السودان..اعتقالات جديدة بأمر الخلية الأمنية    باريس يسقط بثلاثية في ليلة وداع مبابي وحفل التتويج    جماهير الريال تحتفل باللقب ال 36    جواو موتا يزور الاولمبي يحاضر اللاعبين ويباشر مهامه الثلاثاء    المريخ يكثف تحضيراته بالاسماعيلية ويجري مرانين    مصر تدعم دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام العدل الدولية    قرار مثير لمدرب منتخب السودان    الروابط ليست بنك جباية وتمكين يا مجلس!!    شاهد بالصور.. (بشريات العودة) لاعبو المريخ يؤدون صلاة الجمعة بمسجد النادي بحي العرضة بأم درمان    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب مصري يقدم فواصل من الرقص الهستيري على أنغام أغنية الظار السودانية (البخور طلقو لي لولا) وساخرون: (تم تهكير الشعب المصري بنجاح)    ضربات جوية مُوجعة في 5 مناطق بدارفور    شاهد بالصورة والفيديو.. سائق حافلة "صيني" يثير ضحكات جمهور مواقع التواصل بالسودان وهو يهتف داخل سيارته: (يلا يلا راجعين خرطوم وبل بس)    نائب رئيس مجلس السيادة يلتقي وفد مبادرة أبناء البجا بالخدمة المدنية    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية ترقص وتتمايل داخل سيارتها على أنغام الفنان الراحل ود الأمين: (وداعاً يا ظلام الهم على أبوابنا ما تعتب)    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الأحد    عضو مجلس السيادة نائب القائد العام الفريق أول ركن شمس الدين كباشي يصل الفاو    شاهد بالفيديو.. الناشط السوداني "الشكري" يهاجم الفنانة نانسي عجاج بعد انتقادها للمؤسسة العسكرية: (انتي تبع "دقلو" ومفروض يسموك "السمبرية" وأنا مشكلتي في "الطير" المعاك ديل)    شاهد بالصورة والفيديو.. بطريقة "حريفة" ومدهشة نالت اعجاب الحاضرين.. سائق سوداني ينقذ شاحنته المحملة بالبضائع ويقودها للانقلاب بعد أن تعرضت لحريق هائل    نتنياهو مستمر فى رفح .. إلا إذا...!    عراقي يصطحب أسداً في شوارع بغداد ويُغضب رواد منصات التواصل    السيسي: لدينا خطة كبيرة لتطوير مساجد آل البيت    ترامب شبه المهاجرين بثعبان    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    الهلال يحسم لقب الدوري السعودي    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    عاصفة شمسية "شديدة" تضرب الأرض    هل ينقل "الميثاق الوطني" قوى السودان من الخصومة إلى الاتفاق؟    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    مسؤول بالغرفة التجارية يطالب رجال الأعمال بالتوقف عن طلب الدولار    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    النموذج الصيني    غير صالح للاستهلاك الآدمي : زيوت طعام معاد استخدامها في مصر.. والداخلية توضح    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معارض للأزهري وذكريات حميمة معه 1/2 ... بقلم: بابكر أبو بلل
نشر في سودانيل يوم 08 - 01 - 2011

قلت للأزهري (إذا دعتك قدرتك على ظلم الناس .....) فأحرجني بتواضعه وبأدبه الرفيع!
