بسم الله الرحمن الرحيم صحيفة الحرة بتاريخ 7 اكتوبر 2010 إختلطت موضوعات الحاضر بالماضي ونحن نطالع الصحف ونشاهد القنوات الفضائية وتلمع بين العناوين اخبار عما يجرى في دارفور والإتهامات الباطلة بالإبادة الجماعية ، ثم كانت الصور المأساوية عن الزلزال الذي ضرب هايتي مؤخرا. ٌبعدها طالعنا فى الموقع الاسفيرى" سودانايل" المقال الذي سطره الدكتور عبد الوهاب الأفندي عن الصحفي الأسود فيلكس دارفور الذي أعدم رمياً بالرصاص في سبتمبر 1822 في جمهورية هايتى تلك البلاد الناطقة بالفرنسية و تتقاسم مع جمهورية الدومينكان الناطقة بالاسبانية جزيرة صغيرة في البحر الكاريبي. أثار إسمه اولا " دارفور " الدهشة ! كيف يحمل هذا الرجل اسم سلطنة عظيمة فى غرب السودان وهو فى اقاصى جزر الدنيا الجديدة؟ و اتضح ان الاقدار التى لها فى كل امر شأن قد تخطفته و رمت به فى قوافل العبيد الذاهبة عبر الصحراء الى القاهرة لتستمر به الهجرات الى فرنسا و منها الى هاييتى. و كان الصديق السفير عبدالهادى الصديق رحمه الله قد تناول سيرته في كتابه "السودان والأفريقانية " فى القليل الذى امستقاه من كتاب لروبير كونيفان عن الأدب الأفريقي الناطق بالفرنسية، و رفع من قدر الرجل باعتباره أول شهيد من شهداء حركة الزنوجة ، دفع حياته ثمناً لأفكاره السياسية المناهضة للإضطهاد الذي رزح تحته الزنوج بفعل ملاك الأراضي البيض فى جزر الكاريبى. وآثار التجاهل الذي أصاب ذكرى المناضل الاسود فيلكس دارفور وقلة المعلومات الواردة عنه بين من كتبوا باللغة الفرنسية حفيظة كثير من الباحثين الذين اشاروا بأصبع الاتهام الى المؤرخين الفرنسيين بأنهم مارسوا الإنتقائية بين من تبنوا فكرة الزنوجة أنفسهم مثل ليوبولد سنغور و اميه سيزير و تركوا جانبا اخبار فيلكس دارفور رغم نهايته المأساوية، و لم يبحثوا فى الاضابير عن كتاباته و نشاطاته السياسية و الادبية. غير أن بعض المؤلفات القليلة قد حملت بعض من تاريخ الرجل و عادت بميلاده و طفولته المبكرة الى سلطنة دارفور حيث إختطفته أيادي النخاسين في أوائل القرن التاسع عشر وذهبت به إلى أسواق مصر التي كانت ترزخ تحت سيطرة جيش فرنسا بقيادة نابليون بونابرت. وقد يكون إشتراه الجنرال الفرنسي أردوان ثم تبناه و أصطحبه معه إلى باريس عندما سارع جيش نابليون للإنسحاب من مصربعد هزيمته الشهيرة فى ميناء ابوقير . ووجد الطفل الدارفوري الصغير رعاية خاصة من الجنرال أردوان الذي تعود أصوله الى مزيج اثنى من البيض و السود بجزر الكاريبي ، فقد كانت قوافل العبيد التي نقلت ربيبه الدارفورى عبر الصحراء تماثل فى دواخل الجنرال السفن التى حشد فيها تجار الرقيق اجداده السود قسرا من افريقيا الى مزارع قصب السكر فى جزر الكاريبى. و لم يبخل الجنرال الخلاسى على ربيبه الاسود بالتعليم و الغوص فى اعماق الفكر و الثقافة الفرنسية، فدرس القانون و الهندسة و تأثر بالمبادىء السامية التى أرستها الثورة