وزارة الخارجية القطرية: نعرب عن قلقنا البالغ من زيادة التصعيد في محيط مدينة الفاشر    ياسر عبدالرحمن العطا: يجب مواجهة طموحات دول الشر والمرتزقة العرب في الشتات – شاهد الفيديو    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    المؤسس.. وقرار اكتشاف واستخراج الثروة المعدنية    حقائق كاشفة عن السلوك الإيراني!    البيان الختامي لملتقى البركل لتحالف حماية دارفور    الداخلية السودانية: سيذهب فريق مكون من المرور للنيجر لاستعادة هذه المسروقات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    أرسنال يحسم الديربي بثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    تجارة المعاداة للسامية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جذور الأزمة المالية العالمية بقلم: الهادي هباني
نشر في سودانيل يوم 28 - 03 - 2009

يجمع كل الباحثين و المتخصصين و المتابعين و كذلك الهيئات المالية المحلية و الإقليمية و العالمية علي أن الأزمة المالية التي ضربت الإقتصاد الأمريكي و انتقلت منه لتعم العالم بأكمله لم تكن وليدة اللحظة و إنما لها جذور تاريخية يتمثل أهمها فيما يلي:
1- التأثير السلبي لأزمتي، أسواق المال الأسيوية في عام 1997م و التي عرفت تاريخيا بإسم (أزمة النمور الأسيوية) و كذلك انهيار قطاع التكنولوجيا و شركات الإنترنت أو ما عرف تاريخيا ب (أزمة الدوت كوم) في عامي 2000/2001 علي الإقتصاد الأمريكي و الذي تمثل بدوره فيما يلي:
التباطؤ الواضح فى معدلات النمو التي وصلت خلال الشهور الثلاثة الأخيرة من عام 2000م إلى 2.5% فقط (راجع مغاوري شلبي – إسلام أون لاين – فيروس الركود الأمريكي يهدد العالم – السبت 20 يناير 2001م) وصاحب ذلك إعلان كثير من الشركات الأمريكية عن تراجع كبير في أرباحها و أغلقت مصانع أبوابها بشكل مؤقت كما دعت بعض الشركات الأمريكية الكبيرة عامليها إلى تخفيض معدلات إنتاجهم خوفاً من عجزها عن بيع هذا الإنتاج في ظل تراجع معدلات الاستهلاك وكانت في مقدمة هذه الشركات شركة "زيروكس" المعروفة.
أصبح واضحاً مع بداية عام 2001 أن الاقتصاد الأمريكي يعاني من ضعف شديد في حركة الاستهلاك مقابل نمو سريع فى الإنتاجية ومن الظروف غير المواتية في بعض قطاعات سوق المال وتراجع مؤشراته وأدى إلى تفاقم هذا التباطؤ ارتفاع أسعار المنتجات البترولية التي امتصت غالبية القوة الشرائية لدى الشعب الأمريكي في ظل ارتفاع الأسعار العالمية للنفط.
خفض الفوائد علي القروض السكنية عام 2000م في الولايات المتحدة، وبشكل مبالغ فيه، مما رفع سقف الاقتراض إلى أربعة أضعاف، وذلك بهدف تحسين أداء الاقتصاد و امتصاص النمو العمراني و توسع شركات الإستثمار و التطوير العقاري في بناء المجمعات السكنية و تشجيع الأفراد لشراء وحدات سكنية في هذه المجمعات.
تأثير الأزمات المشار إليها بالتضافر مع خفض الفوائد علي القروض السكنية أحدث حالة من عدم التوازن أدت إلى تزايد قروض الأفراد والشركات وزادت أعباء ديونهم وارتفعت معدلات الديون المعدومة منها مما دفع البنوك للتخوف من الإقراض و الحد منه.
ارتفعت ديون الأسر الأمريكية إلى 98% من إجمالي الدخل السنوي عام 2000 مقابل 80% في 1999م.
ارتفع المخزون من السلع لدى الشركات نتيجة لتراجع معدلات الاستهلاك.