بقلم: بابكر أبو بلل (أبوروف- أمدرمان)
قبل بضعة أسابيع مرت أربعون عاماً على وفاة الزعيم إسماعيل الأزهري لذا أرى لزاماً عليّ وكنت أول جار له أن أوثق لتلك الحقبة من الزمان متناولاً سيرة الرجل فيما يتعلق بجيرانه كشاهد عيان عليها- ليس ذلك فحسب ولكن من خلال المضايقات التي سببتها له وهو في أعلى السلطة كرئيس لمجلس السيادة وذلك حينما اتهمته بأنه تسبب في تصدع منزلي، وذلك من خلال (السبتك تانك) الذي عمله في جراج منزله الملاصق لصالون منزلي. وبحماقة ما كنت أحمله من فكر مغاير لفكره كتبت له تلك الرسالة الحمقاء التي بدأتها- (إذا دعتك قدرتك على ظلم الناس فتذكر قدرة الله عليك) هكذا خاطبت الرجل وهو في قمة السلطة وهو الجار وهو الأخ الأكبر ولك يا قارئ الكريم -أن تتصور رد الفعل – أرسل لأخي الأكبر (محمود) وهو مقاول وهو حي يرزق وأخبره بأنه تلقى رسالة (رقيقة) مني هكذا سماها- وطلب منه أن يقوم بكل ما يلزم من ترميم وتصليح ما أصاب منزلي وعلى حسابه وطلب من أخي محمود أن تستمر اللجنة التي كونها ضابط مجلس أمدرمان في عملها لتقصي الحقائق حول الشكوى الثانية التي كنت قد رفعتها ضده .وكانت اللجنة برئاسة مهندس البلدية رحمة الله (الفحل) والتي بالفعل بدأت عملها بزيارة المنزل ومعاينة الحائط الذي كان قد شيد عليه الزعيم الراحل أعمدة لتشييد فرندة بمنزله مما ضيق علي .وبعد ذلك كله لم تتغير نظرة الرجل لشخصي ولم يقابلني في كل المناسبات في الحي إلا هاشاً باشاً رغم كل ذلك. وقد اكتشفنا فيما بعد بأن المنازل تتصدع من مياه تحت الأرض تجري في إنحدار غير سحيق وتؤثر في كل المنازل على شارع الزعيم وإلى يومنا هذا. وليس ذلك فحسب فبعد أيام من تلك الرسالة السخيفة تم نقلي كوكيل لبريد وبرق مدينة الكاملين. وفي يوم وفي صباح باكر رن جرس الهاتف في منزلي واتصل بي شخص يطلب مني أن أتحدث إلى الرئيس وأستغربت من هو الرئيس الذي سأحادثه والبريد والبرق بها مديرون وبها مراقبين وليس من بين مسئوليها رئيساً، وإنساب الصوت الذي لا يغباني – صوت الراحل الزعيم إسماعيل الأزهري- وبعد التحايا والسؤال عن الأولاد وناس الكاملين، وكانت في ذلك الوقت تتطاير كثير من الاشاعات تناثرت في الشارع بأن إسماعيل الأزهري يرغب في شراء منزلي وللوهلة الأولى ذهب خاطري إلى هذا الموقف ولكن الموضوع كان مختلفاً، فقد كانت والدتي معي وهي في طور نقاهة من ذبحة صدرية أصيبت بها، وأحضرتها للكاملين لأن الجو صحي وهادئ. ودخل الرئيس رحمه الله في الموضوع الذي كان مختلفاً عما في ذهني وذكر لي بأنه قد علم أن والدتي معي في الكاملين وأنه اختارها من ضمن مجموعة من الأهل لتذهب للحج معهم بدعوة من الملك فيصل عاهل الحرمين والدعوة سعودية والطائرة سعودية والإقامة على السلطة السعودية يا أبوبكر.. كل ذلك ليحثني بأنه لا يستغل قدرات الدولة لحاجياته الخاصة وإن