إسبانيا ترفض رسو سفينة تحمل أسلحة إلى إسرائيل    كواسي أبياه يراهن على الشباب ويكسب الجولة..الجهاز الفني يجهز الدوليين لمباراة الأحد    ناقشا تأهيل الملاعب وبرامج التطوير والمساعدات الإنسانية ودعم المنتخبات…وفد السودان ببانكوك برئاسة جعفر يلتقي رئيس المؤسسة الدولية    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    إدارة مرور ولاية نهر النيل تنظم حركة سير المركبات بمحلية عطبرة    اللاعبين الأعلى دخلًا بالعالم.. من جاء في القائمة؟    جبريل : مرحباً بأموال الإستثمار الاجنبي في قطاع الصناعة بالسودان    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    شاهد بالفيديو.. الرجل السودني الذي ظهر في مقطع مع الراقصة آية أفرو وهو يتغزل فيها يشكو من سخرية الجمهور : (ما تعرضت له من هجوم لم يتعرض له أهل بغداد في زمن التتار)    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان أحمد محمد عوض يتغزل في الحسناء المصرية العاشقة للفن السوداني (زولتنا وحبيبتنا وبنحبها جداً) وساخرون: (انبراش قدام النور والجمهور)    الخارجية تنفي تصريحا بعدم منحها تأشيرة للمبعوث    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    مناوي: وصلتنا اخبار أكيدة ان قيادة مليشات الدعم السريع قامت بإطلاق استنفار جديد لاجتياح الفاشر ونهبها    مانشستر يونايتد يهزم نيوكاسل ليعزز آماله في التأهل لبطولة أوروبية    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    بعد حريق.. هبوط اضطراري لطائرة ركاب متجهة إلى السعودية    واشنطن تعلن فرض عقوبات على قائدين بالدعم السريع.. من هما؟    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: لابد من تفعيل آليات وقف القتال في السودان    الكشف عن شرط مورينيو للتدريب في السعودية    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    رسميا.. كأس العرب في قطر    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إعدام صديقي الشاعر جبر الدار ... بقلم: أسعد الطيب العباسي
نشر في سودانيل يوم 21 - 03 - 2011

كاد يثقبني الحزن عندما تناهت إلى مسامعي أنباء إعدام صديقي الشاعر جبر الدار محمد نور الهدى بالسجن الإتحادي ببحري "كوبر" عصر يوم الخميس الماضي الموافق السابع عشر من مارس من العام الحالي 2011 بعد إنتظار دام ستة أعوام ومواجهة شجاعة للمشنقة أذهلت الجميع.
أشهد أن جبر الدار -رحمه الله- كان إنسانا نبيلا وشاعرا خنذيذا ومؤمنا تقيا وصديقا وفيا ودود حافظ للعهود كان القرآن سميره ولا يفعل إلا مايرضي ضميره.
اللهم تقبله قبولا حسنا واجعل قبره روضة من رياض الجنة واحشره في زمرة الأنبياء والصديقيين والشهداء وحسن أولئك رفيقا في سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود وماء مسكوب وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة.
الآن أعيد نشر ما كتبته من نحو أربعة أعوام عن صديقي الراحل جبر الدار محمد نور الهدى وكان بعنوان "شاعر بين سديم المنافي وشموس القوافي" إحياءً لذكراه وتذكيرا بمأساته وقصته ولا نقول إلا ما يرضي الله وإنا لفراقك ياجبر الدار لمحزونون.
***
وقف كل من كان حاضراً بقاعة محكمة القطينة العامة يلفهم الصمت العميق إلا من دقات قلوبهم وتهدج أنفاسهم، وهم يرون القاضي يدخل ليتصدر منصته ويتأهب لإصدار حكمه على المتهم، فأمرهم بالجلوس عدا المتهم الذي ظل واقفاً مترقباً، ثم أخذ القاضي يتلو حكمه على المتهم "حكمت عليك المحكمة بإلاعدام شنقاً حتى الموت" قدر الله وما شاء فعل" جملة رددها شاعرنا جبر الدار بعدأن سمع الحكم بإعدامه.
حدث هذا في خريف عام 2005م، ومنذ ذلك التاريخ وحتى كتابة هذه السطور لا يزال جبر الدار رهين محبسه ما بين مقاومة هذا الحكم وانتظار تنفيذه عليه بغرفة الإعدام بالسجن الاتحادي بالخرطوم بحري كوبر.
