حزب المؤتمرالوطني الحاكم في السودان خرج من عباءة الإخوان المسلمين وتسمى بعدة مسميات منها جبهة الميثاق الاسلامي والاتجاه الاسلامي والجبهة الاسلامية وأخيرا المؤتمرالوطني ويستبطن في داخله تنظيم الحركة الاسلامية هذا التنظيم الأخير هو الذي يضع الاسترتيجيات في كل المراحل ويختار لكل شخص الدور الذي يقوم به هذا ما فهمناه من الكتاب الأخيرللأستاذ المحبوب عبدالسلام : لقد استولى هذا التنظيم على السلطة في 30 يونيو1989م عن طريق الانقلاب علي سلطة منتخبة والحجة المبررة للانقلاب هي اتهام النظام الديمقراطي بالضعف، والتراجع عن تطبيق الشريعة، وتمدد حركة التمرد حتى كادت أن تصل إلي كوستي! لقد نقدنا تجربة الانقاذ في مجالات أخرى وبينا أن مبرراتها غيرمقبولة وقلنا رأينا في كثيرمن الممارسات التي تمت باسم الاسلام أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر وتبرئة ذمتنا أمام الله والتاريخ وهي انتقادات موثقة بتاريخها. ومادفعني لكتابة هذا المقال اليوم هو التصريحات المتكررة لنائب رئيس المؤتمرالوطني السيد نافع علي نافع في كل المواقف والتي تفردت بالاستعلاء على الآخرين والتحدي والتجريح المبطن للرموزالوطنية وتزكية نظام الانقاذ باعتباره النظام الوحيد الذي يحقق مصالح السودان بل والتفاخربقوة النظام وأجهزته القمعية وأنه سيبقى في السلطة مهما كان الثمن....الخ وهي تصريحات يعرفها القاصي والداني حتى صارت ظاهرة نافعية ، ومما يستغرب له أن قادة المؤتمرالوطني الذين يعتبرون أنفسهم أهل فكر ورسالة قدصمتوا طيلة هذه الفترة ولم نسمع كلاما مغايرا لأي واحد منهم ، مما يوحي أن كلام نافع متفق عليه وأنه يعبر عن رأي التنظيم وليس حالة فردية انفعالية وليدة اللحظة !! إنني في هذا المقال أقدم نصيحة صادقة لقادة المؤتمرالوطني الذين أعتبرأن فيهم من لايرضيه أسلوب نافع ولكنه بسبب الاستحياء أو المحافظة على الانسجام التنظيمى يسكت عن كلمة الحق ، مع علمي أن كثيرا من الذين يخالفون المؤتمرالوطني لايقبلون بهذا التصنيف ويقولون إنها أدوارمرسومة ومتفق عليها من كل قادة التنظيم . وفي تقديري أن التعميم دائما يكون خاطئا كما علمنا منهج البحث العلمي والواقع المشاهد يثبت أنه حتي في الأسرة الواحدة توجد اختلافات فهي ظاهرة انسانية لايمكن إنكارها. أعود فأقول للإخوة قادة المؤتمرالوطني الآتي: أولا: أنتم تعلمون أنكم لستم الذين صنعتم السودان ولايرجع إليكم الفضل في إدخال الاسلام فيه ، فالسودان موجود قبل خلقكم والاسلام دخل السودان قبل أن تظهرحركة الإخوان المسلمين وذريتها في الوجود فليس لكم الحق في احتكارالاسلام والدعوة إليه ومن ثم ادعاء المحافظة عليه دون بقية المسلمين، ولاتملكون الحق بأن تقولوا أنكم الأحرص على مصالح السودان دون بقية السودانيين فأي ادعاء من هذا القبيل سيصنفكم بأنكم حركة إقصائية وتنظيم طائفي مغلق ومعروف مصير مثل هذه الحركات. ثانيا: هنالك منهجان على طول مسيرة التاريخ منهج الرسل والمصلحين وهو منهج رباني قوامه الحكمة والموعظة الحسنة وعفة اللسان واحترام الانسان ...الخ وهومنهج مبسوط في القرآن الكريم والسيرة النبوية العطرة قال تعالي" أدع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" وقال تعالي "فبما رحمة من الله لنت لهم ولوكنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك" وقال تعالى" ياأيها الذين آمنوا لايسخرقوم من قوم عسي أن يكونوا خيرا منهم ولانساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولاتلمزوا أنفسكم ولاتنابزوا بالألقاب.." وقال صلى الله عليه وسلم" لاتحاسدوا ولاتباغضوا ولاتدابروا ولاتناجشوا وكونوا عبادالله إخوانا المسلم أخو المسلم لايظلمه ولايسلمه ولايحقره بحسب امرئ من الشر أن يحقرأخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه" والمنهج الآخر هو المنهج الفرعوني الذي يقوم على التعالي والتكبرواحتكارالحق قال تعالى " قال فرعون ماأريكم إلاما أرى وما أهديكم إلاسبيل الرشاد" وقال تعالى " إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين" فأنا أسأل قادة المؤتمرالوطني في أي النهجين يصنف منهج نافع في التعاطي السياسي؟ ثالثا:المراجعة نهج أصيل في الاسلام قال عمربن الخطاب في رسالته لأبي موسى الأشعري "ولايمنعنك قضاء قضيته بالأمس ثم راجعت فيه نفسك وهديت لرشدك أن ترجع إلي الحق فإن الحق قديم لايبطله شيئ ومراجعة الحق خيرمن التمادي في الباطل" فهل راجعتم تجربتكم الانقاذية لتعلموا هل هي مثمرة أم مجحفة؟ هل تمكن الاسلام في السودان وانتشر أم ضعف وتراجع ؟ هل بسط العدل أم انتشرالظلم؟ هل انتشرت الفضيلة أم انتشرالانحراف؟ هل تحققت العدالة الاجتماعية وتساوى الناس في الحقوق والواجبات أم استأثرت شريحة معينة بخيرات الوطن وحرم السواد الأعظم؟ هل تحقق مجتمع الطهروالصدق والايثار أم انتشرت الرشوة والمحسوبية والتعدي على المال العام؟ هذه التسؤلات مهمة وواجبة حتى تقيموا بموضوعية مسيرتكم وتحاسبوا المخطئ مهما كان مقامه وأظنكم تدركون أنه ليس هنالك بشر هو أعلى مقاما من سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع هذا المقام الرفيع إلا أنه وضع قاعدة للمحاسبة في آخر أيامه في الدنيا عندما خاطب الناس قائلا " أيها الناس من كنت قد جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليستقد منه- أي يأخذ منه القصاص - ومن كنت قد شتمت له عرضا فهذا عرضي فليستقد منه ومن كنت قد أخذت له مالا فهذا مالي فليأخذ منه ولايخشى الشحناء من قبلي فإنها ليست من شأني ألا وإن أحبكم إلي من أخذ مني حقا كان له أواستعفاني حتى ألقى ربي وأنا طيب النفس" هل الوطن الآن مكتمل كما وجدتموه أم تناقصت أطرافه؟ وهنالك سؤال هام هل التمكين مقصود به تمكين الاسلام وبسط أحكامه أم تمكين التنظيم وبسط سلطانه؟ . رابعا: هيبة السلطة لاتكون بقوة الأجهزة الأمنية والتصريحات المتحدية تلك هيبة الراكنون إليها ضلوا وأتاهم العذاب من حيث لايشعرون . وأنتم تعلمون أن الاتحاد السوفيتي عندما انهار كان يملك أسلحة تكفي لتدمير الدنيا ست مرات!! ولاشك أنكم قرأتم قوله تعالي "وأما عاد فاستكبروا في الأرض وقالوا من أشد منا قوة ؟ أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون " وقال "وأماعاد فأهلكوا بريح صرصرعاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية فهل ترى لهم من باقية؟" إن هيبة السلطة في الدولة الاسلامية تتمثل في العدل والرحمة والرفق بالمستضعفين" فقد بلغت عدالة عمربن الخطاب الآفاق فأرسل كسرى رسولا ليأتيه بخبرحاكم المسلمين وعندما وصل إلى المدينةالمنورة كان يتوقع أن يجد قصرا منيفا وجيوشا جرارة ولكنه فوجئ عندما لم يشاهد مشهدا بارزا سوى المسجد فأتاه ليسأل عن قصرعمر فأخذه أحدهم إليه فوجد نائما تحت ظل شجرة ومتوسدا حجرا!!! فبكى الرجل وقال" عدلت فأمنت فنمت ياعمر" هذه هي هي هيبة الدولة الحقيقية وليست الهيبة الزائفة التي رأينا نموذجها في تونس قبل أيام فاعتبروا ياأولي الأبصار. خامسا: عليكم أن تدركوا أن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب وابن الخطاب يقول لوعثرت بقلة في العراق لخشيت أن يسألني الله عنها لم لم تصلح لها الطريق ياعمر فمابالكم بآلاف الأرواح التي أزهقت في عهدكم وملايين المشردين في الملاجئ والمنافي الذي يشكون لربهم ظلم العباد وجورالزمان فأنتم مسئولون أمام الله عن كل ذلك : الذي خطط والذي نفذ والذي بارك والذي سكت ولم يستنكرواقرأوا إن شئتم قوله تعالى "لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لايتناهون عن منكرفعلوه لبئس ماكانوا يفعلون" والذين صمتوا حياء ويأسا نقول لهم اقرأوا قوله تعالى " وقالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أومعذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون فلما نسوا ماذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون" نجى فقط الذين أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وأهلك الظالمون والصامتون. أخيرا عليكم أن تدركوا أن الحاكم إن كان عادلا فنصف الشعب خصومه فكيف إذا كان ظالما؟! وهنالك جهات تكره التنظيم الذي تنتمون إليه وهنالك آخرون يكرهون الأشخاص والعاقلون يكرهون الأفعال والسياسات لأن كراهية الأشخاص تتحول إلى أحقاد شخصية تخرج عن الموضوعية . فإذا غيرتم سياساتكم ومعاملتكم وبسطتم الحرية والعدالة والشورى وأرجعتم الحق لأهل السودان ليختاروا من يحكمهم فلن يؤخذ إلا من ظلم واعتدي لأن الحقوق لاتسقط إلا إذا عفى عنها أصحابها. ومن الحكمة أن يكون الناطق الرسمي باسم حزب المؤتمرالوطني حكيما يجمع ولايفرق فالشتائم لاتحتاج إلى تعليم فكل إناء بالذي فيه ينضح ! والرسول صلى الله عليه وسلم يقول "ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" . 22يناير2011م abuammar ibrahim [[email protected]]