كانت. ضحكت وفهمت ما يقصده لكني أعتذرت له بأن والدتي مريضة ولا تقوى على الحج ولكنه أصر وطلب مني حضورها غداً ولو تطلب الأمر إرسال عربته الخاصة لها ووعدته خيراً وانتهت المحادثة وقررت ألا أفاتحها في الموضوع حفظاً على صحتها. ولكن إرادة الله إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون فإضطررت تحت ضغط الضمير أن أفاتحها في الموضوع، وأصرت على الذهاب لأمدرمان لمقابلة الأزهري والتي كانت تحبه وتعجب به كثيراً وبالفعل وفي صباح الغد الباكر وصلت أمدرمان ودلفت من الباب الملاصق لمنزلي ولقيته بين أفراد أسرته بجلبابه الناصع البياض مشرق الوجه كعادته ولقيني بابتسامة عريضة محيياً وكان يسأل عن الحاجة وكانت في ذلك الوقت من ورائي وبعد تبادل التحايا والإطمئنان عن الصحة قالت له أنها ليس لديها (بظبورتي) وكانت تقصد كلمة باسبورت فضحك رحمه الله ملء شدقيه وقال لها أن الباسبورت سيكون جاهزاً خلال اليوم وسألته عن موعد قيامه للسعودية فقال لي بعد غدٍ إن شاء الله، فودعتهم جميعاً وعدت للكاملين، وفي صباح الثلاثاء توجهت من الكاملين للمطار رأساً وكان المطار مفتوحاً في ذاك اليوم – الطرق الصوفية الإسماعيلية، القادرية، السمانية، الميرغنية، الطبول والنوبات والأناشيد تملأ عنان السماء. كل ذلك أمام الطائرة التي ستقل الوفد للملكة السعودية وجاء رحمه الله ومعه مرافقيه وبدون برتوكول ولا قرقولات شرف تحف به عناية الله وتوجهوا للطائر الميمون تحفهم عناية السماء. وبعد أكثر من أسبوع عاد الرئيس الراحل والوفد المرافق له بالسلامة ولقيت والدتي رحمها الله، على أتم صحة وعافية ولسانها يلهج بالشكر والدعاء للمرحوم الأزهري الذي أتاح لها فرصة العمر حجاً مبروراً مع زوجات وأمهات الرؤوساء العرب ومن بينهم الأزهري. وهكذا كان رحمه الله مترفعاً عن الصغاير، يحب الناس جميعاً باراً بوالديه وأهله وجيرانه، كان باراً بشعبه الذي ناضل وكافح من أجله حتى حقق له استقلالاً نظيفاً لا شق ولا طق واستطاع رحمه الله أن يقود ٍسفينة الاستقلال وسط كل تلك المؤامرات المحلية والإقليمية والدولية واستطاع أن يصل بالسفينة كربان ماهر إلى بر الأمان كما شهد له الأعداء قبل الأصدقاء رحمه الله.
بعد أن تلقيت نبأ مرض والدي عدت مسرعاً من مدينة بورتسودان والتي عملت بها لثلاثة سنوات. وفي يوم الجمعة 4/11/1955م إشتد المرض على والدي ووصى الطبيب الذي كان يشرف على علاجه بضرورة نقله للمستشفى وبسرعة ولكنه أبى واستعصم وطلب مني إخوتي الذهاب للزعيم الأزهري عله يقنعه بالذهاب للمستشفى ولم أجد صعوبة في مقابلة سيادته وأهتم بالأمر وجاء مسرعاً ودخل على والدي وبعد هنيهة اقتنع والدي وتهيأ للذهاب للمستشفى وتولى الزعيم الراحل نقله بعربته الخاصة للمستشفى بل أشرف على كل إجراءات دخوله المستشفى وحتى أورنيك المرض بالرغم من أن اليوم كان عطلة جهزوه