كل من اقترب من هذا الشاعر الشاب يدرك أنه شاب خلوق متمسك بدينه، وعلى سمته يجلس وقارٌ مستظهر، وعلى سيمائه لطف كبير وحس مرهف، تمنعه من قتل ذبابة قصداً أو ظلماً. إذن ما هي قصة هذا الحكم الذي صدر على شاعرنا جبر الدار وجعله يقاوم سديم المنافي الضبابية بشموس القوافي الساطعة؟ سنرى...
شاعرنا جبر الدار الذي يقف الآن على قمة العقد الرابع من عمره، ولد بمنطقة "أم أصلة" الواقعة بمحافظة المناقل في غرب ولاية الجزيرة، واستقرت أسرته بإحدى القرى الحديثة التي نشأت مع مشروع الجزيرة الزراعي وهي قرية "أبو مريخة" وينتسب إلى قبيلة "الطوال" إحدى فروع قبيلة رفاعة الكبرى، والطوال قبيلة لها تاريخها الناصع والمضيئ الذي أغرى سليلها شاعرنا جبر الدار بكتابته، ومن أمانيه العزيزة أن يستطيع إكمال كتابة هذا البحث التاريخي، فهو يرى أن المؤرخين قد أهملوا تاريخ الطوال رغم ثرائه. ومما كتبه جبر الدار عن تاريخ الطوال نجتزئ بعض المقتطفات. يقول:- الطوال ينتمون إلى حمد بن السيد رافع بن السيد عامر بن السيد عبد الله بن السيد إبراهيم بن السيد إلامام موسى الكاظم بن السيد الامام جعفر الصادق بن الامام محمد الباقر بن الامام على زين العابدين بن الامام أبي عبد الله الحسين بن الامام على كرم الله وجهه. ويقول جبر الدار إن قبائل "الحمدة" و"العركيين" و "العسيلات" و "الحلاويين" و"القواسمة" و"العوامرة" و"العمارنة" و"الضباينة" وبعض القبائل الاخرى، ينتسبون إلى السيد حمد بن السيد رافع الذي كان له خمسة عشر ابناً. ويقول جبر الدار إن الطوال ينقسمون إلى ثلاثة أفخاذ هم "النصيرات" ومنهم الشيخ سلمان الطوالي جد الطوال و"السواعدة" ثم "النهراب".
وأبان جبر الدار أن جد جده نور الهدى ود محمد ود الصافي بايع الامام المهدي وهو شيخ يربو على الثمانين من عمره، وعاصر خليفته عبد الله التعايشي، وتوفي في عهده ودفن بمقابر أحمد شرفي بجوار زوجته الحرم بنت أبو القاسم. والمعروف أن ابنه مصطفى نور الهدى قد شارك في حملة عبد الرحمن النجومي وعبد الحليم مساعد إلى مصر التي انتهت بمعركة "توشكي". وأوضح جبر الدار أن هذه الوشائج ربطت آباءه بعقيدة المهدية، وأضحوا من أبكار المهدية والأنصار، كما أوضح أن هنالك أمراءً في المهدية ينتسبون إلى قبيلة الطوال، منهم محيي الدين ود المدني الذي كان مقرباً من الخليفة عبد الله التعايشي، وكان الكاتب الرئيسي لأحمد بك عوض الكريم أبو سن عندما كان مديراًً لمديرية الخرطوم إبّان العهد التركي.
وأورد جبر الدار في بحثه قصة حبس جد جده نور الهدى مع مالك ود أب روف اللذين أعلنا عصيانهما خلال حكم التركية السابقة عندما كان الحاكم هو ممتاز باشا، ورفضا دفع الضرائب رغم أن حالهما كان ميسوراً، ولم ينصاعا رغم حبسهما وتعذيبهما، وعندما تم إطلاق سراحهما قام مالك ود أب روف بنحر أعداد هائلة من الإبل ووزع لحومها على "الجعيدية"، والجعيدية اسم كان يطلق على الغجر آنذاك، وذلك تدليلاً على أنه يملك المال ولا يود دفع الضرائب كمجاهدة مدنية ضد المستعمر الأجنبي، لذا سمي بمالك ود أب روف ضباح ألبل للجعيدية، ويضيف جبر الدار بأن جده نور الهدى قد قال في ما يشبه التنبؤ وبعد أن تم إطلاق سراحه، بأن حكم ممتاز سيزول وأنهم سوف يثأرون، وذلك من خلال مربع شعري قاله وهو يصف جملاً أهداه له مالك ود أب روف. يقول فيه:-
التَرزو مَخدّه
وسَمحَه فوقو الشَدّه
حُكم مُمتاز بِتعَدّى
وبنلقى وِكيت بِنَسَدَّه
وفعلاً زال حكم ممتاز باشا وتسيدت المهدية، وقام نور الهدى إلى مبايعتها في شبشة الشيخ برير بالنيل الأبيض الواقعة شمال الدويم على الضفة الغربية للنيل الأبيض.