وهذه المؤشرات كلها وما يقف وراءها من أسباب تعتبر بوادر عادة ما تظهر قبل بداية دخول الاقتصاد في مرحلة الركود، ودفعت هذه المؤشرات العديد من المؤسسات المالية للتنبؤ بقرب حدوث ركود في الاقتصاد الأمريكي و منها مؤسسة "جولدن مان ساكس" التى أعلنت بأن احتمالات ركود الاقتصاد الأمريكي ارتفعت من 35% عام 99م إلى 50% في نهاية عام 2000 كما أعلنت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن نمو الاقتصاد الأمريكي سوف يتباطأ خلال عام 2001 بأكثر مما كان متوقعاً وذلك كما يتضح من الجدول التالي:
المؤشر 2000 2001
معدل نمو الناتج المحلي 5.1% 2%
معدل الزيادة في أسعار المستهلكين 3.4% 3.2%
معدل الزيادة في الإنفاق الاستهلاكي 5.3% 1.2%
معدل الزيادة في الإنفاق الاستثماري 10% 2و2%
معدل نمو الصادرات 10,4% 8.7%
معدل نمو الأجور 4.3% 4.3%
فائض الموازنة كنسبة من الناتج المحلي 2.5% 2.1%
العجز في الميزان التجاري كنسبة من الناتج المحلي 4و4% 3.7%
المصدر السابق ذكره
2- التأثير السلبي لأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م التى تعاملت معها الإدارة الأمريكية بردة فعل غير موفقة معلنة حربها ضد الإرهاب و بدءها فى تجميد أصول و إستثمارات مسلمين و غير مسلمين أفارقة و عرب و خليجيين و أسيويين و أمريكان و أوروبيون من أصول عربية و أسيوية و إفريقية مما أدى إلى مزيد من الإنخفاض في أسعار الفائدة على الدولار الأمريكى بمعدلات غير مسبوقة الأمر الذى أثر سلبا على عوائد الاستثمارات الأجنبية بالدولار الأمريكى داخل الولايات المتحدة و خارجها فنتج عن ذلك و بشكل مباشر و فوري هروب مليارات الدولارات من الأموال المستثمرة داخل أمريكا للخارج، و التخارج و إعادة الهيكلة بالنسبة للاستثمارات بالدولار الأمريكى خارج الولايات المتحدة و تحولها إلى عملات و مجالات و أسواق أخرى و هذا هو السبب فى انتعاش أسواق الأوراق المالية فى دول الخليج و الشرق الأوسط و نشاطها و اتساع حجمها و نطاقها خلال الفترة 2001 إلى 2004م و كذلك فى نمو سوق العقارات فيها و البناء و التشييد و تشهد علي ذلك الطفرة العمرانية التى عمت دول الخليج و بعض الدول العربية الأخري خلال الفترة 2001/2007م.
3- كان لانخفاض سعر الفائدة على الدولار الأمريكى (إثر أحداث سبتمبر 2001م) انعكاسات سلبية أيضا على الإقتصاد الأمريكى فقد انخفضت ودائع البنوك و انخفضت بالتالى قدرة البنوك الأمريكية على الإقراض من مواردها المحلية و استأثرت الحكومة الفدرالية على نصيب الأسد من حجم الإئتمان الداخلى بجانب الاقتراض الخارجي لمواجهة الإنفاق الضخم على حروب أفغانستان و العراق و مواجهة الإرهاب و ما صاحبه ذلك من ارتفاع غير مسبوق فى أسعار النفط عالميا مما أدى إلى انخفاض الإنتاج المحلي و تقليل الموارد الإنتاجية لشرائح واسعة من القطاع الخاص و تركزه على قطاعات قليلة الإنتاج ذات ارتباط مباشر باستراتيجية الحرب و محاربة الارهاب مثل شركات السلاح، السيارات، الشاحنات، المعدات و الأعتدة العسكرية و غيرها من شركات خدمات الأمن و النظافة و جلب الأيدى العاملة و التموين و بذلك تحول فائض الميزانية الذى بلغ 2,4% من إجمالى الناتج المحلى الإجمالى عند تسلم بوش السلطة إلى عجز يفوق ال 400 مليار دولار مما أدى إلى زيادة معدلات التضخم لمستويات غير مسبوقة نتيجة لارتفاع أسعار البترول و الغذاء. و هكذا فأصبح كل انخفاض فى معدل الفائدة على الدولار يستتبعه بالضرورة مزيد من الهروب لرؤؤس الأموال الأجنبية خارج أمريكا.
4- هذا الوضع جعل الحكومة الفدرالية في نهايات 2004م تؤمن بأنها أخطأت فى حرب أفغانستان و فى غزو العراق و فى حربها غير المدروسة على الإرهاب بالذات بعد أن بدأت تظهر فى البلاد نتيجة لذلك بوادر التباطؤ و الركود الاقتصادي و أزمة السيولة و تزايد حجم الديون المتعثرة من قروض الشركات الكبرى و قروض الأفراد شاملة عقود الرهن العقاري لذلك فقد عمدت الإدارة الأمريكية لوضع خطة لاستعادة رؤؤس الأموال التى هربت خلال الفترة 2001/2004م مستخدمة بذلك السياسات التالية:
رفع معدل الفائدة على الدولار الأمريكى حيث قام بنك الاحتياطي الفدرالى الأمريكي برفع سعر الفائدة ستة مرات خلال الفترة 2004م حتى أبريل 2006م كانت آخرها فى شهر أبريل 2006م و ذلك بالتدريج من 2,5% فى 2/2/2004م إلى 4,7% فى 29/4/2006م. (راجع: بنك قطر الوطنى – نشرة الوطنى الإقتصادية – ديسمبر 2005م – ص 37 – و كذلك البيان الصحفى الصادر عن مصرف قطر المركزى بتاريخ 11/5/2006م و المنشور على موقعه الألكترونى).