وذلك لأن والدي كان يعمل أميناً لمنزل الضيافة التابع لمجلس الوزراء. وبعد أن إطمأن رحمة الله عليه بعد الفحوصات التي أجريت له عاد لمنزله ولكن وافت المنية والدي في نفس اليوم عصراً وكذلك أشرف على إجراءات تجهيزه وشارك في دفنه بمقابر أحمد شرفي. وظل لأسبوع كامل، وكان العزاء يستمر أياماً، ظل صباح كل يوم حضوراً وقبل ذهابه لمجلس الوزراء ورغم مشاغله الكثيرة كان يحضر ويجلس على السجاد المفروش أرضاً كحال الناس في ذلك الزمان وكان يتجاذب أطراف الحديث مع القاصي والداني ويسأل الناس عن أحوالهم، ويقضي حاجيات الكثير منهم بتواضع جم. وبعد مرور أسبوع وكعادته حضر في الصباح بعد أن تناول فنجان القهوة الذي أحضرته له أخبرني بأنه يرى أن يتحدث إلى في موضوع، وخرج ولحقته وهو في طريقه لعربته فأخبرني بأنه يريد أن يقوم بإجراءات صدقة الأسبوع على روح والدي فما رأيك وأنت أصغر إخوتك، رددت عليه بأننا سبعة أبناء للمرحوم وأنا أصغرهم وموظفاً وقادر أن أتصدق بصدقة على روح والدي. لم يعجبه الكلام ورغم ذلك وبابتسامة عريضة ودعني وعدت أدراجي ولم أخبر أحد بما دار لكني فوجئت وفي صباح اليوم الثاني وكان جمعه بالرئيس الراحل الأزهري يقف في الشارع وأمامه ذبيح ومعه مجموعة من الناس وكان بينهم مساكين على قلتهم في ذلك الزمان وكان يشرف بنفسه على توزيع كميات من اللحوم على الناس وبعض المارة وأنا أراقب ذلك حتى إذا اكتملت المسألة وبدأ العمال في تنظيف المكان، وكنت أتوارى خجلاً ولكن أخيراً تقدمت إليه شاكراً صنيعه وكرمه ولكنه وبلباقته قال لي هون عليك يا أخي إن الصدقات لله والباقيات الصالحات ربنا يتقبل منكم ومني، جعل الله قبرك روضة من رياض الجنة سيدي الزعيم.. وسأعود مرات ومرات.
فى ذكرى الإستقلال
معارض للأزهري وذكريات حميمة معه (2/2)
بلغ بنا الصلف أن وضعنا منشوراً معادياً له في عربته الرئاسية!
بقلم: بابكر أبو بلل (أبوروف- أمدرمان)
بدأت في الحلقة السابقة عن علاقات الزعيم الراحل بجيرانه من الناحية الاجتماعية والإنسانية وأعود هذه المرة لتناول علاقته السياسية بجيرانه خصوصاً الذين كانوا يختلفون معه في الرأي من أمثال شخصي الضعيف، فقد كنا مستقيمان لا يلتقيا هو بإعتداله كرئيس حزب وسط يمثل غالبية متعلمي ومثقفي هذا البلد الطيب وأنا عضو مغمور في حزب يساري صغير صوته أكبر من حجمه، يختصرونه (حستو) أي حركة سودانية للتحرر الوطني. ثم صار فيما بعد الحزب الشيوعي السوداني. وبعد عودتي من مدينة بورتسودان وقد تتلمذت فيها على يد عدد من أساتذة الحزب الشيوعي ومحترفيه منهم الجزولي سعيد وعباس عبد المجيد (كرتون) والأستاذ سيد المبارك وزميلي في العمل في البريد والبرق فؤاد أحمد السعيد رحمهم الله جميعاً، وكان نادي الخريجين في بورتسودان يضم نخبة من الموظفين والمثقفين ورغم أن العمل السري في ظروف وجود اللواء أحمد أبارو كان صعباً للغاية لملاحقاته وبطشه للشيوعيين. عدت للعاصمة وقد تمرست وانخرطت في عمل دائرة كانت تضم كل من المناضل الشرس رحمه الله جعفر أبو بلل وهو أول من جندني في الحركة ودكتور سيد احمد الجاك، البروفيسور لاحقاً وعميد كلية الهندسة بجامعة الخرطوم ووزير المواصلات في حكومة جعفر نميري الأولى ومجموعة، وبعودتي أصبح منزلي عبارة عن خلية لا ينقطع العمل فيها ...