وتعرض جبر الدار في حديثه عن تاريخ الطوال إلى أحداث كثيرة ومثيرة، ومن ذلك أورد تفاصيل معركة " لُقُدْ أَبو وِدَيعَة" بين الطوال والحسانية، وكان قد نشب بين القبيلتين نزاع حول "لقد أبو وديعة"، وهي أرض خصبة تتجمع فيها مياه الأمطار. ورغم أن المعركة قتل فيها حوالى ثلاثين من الطوال وهم جل من اشترك منهم في المعركة، إلا أنهم فازوا بالأرض بعد انسحاب الحسانية الذين كانوا يخشون أن تتدخل قبائل مناصرة للطوال في المعركة. وحدثت تلك المعركة في القرن الثامن عشر، وكان في يوم أربعاء، فصارت المقولة التاريخية" الأربعاء الكَّمْلَتْ الطُوال" ورغم أن أبناء عمومة الطوال من العركيين كانوا قريبين من أرض المعركة، إلا أنهم لم يناصروهم بسبب نزاع سابق بينهما، حكى لنا جبر الدار قصته، وقال إنه نشأ حول ملكية عِد "بئر" يسمى "عِد معتوق"، وهذا العِد اكتشفه أحد رقيق الطوال في وقت كانت فيه المياه شحيحة، وبسبب هذا الاكتشاف تم عتق ذلك الرقيق، ومن هنا جاءت تسميته بعد معتوق، وغير هذا كانت للطوال من الأدلة ما يساند ملكيتهم لهذا العد الذي إدعى العركيون ملكيته، ومنها أن الشيخ محيي الدين راجل أب سويد ود الشيخ سلمان الطوالي مقبور في مقابر معتوق ويزار قبره إلى اليوم، واستمر العداء بين العركيين والطوال منذ ذلك العهد. ومما ترك ضغائن وإحناً في النفوس قيام المك الإحيمر مك العركيين بقتل "سلوقي" خال عبد القادر ود الشيخ نور الهدى أبو قرن، وعبد القادر هذا أخ الشيخ محيي الدين وصهر المك الاحمير، فقد كان متزوجاً بابنته، إلا أنه لم يكن حاضراً ساعة قتل سلوقي، فقد كان غائباً ومشغولاً بتجارة الرق التي كان يمارسها، وعندما حضر وعلم بما حدث، أخذ عدداً من عبيده ولحق بالمك الإحيمر بمنطقة "أم بيلول" جنوب شرق معتوق وقتله بالقرب من قرية العطشة حالياً.
ويذكر جبر الدار أن شاعرة الطوال" بت رغمان" قد رافقت أهلها من الطوال في معركتهم ضد الحسانية في لقد أبو وديعة، وكانت لأشعارها الحماسية قبل وأثناء المعركة آثار بائنة، فلم يغادر الطوال أرض المعركة، فمات جلهم في أبو وديعة، وظلت بت رغمان تفخر بأهلها بعد المعركة التي كان من نتائجها فوزهم بالأرض، وقد أورد جبر الدار في بحثه أشعاراً لبت رغمان، ومن تلك الأشعار الكثيرة تقول بت رغمان:
يوم الأربعاء الأصبح علينا شطيط
الكمل عيال الملكه والشنكيت
صقر الجو بحلق في سماهو بعيط
قال ليهم أنا من هناك سمعت بيكم جيت
******
قالو لو أبشر يا صقر نحنا بنغديك
نغديك كلاوي مو لحم عيسيت
نحنا مهوسكين لي أمات حِلي وسوميت
واحرتو الكف جميع كان خدره ما بتشيط
ويحتشد البحث التاريخي الذي يعده جبر الدار بوقائع تاريخية مهمة تعكس تاريخ قبيلة الطوال، والقبائل ذات الصلة والمجاورة والحالة الاجتماعية والسياسية والعقلية التي كانت سائدة في منطقة الطوال الجغرافية، ابتداءً من القرن الثامن عشر وما لحق بها من تطورات متلاحقة. والبحث اعتمد على ما تيسر لكاتبه من مصادر مكتوبة وشفهية، واتسم بالدقة والعلمية والجدة. ونأمل أن تزدان به المكتبة السودانية قريباً.