استخدام المشتقات المالية و أدوات تصكيك الديون فى تحويل الديون المتعثرة و المشاريع الراكدة و أصول الشركات التى بدأت أسهمها تتهاوى و أصبحت فى حافة الهاوية إلى صكوك و سندات يتم بموجبها إستقطاب أموال من جميع أنحاء العالم. فتسابقت الصناديق السيادية لمعظم دول العالم و كذلك بنوك من شتي الدول لشراء هذه الصكوك للاستفادة من ارتفاع عوائدها نتيجة لإرتفاع أسعار الفائدة علي الدولار منبهرة و مخدوعة بأوراق منمقة و أرقام وهمية و تدفقات نقدية مستقبلية من نسج الخيال ،،،، و بالتالي نجحت الإدارة الأمريكية فى تسويق ديونها المعدومة و أزمتها الإقتصادية الطاحنة إلي كل دول العالم بلا إستثناء.
و من العوامل التي دفعت بالعالم أجمع للتسابق علي الإستثمار في هذه السندات هو أن المؤسسات التي أصدرتها أمنت عليها لدي شركات التأمين و علي رأسها عملاق التأمين الأمريكي شركة (AIG) بموجب عقود التحوط التي تعرف بال (Credit Default Swaps) أو ال CDSs)) أو (عقود مبادلة الديون المتعثرة) و قامت شركات التصنيف الإئتماني بناءا علي هذه العقود بمنح سندات الرهن العقاري تصنيف AAA.
5- و كما أن التضخم يعرف بأنه كميات كبيرة من النقود تتسابق على سلع و خدمات محدودة فهو يعرف أيضا بأنه عبارة عن عدد كبير من الوظائف الشاغرة تتسابق على عدد محدود من الكفاءات فقد ارتفعت رواتب العمالة الماهرة و على رأسها حملة ال CFA و ال CPA و غيرها من الشهادات و كذلك كبار العاملين فى بنوك الاستثمار و شركات الوساطة و البورصات الأمريكية و غيرها و زادت مخصصات المدراء التنفيذيين لكبرى المؤسسات المالية المنهارة ليصل متوسطها إلى ما يقدر بحوالي 70 مليون دولار سنويا للمدير الواحد.
أزمة الرهن العقاري:
ما المقصود بأزمة الرهن العقاري؟؟ هل هى الديون المتعثرة التى نشأت نتيجة لتخلف عملاء الرهن العقاري عن سداد التزاماتهم تجاه شركات الرهن العقاري و البنوك و المؤسسات التمويلية ؟؟ أم المقصود بها هو إعادة تصكيك هذه الديون المتعثرة و تسويقها عالميا على نطاق واسع فى شكل سندات يتم تداولها فى البورصات العالمية و بعض الأسواق الموازية (OTC) ؟؟
و شتان بين هذا و ذاك برغم التداخل و الترابط الكبير بينهما!! فعندما نتحدث عن التمويل بموجب صيغة الرهن العقاري فإننا نتحدث عن ائتمان بحت بحلقاته المترابطة التى تبدأ من لحظة المقابلة الأولية مع العميل(Initial loan interview) مرورا بتجميع و تفريغ و توثيق البيانات (Data spreading & documentation) و دراسة و تحليل مخاطر الإئتمان (Credit risk analysis) و الموافقة عليه (Credit approval) و تنفيذه (Credit execution) و توثيق الإئتمان (Credit documentation) و مراقبة و متابعة الإئتمان (Credit administration) و انتهاءا بإدارة و معالجة الديون المتعثرة (non performing accounts management).
فى حين أننا عندما نتحدث عن تصكيك الديون أو التوريق (Securitization) "كأحد وسائل ترتيب التمويل" و طرحها فى أسواق الأوراق المالية فنحن نتحدث عن استثمار بحت و عن أحد أهم أدوات و آليات تنفيذ الإستثمار فمنح التمويل هو من اختصاص البنوك و مؤسسات التمويل و عادة يتم تداوله داخل طاولات البنوك و مؤسسات التمويل نفسها أما ترتيب الاستثمار فهو من اختصاص بنوك و شركات الإستثمار و يتم تداوله فى أسواق الأوراق المالية. و بالتأكيد هنالك فرق كبير بين منح الائتمان و بين الإستثمار حتى لو تم استخدام أحد الأدوات الاستثمارية كأحد أدوات التحوط (Hedging) للائتمان الممنوح.