الفرنسية وإعلائها لمبادئ الحرية والمساواة والإخاء التي وصلت أصداؤها الي أصقاع العالم البعيدة . وقد اهتزت فرنسا بعنف عندما إندلعت الثورة هائلة التى اشعلها الزنوج من عبيد مزارع ومعامل قصب السكر ضد الملاك البيض من أصول فرنسية فى سان دومانغ ، الجزء الفرنسى من الجزيرة. فقد كان الملكيون ساخطون على ضعف الجيش الفرنسى الذى جعل النبلاء من اصحاب المزارع وقودا لنيران الثورة و حقد المتمردين من الزنوج الجهلة، بينما كان البعض من الجمهوريين يراها امتدادا للتغيير الذى احدثته الثورة الفرنسية فى العالم كان إنتصار ثورة السود وإعلان إستقلال هايتي جاذباً لمشاعر الشاب فيلكس دارفور التي كانت تتوق إلى رؤية جمهورية تعلو فيها مبادئ المساواة ويعلو مقاعد السلطة فيها السود والملونين. فشد الرحال وهاجر وزوجته الفرنسية إلى الكاريبي عام 1818 وتحصل على الجنسية في هذه الجمهورية الوليدة .وشرع فى نشاط ليساهم في بناء المجتمع الديمقراطى الجديد بعلمه وخبراته في مجالي المحاماة والهندسة. وثم قاوم الاستسلام و الشعور بالإحباط وهو يرى من استقبلوه بالورود عند وصوله يتحولون الى ادوات تعمل على إستعادة البيض من وراء الملونين لمقاليد الأمور فى ايديهمفي الجزيرة، بل إتجه بخبراته وثقافته الملتزمة إلى العمل في مجال الصحافة والإعلام لتعظيم مبادئ الحرية والمساواة فى الاجر و حقوق الأغلبية السوداء من العبيد السابقين والعمال الزراعيين مطالباً بترقية أوضاعهم و رفع ربقة الفقر والعوز عنهم.وإستعادة ما اكتسبوه بدمائهم . وأصبح بخبراته من ألمع الكتاب في مجلة الاكليرور هايسين التى تصدر مرتين فى الشهر وتتناول قضايا الأدبية والسياسة. وإحتوت مقالاته على إنتقادات لاذعة لعودة البيض إلى غيهم القديم بالسيطرة على إقتصاد البلاد تحت حماية الرئيس بوير رغم أن الدستور قد منع هذه الهيمنة نصاً وروحا.ً وكانت الأفكار التي ضمنها فيلكس دارفور مقالاته تدعو إلى الإعتماد على الرأسمالية الوطنية في بناء صرح إقتصاد ناشئ خارج لتوه من صراعات عنيفة مع الأجانب وشركاتهم الإحتكارية. و اصطدمت مع توجهات الرئيس الهايتى بوير التى تميل لاسترضاء الدول الكبرى، خاصة فرنسا والولايات المتحدة و تمكين شركاتهم حتى تجد جمهوريته مكاناً بين صراعات الأفيال على موارد و اسواق العالم. وكسب دارفور قاعدة عريضة من الذين يقاسمونه نفس الأفكار بين رجال الأعمال والبرلمانيين المحليين الذين رأوا مصالحهم تتضعضع أمام حماية الرئيس بوير للبيض وشركاتهم النافذة. و غلب على دارفور شعورا بالمسئولية تجاه شعب إستضافه فكتب عريضة للبرلمان لم يكشف النقاب حتى الان عن تفاصيلها ،ولكن برزت خطورتها فيما أثاره أمر عرضها للمناقشة فى البرلمان من إنقسام حاد و مشادات بين النواب. فهرع أصحاب المصالح يحذرون رئيس الجمهورية من مغبة الفتنة الهوجاء التى تهز استقرار البلاد . و اعتبر الرئيس بوير مذكرة فيلكس دارفوردعوة للثورة وأمر