تلقى شاعرنا جبر الدار تعليمه الأولي بمدرسة أبو مريخة الابتدائية، ومنها انتقل إلى مدرسة الرخاء المتوسطة بمنطقة الماطوري، ورغم اجتيازه للامتحان النهائي المؤهل للدخول للمدرسة الثانوية وقبوله بمدرسة فريني التجارية بمدني القسم الخارجي، إلا أنه آثر أن يجلس للامتحان مرة أخرى لرغبته في أن يستوعب بمدرسة حنتوب الثانوية القسم الداخلي، فالتحق بمدرسة عمر المتوسطة بنين وكانت مدرسة حديثة، فأقام سنته تلك بحلة عمر لدى أسرة محمد ود اللمين ود حمد، وهو عركي كمبويابي، وكانت هذه الفترة فترة مهمة في حياة شاعرنا جبر الدار الذي يقول عن أهل حلة عمر بأنهم أهل علم ويشجعون التعليم، كما أن حلة عمر تعتبر من أهم القرى النموذجية بالجزيرة قاطبة. ويقول إنه لن ينسى أبداً تلك الحفاوة والاحترام الكبيرين اللذين وجدهما من أهل حلة عمر ومن أسرة مدرستها. ويقول عن مضيفه الكريم السيد محمد ود الامين ود حمد بأنه شاعر ومتزوج بسيدة فاضلة، وهي ابنة عمه خادم الله بت أحمد ود حمد، وهي الأخرى شاعرة وشقيقة الشاعر المعروف محمد أحمد ود حمد الملقب "بالإسيد"، وابنة الشاعر الشهير أبو علامة الإسيد. ويقول إنه قد استفاد كثيراً في صقل موهبته الشعرية وهو في أحضان هذه الأسرة الكريمة التي تتنفس شعراً، وأنه لن ينسى أبداً عندما أكمل سنته تلك وأحرز في الامتحان درجات عالية، وقامت أسرة مدرسة عمر المتوسطة بإهدائه مبلغ خمسين جنيهاً كانت كالثروة في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، فغادرها وهو يحمل أجمل الذكريات ليلتحق بمدرسة (24) القرشي الثانوية – رغم أنه كان يتمنى حنتوب- ومن بعد إلى جامعة شرق النيل حيث درس فيها الاقتصاد مدرسة إلادارة وتخرج فيها عام 1996م.
يؤمن جبر الدار إيماناً عميقاً بقيمة العمل، فمنذ طفولته الباكرة وفجر صباه عمل بالرعي، فقد كان ربيب جديه لأمه وأبيه شيخ العرب نور الهدى محمد نور الهدى والعمدة عبد القادر محمد نور الهدى اللذين علماه أسرار الرعي والزراعة وهو يافع، فارتبط بالارض ارتباطا وثيقاً، وظل وفاؤه لها قائماً إلى الآن، وهذا ما يفسر لنا علمه الغزير بالمفردات اللغوية البدوية ذات الصلة بإلارض والزراعة والرعي والطبيعة التي وظفها توظيفاً بديعاً في أشعاره، كما سنرى في النماذج الثلاثة التالية الذي يقول في أولها مربعاً شعرياً اختار له قافية طروباً، وتراكيب شعرية احتشدت بالمفردات البدوية الوثيقة الصلة بلأرض، مستفيداً من مخزونه اللغوي الهائل، ثم أضفى عليه وزناً مموسقاً، وجعل من كل ذلك وصفاً لحسناء في أول الصبا كاد جمالها يطيح بروحه. يقول:-
مَفرودْ السَرَابْ اللتَّبْ بَعد ما شَتَّ
الفرع النَش سِقايتو وباعدولو الختَّه
نَيّل وزَاد خَدارْ ويادوب شراهو إنحتَّه
خَلى الروح مِتِلْ ضَهر البِقتْ مُنبَتَّه
ويقول وهو يخاطب راحلته وقد دنت به من ديار الأهل والأحباب مربعاً شعرياً لا يقوى عليه إلا شاعرٌ بدويٌ متمرس، وقد ضمنه ثقافته المرتبطة بالأرض ووصف غزلي بديع:
وَصلتَ أم أَصله حَدَباتا البُيض هوَّايَّه
المخَلوفه قوقتْ رَقليِكَ مِسليَها حكَايه
مَشتول التقانِتْ المفروقْ وقَارضو رمَايه
العِقد بين مقامْ ورَحيلْ و العَراوِي شقايَّه