اجتماعات للحزب، العمل الثقافي، المنشورات، كتابة الجدران وخاصة حائط الزعيم الأزهري الذي كان يمثل لوحة فنية لكتابة الشعارات وذلك لموقعه الإستراتيجي في ملتقى عدة شوارع وكان حتى المطلوبين من البوليس السري يتواجدون معي لأنه كان أضمن مكان لسلامتهم وعدم القبض عليهم والتخفي عن أعين البوليس السري وعلى رأسهم الكتيابي رحمه الله الذي عرف بعدائه للشيوعيين. وأجزم بأن إسماعيل الأزهري وكان في قمة السلطة يعلم كل ما يدور في منزلي وكان هناك من يرصد ذلك النشاط ويخبره به ولكنه رحمه الله كان لا يعير ذلك اهتماماً. وقد بلغ بنا بعض الصلف أن وضعنا له منشوراً في مقعد عربته الحكومية وجندنا من ينتظر رد الفعل فحينما عثر على المنشور ما كان منه أن علق عليه لدى سائقه وسأله بسخرية هل أصبحت مع هؤلاء القوم وضحك ودس المنشور في جيبه بكل بساطة. لا تحقيق ولا أمن ولا يحزنون، وذهب لحال سبيله لمجلس الوزراء. وأذكر أن زميلنا جعفر أبو جبل كان قد تم إيقافه عن العمل لنشاطه النقابي وجاءني يحمل قرار إيقافه ففكرنا ملياً ثم قررت أن أحاول مقابلة سيادة الأزهري ولم أجد في ذلك أي صعوبة وبعد تبادل التحايا استأذنته وقدمت له الخطاب. إستغرب وتحدث لي عن قانون المخدم والشخص المستخدم وختم حديثه بأنهم ما انتخبوا لقطع عيش الناس ولا مضايقتهم في أرزاقهم وقال بالحرف نحن قادرين أن نحاورهم ونقارعهم بحجة ولن نركن لهذا الأسلوب من قطع عيش الناس وأحضر قلماً وعلق من وارد الخطاب مخاطباً السيد يحي الفضلي وزير المواصلات –آنذاك- برفع قرار الإيقاف وفوراً وعدت للمنزل وذهبنا للأخ المرحوم عثمان محمد علي (قرعم) وكان مدير مكتب وزير المواصلات وسلمناه الخطاب وفي اليوم الثاني كان جعفر أبو جبل يزاول عمله في مكتبه كالمعتاد. وأذكر أن أحد نشطائنا كان قد تم اعتقاله بواسطة البوليس السري وكان جاراً لنا وجاء أبوه وبكل حدة وصلف أخذ يطرق باب الزعيم الأزهري ولم يستطيع الشرطي أمام الباب أن يمنعه ولما سمع الضجة خرج بنفسه رحمه الله ليستطلع الأمر ووجد والد زميلنا والذي بادر الزعيم بإتهامه بأنه جاء إلى الحكم ليسجن أبناءنا ويرميهم في حراسات البوليس السري فما كان منه إلا أن هدأ روعه وأدخله لمنزله واتصل بالسيد حسن عوض الله وكان وزيراً للداخلية وطلب منه أن يفرج عن زميلنا وفوراً وبعد أقل من ساعة كان المقبوض عليه بمنزله ووسط أهله. ألم أقل لكم أن المرحوم الأزهري كان ديمقراطياً حتى النخاع.
