منذ اندلاع شرارة الثورة التونسية مروراً بالمصرية والبحرينية والليبية واليمنية وصولاً إلى السورية، حتى إشعار آخر، ظللنا نتتبع تلاحق الأخبار وتصاعد وتيرة الأحداث في تلك البقاع المتأججة والتي لعب فيها يوم الجمعة دوراً هاماً في رفع ذروة حماسها وتزايد حشودها، إذ لم ييأس الثوار في إكسابه الصفات والمسميات المستقاة من أدب الإصرار والعزيمة0 وعلى سبيل المثال لا الحصر، كانت هناك جمعة التغيير وجمعة الصمود وجمعة الرحيل وجمعة النصر وجمعة الكرامة الخ0 ويبدو لأن قاموس اللغة العربية بحر عريض بلا سواحل يمكن أن تتوالى مختلف الصفات إلى ما لا نهاية حتى يتحقق الهدف المنشود0 فيما يبدو أن اختيار يوم الجمعة بواسطة الثوار كان اختياراً موفقاً لأنه اليوم الذي يجتمع فيه المسلمون لأداء الصلاة مما يجعل أمر مخاطبتهم وتحريكهم ميسوراً، فضلاً عن كونه يوماً يتفاءل فيه الناس بقبول الدعاء طلباً لحاجة يرجونها أو الدعاء على الظالم ولو تأخر ذلك بعض الوقت0 ونحن كمتابعين لما يدور في ساحات وميادين الحشود الثائرة ظللنا نتوقع مساء كل جمعة نهاية سعيدة تتوج جهد وإصرار الثائرين0 ولكن ما أن يخيب ظننا في جمعة مأمولة حتى تجدنا نتطلع لجمعة قادمة يتجدد فيها الأمل اعتماداً على خصوصية الجمعة0 ذكرتني تلك الصفات التي ألبسوها ليوم الجمعة مقولة شهيرة كنت أسمعها من ألسنة حبوباتنا وجدودنا الذين يقولون بان يوم الجمعة هو (يوم الجمعة الجامعة والدعوة السامعة) بمعني أنه يوم الدعاء المسموع أو كما قيل (الجمعة جامعة وملائكتها سامعة وعملها مرفوع ودعاؤها مسموع)، وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة سطع له نور من تحت قدمه إلى عنان السماء يضيء له يوم القيامة ، وغُفر له ما بين الجمعتين0 وقبل أن يلتفت الثوار إلى فضائل يوم الجمعة والتعويل عليه في تغيير الأنظمة الظالمة، كان شباب عصر النهضة الاليكترونية ولغة الاتصال يستغلون يوم الجمعة لتبادل رسائل الجوال فيما بينهم، فتجد رسائلهم تشتمل على الدعاء بالخير والبركة والتمنيات الطيبة أو تتضمن أدبيات الخطاب المفعم بالحب أو العتاب أو الشوق أو النكات أو المقالب، إلى آخر قائمة الاهتمامات المشتركة، حتى أن بعض المواقع وفرت لكل حائر بغيته ولم تبخل بتزويده بعبارات وقوالب محفوظة حسب الحالة وما عليه سوى القطع واللصق والإرسال حسب مصطلحات الحاسب الآلي0 أما بالنسبة للذين خفت موازين رصيدهم فقد يقتصر الأمر إلى ما يعرف ب (ميسكول الجمعة) المتفق عليه لإثبات الوجود لا أكثر0 ومن خلال لحظات بحث عاجلة وجدت رسائل مثل (اليوم جمعة ولك مني شمعة لا تذوب ولا تحترق، فيها كل معاني الحب مجتمعة ) و (مع نسائم الجمعة الندية، إليكم هذه الهدية : ملأ الله قلبكم بالأنوار وحفظكم من الأخطار وأسعدكم ما دام الليل والنهار وجعل حياتكم حياة الصالحين الأبرار وزان الله جمعتكم بالطاعات ) و (جمعة مباركة ودعوة طاهرة وحياة زاهرة لأخت في الله صادقة، في القلب ساكنة و (صلوا على من علمنا الحب... وآخى القلب بالقلب... وفتح للخير كل درب)0 ومما يؤكد رسوخ رغبتنا في التواصل كل يوم جمعة حتى قبل هذا العهد الذي جعل الاتصال ميسوراً، كان الفنان المرحوم محمود فلاح يصدح بأغنية يقول في مطلعها إن لم تخني الذاكرة (جمعتين ما أشوفك 00 جمعتين ما أشوفك 00يا حبيبي حرام والله تاني حرام) ولا أدري لماذا كان قياس فترة الفراق بالجمعة، هل لأنه يوم عطلة تسهل فيه اللقاءات أم لأنه اليوم الذي يأمل فيه الحبيب استجابة دعوته لجعل اللقاء ممكناً0 وبما أنني أكتب هذه اليومية صباح الخميس ولا أدري ما سيحدث في الجمعة التالية، آمل أن تكون قد حققت لكل سائل مراده وبالعدم دعونا ننتظر ، ففي كل أسبوع يوم جمعة جديد قادم في الطريق0 Salah Yousif [[email protected]]