاماً أسأل الله تعالى أن يتقبل فقيدنا البروفيسور صديق أحمد إسماعيل قبولاً طيباً حسناً، ويلهم ذويه وأصدقاءه وطلابه ومعارفه وبني وطنه الصبر الجميل.
"وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّه كِتَابًا مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِين".
Imam Imam [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.