في مطلع عام 1963م أخترت للعمل بمكتب بريد وبرق ياي جنوب غرب الإستوائية وكان توقيت النقل متزامناً مع بداية التمرد في منطقة كاجوكاجي القريبة من ياي وبدأ بصورة تختلف عن التمرد الأول بتوريت عام 1955م, من حيث الأسلحة والاستعداد العسكري وكان الأعنف في كل شيء وكان على رأس مصلحة البريد والبرق الرجل الثاني السيد بكري وكان يلاحقني في تنفيذ النقل ورغم تحايلي بالأرانيك المرضية والتقارير الطبية كان مصراً على تنفيذي للنقل. بل هددني بعمل قومسيوناً طبياً لإثبات أن حالتي الصحية لا تحول دون تنفيذ النقل. وكان الرجل يمت بصلة القربى للزعيم الراحل وإبن عمومته، وكان الرئيس الراحل قد عاد من منفاه في الإستوائية وحددت إقامته في منزله، وفرضت عليه حراسة مشددة من قبل نظام عبود ولكن رغم زحمة الحراسة استطعت أن أتخطى الحرس واستقبلني ببشاشته المعهودة وقدم لي الشاي الأخضر، وحدثني عن فوائده الجمة ومنها تخفيض الكلسترول في الدم وتهدئة الأعصاب وأعطاني بلحاً كان بجانبه وتحدثنا في السياسة وذكر لي بالحرف أن نظام عبود قد حمل كل أسباب فنائه في داخله وأن التحرك الشعبي قادم إنشاء الله. وتحدث عن فترة اعتقاله وبعض قادة الأحزاب والمنظمات والفوائد التي خرجوا بها التي ستفضي إلى توحيد الجبهة الداخلية، ثم عرجت على موضوع نقلي لمدينة ياي وكان على علم ببداية التمرد وأخبرته بأن قريبه السيد بكري هو الأكثر تشدداً في تنفيذ النقل وطلبت منه أن يتوسط لديه ليرجي موعد قيامي أو يلغيه إن أمكن أو أن يستبدله بأي منطقة من مناطق أعالي النيل القريبة لمناطق الشمالية. سكت برهة ثم وجه لي سؤالاً أليس العمل في جنوب السودان واجباً على كل موظف في البريد والبرق إذا جاء دوره؟ أجبته بالإيجاب وسألني عما سيترتب عليه عدم تنفيذي للنقل وقيامي في مواعيدي الا يترتب على ذلك تأخير من ستخلفه وسيمضي فترة كان من المفروض أن تكون في حكم المنتهية خصوصاً وقد أكمل دوره؟ وإذا تم اختيار أحد الموظفين خلافك ألا يكون ذلك على حسابه وربما لم يحين دوره للعمل في الجنوب؟ وفي كلا الحالتين هناك متضرر وما دام العمل في الجنوب ضرورة وطنية أرجو ألا تتقاعس عن أدائها وضرب لي مثلاً قائلاً أن أهلنا الأنصار كانوا يقولوا طويل العمر كالسبيبة وقصير العمر كالحبل وتمنى لي أن أكون كالسبيبة وأن أعود سالماً وخرجت من عنده مقتنعاً وشددت الرحال إلى ياي وإنتهى نظام عبود بثورة شعبية عامة كما تكهن ، وعادت الديمقراطية وأتخذ سر الختم الخليفة رئيس مجلس الوزراء قراراً بجنوبية الوظائف الجنوبية وعدت للشمال وكان الرجل رئيساً لمجلس السيادة وكان مشاركاً في كل المناسبات كرهاً أو فرحاً، وحتى المناسبات البسيطة جداً الكرامات التي تقام في المناسبات العادية. أما اهتماماته بالموتى والمشاركة في تشييعهم تصل درجة المبالغة رغم عظم مسئولياته وكانت أخبار الوفيات تصله أولاً بأول بل كان في بعض الأحيان لا ينقطع عن المقابر حتى أن من النكات التي كانوا يطلقونها عليه، وكان التنافس بينه وبين عبد الله خليل على أشده في مجاملة الجيران وحينما توفى أحد الجيران قرر أن يذهب عبد الله خليل للمقابر قبل الناس لينتظر الجنازة هناك ولكنه وجد إسماعيل الأزهري داخل القبر يشارك في الحفر . كان رحمه الله مبادراً في قضاء حاجيات الناس وكان يستدين في بعض الحالات لسد حاجة الآخرين وفي ذلك قصص أمسك عن ذكرها خشية التعرض للآخرين، وكان يعود المريض ويشارك في حفلات الزواج وحينما تزوجت أعطاني عشرة جنيهات تساوي نصف مرتبي آنذاك وكان يهتم بالتعليم والمعلمين ويقول بأن ذلك قدره لأنه كان معلماً.