هذا التفريق ضروري و مهم جدا من أجل وضع الأمور فى نصابها و عدم خلطها و ذلك للآتى:
التمويل العقاري بضمان رهن العقار محل التمويل لا يعتبر قاصرا علي أمريكا فقط فالعالم أجمع غربه و شرقه، شماله و جنوبه عرف هذا التمويل و جربه منذ تاريخ طويل و لا يزال باعتباره تمويل مشروع و ضروري لتوفير السكن لمواطنين كل بلد من بلدان العالم. و برغم تأثر هذا المنتج بالسمات الخاصة لكل بلد تم تطبيقه فيه إلا أن الأسس العامة التى تحكمه هى أسس متشابهة.
و بالتالى فإن تعثر ديون الرهن العقاري هى مشكلة أمريكية بحتة كان على الإقتصاد الأمريكى تحملها لوحده و عدم تصديرها للخارج لأنه فى الأصل نشأ لعدة أخطاء فى تركيبة الاقتصاد الأمريكى الداخلية يمكن تلخيصها فيما يلى:
1- التوسع فى التمويل العقاري مما أدخل القطاع المالى برمته فى مخاطر التركزات الإئتمانية على قطاع واحد و بمبالغ ضخمة وصلت إلى ما يتجاوز ال 24 تريليون دولار (و هو ما يعادل ضعف الناتج المحلى الإجمالى الأمريكى تقريبا) و كذلك بتركيز 45% من هذا الإئتمان على شركتين ماليتين فقط هما فانى ماى و فريدى ماك أى ما يعادل 11 تريليون دولار تقريبا للشركتين معا مما أدى مباشرة لانهيارهما و انهيار القطاع المالى برمته. و هذا يعتبر أكبر دليل على انعدام أنظمة الإشراف و الرقابة على الائتمان فى أمريكا و على تورط هذه الأنظمة و بعض العاملين بها في الأزمة. هذا فضلا عن أن وجود أمريكا خارج نطاق اتفاقية بازل 2 ساعد على ذلك فالاتفاقية تفرض على البنوك المركزية للدول الأعضاء فيها نسب إشرافية تعالج مخاطر التركز الإئتمانى بتحديد سقوف معينة لتمويل كل قطاع على حدة و على سبيل المثال فإن الحد الأقصى للتمويل العقاري يجب ألا يتجاوز 15% من قاعدة رأسمال البنك.
2- ازدياد نمو شركتي فانى ماى و فريدي ماك بالتزامن مع إلغاء القيود على المنظومة المالية حيث ارتفع حجم القروض العقارية التى تمتلكها الشركتان من 740 مليار عام 1990 إلى 1250 مليار دولار عام 1995 و إلي 2000 مليار عام 1999 و إلي 4000 مليار في العام 2005 و إلى 5400 مليار دولار عند تأميمهما فى مارس 2008. من جهة أخرى كانت الشركتان تدعمان بمفردهما 97% من السندات المرتبطة بقروض الرهن العقاري و هو ما يعكس مدى ضخامة حجم مخاطر التركز الإئتمانى على العقار.
3- كما أن الرهن العقاري كمنتج واحد لم يتم تخطيطه و تكييفه و تصميمه بشكل متفق مع المعايير المتعارف عليها فى منح الإئتمان مثل الحد الأدنى للدخل المقبول ائتمانيا ، الحد الأقصى للالتزامات على الدخل الشهرى الثابت ، مصادر الدخل الأخرى و إثباتها ، تقييم العقار حسب قيمته السوقية من وكالات تقييم محايدة و معترف بها ، الحد الأقصى للائتمان و مساهمة العميل في التمويل حيث أنه من المتعارف عليه فى تمويل العقارات السكنية يجب أن يساهم العميل بنسبة معينة كدفعة مقدمة أو مساهمة فى التمويل و يجب ألا يتم تمويل 100% من قيمة العقار محل التمويل. و تحدد بازل 2 مساهمة العميل ب 35% من قيمته على اعتبار أنها حددت الوزن الترجيحي لمخاطر القروض السكنية ب 35% و أعطت البنوك المركزية الوطنية لكل بلد الحق فى الزيادة حسب ظروف كل بلد (راجع: د. نبيل حشاد – الوثيقة الرئيسية لاتفاقية بازل 2 – باللغة العربية – المادة (45) المطالبات المضمونة بعقارات سكنية – صفحة 25).