بالقبض عليه باعتباره أجنبى عدو للامة. مثل دارفور فى اليوم التالى لاعتقاله أمام محكمة ايجازية حكمت عليه بالاعدام و استعجلت السلطات العسكرية التنفيذ رميا بالرصاص يوم 22 سبتمبر 1822. قدم فليكس دارفور حياته مهراً لمبادئه وبعيداً عن مسقط رأسه، فقد كانت الأقدار قد رسمت مسيرة لحياته خطا مشاها في دروب لا زال يلفها الغموض. ولم يعرف أحد كيف تم خطفه ومن أي قرية فى سهوب دارفور ورمالها ؟ ويبدو أن مربيه الجنرال الفرنسى الملون اردوان الذي كنفه برعاية حميمة قد رأي فيه علامات النبوغ و كشف له سر أسمه وانتماءه إلى غرب السودان وهو الذى قضى حياته الطلابية والمهنية كمحام في باريس بعيداً عن لغة وثقافة بلاده الأصلية. لذا وجد نفسه ميالا بحكم لونه وتربيته مرتبطا بأهل المهجر القادمين من أصول كاريبية إلى فرنسا. و هذا ما حبب إليه الهجرة المعاكسة إلى هايتي. تمنى الشاعر محمد الفيتوري على المسئولين في السودان الإهتمام بسيرة هذا الصحفي والمثقف من أصول سودانية الذي بذل روحه لمحاربة العبودية ورفض بفعله و مساهماته الصورة النمطية التى أراد الفكر الإستعماري فى الاذهان بأن السود هم حثالة لا تعمل الا تحت ضربات كرابيج الاسياد و صرخات ذبانيتهم و اذنابهم من السود و الملونين. وما أشبه الليلة بالبارحة، فقد إستمرت الة الإعلام والدعاية الغربية في كل أجهزتها التى تشدنا لنراها و نسمعها و نقرأها وهى تبث فينا صورة لأفريقيا على انها بقعة سوداء بالأزمات، صالحة لتوالد أخطر الأمراض وبؤرة لأدمى النزاعات.أهلها كسالى لا ينفعلون الا بدواعى الحروب على بنى جلدتهم، وسكارى لايجيدون إلا التهتك و الرقص على نغمات الطبول. وترسيخ هذه الصورة القاتمة والبذيئة يؤدي بالضرورة إلى تثبيت فكرة أن أهل هذه القارة و السود أجمعين مطبوعون بالتخلف و لايستحقون الثروات التي تذخر بها بلدانهم .. ويكفيهم أن تتفضل عليهم المنظمات الإنسانية بفتات ماتجمعه من تبرعات لتحميهم من شرور أنفسهم وسيئات أعمالهم .. وبناءا على هذا الخبل و شره جمع المال حاولت منظمة "قوس الحياة الفرنسية" بتواطؤ من بعض المسؤولين ترحيل أطفال من دارفور فى عمر فيلكس دارفور حين اختطف من نفس الديار و لكن هذه المرة بالطائرة من مطار أبشي إلى فرنسا .. ولكنها فشلت و لاندرى كم محاولة غيرها نجحت ! .. لهذا نذهب الى ان فليكس دارفور قد قتل في معركة لازال رحاها يدور . وأقل ما ندعو الى أن يجده من أهل السودان هو أن نعترف بانتمائه الينا و نبذل الجهد لنعرف سيرته ونبحث في تاريخه ونعرض أفكاره لاعلاء قيمة مساهمة من شخص تجري في عروقه دماء سودانية سفكت على أرض هايتى مهرا لقضية تحرر أفريقيا والسود في العالم قاطبة .. وليت ورقة عن الشهيد فيلكس دارفور تكون دراسة تدرج للبحث و التقويم ضمن منتديات المهرجان الدولي للفنون الزنجية الذي سينظم في العاصمة السنغالية داكار في نهاية هذا العام Abdelwahab El Sawi [[email protected]]