وكانت إمرأته مريم زوجة كريمة وكانت كلما صنعت طعاماً أعجبها أرسلت لنا منه من خلال (النفاج) الذي يربط بيننا وبينهم وأذكر أن صديقي الأستاذ بدري كاشف جأني يوماً ووجد عندي ما لذ وطاب قال أنى لك هذا؟ قلت له كما قالت مريم لزكريا هو من عند الله، ضحك وقال لي بختك فقد أصبحت تأكل من فتافيت مائدة الأزهري رحمه الله.
كنت أغط في نوم عميق حينما صحوت على صوت داوٍ أمام منزلي فتحت الباب لاجد نفسي أمام دبابة وعسكري مدجج بالسلاح يصرخ في وجهي أقفل الباب حاولت أن أستوضحه الحاصل لكنه شهر سلاحه في وجهي دخلت وفتحت شباك الصالون. كان عناك عدد من الآليات وجاء ضابط صغير – ملازم ثاني- أخبرته بأن هذا المنزل لا يتبع للسيد الأزهري وبسرعة أوقف الجند عن محاصرة منزلي بالسلك الشائك الذي بدأوا نشره حول المنزل. كانت الساعة تشير إلى الثانية صباحاً. أصبحت صاحياً وحينما حان موعد صلاة الفجر حاول أخي محمود الذهاب لمسجد الضرير منعوه اتصلت بالأستاذ بدري كاشف وطلبت منه الحضور لصلاة الفجر عن طريق شارع السيد علي وأخبرته أن إنقلاباً قد حدث وبالفعل جاءني بعد الصلاة ولم يمنعوه، وبدأنا نحلل وبدأ البث الإذاعي بالمارشات العسكرية ثم أذاع النميري البيان الأول وتتابعت الأخبار.. مجلساً لقيادة الثورة برئاسته وبابكر عوض الله نائباً له وعدد من الرواد ثم مجلساً للوزراء جله من أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي. لم أبارح المنزل بالرغم من أن الإنقلابيين لم يعلنوا حظراً للتجوال ولم يقطعوا الاتصالات. وفي منتصف النهار جاءني الصديق المرحوم جعفر ابو جبل يحمل منشوراً أصدره المرحوم عبد الخالق محجوب وموقعاً باسمه وصف ما حدث صباح اليوم بأنه إنقلاباً عسكرياً قام به بعض صغار الضباط ووصفهم بالبرجوازية الصغيرة. ووصف البرجوازية الصغيرة بأنها ذات وجهين وجه بجانب الجماهير في حالة المد الثوري ووجه آخر ضد الجماهير إذا إنحسر الوجه الثوري، وذكر أن عملية التحول الاجتماعي تسير بصورة جيدة ولا تستحق أي إنقلابات مثل ما حدث اليوم واستغربت كثيراً للتناقض القائم.. مجموعة من أعضاء اللجنة المركزية في السلطة ورئيس الحزب وسكرتيره العام يصفه بأنه رجعة للوراء وفي عصر نفس اليوم قابلت محجوب إبراهيم (طلقة) وكان يفتش في الحرس وذكر لي بأن منزل الأزهري محاصراً من كل الجهات أما من ناحية منزلك ففي أيد أمينة، فوجئ حينما طلبت منه أن يسمحوا لي هذه المرة أن أفكر بعاطفتي نحو الأزهري وليس من خلال المبادئ. وكنت بالفعل قد سمحت لبعض أقاربه بتسور الحائط الذي يفصل بيني وبينهم وفيهم أحياء يشهدوا بذلك حتى أن الرئيس رحمه الله طلب مني من وراء الحائط أن أكف عن ذلك لأنه قد يسبب لي بعض المضايقات .طمأنته ولم نتبادل أكثر من التحايا. وفي مساء نفس اليوم ذهبت لأستاذي المرحوم بابكر أحمد موسى لأستطلعه عما حدث اليوم وحينما عرضت عليه منشور عبد الخالق محجوب وكان يختلف معه في الرأي ذكر لي بأن لأول مرة في تاريخه يحلل تحليلاً صحيحاً لما حدث اليوم واختلفنا وأخيراً حينما إحتد النقاش بيننا طردني.