وفي النموذج الثالث يصف جبر الدار جمله ووعورة الدرب وحالته الوجدانية، وهو في طريقة إلى ديار المحبوبة. وسنلاحظ في الشطرة الأولى والثالثة أنه لا يزال يتمسك بثقافة الأرض. يقول:
دَقَشْ بي أَنكُوجاً دَبيبوا إِفِحْ
فَارد إيدهو سِيدو من المَغايس إوِحْ
على برُيبةْ الوَعَرْ الصبيبو إِسٍحْ
مبيتنا الليله عِندو أَكانْ كِضِبْ إِن صِِحْ
وظل إيمان جبر الدار بقيمة العمل قائماً في نفسه، واستطاع أن يوفق ما بين دراسته والعمل، وأخذ عمله بالأرض متصلاً رغم دخوله المدرسة، وعندما حاز الشهادة السودانية والتحق بالجامعة، عمل بموجب شهادته الثانوية موظفاً بالشؤون إلادراية بشركة الشيخ مصطفى الأمين للزيوت والصابون بالباقير لفترة عشر سنوات امتدت من عام 1990م إلى عام 1999م، ثم عمل بشركة جياد لصناعة السيارات لفترة امتدت منذ عام 2000م إلى عام 2003م، ثم انتقل ليعمل بالهيئة القومية للكهرباء حتى عام 2005م، إلا أنه لم يستطع مواصلة عمله فيها، حيث قام في 18/5/2005م بتسليم نفسه إلى مركز شرطة الهشابة، على إثر قتله المرحوم مصطفى المدني، وهو حادث سنتعرض لأهم تفاصيله في مكان آخر من هذه اللمحات.
ورغم أن شاعرنا ظل يدرس ويعمل كما رأينا، إلا أن ذلك لم يشغله مطلقاً عن عمله في الزراعة، ولم يفصم عُرى ارتباطه بالأرض أبداً، فقد كان يتحين أية فرصة تتاح له كالاجازات السنوية والأسبوعية والمناسبات، ليشرف على زراعته بأم أصلة وأبو مريخة.
وتعلق جبر الدار بالدوبيت منذ صغره وأيامه الباكرة وهو في كنف جديه، فقد كانا راويتين للدوبيت، فحفظ عنهما الكثير، وتعلم منهما أصول الدوبيت وفنونه وأسراره ولغته الخاصة ومفرداته، وجبر الدار حباه الله بصوت شجي، فعندما يشدو بالدوبيت يأخذ بمجامع القلوب، كل ذلك أضفى لاستعداده الفطري الذي شاكلته موهبته الكبيرة صقلاً ومِراناً، فأضحى شاعراً مُجِيداً، وقد عُرف جبر الدار بشاعريته الفذة في وقت مبكر، فقد كان شاعر الجمعيات الأدبية في المدارس التي تلقى تعليمه فيها، وكان يلقي عليهم الشعر دوبيتاً وفصيحاً، وكان لثقافته الواسعة وإطلاعه وقراءاته المتصلة وتعليمه العالي إسهام فاعل في رفعه إلى قمة سامقة من قمم شعر الدوبيت.
واقترن في عام 1999م بإحدى قريباته، وهي السيدة فائزة فضل المولى أحمد التي تسانده الآن وهو يكابد محنته، مساندة الزوجة الصالحة التي إذا نظرت إليها سرتك، وإن أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك في مالك وعرضك، أهدته في أكتوبر من عام 2000م ابنة اسمياها زينب، فشبت نابغة، واستطاعت أن تحرز في عام 2006م ولمرتين على التوالي المركز الأول بالصف الأول بمدرسة أبو مريخة الابتدائية، وفي أغسطس من عام 2002م أنجبت له أحمد، وفي أكتوبر 2004م أنجبت له رواح.
واستطاعت فائزة حرم شاعرنا المصون رغم مسؤولياتها بصفتها زوجة، أن تواصل تعليمها وتخرجت في عام 2004م في كلية الاقتصاد بجامعة الخرطوم بمرتبة الشرف الأولى.
وشاءت إلاقدار أن يبتعد جبر الدار قسراً عن أسرته التي أحبها حباً ملك عليه كيانه، وهذا الابتعاد هو أقسى ما يعانيه، وأوقع وأمر على أحاسيسه من ظلام الزنزانة، وما أثقِلتْ به أعضائه من حديد.