4- كذلك فإن من أهم العوامل التى أدت إلى تعثر العملاء هو فرض سعر فائدة متغير (Floating rate) فى حين أن القاعدة الائتمانية المتفق عليها عالميا "أن العقارات تمول بموجب سعر فائدة ثابت (Fixed rate) باعتبارها أصول طويلة الأجل". و هو الأمر الذى لا نجد له تفسيرا بخلاف أن التذبذب فى سعر الفائدة نتيجة لأحداث 11 سبتمبر قد فرض على الولايات المتحدة (و هى فى سعيها لاستعادة الأموال التى هربت منها) القبول بقروض و تمويلات بنسب فائدة متغيرة و بالتالى عكست ذلك على العملاء دون التفكير فى مصالحهم بالتدخل بمعالجة هذا الخلل و فرض نسب فائدة ثابتة تتناسب مع إمكانياتهم أو باستخدام المشتقات المالية نفسها (كأحد أهم منتجاتها) فى معالجة هذا الأمر بإنشاء عقود مبادلة (SWAP) مع جهات خارجية أو داخلية لمبادلة سعر الفائدة المتغير بسعر فائدة ثابت و هو أمر متاح فى الأسواق العالمية الثانوية و الموازية بكثرة. لكن يبدو أن هيكلة التمويل تمت بهذا الشكل لتتناسب مع هيكل صناديق الإستثمار التى تم من خلالها بيع هذه الديون فى شكل سندات يتم تداولها فى أسواق المال العالمية بسعر فائدة متغير. فعقود الرهن العقاري لم يعد الهدف السامي منها هو تمكين ذوى الدخل المحدود و المتوسط من امتلاك مساكن و أصبحت فى حد ذاتها وسيلة من خلالها يتم تحقيق أرباح طائلة للمضاربين فى سوق الأوراق المالية على حساب ذوي الدخل المحدود.
5- أيضا من أهم الأسباب التى قادت إلى مزيد من التعثر هى ضعف المؤسسات المانحة أو الضامنة للائتمان و شركات التأمين التى تعهدت بتغطية الديون و ضمانها و عدم امتلاكها لأنظمة الرقابة و المتابعة السليمة للقروض (خاصة و أنها اتسعت لنطاق واسع من العملاء فاق المقدرات اللوجستية لهذه الشركات المانحة) و بالتالى لم تكن لديها القدرة للاكتشاف المبكر لبوادر الفشل المالى للعملاء و إيجاد الحلول المناسبة له فى الوقت المناسب و قبل تفاقم الأزمة.
6- غياب سلطات الدولة الرقابية المتمثلة فى بنك الاحتياطي الفدرالى و وزارة الخزانة و السلطات الرقابية لأسواق الأوراق المالية الأمريكية و عدم تدخلها فى الوقت المناسب لعلاج أزمة الرهن العقاري فور تفجرها إثر إعلان حوالي 70 شركة تمويل عقاري إفلاسها في فبراير 2007م نتيجة لعجز العملاء علي سداد أقساطهم المستحقة لأنها ببساطة جزء من الأزمة نفسها. فغرينسبان هو الذى اعتمد الانخفاضات المتوالية فى أسعار الفائدة على الدولار عشية أحداث 11 سبتمبر و شجع على تزايد قروض الرهن العقاري بسعر فائدة متغير ليأتى مرة أخري خلال الفترة 2004/2006 بستة زيادات متوالية فى سعر الفائدة مما أدى مباشرة إلى رفع عبء الديون على عملاء الرهن العقاري من الشعب الأمريكى للدرجة التى أدت إلى تعثرهم و إلى تزايد حجم قروض الرهن العقاري لتصل محفظتي شركتي فانى ماى و فريدي ماك إلى حوالي 4000 مليار دولار فى عام 2005م كما أسلفنا فقط لتضخيم نتائج أعمالها و الإفصاح عن أرباح وهمية غير قابلة للتحصيل حتى و لو أدى ذلك إلى إفلاسهما كما حدث بالفعل. و تأكيدا لذلك فقد جاء فى ليموند ديبلوماتك بقلم إبراهيم ورده ما يلى:
(كان تأثير تلك التصريحات أن شجّعت الاستثمار في أسهم وسندات شركتي Fannie Mae و Freddie Mac اللّتيْن شهدتا حينها نموّاً وأرباحاً قياسيّين. غير أنّ هذا العصر الذهبيّ كان ملطّخاً بالفضائح. ففي العام 2004، اتُّهمت شركة Fannie Mae بتزوير حساباتها بهدف منح علاواتٍ أكبر لمديريها. واضطّر مدراؤها الثلاثة على الاستقالة ودفع غرامة بقيمة 100 مليون دولار. وفي العام 2006، حُكِمَ على شركة Freddie Mac بدفع 3.8 مليون دولار لممارستها الضغط بصورة غير شرعيّة لمصلحة أعضاءٍ في مجلس النواب مكلَّفين بمراقبة نشاطاتها. هكذا سمح الموقع الهجينيّ لماردي القرض الرهنيّ لهما بالانغماس إلى الآخر في لعبة خلط الطبيعة (بين المال العام والخاص). فبالرغم من مهمّتهما الإجتماعيّة - مهمّة السماح بالتملّك لأكبر عددٍ ممكنٍ من الناس - كانتا تحاولان رفع نسب أرباح المساهمين فيها وخاصّة مدرائها، إلى أقصى حدّ. وعلى سبيل المثال، كانت تصل رواتب كلٍّ من رؤساء شركتي Fannie Mae و Freddie Mac ، إلى مبلغ 70 مليون دولار سنوياً.و اكتسبت الشركتان في الواقع نفوذاً سياسياً ضخماً. وكانتا تظهران سخاءً كبيراً إزاء أعضاء الكونغرس في كلي الحزبيْن، الذين كانوا يخفّفون باستمرار من القيود القانونيّة التي كانت تخضع لها. النتيجة: أنّ انعدام الشفافيّة أصبح هو السائد، في حين أنّ المعايير الاحترازيّة المعتَمَدَة نظريّاً بدأت تتراخى).
