طبيعة الشباب أنَّه ينجذب لكل جديد ويعجب بالمغامرة إلى درجة التهور لذلك اتجه دعاة التغيير وأصحاب الطموح إلى الشباب الذين يستجيبون لعمليات التغيير ويتعلقون بدعاة المغامرة ليحققوا من ذلك طموحاتهم وتطلعاتهم فهم مغرمون بالمصطلحات التي تجد صدى في نفوسهم ورنَّة في آذانهم كالرفض والعنف والصراع والتمرد وهذه السمات تفرض على الكبار إحسان التعامل مع الشباب وإخلاص النِّيات نحوهم وتوجيههم لما يحقق النفع لدينهم وأوطانهم ، وليس لما يحقق طموحات الكبار وتطلعاتهم السياسية . كثير من الشباب المخلص يعطي دون حدود ويُضحي دون خوف ، ويجاهد دون مَنٍ ولكنه يصاب بخيبة الأمل والإحباط عندما يرى التناقضات في المواقف والتراجع عن الأهداف والمساومة على الثوابت ، والتذبذب في الأقوال والأفعال ، عندما يرى ما كان محرَّماً بالأمس حلالاً اليوم ، وما كان حلالاً محرَّماً ، شباب الإسلام يخشى من الاعتراف بأنه يواجه أزمة قيادة وأزمة قدوة ، يرى الصور تتأرجح فلا يكاد يصدِّق والمبادئ تتبدل والثوابت تتحول إلى متغيرات فيتوَّهم أنَّ هذا هو الصواب ، لا شيء يثبت على حاله الفقه يتجدد ، والفتوى تتغير وعلم الشرع يتطور ولا ينكر ذلك إلا من جمَّدوا أنفسهم على فقه الطهارة ونواقض الوضوء . ولعل كثرة التناقضات هي التي أفقدت الشباب الثقة في العلماء فعمموا الأحكام الجائرة دون استثناء للمخلصين الربانيين مثل الشيخ يوسف القرضاوي الذي قال لأحد الشباب : " يجب أن تأخذوا العلم من أهله ، وتسألوا أهل الذكر من العلماء في ما لا تعلمون ، فردَّ عليه : وأين نجد هؤلاء العلماء الذين نطمئن لدينهم وعلمهم ؟! إنَّنا لا نجد إلا هؤلاء الذين يدورون في فلك الأحكام إن أرادوا الحِل حللوا وإن أرادوا الحُرمة حرَّموا ، إذا كان الحاكم اشتراكياً باركوا الاشتراكية ووصلوا نسبها بالإسلام وإذا كان رأسمالياً أيَّدوا الرأسمالية باسم الإسلام ، العلماء الذين إذا أراد حاكمهم الحرب فالسِلم حرام ومُنْكَر ، وإذا تغيرت سياسته فأراد السِلم صدرت الفتاوى بالتبرير والتأييد يُحلُّونه عاماً ويُحرِّمونه عاماً ، العلماء الذين سووا بين الكنيسة والمسجد ، وبين الهند الوثنية وباكستان الإسلامية " . إنَّ المظهرية والسطحية وغياب الجهد التربوي والتزكوي في الحركة الإسلامية المعاصرة أفقدت الأمة الشباب الموهوب صاحب النظرة الثاقبة ، والرؤية النافذة ، والحكمة الجيدة ، والبصيرة الباصرة ، فأصبح في مجموعه لا يميز الألوان وإذا ميَّزها اختلطت عليه درجاتها . الشباب المسلم اليوم يفتقد الاستقلالية في الشخصية والتفرُّد في التفكير والموضوعية في النظر إلى الأمور فهم يحققون طموحات الكبار ، وينفِّذون أفكارهم ، ويسيرون بأوامرهم وتوجيهاتهم وكأنهم لم يخلقوا لزمان غير زمانهم ، وأصبحت الطاعة العمياء إخلاصاً والتبعية الإمعية حسنة ، والتفكير والسؤال خروجاً على الطاعة ، ونقصاً في الإيمان والالتزام . الشباب المسلم يفتقد الملكة النقدية ، والروح التأملية والشفافية في التوفيق بين الحركة والنظر والتأمل والتدبُّر . إنَّ المستويات الفكرية لشباب الحركة الإسلامية ممن نعايشهم في الجامعات والتجمعات الشبابية وكذلك المستويات الثقافية والتربوية كلها تنذر بمستقبل قاتم وجيل عاجز سيجعل السيف في موضع القلم ويتخذ الميكافيلية وسيلة حياة ، وأسلوب تعامل ، ويصبح الموهوبون من أصحاب النظر والفكر والتأمل والثقافة والمعرفة عملات نادرة ، ومهددات لا يجب التعامل معهم لأنهم سيكشفون زيف الآخرين ، ويعرفون أفكارهم وعقولهم وأجسادهم . إنَّ شباب الحركة الإسلامية يحتاج إلى إعادة صياغة وجديد تربية ، يحتاج إلى مناهج روحية وثقافة إنسانية ، ومعرفة دينية ، وفقه مؤصل حتى يتمكن من قيادة الأمة في المستقبل بالعلم والمعرفة وليس بالسيف والبندقية ، يحتاج إلى أن يربى على سيرة خاتم الأنبياء وصحابته وليس على أشرطة الكاسيت وكتب الجيب ومقولات الشيوخ ومقالات الصحف . كانت الحركة الإسلامية مطالبة بتغييرات جذرية في أدبياتها التي تفتقد الفكر الذي يعزز في الشباب عقيدته وإيمانه ويُرسِّخ عقليته ويرشّد منهجه وينتشله من الطموحات الآنية للأفراد إلى الغايات الحقيقية الصادقة إلى الله ، تمكيناً لدينه ، وإرساءً لشرعه ، وتحقيقاً لعبادته ؛ ولكنها لم تفعل شيئاً . Dr Abbas Mahjoob [[email protected]]