يقول جبر الدار وهو خلف أسواره وبين حوائط زنزانته الضيقة لأم أحمد مربعاً يحمل مفارقةً عجيبة, فقد كان يعمل شاعرنا موظفاً بشركة جياد والتي تصنع ضمن ما تصنع القيود الحديدية التي يكبل بها السجناء فدارت الأيام لتوضع ذات القيود على يديه فقال:
أَم أَحمد عَزيزْ وَصلك بقالنا مُحالْ
وطالتَ الغيبَه مَاخَتيتْ عَصا التِرحَالْ
بَعدْ مَاكُتْ أَفندي وفي جِياد شَغَّالْ
لِبستَ قِيوداً معليش الزمان دوَّالْ
ويقول جبر الدار في مربع يأسر أصحاب الوجدان المتخثر والقلوب المتحجرة، وقد زارته في محبسه محبوبته وصنو روحه ورفيقة دربه، ثم ودعته وداعاً ما رغب فيه وهي تفرد يدها لتمدها إليه عبر سياج السجن، فرأى ساعتها أن كل أيامه الزاهية الماضية تبدلت حلاوتها إلى طعم مرّ، وهذا معنىً أجاد إبرازه هذا الشاعر المتمكن، وكأنما استله استلالاً من قلب الإبداع ومن جوف الروعة.
يقول:
اللَيلَه الصَعيدْ أَمست بُروقو إِبرقّنْ
وما حاسبَ السِنينْ مِن البَريدو إِفرقّنْ
وَكِتْ ودَعنا فارد إيديهو لينا إتَمدَّنْ
مَسَّخْ لينا طعم أيام معاهو اتعَدَّنْ
تلك الأيام التي صار طعمها ماسخاً رغم ما كان لها من حلاوة كالشهد في نفس شاعرنا، ليست سوى اندياحاً عنيفاً جرف شاعرنا إلى أقصى مواجد الأسى وهو يكابد مأساته التي بدأ القدر في نسج خيوطها بفتائل سوداء منذ عام 2001م، وهو العام الذي فقد فيه جبر الدار خاله الحبيب وصديقه الصدوق المربي العمدة أحمد عبد القادر نور الهُدى الذي كانت تجمعه به إلفة ومودة كبيرتان، فشاءت الأقدار أن يقتله مصطفى المدني محيي الدين، وهو أحد أقاربه وحفيد الأمير المهدوي محيي الدين ود المدني، فأدانته المحكمة بجريمة القتل شبه العمد، وقضت بحبسه خمس سنوات، وان يدفع وعائلته لأولياء الدم الدية الكاملة ومقدارها ثلاثة ملايين دينار، وبذلك فقد جبر الدار خاله العزيز فقداً مأساوياً، وبهدوء قضى مصطفى المدني عقوبته وخرج من السجن.
وبتاريخ 18/5/2005م عقب صلاة الفجر رافق جبر الدار ابن عمه أحمد الخير من قريتهم أبو مريخة نحو مزراع أب جراد، مستقلين تراكتورا ملحقة به ترلة لشحنها بالقصب الذي يخص أحمد الخير لبيعه في قرية ود النجومي، وذلك مروراً بقرية مبروكة. وعند انتهاء المهمة تحرك ركبهم عائداً نحو أبو مريخة عن طريق قرية مبروكة قاصدين بعض العمال ليرافقونهم، وهم في طريق العودة هناك شاهد جبر الدار قاتل خاله وفي يده عصاة. ويقول جبر الدار إن قاتل خاله حينما رآه استغرق في ضحك استفزازي، وقام برفع عصاه وأخذ يحركها من أسفل إلى أعلى، وهي إشارة بذيئة استفزته استفزازاً شديداً، فما كان منه وهو في ثورة غضبه إلا أن التقط عصاةً كانت بالتراكتور، وقفز نحو مصطفى المدني الذي بادره بالقول: "بلحِقَك ليهو" أي ساقتلك كما فعلت بخالك، ثم دارت بينهما معركة استطاع خلالها جبر الدار أن يسدد عدة ضربات لمصطفى الذي خرّ ساقطاً، ولم تنجح محاولات إسعافه فتوفي إلى رحمة مولاه متأثرا بضربات جبر الدار الذي سارع بتسليم نفسه إلى مركز شرطة الهشابة، وحدث السلطات بالوقائع التي حدثت.