توريق ديون الرهن العقاري:
يعتبر التوريق أحد الآليات المرتبطة بأسواق الأوراق المالية الثانوية التى أنتجتها نظرية الاقتصاد الحر و ما شهدته من تطورات هامة و خطيرة إبان حقبتها الحديثة "المرتكزة على مدرسة ميلتون فريدمان و بول فولكر و امبراطورية ألن غرينسبان التى امتدت لسنوات طويلة و خلفه بن برنانكي".
و نعتقد بأن فكرة سوق الأوراق المالية الثانوية في حد ذاتها فكرة غير أخلاقية تعمق روح الكسب الفردي السريع و لا تسهم أية إسهام فى التنمية الحقيقية و تجمع كل التقارير تقريبا التي نشرت في تحليل الأزمة إلي أنها كانت السبب الرئيسي فى تفاقم أزمة الرهن العقاري و تحولها إلى أزمة مالية و اقتصادية عالمية شاملة و ذلك للآتى:
1- تتعارض فكرة السوق الثانوي للأوراق المالية مع مفهوم سوق المال كسوق دوره الرئيسي هو الحصول على الأموال من الوحدات ذات الفائض (Surplus units) و توفيرها للوحدات ذات العجز (Deficit units) و التى تنقسم بدورها إلى سوق رأس المال قصير الأجل و يطلق عليها "سوق النقد" و تتمثل فى البنوك التجارية، و سوق رأس المال طويلة الأجل المتمثلة فى السوق الأولية أو سوق إصدارات الأسهم و السندات. فالسوق الثانوي للأسهم العادية و الممتازة و السندات و التى يطلق عليها عرفا بالبورصة أو سوق الأوراق المالية هى سوق قصيرة الأجل يتم فيها السماح بتداول الأسهم و السندات التى تم إصدارها فى السوق الأولية و التى لا تذهب فيها قيم التبادل اليومية للجهة الأولية المصدرة للأسهم أو السندات و إنما لمالكيها بهدف توفير السيولة لمالكي الأسهم متى ما احتاجوا لها و حجة مدرسة الاقتصاد الحر هنا هى أن المستثمرين لن يقدموا على الاكتتاب فى أسهم أو سندات لا يتاح تداولها و تحويلها إلى نقد سائل فى المدى القصير (راجع(Frank K. Reilly & Keith C. Brown – Organization and Functioning of Securities Markets - CFA institute – Equity and Fixed Income – level '1' 2007 – page 12)) فالنية فى الأصل معقودة على سياسة النفس القصير و الربح السريع كبديل للإستثمار المباشر طويل الأجل الذى هو فى حقيقة الأمر عصب الاقتصاد و الذى يسهم فى تنمية الدخل القومي و الناتج المحلى الإجمالى بشكل فعال و مباشر بينما فى السوق الثانوية يتم تبادل أموال ضخمة لا تستفيد منها الشركات و الاستثمارات التى يتم تبادل أسهمها و التى هى فى الأصل قائمة على هامشها. فهذه الأموال فى حد ذاتها (كنتاج مباشر للمضاربات اليومية فى الأسهم و السندات) تظل دائما خارج نطاق دورة تدفق الدخل القومي (Income Flow Cycle) و تعتبر عملية سحب منها (Withdraw). فهي إذن من السهولة أن تكون مكانا خصبا لتوالد الفقاعات ما لم يتم حوكمتها و إخضاعها لرقابة صارمة فى حد ذاتها.
2- وجود هذه الأسواق الثانوية على هامش الإقتصاد الحقيقي دون وجود رقابة موجهة و صارمة عليها يجعلها مستفيدة من متغيرات السوق الأولية و لكنها لا تقدم فائدة ملموسة لها تماما كالكائن الطفيلي، فكلما كان هنالك إصدار جديد فى السوق الأولية كلما زادت الكتلة النقدية المتداولة فى السوق و كلما استفاد بالتالى المضاربون فى هذه السوق. فضلا عن أن الآليات و القوانين الحالية الحاكمة لهذه السوق أفرزت الكثير من الكيانات التى تستفيد من السوق و هى تمارس دورا لا يضيف للاقتصاد الحقيقى مثل شركات الوساطة و الإدارت المختلفة للأسواق. ففى أزمة الرهن العقاري على سبيل المثال استفادت السوق الثانوية من طرح سندات ديون الرهن العقاري للتداول فى السوق و استفادت شركات الاستثمار و الوساطة لكن فى المقابل انهار الاقتصاد و دخل فى مرحلة الركود التام.