وبعد يومين من الإنقلاب قادوا الرئيس الأزهري إلى معتقله والذي لم يعود منه إلا يوم وفاة أخوه علي الأزهري فقد أحضروه ليشارك في دفن شقيقه ولقيته في صالونه وكان على أتم صحة فعزيته وسألني عن الكل وبالفعل شارك في دفن أخيه وفي مساء نفس اليوم وكنا جلوساً كعادتنا أمام منزلي ومعي مجموعة من الأصدقاء سمعنا صراخاً وذهبت أستطلع الخبر لقيني دكتور إمام دوليب وقال لي أن الرئيس ربما أصيب بنوبة قلبية ونقلوه للمستشفى ومكث أسبوعاً لم يلقى من النظام ما يليق بمكانته. لم يرسلوه للخارج وتقاعسوا في توصيل نخبة من الدكاترة لعلاجه ووافته المنية وهكذا كان قدر الله ولا راد لقضائه وإنفطر قلب هذه الأمة عليه وودعته جماهير الشعب السوداني بصورة لم يحدث لها مثيل رغم التعتيم ورغم منع القطارات ومنع البصات من دخول الخرطوم ورغم كل الحصار خرج الشعب السوداني عن بكرة أبيه مشيعاً الراحل ،وبوفاته أسدل الستار على تلك اللجنة التي كانت في أحرج موقفها وهي لجنة تقصي الحقائق التي كونها نظام نميري لتقصي ما كان يملك الأزهري. ومع بداية عملها كانت تظن أنها قد تجد منزل الأزهري مليئاً بالنجف والتحف وكانت تظن أن مقابض الأبواب والشبابيك ستكون من الفضة وربما الذهب ولكنها أسقط في أيديهم حينما رأوا أوضة نوم قديمة وعفش عتيق وصالون عليه كراسي من عهد والده. كما وجدوا ستين كرسياً كانت مؤجرة من المخازن والمهمات عليها إيصال الإيجار. كما بحثوا في البنوك عن أرصدة لسيادته ولكنهم لم يجدوا ولا فلس وقد جرت العادة حينما يتحول أي بنك أجنبي لوطني أن يفتحوا حساباً باسم رئيس الدولة ليضعوا فيه مبلغاً شهرياً تحت اسمه ولكن الرئيس الأزهري لم تمتد يده لذلك المبلغ حتى وفاته، وعاش الأزهري نزيهاً نقياً طاهراً ومات فقيراً كما زملاءه الذين قدموا للمحاكمة وهم الأطهار أحمد السيد حمد- حسن عوض الله- أحمد زين العابدين- عبد الماجد أبو حسبو وأثبتوا من خلال محاكماتهم أنهم أشرف خلق الله، أنقياء أتقياء ومن هنا وفي ختام هذه الذكريات أطلب من كل الاتحاديين في كل أنحاء السودان أن يتوحدوا حول هذه المبادئ السامية وأن يترفعوا عن الصغار وأن يلتفوا حول المبادئ السامية التي تركها الأزهري ورفاقه الميامين ها قد بلغت.
اللهم فأشهد...
fadil awadala [[email protected]]
\\\\\\\\\\\


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.