في ذات المركز دون ضد جبر الدار بلاغاً تحت تهمة القتل العمد، وبعد التحقيق معه تم نقله لحراسة شرطة مركز "الكوة" ومن ثم نقل إلى "القطينة" حيث أجريت المحاكمة التي نجم عنها حكم الإعدام شنقاً حتى الموت قصاصاً على شاعرنا جبر الدار محمد نور الهُدى.
ولم يقبل جبر الدار بالحكم وقام باستئنافه لدى محكمة ولاية النيل الأبيض التي أيدت قرار محكمة الموضوع، ومن ثم تم رفع أوراق القضية إلى المحكمة العليا بالخرطوم مشفوعة بطعن من محامي جبر الدار، ورأت المحكمة العليا أن القتل كان نتيجة للاستفزاز الشديد المفاجئ، وبالتالي يعد قتلاً شبه عمد، وأمرت بإلغاء حكم الاعدام واستبدلته بالسجن لمدة خمس سنوات والدية الكاملة التي تبلغ ثلاثة ملايين دينار.
وحكم المحكمة العليا لم يُرض أولياء دم المرحوم مصطفى المدني، وطالبوها بمراجعة قرارها. وفي قرار المراجعة رأت الدائرة القضائية أن جبر الدار لا يستفيد من ظرف الاستفزاز الشديد المفاجئ، حيث ان الاستفزاز لم تسنده الوقائع الثابتة بالبينات، ورأت أن تصدر قراراً بموجبه ألغت قرار المحكمة العليا، واستعادت حكم الاعدام شنقاً حتى الموت قصاصاً على شاعرنا جبر الدار. ورأت دائرة التأييد أن جبر الدار قتل المرحوم ثأراً وانتقاماً لمقتل خاله، ولم يكن القتل نتيجة للاستفزاز، على أن محامي جبر الدار عارض هذا الحكم عن طريق دعوى دستورية، فأمرت المحكمة الدستورية بإيقاف تنفيذ حكم الاعدام إلى حين أن تفصل في الدعوى الدستورية المقامة أمامها، وإلى هذا الحين لم تفصل المحكمة الدستورية في الدعوى. ولا ندري ماذا سيحدث، غير أننا نأمل أن تصل أسرتا جبر الدار والمرحوم مصطفى المدني إلى صلح يقضي على حالة العداء التي قامت بينهما، فهما أسرتان ومن منطقة واحدة، وينتميان إلى قبيلة واحدة، وتجمع بينهما أواصر القربي، والصلح بينهما سيفضي إلى سلام اجتماعي وأمن أهلي بينهما، ويقطع موجات الشر والدائرة الجهنمية.
ومنذ أن قضت محكمة القطينة بإلاعدام على جبر الدار وتم ترحيله إلى سجن كوبر بالخرطوم بحري، أضحت السلاسل والقيود الحديدية والزنازين الضيقة مصاحبة له، وهذه صورة لم تغب في أشعار جبر الدار. وقد ضمنها اسمي قيقر و خميس وهما من حراسه في السجون التي انتقل اليها. يقول:-
يوم إتنَينْ صَباح في أَولك يا أكتوبَرْ
من قَيقر في الدويم لي خَميس في كوبَرْ
قَيداً من تُقُلتو في مَشيك تِتخوبر
ومِترين في متر الداخِلن إضطوبَرْ
بيد أن جبر الدار يدخر في نفسه شجاعة وصبراً وإيماناً، ويعد لكل حالة لبوسها، ويستدعي ما يدخره في نفسه لمجابهة كل أمر يسوقه له القدر كيفما بدا وعلى كل شاكلةٍ يكون، وهي معانٍ أفصح عنها في مربع شعري علاه الشوق والحنين يقول فيه:
دَمير الشَوق عِلا وقَصد البَنَادِر عَدَّى
ومَا بتنشافْ جزايِرْ صَبرو قيفو إنهدَّ
وما بِنفَعْ مَلاَم بَعَدْ القَدر ماهَدَّ
تِنقَدَ الرهيفهْ إن شاء الله مَا تِنَسدَّ
ومن أرومته الكريمة ومن سماء تاريخها المرصع بنجوم العزة وشموس التصدي والشجاعة يستمد شاعرنا تحديه للقيود الحديدية والموت فيقول:
سَكِيك القَيد زَاد العِزه في نَفسي القِبيل بَطرانَه
وحُكم المَوت على إِعدام شنِق مَاهانَه