3- الرغبة فى الكسب السريع مع حداثة التجربة و عدم توافر الخبرة و الدراية الكافية لقطاعات واسعة فى العالم من العاملين و المتعاملين و غير العاملين و المتعاملين مع السوق الثانوية فضلا عن ضعف أجهزة الرقابة الدقيقة على هذه الأسواق و وجود أسواق موازية لها جعلها معقلا للفساد و الثراء غير المشروع و المتاجرة بالمعلومات و شراء الشركات الفاشلة و إعادة هيكلتها صوريا و تضخيمها و تفتيتها إلى وحدات صغيرة و إدراجها فى سوق الأوراق المالية أو عرض سنداتها بأسعار وهمية مبالغ فيها ، و تصدير هذا الفساد ليشمل شركات التدقيق المحاسبي و وكالات التصنيف الإئتمانى التى لعبت دورا كبيرا فى صنع هذه الفقاعة و ما انهيار عملاق النفط إنرون و شركة آرثر آندرسون للتدقيق المحاسبى، و فضيحة شركة زيروكس و شركة تيكو إلا دليلا على ذلك. كما أن شركات الإستثمار الفاشلة التى استحوذ عليها و أعاد هيكلتها بنك ليمان برذر خلال الفترة 2002/2004 مثل (Lincoln Capital Management Fixed Income Co.) (Neuberger Berman Co.) و (Crossroad Group) هى التى فاقمت أزماته و ساعدت على إنهياره.
4- هذا و قد أسهمت التطورات التى شهدتها السوق الثانوية فى تطور الهندسة المالية و ابتكار المشتقات المالية فانتشرت عمليات تداول عقود المبادلة (SWAP) و عقود الخيار (OPTION) و العقود الآجلة أو المستقبلية (FUTURE) التى هى فى الأصل أدوات للمتاجرة فى المخاطر و تداولها بين وحدات المجتمع المختلفة (كما حدث فى أزمة الرهن العقاري ببيع مخاطرها الممثلة فى عدم السداد فى شكل سندات و صكوك غير قابلة للتحصيل أو التسييل) و لهذا فقد عرفتها السلطات النقدية فى هونج كونج (HKMA) بأنها (أدوات مالية تشتق قيمتها من الأوراق المالية محل التعاقد أو من السلع أو مؤشرات الأسعار و يمكن استخدامها للتحوط أو المضاربة إلا أنها تؤدى إلى زيادة مخاطر الائتمان و أساليب الاحتيال فضلا عن المخاطر السوقية) (راجع: د: سمير عبد الحميد رضوان – المشتقات المالية و دورها فى إدارة المخاطر و دور الهندسة المالية فى صناعة أدواتها – صفحة 58). لذلك لا يرى روبرت دركر فى المشتقات سوى أدوات من أدوات القمار التى يجرى التعامل عليها فى مونت كارلو و لاس فيجاس. و اعتبرتها كوكبة من الأكاديميين و الاقتصاديين الذين تناولوا بالنقد عمليات الابتكار المالى تحت عنوان (القيمة الاجتماعية للابتكار المالى (The social value of financial innovation) بأنها مجرد خدعة كبرى (Giant fad) مدفوعة من قبل شركات الاستثمار و المصدرين لأوراق الشركات لتحقيق أرباح ضخمة من ورائها (راجع: المصدر السابق صفحة 85).
5- و بجانب حمى جنى الأرباح الطائلة بوسائل سهلة أيضا حولت الإدارة الأمريكية مبدأ قروض الرهن العقاري (الذى يعود إلى عام 1938 عندما تمّ تأسيس الوكالة الفيدرالية (Mortgage Association of Washington) التى انبثقت عنها مجموعة فانى ماى أو (National Mortgage Association Fannie Mae) بهدف تسهيل تملك المنازل بالنسبة لذوى الدخل المتوسط و فى نفس الوقت تشجيع و تنشيط سوق البناء و التشييد) و ذلك بتغيير الشكل القانونى لفانى ماى حيث انتقلت من القطاع العام إلى القطاع الخاص بهدف إعادة هيكلة رأسمالها و إدراجها فى البورصة من قبل الرئيس ليندون جونسون فى عام 1968 و منحها قدرا من الرعاية الحكومية بهدف توفير مصادر مالية لتمويل الحرب في فييتنام. كما أنه و بعد عامين قرّر الكونغرس تأسيس شركة (Federal Home Loan Mortgage Corporation (Freddie Mac) التي تمّ إدراجها في البورصة في العام 1989. و أصبحت المؤسّستان الخاصّتان تتمتعان بصفة قانونيّة مميّزة هي صفة "الكيانات التي ترعاها الحكومة" مما يسمح لها الحصول على خطّ اعتمادٍ مضمون من قبل الدولة إضافة إلى قروض بفوائد تفاضليّة.