في بو وديعه لُقد المَوت مَلينا الخَانه
كيف تَاباهو نَفساً بين بيتينْ عُزازْ ربيانه
غير أن هذا الصمود تهزمه تباريح الأشواق الليلية، ومعها يفر المنام من أجفان شاعرنا فيقول:-
بَعد مَا الليل هِدا وسَكَتَنْ جَنادبُو صَريخنْ
ولوّشْ نجمو غَربْ وبُومو زَاد في نويحنْ
عُيون الرمادْ لجَّنْ وزَاد الأسى تجريحنْ
مِن وَين أَجيبلهِنْ مَنام طَوَّلْ مَعاى تبريحَنْ
وعندما يتملى جبر الدار حالة سجنه الكئيب وسديمه الضبابي الذي تسامى فيه على آلامه بشموس القوافي، يدرك أن ما يصدر عن بعض رفقاء سجنه من تصرفات غير لائقة، لا تشي بمعرفتهم لمقامه وبما يحس به من عزة، وهذا ما يشكل له هواجس ظلت تطارده إلى أن عبر عنها بقوله:-
النَاس هِنا مَا بتَعرف مَقام الناسْ
وعُرفاً في السجن المابِدوس بِنْدَاسْ
اللعوجْ عَديلْ و الدَليلْ نسنَّاسْ
الخَاينْ زَعيم واللئيمْ وَدْ نَاسْ
ومن هذا المحبس اللعين وضيقه المنفر نخرج إلى جمال الشعر ورحابته، فجبر الدار اقتحم عمارة الثلاثية الخالدة في شعر الدوبيت اقتحام المقتدر المتمرس، فغنى للأيانق والحبائب. ومن ثلاثياته نورد نموذجين فيهما ما فيهما من ألق الشعر وتماسكه وقوته وجدته. يقول:
الليلة اللَحو في خَبُو ظَاهره البدنَه
ودومَاتو الكُبارْ فِيهِنْ بَشوفو وَعِدنَا
أسرع في جَريك وبيهو لا توَجِعنَا
كان حاسْ بالعليْ مِنْ يَوم مَجينا رَجَعنَا
ويقول:-
قَطع مِيعةْ الشاقَه والبَان البَعيدْ إِتكَاشَفْ
سِيدك نَمّ ووطيكْ فَوقَ الأرض إتخافَفْ
جَابلو عَجاجَه واخفافُو الحِفنْ تِتْرَافَفْ
على بُريبة الجَفَلَنْ تَالا السَما البِترَافَفْ
ويقول:-
الدَرعة الرَعيها نَجيعْ فلاه وممطورا
أبيض لونا سابل ديسا ليْ متبوره
من أبوات قبيل شامات مجالس ونورا
ما بِدوها زوَل غَير وُدْ مَحل من دورَا
وعندما تخالل أشعار جبر الدار الأشواق والحنين، يرسم في وجداننا لوحات الشجن فتحملنا معه في بساط الريح نحو ما يبتغيه من الوصال المنشود. يقول:
الشَوقْ كِتِر وغُنانَا أمسى صَريحْ
وضَرباً في الضلوع كرتوبْ وخَاتي وَحيحْ
شَلَّعْ نَومي ما خلاني رَيَدو نصيح
لي متين نَمسي بينْ إِيدهو سَابق الرِيحْ
ويوغل بنا جبر الدار في إتون الوجد الشفيف حينما يقول:-
مَربَطْ عِجيل بَرقاً ِيلوحْ وإِتخَبَّا
طلقْ فيَّ نيرانْ والقِّليبْ إِتعبَّا
من تَالا البَريدو وفي الفريقْ إِتربًّا
لي متينْ نمسي بَينْ إِيديهو ناخَذْ العَبَّا
قبل أن اخرج من هذه الحديقة الغناء وأن أُنهِيَّ ما أكتبه عن المبدع جبر الدار، لا بد أن أقرر بأن هذا الشاعر الفحل يعض بنواجذه على إرثنا الفني المتمثل في شعر الدوبيت الذي نظن أن راياته ستظل معه ومع أمثاله من الشعراء الشباب خفافة أبداً، وسيظل شعرنا القومي والدوبيت كأساس له قائم فينا وفي وجداننا ما ظلت تلك الآرام ترعى في مسارحها، وما ظلت تلك الظعائن ترنو للبروق والصبيب، وما ظلت الأرض تنبت على أديمها الزرع ويسمق فيه الفرع، وما ظلت المودة تلف قلوب المحبين والعاشقين، وما ظلت النساء تنجب أمثال جبر الدار محمد نور الهدى الذي يخرج لنا في كل يوم من محبسه حقيقة تاريخية وقافية طروب.
اسعد العباسي [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.