6- إدراج ماردي الرهن العقاري فى البورصة (و على الرغم من الرعاية الحكومية) جعلهما يرتبطان بشكل متسارع بحمى أسواق المال و الأدوات المالية المشار إليها سابقا و انحرفتا بالتالى عن دورهما فى تأمين سيولة لمنح القروض العقاريّة لذوى الدخل المتوسط و المحدود من خلال تأمين هذه القروض أو عبر شرائها من المصارف و تشجيع الاقتراض من قبل العائلات مع إمكانيّة خصم الفائدة على الدين العقاريّ من ضريبة الدخل. أصبحت "سندات المنازل المضمونة عقاريا" (Residential Mortgage-based Securities, RMBS) التى كانتا تصدرهما الشركتان لتمويل نشاطاتهما من أكثر السندات تداولا فى البورصات العالمية لقناعة المستثمرين بضمان الحكومة الأميركية لهذه السندات ولو بدون إعلان صريح.
ارتباط أزمة الرهن العقاري بسندات الرهن العقاري:
تعتبر سندات المنازل المضمونة بعقارات (RMBS) من السندات التي يتم تداولها في أسواق المال العالمية منذ فترة طويلة و لم تكن مرتبطة فقط بالأزمة الحالية بل أنها كانت تمثل في السابق إستثمارات مضمونة نسبة لقوة الإقتصاد الأمريكي و لأن شركتي فاني ماي و فريدي ماك المصدرتان لها تعتبر شركات شبه حكومية حتي بعد تخصيصهما و إدراجهما في البورصة و حقق كثير من المستثمرين أرباحا مجزية منها.
إلا أنها خلال الفترة 2000/2008م ارتبطت ارتباط قوي بأزمة الرهن العقاري و الأسباب التاريخية التي أدت إليها و أسهمت في تعميقها ليفرزان بشكل مشترك ما يعرف الآن بالأزمة المالية العالمية التي تحولت لأزمة إقتصادية عالمية و قد ساعد علي ذلك:
1- التوسع الكبير في إصدارها كما ذكرنا سابقا للدرجة التي وصلت قيمتها حوالي 5400 مليار دولار عند تأميم شركتي فاني ماي و فريدي ماك في مارس 2008م، هذا خلافا للسندات الأخري التي أصدرتها شركات و بنوك استثمار أخري و ذلك دون وجود ضوابط و أسس رقابية تساعد علي التأكد من عدم تعثر عملاء الرهن العقاري عن سداد استحقاقاتهم و بالتالي أصبحت لدي حاملي الأسهم من الأفراد و الشركات و البنوك العالمية و الصناديق السيادية لكل دول العالم تقريبا سندات للديون المشكوك في تحصيلها و أصبح بالتالي ينطبق عليها ما جاء فى منظورات آلان وودز بأن (الاقتصاد الأمريكي كان يتحدى قانون الجاذبية مثل شخصية الرسوم المتحركة رود رانر (Roadrunner) الذي يتجاوز حافة الجرف ويواصل الجري في الهواء ثم ينظر تحت قدميه ويحك رأسه وبعد ذلك يسقط في الهاوية عندما يدرك أنه لا يوجد أي شيء تحت قدميه. إنها نفس حالة حاملي سندات الرهن العقاري الآن. لا يوجد أي شيء حقيقي تحت أقدامهم، مجرد صكوك عالمية للديون المعدومة.
2- اعتماد مجلس النواب الأمريكي سياسة التحرير (Deregulation) عام 1999/2000م بقيادة فيل غرام رئيس لجنة البنوك بمجلس النواب حينها (الذي يعتبر اليوم ضمن 25 شخص متهمين بالتسبب المباشر في خلق الأزمة) و التي استثنت عقود مبادلة الديون المتعثرة (CDS) من قيود قانون سنة 2000م الخاص بالمشتقات المالية 2000 Commodity Futures Modernization Act)) و من خضوعها لرقابة لجنة التجارة في المشتقات ((Commodity Futures Trading Commission. مما شجع شركات التأمين و علي رأسها عملاق التأمين الأمريكي شركة (AIG) للتأمين علي سندات الرهن العقاري كما أسلفنا علي اعتبار أنها مضمونة السداد و مغطاة برهونات عقارية و عند تفجر الأزمة وجدت نفسها مجبرة علي تعويض حاملي بوالص التأمين مما أدي إلي إفلاسها فورا.
3- قيام شركات التصنيف الإئتماني بناءا علي تأمين (AIG) لسندات الرهن العقاري بتصنيف هذه السندات (AAA) مما أدي إلي إقبال كل دول العالم لشرائها.
Alhadi Habbani [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.